ملخص
قصص مأسوية مثيرة ترتبط بعمليات اختطاف عمال إغاثة وأطباء وسياسيين مقابل فدية في مناطق غرب أفريقيا.
حياة لم تعد كسابقتها يعيشها حالياً الرهائن المحررون من قبضة الجماعات المسلحة في الساحل الأفريقي، وعلى رغم هول المأساة التي مروا بها واستمرت أعواماً بالنسبة إلى كثير منهم، فإن ذلك لم يمنعهم من اختيار مسار جديد وقلب صفحة الحياة السابقة.
من أكثر قصص الرهائن إثارة في منطقة الساحل قصة الرهينة الفرنسية صوفي بترونين التي أمضت في الأسر أربع سنوات، اعتنقت خلالها الدين الإسلامي، فبعد الإفراج عنها قبل عامين عادت مجدداً إلى مالي متحدية كل من حذروها من الذهاب مرة أخرى إلى البلد الذي اختطفت فيه، لتستأثر حكايتها باهتمام كل المتابعين بخاصة أنها آخر رهينة فرنسية محتجزة حول العالم.
وأفرج عن بترونين (76 سنة)، في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 مع ثلاثة رهائن آخرين، ولم يكشف عن التفاصيل الكاملة للصفقة غير أن المجلس العسكري الذي قاد انقلاباً عسكرياً في مالي آنذاك أفرج عن 206 سجناء إرهابيين اعتقلوا خلال عمليات ضد التنظيمات المسلحة، مما جعل المراقبين يعتقدون أن هذا العفو هو جزء من المفاوضات للإفراج عن الرهينة الفرنسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد أشهر من الإفراج عنها واستقبالها من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عادت بترونين إلى مالي من دون توضيح أسباب قرارها، وبرر نجلها سيباستيان شودو قرارها بأن والدته لم تكن سعيدة في الإقامة بسويسرا وأنها فضلت مالي لأنها ترتاح هناك. وأضاف في تصريحات صحافية أنهم "كعائلة فعلوا كل شيء لتعود والدته إلى حياتها الطبيعية ولكي تكتشف متعة الحياة من جديد، كما كانت لكن هذا لم يكن كافياً لذلك اختارت العودة إلى مالي".
ورفض نجلها الاتهامات التي وجهت إلى والدته بأنها لم تحترم أو تقدر الجهود التي بذلت للإفراج عنها، موضحاً أنها تستحق الاحترام لاختيارها العيش حيث يناسبها.
معارض وصحافي
في مارس (آذار) 2020 اختطف زعيم المعارضة في مالي، إسماعيلا سيسي (71 سنة)، أثناء حملة انتخابية في عملية غير مسبوقة، وبعد الإفراج عنه بشهرين توفي، لتفقد البلاد أحد أهم المعارضين الذين كان بإمكانهم المشاركة بفاعلية ومواجهة الحكم العسكري المسيطر حالياً في البلاد، بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب إبراهيم بوبكر كيتا.
ومنذ الإفراج عنه عانى سيسي من مضاعفات صحية، ونقل إلى المستشفى، حيث فارق الحياة بسبب معاناته أثناء الاحتجاز. وكان سيسي يعد من أبرز السياسيين في مالي، ويستعد لخوض غمار الانتخابات الرئاسية بوصفه المرشح الأوفر حظاً، إذ سبق له أن وصل إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في الأعوام 2002 و2013 و2018.
أما الصحافي الفرنسي أوليفييه دوبوا فقد أسر في أبريل (نيسان) 2021 حين دخل عمق الشمال المالي لإجراء مقابلة مع مسؤول بتنظيم مسلح، فقد أخلت المجموعة التي استدعته لإجراء الحوار بعهودها واختطفته وبقي أسيرها مدة عامين كاملين قبل أن يفرج عنه في مارس الماضي.
وحظيت قضية اختطاف أوليفييه باهتمام كبير، وتم إنشاء لجنة دعم برئاسة منظمة مراسلون بلا حدود للضغط من أجل سرعة الإفراج عنه، غير أن تزامن اختطافه مع دخول العلاقات بين فرنسا ومالي مرحلة القطيعة أثر سلباً في جهود الإفراج عنه.
وتدهورت العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا ومالي بشكل كبير خلال العامين الماضيين مع توجه باماكو إلى توقيع اتفاقيات عسكرية مع روسيا ومجموعة "فاغنر". وبطلب من مالي غادر خمسة آلاف جندي فرنسي من العاملين في قوة برخان لمحاربة الإرهاب في الساحل مالي، فتوقفت جهود الإفراج عن الصحافي أوليفييه والتي كانت تتم بإشراف مباشر من الاستخبارات الفرنسية.
بعد الإفراج عنه في صفقة لم تذكر تفاصيلها عاد أوليفييه إلى عمله صحافياً في جريدة "ليبراسيون".
الرهينة الأميركي جيفري وودكي، الذي أفرج عنه رفقة الصحافي أوليفييه، أمضى بدوره في الأسر ما يقارب ثماني سنوات، حيث اختطف في النيجر أكتوبر 2016، حين كان يعمل بمنظمة غير حكومية تعنى بالشأن الإنساني لمساعدة السكان الرحل في منطقة أبالك، ثم تم بيعه بعد ذلك لجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المسلحة بمالي، حيث أمضى جل سنوات اختطافه هناك.
وإثر الإفراج عنه في صفقة لم تكشف تفاصيلها أيضاً غادر وودكي إلى بلاده، واختار البعد عن ميدان عمله ولم يشأ أن يكمل مهمته في ميدان العمل الإنساني.
راهبة وطبيب وعامل إغاثة
يعد الناشطون الحقوقيون والعاملون في المنظمات الإنسانية الأكثر تعرضاً للاختطاف في الساحل الأفريقي، حيث يواجهون خطر الأسر بفعل قربهم من السكان في المناطق النائية التي تعرف انتشاراً واسعاً للمجموعات المسلحة.
من بين من تعرضوا للاختطاف إثر عملهم في الميدان الإنساني، الرهينة الألماني يورغ لانج الذي أمضى في الأسر خمس سنوات ونصف السنة، بعد أن اعتقل أبريل 2018 وأفرج عنه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إثر مفاوضات قادتها الاستخبارات المغربية مع الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، بحسب ما نشر في الإعلام الألماني.
وكما حدث مع غالبية المختطفين تم بيع عامل الإغاثة الألماني يورغ لانج من قبل المسلحين الذين اختطفوه بمنطقة أيورو الحدودية بمالي لجماعة إرهابية في الصحراء الكبرى وهي أحد فروع "القاعدة" بالساحل الأفريقي.
واستمرت المفاوضات طيلة السنوات الماضية، قبل أن تنجح جهود الوسطاء في الإفراج عنه من دون ذكر تفاصيل الصفقة.
أما آخر الرهائن المفرج عنهم فهو الطبيب الأسترالي كين إليوت (88 سنة) الذي أطلق سراحه مايو (أيار) الماضي بعد أن أمضى أكثر من سبع سنوات رهين أسر جماعات إرهابية مرتبطة بتنظيم "القاعدة".
واختطف إليوت وزوجته يناير 2016 في شمال بوركينافاسو، حيث كانا يديران عيادة طبية لمساعدة ذوي الدخل المحدود، وأطلق سراح الزوجة بعد ثلاثة أسابيع من اعتقالها بعد جهود وساطة حثيثة.
ولم يتم الكشف عن تفاصيل صفقة الإفراج عن الرهينة إليوت والمبلغ الذي تم دفعه، غير أن وزارة الخارجية الأسترالية قالت إنه لم يتم دفع أية فدية مقابل الإفراج عنه، مشيرة إلى أن "الحكومة الأسترالية لديها سياسة واضحة تتمثل في عدم دفع فدية".
وقالت عائلة الطبيب إليوت إنه حالياً يحتاج إلى وقت للراحة والخصوصية بعد عدة سنوات أمضاها في الأسر بعيداً من منزله وعائلته.
من بين الشخصيات التي وقعت رهينة الأسر في غرب أفريقيا الراهبة الكولومبية غلوريا سيسيليا نارفايز التي كانت محتجزة لدى "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" الناشطة في مالي من فبراير (شباط) 2017 إلى أكتوبر 2021.
وعمل المجلس العسكري الحاكم في مالي دوراً أساسياً في الإفراج عنها لتحسين صورته لدى الرأي العام الغربي، بعد فترة قصيرة من الانقلاب الذي قاده ضد الرئيس المنتخب في مالي إبراهيم كيتا. وعادت سيسيليا نارفايز إلى بلدها بعد أربع سنوات وثمانية أشهر من الأسر، لتعاود نشاطها كراهبة وناشطة في جمعيات خيرية.
أموال الفدية
تعتمد الجماعات المسلحة على عمليات خطف الرهائن لفتح باب المفاوضات من أجل الحصول على أموال لتمويل أنشطتها العسكرية المكلفة، أو التفاوض للإفراج عن مسلحيها المعتقلين لدى السلطات، كما أن عمليات خطف الرهائن بخاصة في الساحل الأفريقي، تزيد من توسع وقوة وسلطة هذه الجماعات المسلحة.
في هذا الصدد، يقول المتخصص في شؤون الجماعات المسلحة محمد سالم ولد الغوث، إنه "لا يتم الإفصاح عادة عن قيمة المبالغ المالية التي يتم دفعها من أجل الإفراج عن الرهائن، غير أن مصادر عدة أوضحت أنها تتراوح بين مليونين وخمسة ملايين دولار للرهينة"، بحسب مكانة الشخصية التي تم أسرها وجنسيتها ومدة بقائها في الأسر والجماعة التي اختطفتها، كما يزيد مبلغ قيمة الصفقة إذا تعلق الأمر بجنسيات دول تشارك في الحرب على هذه التنظيمات الإرهابية.
ويضيف في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن "صفقات التفاوض قد تستمر أكثر من عقد من الزمن أو طيلة مدة أسر الرهينة، وقد تتعقد الأمور على رغم التوصل إلى اتفاق بين الأطراف المتفاوضة بسبب تدخل أطراف أخرى ساعدت في أسر الرهينة، فأحياناً كثيرة هناك أكثر من تنظيم يشارك في أسر الرهينة والاحتفاظ به، بالتالي فأي تفاوض يجب أن يتم بإشراك جميع الأطراف التي سبق أن شاركت في عملية الاختطاف".
ويشير إلى أنه في السنوات الأخيرة ارتفع عدد عمليات الاختطاف في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، خصوصاً تلك التي تنفذها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" الناشطة في تلك المنطقة من الساحل الأفريقي.
ويطالب الباحث بمساعدة دول الساحل على التخلص من الإرهاب الذي يهدد الرعايا الأجانب، على حد سواء، ويمنع تقدم دول الساحل واستقرارها.
وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المتطرفة، الأكثر تنفيذاً لعمليات خطف الرهائن بالغرب الأفريقي، حيث تسيطر على مناطق بمالي والنيجر وبوركينافاسو وينتقل مسلحوها أيضاً إلى تشاد وساحل العاج وبينين، لرصد كل من يمكن أسره من الأجانب الوافدين على المناطق النائية.
وغالباً ما تنفذ الجماعة عمليات خطف ناجحة تستهدف عمال الإغاثة الأجانب والسياح، لفرض شروطها والمطالبة بفدية كبيرة، ومن أكثر اللحظات إثارة في تاريخ هذه الجماعة حين بثت في يوليو (تموز) 2017 شريط فيديو يظهر ستة رهائن غربيين لديها، ثم في أكتوبر من العام نفسه حين بثت شريطاً آخر يظهر 11 مختطفاً عسكرياً مالياً اختطفوا في الفترة ما بين يوليو 2016 ومارس 2017.
وأسست جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في الأول من مارس عام 2017، من خلال اندماج أربع حركات مسلحة في مالي ومنطقة الساحل هي "أنصار الدين" و"كتيبة المرابطون" و"إمارة منطقة الصحراء الكبرى" و"كتائب ماسينا".