ملخص
حكم جديد على صحافي وتبادل تهم بين "الحزب الديمقراطي" و"الاتحاد الوطني" في التسبب بتشويه المؤسسة القضائية
أثار صدور حكم قضائي ثانٍ ضدّ صحافي في إقليم كردستان موجة غضب واسعة في ظل تصاعد الانتقادات لسلطة الحزبين الحاكمين، "الحزب الديمقراطي" و"الاتحاد الوطني"، في المضي نحو مزيد من التضييق على حقوق حرية التعبير وسط نفي حكومي، في وقت كشفت ردود أفعال الحزبين عن تعارض في إدارة السلك القضائي المنقسم على ذاته وفق النفوذ المناطقي.
وأصدرت محكمة في أربيل، يوم الخميس الماضي، حكماً على الصحافي والناشط شيروان شيرواني بالحبس لمدة أربع سنوات إضافية بتهمة "تزوير وثائق"، في ثاني حكم يصدر ضد شيرواني الذي يقضي حكماً بالحبس منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2020، على رغم أنه كان ينتظر أن يفرج عنه، في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد صدور قرار خاص بتخفيف الحكم من قبل رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني.
وكان شيرواني اعتُقل مع أكثر من 80 ناشطاً وصحافياً ومتظاهراً بتهمة "زعزعة أمن واستقرار الإقليم" في منطقة بادينان بمحافظة دهوك، عام 2020، الواقعة ضمن نفوذ "الحزب الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني في أعقاب احتجاجات على "تردي الخدمات والتضييق على الحريات"، قبل أن يفرج لاحقاً عن العشرات منهم، بينما صدرت بحق آخرين أحكام بالحبس مدداً تراوحت بين سنة وست سنوات، ثم حصلوا على تخفيف للحكم بقرار رئاسي جاء بعد ضغوط وانتقادات غربية واسعة واجهتها السلطات الكردية.
ولاحقاً، اعتقلت السلطات الأمنية في محافظة دهوك الصحافي أوميد بروشكي قبل أن تطلقه بعد ساعات بأمر من رئيس الحكومة مسرور بارزاني، وذكرت وسائل إعلام أن "الاعتقال جاء على إثر إعلان بروشكي بأن الحكم القضائي بحق شيرواني لم يكن قضائياً، بل صدر عن رئيس الحكومة"، والجدير ذكره أن بروشكي كان أحد معتقلي بادينان بين عامي 2020 و2022.
تهم بارتكاب التزوير
وفي حيثيات القضية، أفاد فريق الدفاع عن شيرواني بأن الأخير "متهم بالتوقيع زوراً بدلاً عن زميل له في السجن يدعى كوهدار زيباري على عريضة كان رفعها سجناء، في أغسطس (آب) من العام الماضي، إلى القضاء، والادعاء في ما يتعلق بقرار الإفراج الشرطي، على رغم أن زيباري أقرّ في إفاداته بأنه وافق مسبقاً على أن يوقع شيرواني نيابة عنه، لكن القاضي تجاهل ذلك"، ونوّه إلى أن "الحكم استند إلى مادتين من قانون العقوبات، وهما المادة 295 الخاصة بتزوير المستندات المتعلقة بالديون أو الممتلكات، والمادة 298 المتعلقة باستخدام مستند مزوّر عن عمد".
يأتي ذلك بعد أيام من صدور إحصاءات نصف سنوية متفاوتة حول الانتهاكات ضد الصحافيين في الإقليم، خلال الأشهر الستة الماضية، حيث أكدت نقابة الصحافيين تسجيلها 41 انتهاكاً بحق 80 صحافياً ومؤسسة إعلامية بينها 22 حالة اعتقال، بينما أكدت منظمة "مراسلون من أجل الحقوق والتنمية" الكردية رصدها 49 حالة انتهاك ضد 99 صحافياً.
حقوق مكفولة قانونياً
وجاء الحكم بعد يومين فقط من تأكيد منسق "التوصيات الدولية" في حكومة الإقليم ديندار زيباري على أن حكومته "تحترم حرية العمل الصحافي"، نافياً "اعتقال أي شخص من دون أمر قضائي"، وشدد على أن "لكل صحافي الحق في الوصول إلى المعلومة عبر قانون رقم 11 لسنة 2013"، واصفاً النظام القضائي في الإقليم "بالحرّ والمستقل"، وذلك رداً على التقرير السنوي الصادر، في وقت سابق، عن وزارة الخارجية البريطانية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق والإقليم، والذي اتهم السلطات الكردية "باعتقال صحافيين من دون أوامر قضائية"، كما نوّه إلى "ممارسة التضييق على حرية التعبير من خلال الترهيب والملاحقة القضائية".
قضاء مخترق
ولقي الحكم القضائي تنديداً واسعاً من قبل منظمات حقوقية محلية ودولية، ومن قوى سياسية في صفوف المعارضة إلى جانب حزب مشارك في الائتلاف الحكومي، وقال مركز "ميترو" للدفاع عن الصحافيين في الإقليم إن الإجراءات القضائية المتبعة في ملف شيرواني وزملائه "كانت منذ البداية تفتقر إلى شروط العدالة وشابها التدخل السياسي بغية قمع الأصوات الحرة"، واعتبر الحكم الصادر بأنه "يمثل رسالة تهديد غير مباشرة ضدّ المنتقدين من الصحافيين والنشطاء"، وتفيد إحصائية للمركز بوقوع 431 حالة انتهاك تجاه أكثر من 300 صحافي خلال العام الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما سارعت لجنة حماية الصحافيين المعروفة اختصاراً بـ CPJ المعنية بحماية حرية الصحافة، وهي منظمة دولية غير حكومية ومقرها نيويورك، إلى مطالبة السلطات الكردية "بإسقاط التهم الموجهة ضد شيرواني وإطلاقه فوراً"، وأكدت أنها "لم تتلقَ الرد على رسالة إلكترونية بعثتها إلى وزير داخلية الإقليم بهذا الشأن"، ونقل بيان عن منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اللجنة شريف منصور قوله إن "سلطات الإقليم تظهر من خلال هذا الحكم للعالم عن مدى التضييق الذي تمارسه ضدّ الصحافيين".
من جانبه، قال الناشط المدني کامە ران عوسمان إن "الصحافيين والنشطاء في منطقة بادينان، منذ ثلاث سنوات، مستهدفون عن طريق القضاء والقانون، بخاصة شيرواني على رغم أنه مشمول بقرار خاص لتخفيف الحكم الصادر عن رئاسة الإقليم"، وأكد أن "شيرواني، خلال سنتين ونصف السنة، حكم عليه بالسجن 10 سنوات في ملفين مختلفين، لكنه، على رغم ذلك وخلال المحاكمة قال بصوت مرتفع وبمعنويات عالية: أنا لست مهزوماً، بل أنتم مهزومون أمام إرادتي وعزيمتي، فأنا لست المحتال بل أنتم من يحكم بالانتخابات المزورة والفساد".
أبعاد سياسية
وفتح ملف شيرواني جبهة أخرى في الحرب الإعلامية الدائرة بين الحزبين الحاكمين، بعد توجيه مكتب إعلام "الاتحاد" انتقاداً حاداً لصدور الحكم، وحذّر من أن الخطوة "ستضع واقع حرية التعبير في الإقليم أمام مزيد من التساؤلات والشك لدى المنظمات الحقوقية الدولية، بينما كان الأولى لترسيخ القانون، فالكتابة والنشر ليسا جريمة"، مضيفاً "كنا نأمل بألا يقع القضاء تحت الضغوط السياسية تجنباً لأن تتعرض سمعة الإقليم إلى مزيد من التشويه".
من جانبه، دعا محافظ السليمانية مركز نفوذ حزب "الاتحاد" بزعامة بافل طالباني إلى "تصحيح الأخطاء فالانحناء للشعب انتصار"، وقال هفال أبو بكر "لا يجوز أن تتعامل مؤسسات السلطة بأسلوب الكراهية والحقد والانتقام وإصدار قرارات بدوافع خاصة، فالمواطن الحرّ يبني الدولة ويحميها، وبخلافه، فإذا كان المواطن مهزوماً فاقداً للإرادة فإنه سيصنع سلطة تشبهه".
واتهمت وسائل إعلام تابعة لحزب بارزاني حزب "الاتحاد" بشنّ حملة عبر شركائه وشخصيات شعبوية ضد القضاء وقراراته، واتخاذ الحكم القضائي الصادر بحق متهم "وفق مستندات قانونية ذريعة لمهاجمة الحكومة".
الكيل بمكيالين
وفي رد على موقف أبو بكر قال رئيس كتلة "الديمقراطي" في مجلس محافظة أربيل كنعان خيلاني إن "الشجاعة تكمن في الوقوف بوجه الظلام والقتلة في السليمانية (في إشارة إلى حزب الاتحاد)، إذ ترتكب المئات من الجرائم والاغتيالات أمام أنظاركم من دون أن تتجرؤوا على النطق ولو بحرف"، سائلاً "هل هذه شجاعة أم قمة في ممارسة التضليل والنفاق؟"، وتابع "جميعهم يعرفون الحقيقة، لكنهم يريدون استغلال ملف قانوني لاستقطاب الشارع ونحن نتجه صوب الانتخابات، ومن السهولة الإدلاء بتصريح من قبل من لا يتحلى بالمسؤولية، ونحن نرى كيف يتم الاستيلاء على أراضي الدولة في السليمانية أمام أنظاره"، في إشارة إلى أبو بكر.
وفي السياق ذاته، اتهم النائب عن "الديمقراطي" ملا جيهاد حسن حزب "الاتحاد" بالعمل "على تحريض الشارع للتغطية على جرائمه، ولطالما يحمل القرار صفة قانونية وقضائية، كان يفترض على مَن يرى فيه خطأ أو إجحافاً اتباع الطرق القانونية، لكن ما نعرفه جيداً أن القضاء في أربيل لم يقم باغتيال أفراد كما حصل في مناطق أخرى (السليمانية)، كما لم يحلق رؤوس الناس، أو يسلّم أشخاصاً إلى حكومة إيران". وشدد على أنه "لو كان القضاء حكم على السيد بافل وشقيقه قوباد (نائب رئيس الحكومة) في قضايا اغتيال يعرفها الجميع، لما كان شكّك أحد بقرارات القضاء". وسـأل "لماذا يحميان القتلة في السليمانية ولا يسلمانهم للقضاء؟ وإذا كانا يؤمنان بقتل الناس بأي حق أو منطق يشككان بقرارات القضاء؟".
وبدأت مجموعة من الصحافيين والكتاب والنشطاء حملة لجمع تواقيع في إطار مذكرة طالبت فيها سفارات الدول الأجنبية والمنظمات المعنية إلى التدخل الفوري لوقف ما قالت إنه "ظلم متواصل بلغ مستوى الذروة، بعد إصدار حكم من دون مبرر مقنع، واعتقال صحافي آخر بمزاج شخصي من دون أمر قضائي، في إثبات على أن السلطة لم تترك أي معنى لمبدأ حرية التعبير"، كما دعا 12 نائباً في مذكرة منفصلة السلطة إلى "ضرورة إدراك حقيقة أن شعب كردستان لن يرضخ للقمع، وعليها إجراء تغيير جذري في أسلوب إدارة الحكم القائم".