Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف ستتعامل السلطة الفلسطينية مع الحكومة الإسرائيلية؟

تل أبيب تسعى إلى إنقاذ رام الله عبر تسهيلات اقتصادية واستعادة التنسيق الأمني

إسرائيل تراهن على أن السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس سيظل ملتزماً بمقررات أوسلو (أ ف ب)

ملخص

تعيش السلطة الفلسطينية تحت ضغوط كبيرة جراء التصرفات الإسرائيلية في جنين ونابلس ما دفع تل أبيب للتحرك لتخفيف هذه الضغوط وضمان تماسكها.

وافق المجلس الوزاري الأمني المصغر في إسرائيل على اتخاذ إجراءات الهدف منها إنقاذ السلطة الفلسطينية من الانهيار عبر مزايا وتسهيلات اقتصادية، وإنشاء منطقة صناعية جديدة في بلدة ترقوميا قرب الخليل جنوب الضفة الغربية، ووضع خطة مالية تشمل ضمان قروض وتسوية ديون وخصم على الوقود ومدفوعات ضرائب مسبقة، في إشارة إلى أموال المقاصة الفلسطينية، وتمديد ساعات عمل جسر اللنبي، وإعادة تصاريح كبار الشخصيات لكبار مسؤولي السلطة الفلسطينية.

في مقابل هذه التطورات الراهنة تقف السلطة الفلسطينية في موقف حرج ومأزق حقيقي بخاصة أن قراراتها عقب اقتحام مخيم جنين وبعد انسحاب القوات الإسرائيلية وتحركاتها إلى نابلس، أقرت فيها وقف التنسيق الأمني ولجان الارتباط وتبنت استراتيجية جديدة في مواجهة ما يجري إسرائيلياً، ما ينبه إلى أن السلطة تواجه خيارات محدودة قد تكلفها الكثير من التبعات الحقيقية بما في ذلك تأثر الجمهور الإسرائيلي نتاج ما يجري من تطورات في إطار علاقات السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، ولو من وراء الكواليس.

موقف مرتبك

المتتبع جيداً لسلوك السلطة الفلسطينية يتوقف عند نقاط مهمة... أولها أن قراراتها بوقف التنسيق الأمني سبق وأن تكرر في مراحل معينة وكانت القيادة الفلسطينية تعود عنه بعد ضغوط من الإدارة الأميركية وتهديدها برفع الدعم المعنوي عن السلطة، وفي ظل تنازلات أقدم عليها الرئيس محمود عباس إثر اللقاءات الأميركية التي تمت في رام الله وأهمها لقائه وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، إضافة إلى الاتصالات الأمنية والاستخباراتية التي يباشرها من الجانب الأميركي وليام بيرنز والفلسطيني ماجد فرج، وآخرون في الدائرة الضيقة للرئيس الفلسطيني، والتي تتجاوز مستشارو الإعلام والأمن والسياسة، والذين يدفع بهم عباس لتجميل الصورة المتردية، وتردي المواقف داخل الضفة الغربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثانيها أن السلطة الفلسطينية تستشعر الخطر الحقيقي في ما يجري من تطورات، ما دفع الرئيس عباس للدعوة إلى اجتماع للفصائل الفلسطينية وتوحيد الصف في مواجهة ما يجري، لكن لم تتم الاستجابة إلى مطلبه، وتحول الأمر إلى تسريب أنباء بقرب إجراء مفاوضات واتصالات بدعم ووساطة مصرية، وهو ما أزاح الستار عنه القيادي في حركة "فتح"، عزام الأحمد. في إشارة إلى وجود تحركات مهمة في هذا الإطار ما يعني أن السلطة الفلسطينية تريد توسيع دائرة الحركة تجاه الأطراف الفلسطينية للتأكيد على "واحدية القرار واستمرار التنسيق في المواقف المقبلة".

لكن هذا الأمر لا يحدث على أرض الواقع بخاصة أن تكرار "غرفة المقاومة" والتنسيق بين الفصائل ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة لم يتم، وتحديداً أن تجربتها في غزة لم تكن جيدة بل شابها الكثير من السلبيات، ومن ثم فإن السلطة الفلسطينية تبدو شكلياً أنها تنسق وتتعامل وتوحد المواقف ولكن الأمر واقعياً مختلف تماماً.

ثالثها أن الإشكالية الكبرى تكمن في أن الفصائل تعمل في قطاع غزة بل ومدن الضفة الغربية بمقاربات وآليات مختلفة تماماً عما يجري في "فتح" وداخل الأجهزة الأمنية المدربة جيداً، والتي تشابه الجيش النظامي، وهناك تخصصات كبيرة في هذه الأجهزة، وبدرجات مهمة ولديها اعتراضات وتحفظات على التعامل مع ميليشيات أي كان دورها سواء كانت "حماس" أو "الجهاد"، بل والكتائب الموجودة في الضفة الغربية، والتي تخوض المواجهات الراهنة مع إسرائيل.

تنسيق أمني

حتى هذه اللحظة فإن الأجهزة الأمنية الرسمية بمقتضى اتفاقية أوسلو تباشر دورها ومهامها في إطار لجان الارتباط، ولم تدخل في أي مواجهات تجاه الداخل الإسرائيلي بل تباشر دورها بصورة يومية، ولا تقع أية مناكفات مع قوات الجيش الإسرائيلي، وهو ما يؤكد أن انضمام الأجهزة أو عناصر منها لمواقف عكس هذا الاتجاه لن يطرح في الوقت الراهن، وتراهن إسرائيل على أنه لن يتم لاعتبارات متعلقة بالتزام السلطة بل والرئيس محمود عباس بمقررات أوسلو على رغم كل الانتهاكات والخروقات التي تقوم بها إسرائيل.

وفي إشارة إلى أن القيادة الفلسطينية لن تستخدم الأجهزة الأمنية في مواجهة إسرائيل وأن استهداف عناصرها مستبعد تماماً، وسيظل التنسيق الأمني والاستراتيجي قائماً بصورة أو بأخرى على رغم وقف التنسيق الأمني رسمياً، وقد سبق وأن جمدت اللجنة المركزية التنسيق رسمياً، ومع ذلك فقد مضى عباس في مساره وأعاده كما أسلفنا.

والمعنى هنا أن إسرائيل ستضع جل عينها عدم إفساح المجال للقوات الفلسطينية الرسمية للقيام بأي دور بل تريد استخدامها وتوظيفها على مختلف درجاتها ومهامها المنوط بها، حتى أن إسرائيل تستهدف عناصر المقاومة، وما أكثرهم، وما زالت تعد قوائم التصفيات، وإن فشلت حتى الآن في فتح بنك الأهداف وإتمام اغتيالات عاجلة فجهاز الأمن الداخلي "شاباك" اعترف أنه لم يصل إلى الرؤوس الكبيرة، خصوصاً عناصر عمليات تل أبيب ونابلس، وغيرها وأنها هربت إلى مواقع أخرى على رغم تحركات قوات المستعربين والمظللين وقيادة النخبة ولواء جولاني وغيرهم.

ستستمر إسرائيل في تحركاتها الراهنة في جنين ونابلس تحديداً مما سيضع السلطة في حرج حقيقي، فلن تستطع الإعلان عن حل نفسها، أو تقويض أركانها. وهذا السيناريو مستبعد تماماً في السياق العام لاعتبارات متعلقة بوجود تصور استشرافي في الدوائر الأمنية والاستخباراتية الفلسطينية يرى أن السلطة يجب أن تبقى على الأرض، وأن تكافح من أجل الحصول على مكتسبات حقيقية من هذه الحكومة الإسرائيلية أو غيرها ما يؤكد أن السلطة ستراجع مجمل سياساتها دورياً بما في ذلك التوقع بوجود حالة من التأزم داخل مؤسساتها ومكوناتها مما سيضع التحديات أمام الرئيس محمود عباس.

قد يدفع ذلك إلى إعادة التأكيد على فكرة الانتخابات التشريعية والرئاسية، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية، وإصلاح نظام منظمة التحرير الفلسطينية، ودخول حركتي "حماس" و"الجهاد" في تجاوب مع شروط كل فصيل في المنظمة، أو خارجه على اعتبار أن هذا الموقف سيكون جامعاً وداعماً للحكومة الإسرائيلية أي كان ائتلافها.

ومن ثم فإن السلطة الفلسطينية وقيادتها ستعمل في اتجاهات محددة أهمها الدعوة للتدخل الدولي ونقل الرسائل إلى الخارج، ولعل ما طالب به الرئيس محمود عباس يتسق مع ما يطرح بخاصة أن الحماية الدولية، أو صيغة الائتمان الدولي التي طالب بها عباس ارتكاناً إلى أن من حق القوى الدولية إعادة بناء شراكات مهمة في هذا الإطار، وقد تقبل الحكومة الإسرائيلية بفكرة المقايضات الكبرى تجاهها شريطة أن يتحقق ذلك عبر آليات التنسيق المقترحة، والتي لم تتوقف عند جنين أو رام الله.

سبق وأن طالب الرئيس محمود عباس ببعض الإجراءات والتدابير المهمة في هذا الإطار على أن تضم دولاً وازنة مثل مصر والسعودية من جانب وتركيا ودول شرق المتوسط من جانب آخر، بخاصة أن إسرائيل ستعمل في اتجاه الإبقاء على السلطة رسمياً مع رفض التعامل الشكلي، بدعوى أن السلطة وقياداتها افتقدوا تنفيذ الإيجابيات، والتركيز على أمور يمكن أن تقوم بها استجابة للضغط الإسرائيلي على الإدارة الأميركية لمحاولة إقناع السلطة الفلسطينية بالعودة إلى مرحلة ما قبل اقتحام جنين.

الخلاصات الأخيرة

ستعمل السلطة الفلسطينية في دوائر متعددة لكنها ستكون معقدة بالفعل وليس لها تأثير في ظل ما يجري من تطورات دراماتيكية حقيقية، واحتمالات دخول القوات الإسرائيلية لمدن المقاومة الأمر الذي سيفرض على السلطة اتباع استراتيجيات واقعية لها أبعادها الرمزية الموجعة، وبما يرسل للحكومة الإسرائيلية رسائل حقيقية مباشرة، وليس القبول غير المباشر وغير الرسمي بالعودة إلى التنسيق الأمني ما يكلف السلطة افتقاد ما تبقى من شرعيتها، خصوصاً مع استبعاد تدخل الأجهزة الأمنية المتعددة وفقاً لأوسلو لأن هذا الأمر ستكون له تبعاته على السلطة نفسها ورئيسها بل وقد قد تؤدي إلى مواقف صفرية حقيقية، وتصدع كامل في بنيانها ومؤسساتها وفي ظل مخاوف من استمرار التحرك الأميركي المناوئ للموقف الفلسطيني بكل تطوراته الراهنة والمحتملة.

المزيد من تحلیل