Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف دفعت كل عناصر الإثارة روبرت كينيدي إلى بؤرة الضوء؟

جدل سياسي وعسكري وعلمي ومجتمعي ساعد خصم بايدن على بلوغ غايته

تثير تصريحات كينيدي قلق اليهود وكذلك المنحدرين من أصل صيني أو آسيوي (رويترز)

 

ملخص

يثير الدعم الصريح والمعلن من جانب الجمهوريين لروبرت كينيدي جونيور مزيداً من القلق لدى القيادات الديمقراطيةروبرت كينيدي جونيور

كانت الأيام الماضية صعبة جداً لناشط مكافحة اللقاحات روبرت كينيدي جونيور الذي تحول إلى مرشح رئاسي ديمقراطي ضد الرئيس جو بايدن بسبب تصريحاته الأخيرة التي اعتبرها سياسيون ووسائل إعلام أميركية تحريضية ضد اليهود والصينيين، لكنها وضعته في بؤرة الضوء بينما يستعد للظهور غداً الخميس أمام لجنة فرعية مختارة في الكونغرس يقودها الجمهوريون للرد على استفسارات اللجنة حول دور الحكومة الفيدرالية في فرض الرقابة على الأميركيين، فكيف اجتمعت كل عناصر الجدل والإثارة السياسية والعلمية والمجتمعية لتجعل كينيدي في مرمى النيران؟ ولماذا يثار الجدل حول دوافعه وأهدافه؟

لماذا الآن؟

منذ أن سجل مراسل صحيفة "نيويورك بوست" اليمينية تصريحات المرشح الرئاسي الديمقراطي روبرت كينيدي جونيور وهو نجل السيناتور روبرت كينيدي الذي اغتيل عام 1968 وابن شقيق الرئيس جون كينيدي الذي اغتيل عام 1963، ثار جدل واسع لم ينقطع بعد في الدوائر السياسية وعبر وسائل الإعلام الأميركية المختلفة بسبب ما اعتبر سياسيون أنه يردد نظرية مؤامرة معادية للسامية وعنصرية ضد الصينيين واليهود لأنه قال خلال حفل عشاء في نيويورك إن فيروس "كوفيد-19" يستهدف أعراقاً معينة بشكل غير متناسب ويهاجم البيض القوقازيين (71 في المئة من الأميركيين) والسود (13 في المئة) بينما يتجنب الأكثر حصانة وهم الصينيون واليهود الأشكناز (الذين استقروا في أوروبا الشرقية ويشكلون معظم اليهود الأميركيين).

وفي حين كانت هذه التصريحات كافية لإثارة غضب البيت الأبيض الذي وصفها بأنها حقيرة وكاذبة وتعرّض بعض الأميركيين للخطر لأنها تساعد في نمو معاداة السامية، فضلاً عن رفضها من قبل القادة الديمقراطيين وبعض الجمهوريين، وكذلك أشقاء وأسرة روبرت كينيدي نفسه، إلا أنها فجرت غضباً سياسياً آخر بسبب رفض الجمهوريين في مجلس النواب ورئيس المجلس كيفين مكارثي، إلغاء الدعوة التي وجهتها لجنة فرعية مختارة يقودها النائب الجمهوري جيم جوردان إلى كينيدي كي يدلي بشهادته في فرض الحكومة الفيدرالية الرقابة على الأميركيين، وهو ما يرى بعضهم أنه سيكون فرصة ذهبية لكينيدي كي يجتذب مزيداً من الأضواء كمرشح رئاسي ضد الرئيس بايدن، يحظى بدعم جمهوري على رغم أنه روّج لنظريات المؤامرة المضادة للقاحات بشكل عام منذ زمن طويل وللقاح "كوفيد-19" بشكل خاص، مما جذب الانتباه إليه بين شريحة من الناخبين على هامش اليسار واليمين الأميركي.

عوامل الإثارة

غير أن ما ساعد خصم بايدن في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين على بلوغ ذروة الاهتمام في الولايات المتحدة أن تصريحاته اشتملت على عوامل إثارة في جوانب سياسية وعلمية ودفاعية ومجتمعية، مما دفع بعضهم إلى التعقيب عليها وتفنيد ما تضمنته من تفاصيل، بعدما حذر كينيدي (69 سنة) من أسلحة بيولوجية أكثر خطورة في طور الإعداد لدى الولايات المتحدة والصين يمكن أن يصل معدل وفياتها بسبب العدوى إلى 50 في المئة، مما يجعل "كوفيد-19" يبدو وكأنه نزهة في حديقة.

ومن شأن هذه التصريحات أن تعيد الجدل حول النتيجة التي خلصت إليها معظم أجهزة الاستخبارات الأميركية في وقت سابق بأن فيروس كورونا من صنع الإنسان وأنه تسرب من المختبر في مدينة ووهان الصينية على رغم الإجماع العلمي الحالي بأن "كوفيد-19" حيواني المنشأ، كما تثير تصريحات كينيدي قلق اليهود (2.4 في المئة من الأميركيين)، وكذلك المنحدرين من أصل صيني أو آسيوي (6.3 في المئة من الأميركيين)، نظراً إلى ما يعتبرونه تحريضاً ضدهم في المجتمع الأميركي المستقطب بشدة منذ أعوام والذي يعاني أعمال عنف ضد الأقليات العرقية والدينية، فضلاً عن الجدل السياسي حول دعم الجمهوريين لروبرت كينيدي منذ أن أعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية ضد الرئيس جو بايدن.

جدل سياسي

ويثير الدعم الصريح والمعلن من جانب الجمهوريين لروبرت كينيدي جونيور مزيداً من القلق لدى القيادات الديمقراطية التي يعتبر بعضها أن كينيدي الذي يعدّ سليل أشهر العائلات السياسية الأميركية، يمثل تهديداً لوحدة الحزب، بخاصة أن شعبية الرئيس بايدن لم تتجاوز حاجز 42 في المئة بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، في وقت لا تزال التساؤلات تتزايد حول عمر الرئيس بايدن وحدة عقله وقدرته على المنافسة بعدما تجاوز الـ 80 من عمره.

ويثير الدعم غير العادي الذي يتلقاه كينيدي من اليمينيين وتاريخه في تضخيم نظريات المؤامرة الشكوك حول دوافعه، بخاصة بعدما امتدحه الرئيس السابق دونالد ترمب الشهر الماضي واعتبره شخصاً ذكياً، كما شجعه كبير الاستراتيجيين السابق للرئيس ترمب، ستيف بانون، على الترشح للرئاسة منذ وقت طويل ويظهر بانتظام على شبكة "فوكس نيوز".

وعلاوة على ذلك، توضح نشرة "بوبيولار إنفورميشن" الإخبارية ذات الميول اليسارية في تحليل لها حول ملف لجنة الانتخابات الفيدرالية أن 20 في المئة فقط من مانحي روبرت كينيدي يعتبرون متبرعين ديمقراطيين، بينما ما يقرب من 40 في المئة من المانحين لديهم سجل حافل بدعم المرشحين الجمهوريين وقضاياهم، الأمر الذي خلّف انطباعات لدى الديمقراطيين بأن الجمهوريين يدعمون كينيدي من أجل محاولة إيذاء الرئيس بايدن قبل الانتخابات العامة.

وعلى رغم أن كينيدي جمع على مدى الأشهر الثلاثة الماضية 6.3 مليون دولار، بما يتجاوز العديد من المنافسين الجمهوريين المحتملين للرئيس، إلا أن هذا الرقم يتضاءل أمام ما حققه بايدن من 72 مليون دولار خلال الفترة نفسها، وهذا ما دفع بعض الخبراء الاستراتيجيين الديمقراطيين إلى استبعاد أن يشكل روبرت كينيدي تهديداً كبيراً لبايدن، مرجحين أن تؤدي تصريحاته الأخيرة إلى تلاشي الدعم الذي وصل إلى 21 في المئة وقت ترشحه للرئاسة.

خلاف علمي

وعلى رغم تأكيد المرشح الرئاسي روبرت كينيدي أنه لم يلمح أبداً إلى تعمد هندسة فيروس كورونا بحيث يكون له تأثير مختلف في الأعراق، واستشهد بدراسة نشرتها المعاهد الوطنية الأميركية للصحة تبحث في كيفية إسهام العوامل الوراثية البشرية في انتقال فيروس "كوفيد"، إلا أن القائمين على الدراسة أنكروا أنها تدعم مزاعم كينيدي واعتبروه نوعاً من التفسير الخاطئ الذي سيضر بالبحث الأكاديمي للمساعدة في إنهاء الوباء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما استشهد كينيدي بدراسة أخرى من "كليفلاند كلينك" قالت إن بنية فيروس كورونا تجعل السود والقوقاز أكثر عرضة للإصابة وإن الصينيين والفنلنديين واليهود الأشكناز كانوا أقل عرضة للإصابة، لم تذكر الدراسة المشار إليها التي نشرت في يوليو (تموز) عام 2020، إصابة أو وفيات أقل لدى الصينيين ولم تذكر سوى أن أحد الجينوم المستقبل للفيروس لا يبدو أنه موجود لدى اليهود الأشكناز أو أعضاء طائفة الأميش المسيحية الأميركية والمنحدرين من سويسرا وألمانيا، وعزت الدراسة التباينات في معدل الإصابة بعدوى "كوفيد-19" والاستشفاء والوفيات بين المجموعات العرقية والإثنية إلى الاختلافات في الحصول على الرعاية الصحية السليمة في المجتمع وعوامل صحية أخرى.

حقيقة القنبلة العرقية

ووفقاً لما قاله كينيدي في تسجيل الفيديو الذي نشرته "نيويورك بوست"، فإن الأميركيين والصينيين ينفقون مئات ملايين الدولارات على تطوير أسلحة بيولوجية عرقية وأن الأميركيين يجمعون الحمض النووي للروس والصينيين حتى يتمكنوا من استهدافهم عن طريق العرق، وهو ما يعيد إلى الأذهان قصة نشرتها صحيفة "ذا صنداي تايمز" قبل عقدين حول ما وصف بـ"القنبلة العرقية" ضمن مشروع إسرائيلي سري للغاية يعتمد على بحث طبي حدد جينات مميزة يحملها بعض العرب، بخاصة العراقيين، بهدف تصنيع بكتيريا أو فيروسات معدلة وراثياً من شأنها أن تقتل بعض الجماعات العرقية العربية، وهو ما ردّ عليه آنذاك خبراء الحرب البيولوجية الأميركيون بشكل متشكك حول سلاح بيولوجي يمكن أن يصيب العرب ويقتلهم وليس اليهود، كما أن العلماء والخبراء يشكون حتى الآن بوجود هذا السلاح اليوم بغض النظر عن الأخلاق.

وعلى رغم التقارير الأخيرة التي يتهم فيها المسؤولون الأميركيون والصينيون بعضهم بعضاً بتطوير أسلحة بيولوجية تستهدف الأعراق بما في ذلك تقرير نشره موقع "ناشيونال ريفيو" في أبريل (نيسان) الماضي وتقرير آخر في مايو (أيار) نشرته "نيوزويك"، وتقرير ثالث نشرته صحيفة "ذا غارديان" قبل أعوام عدة، إلا أن الأدلة المذكورة في هذه التقارير قليلة جداً وتتكون من تصورات لا أساس لها، كما نشرت جامعة الدفاع الوطني التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني كتاباً عام 2017 في الاستراتيجية العسكرية أشار إلى إمكان وجود أنواع جديدة من الحرب البيولوجية تشمل هجمات وراثية عرقية محددة.

لكن ديفيد غورسكي أستاذ البيولوجيا استبعد في مقالة نشرها موقع "ساينس بايسد ميديسن" وجود مثل هذا السلاح الآن، على اعتبار أن البشر سواء على المستوى الفردي أو على مستوى السكان، أكثر تشابهاً بكثير مما هم مختلفون، ومعظم الاختلافات في المتغيرات الجينية تكون بين مجموعات عرقية مختلفة ليست قريبة من المطلق، وحتى لو تم تطوير مثل هذا السلاح البيولوجي المستهدف عرقياً والمصمم للالتصاق بمتغير جيني أكثر شيوعاً في مجموعة عرقية واحدة عن مجموعة أخرى، فمن شبه المؤكد أنه سيبدأ قريباً في التأثير في المهاجم أيضاً لأنه بمجرد الانتشار في مجموعة سكانية واحدة، لا يوجد ما يمكن فعله لمنعه من الانتشار في مجموعة سكانية أخرى، حتى لو كان هؤلاء السكان أقل عرضة للإصابة.

إعادة ضبط

وبينما تصاعدت الحملة ضد كينيدي وربط تصريحاته بمعاداة السامية على اعتبار أنها أقدم نظرية مؤامرة في العالم وأكثرها ديمومة والتي تقدم اليهود على أنهم وراء مشكلات العالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حاول كينيدي إعادة ضبط موقفه، مؤكداً أن تصريحاته تم تشويهها بشكل مقزز.

وقال على "تويتر" إنه يتفهم الألم العاطفي الذي تسببت به هذه التشويهات والافتراءات غير الدقيقة لعدد من اليهود الذين يتذكرون الادعاءات ضدهم بأنهم سمموا الآبار التي أدت إلى الطاعون في أوروبا قبل قرون، مشيراً إلى أن والده وعمه، السيناتور إدوارد كينيدي والرئيس جون كينيدي، كرسوا طاقات سياسية هائلة خلال حياتهم المهنية لدعم إسرائيل ومحاربة معاداة السامية، وإنه ينوي قضاء مسيرته السياسية في جعل هذا الهدف من أولوياته.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل