ملخص
نبض الشارع المصري يقول إن البرامج السياسية والوصول إلى السلطة وضمان صوت الناخب عبر حزمة من البدائل المنطقية والواقعية للسياسات التي تعارضها الأحزاب أو التي أنهكت المواطنين أمور غير مطروحة
على الورق تحتفظ مصر بـ87 حزباً سياسياً بالتمام والكمال، بحسب موقع "الهيئة العامة للاستعلامات" (هيئة حكومية تتبع رئاسة الجمهورية)، لكن سؤالاً طرحته "اندبندنت عربية" على مصريين في الشارع عن عدد الأحزاب السياسية في بلادهم جاء بردود مفاجئة. هناك من قال إن العدد يتراوح بين خمسة وعشرة، وآخر ترك الباب مفتوحاً قليلاً بقوله "غالباً أربعة".
أما تحديد أسماء بعض الأحزاب فعملية بالغة الصعوبة تصل إلى درجة الاستحالة أحياناً. يقول أحدهم "يصعب تذكر الأسماء، لكن أعتقد الوفد والتجمع والحزب الحاكم". وبسؤال عن اسم الحزب الحاكم، قال "هو اسمه كده" (هذا هو اسمه)، بينما يتحدث آخر بكل ثقة "الوفد والتجمع والحرية والعدالة وحزب حمدين صباحي وحياة كريمة".
الأكثر شعبية
يبدو تماماً أن حزبي "الوفد" و"التجمع" هما الأكثر شعبية، كما يتضح أن الحزب الوطني الديمقراطي الذي أسسه الرئيس الراحل محمد أنور السادات في عام 1976، وأعيدت هيكلته في عصر الرئيس الراحل محمد حسني مبارك ليصبح "الحزب الحاكم" المهيمن على المشهد السياسي على رغم التعددية الحزبية ما زال حاضراً في أذهان كثيرين، لدرجة أن البعض يعتقد أنه ما زال موجوداً وفاعلاً على رغم أن قرار المحكمة الإدارية العليا بحل الحزب صدر بعد أحداث يناير (كانون الثاني) 2011 بأسابيع قليلة.
على رغم أن أسباب الحكم التي هلل لها الملايين في حينها جاء فيها أن "الحزب أزيل من الواقع السياسي المصري رضوخاً لإرادة الشعب، ومن ثم لا يستقيم عقلاً أن يسقط النظام الحاكم من دون أدواته"، فإن تصورات بعض المصريين عن الحزب الوطني الديمقراطي أعادت استقامة العقل ولكن في الاتجاه المعاكس. إجابات كثيرين رداً على سؤال عن أسماء الأحزاب الموجودة على الساحة بعد أحداث يناير بـ12 عاماً تدل على أن هذا الحزب ما زال حياً يرزق، في الأقل في الأذهان وليس بالضرورة في الحياة الحزبية الحقيقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولمَ لا وهو الحزب الذي ظل يفوز بالغالبية الكاسحة في كل الانتخابات البرلمانية منذ عام 1979 وحتى حله في عام 2011 بنسب تراوحت بين 79 في المئة (مرة) و95 في المئة مرات عدة، كما أنه الحزب الذي قارب عدد أعضائه من المواطنين نحو مليوني عضو على قوائمه، في سابقة تاريخية من نوعها، حتى وإن لمح خبثاء أن "كارنيه الوطني" (بطاقة العضوية) كانت أشبه بـ"كارت توصية" يذيل الصعاب ويفتح الأبواب وينجي من المهالك والمخالفات.
الشأن الشعبي الحزبي
خلافاً لما يعتقده متابعون للشأن الشعبي أو السوسيولوجي الخاص بالأحزاب في مصر، فإنه على رغم انطفاء الحياة الحزبية وخفوت الاهتمامات السياسية وتبدد الرغبة في العمليات الانتخابية، فإن حديث الأحزاب لا يغيب. يرى البعض أن الساحة باتت نخبوية بامتياز وتكاد تكون مقتصرة على أصحاب الشأن ومن يهمهم الأمر ولو من باب حب المتابعة، مثل القائمين على أمر الأحزاب أنفسهم وصناع السياسات والمشاركين في الحوارات الوطنية والصياغات التوافقية.
ذكر الأحزاب يأتي كذلك ضمن أحاديث الناس العاديين، ولكن من دون شرط معرفة الأعداد أو الإلمام بالأسماء أو القدرة أو الرغبة في التكهن بالمصائر والأدوار على الساحة. ولمَ لا والإعلام مليء بالحديث عن الأحزاب أو بعضها على مدى ساعات البث.
المنصات الإعلامية التقليدية تهتم بأخبار الأحزاب، والمراكز البحثية الموجودة ترصد تحركاتها وتتابع تحالفاتها وتصدرها في أوراق بحثية ودراسات علمية بين الحين والآخر. والبرامج التلفزيونية تستضيف رموزاً من بعض الأحزاب، لا سيما الأبرز مكانة أو الأقرب إلى دوائر صنع القرار.
دوائر صنع القرار
تحظى دوائر صنع القرار بدعم الغالبية المطلقة من الأحزاب، المعروفة ونصف المعروفة، وتلك التي لم يسمع عنها على الأرجح إلا مؤسسوها وأعضاؤها. ففي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلن ما يسمى بـ"تحالف الأحزاب المصرية" المكون من 42 حزباً تأييد الرئيس والقوات المسلحة والشرطة. وهذا أمر غير معتاد في طبيعة العمل الحزبي الذي عادة ينتقد ويطرح البدائل ويطمح إلى التغيير.
رئيس حزب "إدارة جيل" وأمين عام التحالف تيسير مطر في حينها قال "ندعم الرئيس عبدالفتاح السيسي وقواتنا المسلحة وشرطتنا الباسلة الذي يضحون من أجل أن نعيش في أمن وأمان"، وذلك ضمن اجتماع للتحالف لمناقشة الأوضاع الاقتصادية في البلاد. وعلى الهامش أشاد التحالف بملف حقوق الإنسان في مصر، مشيراً إلى أن حقوق الإنسان تعني الحياة الكريمة، وأن "هذا ما تحقق في مصر في عهد الرئيس".
في عهد الرئيس السيسي الذي يحظى بتأييد قطاع عريض من المصريين، لا سيما الذين أعيتهم أحداث ما يزيد على عقد من التوترات وسنوات من هبوب رياح الإسلام السياسي العاتية، انتعشت الساحة السياسية الحزبية إذ زادت الأعداد لدرجة أن الغالبية غير قادرة على تذكر القليل منها، فما بالك بكثير منها سواء الموجودة رسمياً أو تلك التي تحت التأسيس في قائمة طويلة.
قائمة طويلة ومتشابهة
القائمة ليست فقط طويلة، ولكنها متشابهة أحياناً إلى درجة التطابق. يرى بعض المتابعين أن "التحالفات" بين مجموعات من الأحزاب التي تم الإعلان عنها قبل فترة فكرة جيدة، إذ ربما تساعد المصريين على إعادة حلقة الوصل مع فكرة الأحزاب، وهي الحلقة التي يؤكد شهود العيان أنها لم تعد موجودة.
وجود الحزب الوطني الديمقراطي (الذي كان حاكماً) في مصر على مدى ثلاثة عقود فرض نفسه على ذاكرة المصريين وتفاصيل حياتهم، بدءاً بخدمات يقدمها "سيادة النائب لأهل دائرته الكرام" لإلحاق الأبناء بالمدرسة المجاورة لمحل السكن والزوج والزوجة بفرع المصلحة المتاخم للبيت، مروراً بتيسير الحصول على بطاقات التموين حيث السلع المدعمة سواء كانوا يستحقونها أو ارتأوا الانتفاع منها، وانتهاء باحتلال الحزب مكانة أقرب ما تكون إلى الحكومة لا الحزب.
العلاقة بين المصري والحزب السياسي - أي حزب سياسي - علاقة غامضة مبهمة ملتبسة، لكنها بالغة الإثارة. ملايين المصريين يتحدثون عن الحياة السياسية ومن فعل ماذا ولماذا، ولكن على الأثير العنكبوتي. الجميع يبدي الرأي في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية من دون هوادة. الطاغي على الأحاديث العنكبوتية يندرج تحت بند النقد اللاذع والتنظير العميق. كل مشكلة في البلاد لها بدل من الحل مئة، وكل معضلة كان يمكن تفاديها بطرق لا أول لها ولا آخر. إنها متعة الإفتاء السهل والتنظير الجاف حيث المُنظر قابع خلف الشاشة لا في موقع الحدث أو الحادث، مما يجعل الحلول سهلة والبدائل مريحة لكن الثقة في جدواها أقرب ما تكون إلى صفر، لكن انعدام الثقة متبادل، الثقة فيما يطرحه المصريون من حلول من خلف الشاشات بعيدة من أرض الواقع، لذا لا تؤخذ مأخذ الجد من أصحاب القرار، في الوقت نفسه أدوار الأحزاب في أن تكون "معارضة" ومسخرة لتقديم الحلول والبدائل غائبة أو على أحسن تقدير ضعيفة.
الثقة في الأحزاب ضعيفة
ليست ضعيفة فقط، بل ضعيفة جداً، هذا ما خلص إليه استطلاع أجراه "الباروميتر العربي" قبل عامين عن "الأحزاب السياسية وتحدي الثقة المزدوج" في عدد من الدول العربية من بينها مصر. وجد الاستطلاع أن ثقة المصريين في أحزابهم لا تتعدى 21 في المئة، وهي نسبة "مرتفعة" إذا ما قورنت بمثيلتها في تونس مثلاً (تسعة في المئة) أو الأردن (سبعة في المئة) أو العراق (ستة في المئة) أو ليبيا (أربعة في المئة).
وخلص الاستطلاع كذلك إلى أن نسبة ثقة المواطنين في الأحزاب هي الأدنى مقارنة بمقدار ثقتهم في جميع المؤسسات الأخرى، سواء المستقلة أو التابعة للدولة مثل الوزارات أو الجيش أو الشرطة أو غيرها.
ويرجح الاستطلاع أن يكون هذا بسبب هامش الحرية الأكبر المتاح للمواطنين العرب عموماً لانتقاد الأحزاب السياسية والبرلمانات، وتوجيه اللوم لها على تردي الأحوال في البلاد، كما أن المؤسسات الأمنية عادة تتحلى بقدر أكبر من التنظيم والنزاهة والانضباط غير الموجودة في الأحزاب السياسية.
وفي تحليل المتخصص الأردني في العلوم السياسية عبدالوهاب الكيالي لنتائج الاستطلاع، يقول إن الأحزاب السياسية العربية مؤسسات وساطة مجتمعية واقعة بين المؤسسات الحاكمة والمجتمعات. هي جزء من البنية السياسية لأي مجتمع عربي، وأسهل طرف في هذه البنية للوصول إليه ونقده بحرية في المجال العام.
ويضيف أن الأنظمة التي لا يوجد فيها حزب حاكم عادة تقوم فيها الأحزاب السياسية بدور طرح الأفكار والمشروعات الأيديولوجية والتأثير في الخطاب العام، كما أنها تعلم جيداً أنها قد تكون بعيدة من الحكم.
ويقول الكيالي إن الأحزاب في معظم الدول العربية تواجه تحدياً مزدوجاً، الأول هو الاستدامة والبقاء مع أنظمة الحكم، والثاني هو تبرير هذه الاستدامة للمجتمع وإقناعه بجدوى الفعل السياسي المؤسسي.
وفي مصر وبعد أحداث عام 2011 أسست عشرات الأحزاب السياسية، ووصل عددها في بعض الأوقات إلى أكثر من 100 حزب، لكن معظمها يواجه بنعوت مثل "كرتونية" أو "هيكلية"، لا سيما بعد أحداث صيف عام 2013 لكن هذا لا يمنع من أن بعض هذه الأحزاب معروف إلى حد كبير بين قطاعات من المواطنين لأسباب مختلفة، بعضها لأسباب تتعلق باستدعاء الجانب الخدمي الذي كان يقوم به الحزب الوطني الديمقراطي قبل أحداث عام 2011 والتي انتهت بحله، والبعض الآخر سببه اهتمام محدود من قبل البعض بعدد من الأحزاب لا يزيد عددها على أصابع اليد الواحدة، بحكم أن أسماءها فرضت نفسها في فترات زمنية معاصرة باعتبارها "فاعلة إعلامياً" أو "نشطة خدمياً".
النشاط الخدمي الأقوى
النشاط الخدمي محفور في أذهان البعض هذه الآونة. على سبيل المثال ركاب الأتوبيس رقم 310 من منطقة الخصوص (محافظة القليوبية) إلى المطبعة (محافظة الجيزة)، وكذلك أتوبيس 27 الذي يعمل بين الأميرية والتجمع الخامس (القاهرة)، وأيضاً خط كفر طهرمس المتجه إلى أكتوبر وغيرها (الجيزة)، وأعدادهم تقدر بالملايين باتوا يعرفون أسماء الأحزاب التي يقول نوابها البرلمانيون إنهم "رعاتها"، كما هو موضح منذ أشهر على الزجاج الخلفي لهذه الباصات عبر ملصقات عملاقة تحمل صور النواب.
دعاء بالستر والصحة لهؤلاء النواب التابعين للحزب المذكور على خلفيات الباصات لأنهم "عملوا" (دشنوا) هذه الخطوط. وعلى رغم أن هؤلاء النواب لم يدشنوا هذه الخطوط، لأنها ببساطة شديدة خطوط تسيرها الدولة بأموال الدولة في شوارع الدولة ويعمل عليها موظفو الدولة لتخدم مواطني هذه الدولة، وعلى رغم اقتصار دور هؤلاء النواب على الوساطة أو الضغط أو الاتصال بالجهات المعنية لتشغيل الخطوط، فإن ركاب هذه الخطوط "ممتنون" للحزب، حتى ولو لم يتذكروا اسمه.
اذكر اسم حزب
تذكر اسم حزب في مصر بات صعباً. ربما الوفرة تحول دون حفظ أسماء الجميع، باستثناء تلك التي تحمل تاريخاً طويلاً مثل الوفد والتجمع أو أخرى لها حاضر مثل "مستقبل وطن".
الأحزاب ذات التاريخ يعرف المصريون أسماءها، لكن حين يسألون عنها أو عن نشاطها الحالي، كثيرون يقولون إنهم غير متأكدين إن كانت ما زالت "شغالة" أم إنها أغلقت أبوابها.
والموقف بالنسبة إلى أحزاب الحاضر لا يختلف كثيراً، ربما باستثناء "مستقبل وطن"، فهو الأكثر شعبية بحكم النشاط الخدمي والخيري والمساند للدولة الذي يقوم به، لكن يظل الإلمام الشعبي ببرنامجه أو الأيديولوجيا التي تمثله أو رؤيته للانتخابات البرلمانية أو تحضيراته للانتخابات الرئاسية لم يتحقق.
اكتمال التحضيرات لـ"الحوار الوطني"، ذلك الحوار الذي دعا إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في حفل إفطار رمضاني عام 2022 أدى إلى انعقاد عدد من الجلسات الخاصة بالأحزاب السياسية، لكن "الحوار الوطني" لا يحظى باهتمام عموم المواطنين ربما لتزامن بدء فعالياته واشتداد حدة الأزمة الاقتصادية الطاحنة، أو لعودة الجموع الغفيرة إلى كنباتها بعد هدوء الأوضاع في أعقاب أحداث صيف عام 2013 والتركيز على تفاصيل الحياة اليومية كما كان الحال قبل عام 2011.
وعلى رغم ذلك فإن المناقشات الدائرة حالياً حول الأحزاب السياسية وعملها ودورها ومشكلاتها جديرة بالاهتمام، وبها ما قد يلقي ضوءاً على أسباب عزوف المصريين عنها.
أمراض الأحزاب المستعصية
عضو مجلس أمناء الحوار الوطني والكاتب الصحافي عماد الدين حسين يقول إن فتح ملف الأحزاب بالنقاش أمر بالغ الأهمية في هذا التوقيت، "وقد يؤدي إلى حل مشكلة الأحزاب المستعصية منذ عقود. منذ عودة الأحزاب عام 1977 رسمياً بعد حلها في يناير (كانون الثاني) عام 1953 وهي تعاني أمراضاً مزمنة لم نشف منها حتى الآن، لأن أساسها كان وجود حزب واحد فعلي مدعوم من الدولة. وإذا أردنا حقاً الشفاء فعلينا أن نبحث عن الأدوية المناسبة. لدينا 84 حزباً رسمياً وأكثر من 20 حزباً تحت التأسيس، وأكثر من 95 في المئة منها بلا فاعلية، والعضوية الفعلية فيها لا تزيد على رئيس الحزب وزوجته وأولاده، بل إن بعض أفراد الأسرة ينشقون على الأب".
ويضيف حسين أن "وجود مليون حزب ليس عيباً، ولكن شرط أن تكون الأحزاب فاعلة، في الأقل ثلاثة أو أربعة منها، لكن أن تهيمن على الساحة الأحزاب الكرتونية والأنبوبية فهذا أمر لا يليق".
ويقترح حسين دمج الأحزاب الصغيرة التي لا تحصل على حد أدنى من المقاعد البرلمانية في الانتخابات، أو حتى حلها، لكنه يعود ويقول إن هذا المقترح لن يلقى استحساناً من هذه الأحزاب، لا سيما أنه "سيحرمها من الوجاهة والمكانة وربما الاسترزاق".
الأحزاب والاسترزاق
"ناس بتسترزق" بحسب ما قالت عاملة النظافة إيمان مصطفى (58 سنة) في وصفها نواب الأحزاب. هي تعتقد أن مهمة النائب في أي منطقة تبدأ وتنتهي عند تقديم الخدمات لأهالي المنطقة، أي مجرد حلقة وصل بينه وبين الحكومة، لكن الحديث عن برنامج انتخابي أو فكر أيديولوجي أو تصور بديل لطرق إدارة الدولة، فأمور لا تشغل بال الغالبية من قريب أو بعيد. "الاستثناء الوحيد كان في الإخوان حين أيدهم البعض من أجل نصرة الدين، لكنهم ذهبوا إلى حال سبيلهم".
يدق عماد الدين حسين على هذا الوتر ويقول إن أحزاباً كثيرة نسيت وظيفتها الأساسية واستسلمت للأمر الواقع، ولم تستطع الوصول للجماهير وإقناعها ببرامجها وأهدافها. وانتقد اتجاه البعض لممارسة أنشطة الجمعيات الخيرية مثل توزيع الطعام والبطاطين، واصفاً ذلك بالأمر الإنساني لكنه لا ينبغي أن يكون النشاط الأساسي للأحزاب.
ويقول "نتيجة هذا المناخ، فإن غالبية المواطنين تعتقد أن وظيفة الأحزاب هي تحقيق المنافع المادية والاقتصادية مثل الحصول على الوظائف والترقيات والحصول على إعانات مادية أو عينية، وليس السعي إلى الوصول إلى السلطة لتطبيق برامج سياسية".
متروكة لا مطروقة
نبض الشارع حالياً يؤكد أن البرامج السياسية والوصول إلى السلطة وضمان صوت الناخب عبر حزمة من البدائل المنطقية والواقعية للسياسات التي تنتقدها هذه الأحزاب أو التي أنهكت المواطنين أمور غير مطروحة أو مطروقة، بل هي أمور متروكة.
وعلى رغم أن أحداً لا يملك الإجابة الحقيقية أو المؤكدة عن سؤال ما علاقة نائب برلماني يمثل حزباً ما بخط باص نقل عام تملكه الدولة وتسيره لخدمة الوطن والمواطنين، أو السبب الذي يجعل قاعدة عريضة من المواطنين تعتقد أن المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" الموجهة للتخفيف عن كاهل المواطنين في المناطق الأكثر احتياجاً هي حزب سياسي، أو أن "مستقبل وطن" اسم مبادرة خيرية لا اسم حزب سياسي، إلا أن علاقة المصريين بالأحزاب السياسية هذه الآونة في أفضل حالاتها، لماذا؟ لأن كلاً منهما - المصريين والأحزاب - يعمل بمعزل عن الآخر تماماً.
بلا انتماءات أو معلومات
بلغة الأرقام يشير استطلاع أجرته الأكاديمية في كلية الآداب قسم اجتماع جامعة القاهرة أمل حسن فراج عن "الأحزاب السياسية في المجتمع المصري... دراسة سوسيولوجية حول تصورات المصريين عقب ثورة يناير 2011" توصلت إلى أن 63 في المئة تقريباً من المصريين ليست لديهم انتماءات حزبية أو معلومات عن الأحزاب. 23 في المئة منهم يعتقد أن الأحزاب الموجودة حالياً هي نفسها التي كانت موجودة قبل عام 2011، في مقابل نحو 29 في المئة تقول إنها مختلفة. وقال 48 في المئة إنهم لا يعرفون إن كانت هي الأحزاب نفسها أم مختلفة.
وذكر 82 في المئة من المصريين (في العينة البحثية الممثلة) أنه لا يوجد حزب واحد يثير اهتمامهم أو إعجابهم أو تأييدهم. ويرى 75 في المئة أن الأحزاب بشكل عام لا تلعب دوراً مؤثراً على الساحة السياسية.
وتراوحت تحليلات المصريين الشارحة لأسباب تضاؤل - وربما اختفاء دور الأحزاب تماماً - بين غياب الثقافة الحزبية والسياسية بين الجماهير (36.6 في المئة)، وعدم سماح النظام للأحزاب بأن تلعب دوراً مؤثراً (33.3 في المئة)، وعدم وجود قاعدة جماهيرية للأحزاب (19.4 في المئة)، وغياب قدرة القيادات على التوجيه والتأثير (10.8 في المئة).