في الهند أمطار قاتلة وفي جنوب آسيا رياح فتاكة

في الهند، أودت الأمطار الغزيرة هذا الأسبوع بحياة 100 شخص، وعاثت خراباً في شمال البلاد في مشهد مناخي وصفه المسؤولون بأسوأ رياح موسمية تشهدها البلاد منذ عقود خلت.

وتعصف الرياح الموسمية القاتلة بالهند في وقت تصارع فيه دول أخرى عدة حول العالم مناخاً متطرفاً مماثلاً.

جراء الأمطار الغزيرة، يعيش شمال شرقي الولايات المتحدة حال طوارئ، فيما تعكف الصين على إجلاء آلاف الأشخاص من مناطق الخطر، وقد أبلغت اليابان بدورها أنها تشهد "أعنف أمطار على الإطلاق"، وفق مسؤولين في هيئة الأرصاد الجوية.

كذلك ضربت الأمطار باكستان، البلد المجاور للهند، حيث بلغ عدد الضحايا حتى مساء الثلاثاء 86 شخصاً منذ 25 يونيو (حزيران). وقد شكلت الوفيات تذكيراً بالسيول المميتة التي دمرت البلاد قبل عام مضى.

في الهند، اجتاحت الأمطار الغزيرة مناطق عدة، من غرب راجستان إلى شمال جامو وكشمير، وأزهقت أرواح 100 شخص في أقل تقدير، فيما تقطعت السبل بالآلاف من السكان بسبب الدمار الذي لحق بالطرقات السريعة الرئيسة.

وأدى هطول الأمطار القياسية في دلهي إلى غرق مساحات كبيرة من عاصمة البلاد، بما فيها المنطقة المركزية حول كونوت بليس، فيما تضررت أيضاً مبانٍ حكومية رئيسة عدة. والأحد الماضي، تساقطت فوق دلهي أعلى كمية من الأمطار تسجلها في يوم واحد في يوليو (تموز) منذ ثمانينيات القرن العشرين.

وشوهد الناس وهم يخوضون مساحات غمرتها المياه، وحوصر كثير من سائقي السيارات على طرقات تحولت إلى أنهار متدفقة. وكذلك تخطى منسوب نهر يامونا، الذي يمر عبر دلهي، مستوى الخطر البالغ 205 أمتار فوق متوسط مستوى سطح البحر، في حين استدعى الهطول المتواصل للأمطار إلى جانب تسرب مياه السدود من ولاية هاريانا المجاورة إجراء عمليات إجلاء للسكان.

وأفاد مسؤولون حكوميون أن النهر تدفق نحو 207.25 متر يوم الأربعاء، مقترباً بشكل يبعث على القلق من الرقم القياسي الأعلى البالغ 207.49 متر المسجل في عام 1978.

كانت الأمطار أكثر فتكاً في الولايات الجبلية الهشة هماجل برديش، والولاية الشمالية الأكثر تضرراً وأوتاراخند، إذ تسببت في فيضانات شديدة وانهيارات أرضية مميتة، حاصدة معها العشرات من الأرواح.

وأظهرت صور مروعة فيضانات جرفت في طريقها قرى عدة وطرقات سريعة رئيسة، معطلة الخدمات الأساسية في ولاية جامو وكشمير شمال الهند، وهماجل برديش، وأوتاراخاند، وإقليم البنجاب.

أغلقت مياه الفيضانات الطريق الحدودي بين الهند والتبت، فيما انقطع الاتصال مع أكثر من 10 قرى حدودية.

وتسببت الأمطار الغزيرة والصخور المتساقطة في مقتل أربعة أشخاص وإصابة سبعة آخرين في أوتاراخند يوم الثلاثاء. ولقي 20 شخصاً على أقل تقدير مصرعهم في فيضانات مفاجئة وكوارث أخرى تعزى إلى الأمطار في مقاطعة واحدة فقط من ولاية هيماجل برديش.

شخص يقطع شارعاً غمرته المياه بعد هطول أمطار غزيرة في نيودلهي (رويترز)​​​​​​​

وفي تعقيبه على هذه الكارثة، قال رئيس وزراء الولاية سوخفيندر سوخو يوم الإثنين الماضي إن هيماجل لم تشهد مثل هذه الأمطار الغزيرة الواسعة النطاق منذ أكثر من 50 عاماً.

وقد أثارت الرياح الموسمية التي عصفت بالبلاد هذا العام القلق في أوساط الخبراء، الذين حذروا من أن أزمة المناخ تؤدي دوراً مهماً في تفاقم وطأة هذا المناخ الشديد القسوة.

"تهطل الأمطار لساعات أقل، ولكنها تهطل بغزارة"، كما نقلت صحيفة "هندوستان تايمز" عن راجيفان، السكرتير السابق لوزارة علوم الأرض في الحكومة الهندية، وقد أوضح "أن الأمطار الغزيرة والفيضانات الأخيرة تذكرنا بأحد الآثار المهمة التي يطرحها تغير المناخ على الرياح الموسمية".

ويجلب موسم الرياح الموسمية نحو 70 إلى 80 في المئة من الأمطار السنوية إلى جنوب آسيا، بدءاً من أواخر يونيو عادة، فيما يحمل هذا الحدث المناخي معه عواقب وخيمة إلى منطقة معرضة للفيضانات السريعة بسبب افتقارها إلى البنية التحتية الكافية.

يستخدم السكان أغطية بلاستيكية عند التنقل لحماية أنفسهم من الأمطار في نيودلهي (أ ف ب - غيتي)

ولكن مع ذلك، فإن الرياح الموسمية لهذا العام، والتي انطلقت في 1 يونيو الماضي، قد جلبت معها مستويات أعلى كثيراً من الأمطار في دلهي وإقليم البنجاب وهيماجل، إذ شهدت هذه المناطق زيادة بنسبة 112 و100 و70 في المئة على التوالي، وفق دائرة الأرصاد الجوية الهندية.

بدورهم، دق علماء المناخ ناقوس الخطر في شأن الأنماط المتغيرة من الرياح الموسمية، والتي تجعل هطول الأمطار أكثر تقلباً، وتؤدي تالياً إلى تساقط مياه أكثر في فترة قصيرة وإلى نشوب فيضانات مفاجئة.

تحدث في هذا الشأن ماهيش بالاوات، نائب رئيس قسم الأرصاد الجوية وتغير المناخ في هيئة الأرصاد الجوية الخاصة "سكاي ميت"، فقال إن "موجة الأمطار الغزيرة المستمرة مردها إلى اصطفاف ثلاثة نظم مناخية: الاضطرابات الغربية فوق جبال الهيمالايا الغربية، والدوران الإعصاري فوق السهول الشمالية الغربية، ومحور حوض الرياح الموسمية الذي يمر عبر سهول الغانج الهندية".

"هذا الاصطفاف لا يحدث للمرة الأولى، وهو النمط المعتاد خلال الرياح الموسمية، ولكن مع ذلك، فإن التغيرات المدفوعة بالاحترار العالمي التي شهدتها أنماط الرياح الموسمية قد تركت تأثيراً واضحاً"، وفق بالاوات.

"كذلك شهد الكوكب ارتفاعاً مستمراً في درجات حرارة اليابسة والبحر، فازدادت قدرة الهواء على الاحتفاظ بالرطوبة لفترة أطول، بالتالي فإن دور تغير المناخ في تزايد الظواهر الجوية المتطرفة في الهند يتفاقم عاماً بعد عام"، أضاف بالاوات.

سبق أن أثبتت البحوث التأثير الذي تطرحه أزمة المناخ على أنماط الرياح الموسمية في جنوب آسيا، وكذلك تبين أن فيضانات باكستان المدمرة التي ضربت البلاد في العام الماضي كانت نتيجة لتأثير أزمة المناخ على أنماط الرياح الموسمية، ولكن مع تحطيم الارتفاع في درجات الحرارة الأرقام القياسية العام الحالي، قال الخبراء إن الحرارة تترك تأثيرها أيضاً في ظواهر الغلاف الجوي والمحيطات.

من بين هؤلاء راغو مورتوغود، برفيسور في علوم الغلاف الجوي والمحيطات في "جامعة ماريلاند"، إذ أشار إلى أن "حوادث مناخية شديدة قد طرأت في أوقات سابقة، ولكن 2023 كان عاماً فريداً من نوعه" في ما يتصل بهذه الظواهر المناخية.

وأوضح الدكتور مورتوغود أن "الاحترار العالمي يسهم كثيراً [في نشوب الظواهر المناخية القاسية]، ولكن ثمة عوامل مساهمة أخرى أيضاً"، مضيفاً أن من بينها ظاهرة الـ"نينو" [تغير في الرياح ودرجات الحرارة في المحيط الهادئ الاستوائي الشرقي تؤثر في مناخ مناطق استوائية وشبه استوائية كثيرة، وتؤدي إلى زيادة في درجة حرارة البحر وارتفاع في درجات متوسط درجة الحرارة العالمي]، وتسجيل درجات حرارة قياسية في شمال المحيط الأطلسي، والاحترار الاستثنائي الذي قاساه بحر العرب في السنوات الأخيرة". وقال أيضاً إنه لما كانت حرائق الغابات أكبر بثلاث مرات الآن، تجد كميات أكبر من الكربون طريقها إلى الغلاف الجوي، مما يزيد مستويات الغازات المسببة للاحترار العالمي.

تسبب الفيضانات القاتلة الخراب في مختلف أنحاء العالم حيث تضرب الأمطار الغزيرة الهند والولايات المتحدة وإسبانيا (أب – رويترز - بوليسيا زارغوزا)​​​​​​​

وجد تقرير حديث صادر عن وزارة علوم الأرض الهندية أن إجمالي الأمطار الموسمية، والتي تقود فعلاً إلى فيضانات متكررة، من المتوقع أن تصبح أكثر كثافة في المستقبل وأنها ستطاول مناطق أكثر، مدفوعة بأزمة المناخ.

سبق أن واجهت الهند موجات حر قاتلة ومتتالية، كذلك اجتاحتها أكثر درجات متطرفة من الحرارة، وأمطار غزيرة، وموجات جفاف، فضلاً عن ارتفاع مستوى سطح البحر، والأعاصير الشديدة.

وحذرت "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (IPCC) من زيادة هطول الأمطار في الصيف وارتفاع وتيرة وحدة الرياح الموسمية، متوقعة أن تشهد شبه القارة الهندية صعوداً بنسبة 20 في المئة في أحداث الأمطار الشديدة في السنوات المقبلة.