ملخص
دخلت حرب السودان شهرها الرابع دون أن يكون فيها طرف منتصر غير أنها أحدثت دماراً وتشريداً وخراباً غير مسبوق
توازياً مع المعارك الضارية الدائرة على عدة محاور في مدن العاصمة السودانية الثلاث (الخرطوم وأم درمان وبحري) في إطار الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، والتي أودت بحياة قرابة ألفين من المدنيين وتسببت في نزوح أكثر من ثلاثة ملايين إلى ولايات السودان المختلفة ودول الجوار، كثفت القوى المدنية اجتماعاتها وتحركاتها في الخارج، حيث شهدت القاهرة أخيراً اجتماعين منفصلين لكل من "قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي" و"الكتلة الديمقراطية" التقت فيهما رؤية الطرفين بأن إنهاء الحرب يتطلب وحدة الكيانات المدنية، لكن يظل التباعد السياسي في المشهد السوداني كبيراً، فكيف يرى المراقبون السياسيون هذا الواقع وتعقيداته؟ وهل بالإمكان التوصل إلى مصالحة أو وحدة قد تشكل ضغطاً على طرفي الحرب من أجل وقفها، ومن ثم ضمان استقرار البلاد؟
معادلة سياسية
الأمين السياسي لحزب "المؤتمر الشعبي" في السودان كمال عمر عبدالسلام قال "معلوم أن الصراع السياسي الأخير في البلاد بدأ مع خطوات العملية السياسية للاتفاق الإطاري الذي وقعته مجموعة من المدنيين بقيادة قوى الحرية والتغيير، المجلس المركزي والعسكريين في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 2022، حيث اصطفت مجموعة يطلق عليها اسم الكتلة الديمقراطية مع العسكر بدعم إقليمي رافض للديمقراطية الحقة في البلاد، بالتالي ظل الصراع قائماً حتى أشعل أنصار حزب الرئيس السابق عمر البشير (المؤتمر الوطني) الحرب لحرق العملية السياسية، لذلك لا علاقة لقوى الحرية والتغيير ولا الاتفاق الإطاري بهذه الحرب لا من قريب أو من بعيد". وأضاف "من المؤكد ستكون هناك معادلة سياسية جديدة بعد انتهاء الحرب، ولن تأتي هذه المعادلة بأي حال من الأحوال بعناصر (المؤتمر الوطني)، وفي الوقت ذاته لا يوجد أحد يبشر حالياً بمصالحة وطنية تشمل حزب البشير المحلول، لكن هناك ضرورة لمصالحة تتناول وتتعرف على المشكلة السودانية والمجرمين، ومن ثم تذهب إلى معالجة الأزمة بشكل جذري".
وواصل عبدالسلام "الآن دخلت الحرب شهرها الرابع دون أن يكون فيها طرف منتصر غير أنها أحدثت دماراً وتشريداً وخراباً غير مسبوق في كل نواحي مدن العاصمة الثلاث باستخدام كل أنواع الأسلحة، لكن لن يكون هناك طريق غير الحل السياسي، وأن حل البندقية لا يأتي بنتيجة، بل بخراب كبير في البنى التحتية، وغيرها من المرافق، وفي اعتقادي أننا نتجه نحو حل سياسي بطيء لأن هناك أشواكاً وتحديات تعترض هذا الطريق، لكن في نهاية المطاف ستنتصر إرادة السلم والسلام على الهدم والحريق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مؤتمر دستوري
وأردف الأمين السياسي لـ"المؤتمر الشعبي"، "في تقديري أن الجوار الإقليمي توصل إلى حقيقة أنه من دون سلطة ديمقراطية مدنية لن يحكم السودان على رغم أصوات شذاذ الآفاق دعاة الحرب، بالتالي فإن كل ما نشهده من حراك إقليمي يهدف إلى تقريب وجهات النظر للحل السياسي للأزمة السودانية". وزاد "مستقبل السودان السياسي بعد الحرب سيكون بيد أهله، فتجارب الأمم كثيرة بعد خروجها من ويلات الحروب مثل اليابان وألمانيا، كما شهدت أفريقيا مصالحات في رواندا وجنوب أفريقيا، فهناك نماذج وأمثلة عدة في هذا الشأن، كما مرت بلادنا أيضاً بتجارب حرب الجنوب ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق واضطرابات الشرق، وأخيراً حرب الخرطوم، وفي رأيي إننا في حاجة لإقامة مؤتمر شبيه بالمؤتمر الدستوري الذي عقدته أميركا بفيلادلفيا في عام 1787 للتفكير بأمور حكم الولايات المتحدة، وذلك لمناقشة عمليات الاستقطاب في السودان بين اليسار واليمين وبين القبليات والجهويات وما يستخدم من عبارات محلية تدعو إلى مزيد من العنف واستمرار الحرب مثل (البل، والجغم) للوصول إلى نظام سياسي يحكم السودان".
ونوه عبدالسلام "في الحقيقة أن السودان ظل منذ الاستقلال في عام 1956 يحكم بعقلية مركزية وأشخاص محسوبين على قبائله المختلفة، لذلك نحن محتاجون إلى تغيير عقلية وطريقة الحكم، وهذا لا يتم بواسطة الأحزاب السياسية، بل من طريق التمثيل للقبائل والمجتمع المدني والأقاليم حتى يجد الجميع نفسه في صيغة الحكم والنظام السياسي، وذلك من خلال نقاش واسع من دون اصطفاف أو إقصاء إلا للذين يريدون حكم البلد بواسطة العسكر". ومضى قائلاً "نحن أمام تحد لإنشاء سلطة مدنية مستقرة وإعادة بناء ما حطمته الحرب، فلا بد أن تقود الفترة الانتقالية المتبقية حكومة كفاءات لمدة سنتين يتم خلالها التأسيس لدستور انتقالي إلى حين بلوغ الانتخابات".
وثيقة جديدة
في السياق، أوضح أستاذ العلوم السياسية في "جامعة أفريقيا العالمية" بالخرطوم، محمد صديق خليفة أن "حالة الانقسام الكبيرة داخل القوى المدنية مضرة للغاية بالواقع السياسي في البلاد، بالتالي لا أحد يعرف كيف سيكون مستقبل هذه القوى، فحتى العسكريون ظلوا قبل الحرب يطالبوا المدنيين بأن يتفقوا لتسليمهم السلطة، لذا على القوى المدنية أن تعمل بقدر الإمكان على توحدها، ولو بالحد الأدنى من خلال التنازل عن بعض مطالبها".
وتابع خليفة "إذا خلصت النوايا يمكن عندها أن تصاغ من خلال اجتماعات القوتين المدنيتين (المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية)، وكذلك قمة دول الجوار التي استضافتها القاهرة، أخيراً، رؤية واحدة تكون بمثابة وثيقة جديدة تشكل اختراقاً كبيراً، بخاصة أن الأوضاع على الأرض تتجه إلى مصلحة الجيش، بالتالي لن تكون هناك مشكلة في الاتفاق".
وبين أستاذ العلوم السياسية بأنه "من الصعب توقع نهاية الحرب، لكن أرجح أن يحدث تطور إيجابي في مفاوضات جدة التي ترعاها الرياض وواشنطن، بخاصة أن وفد الجيش السوداني الذي يشارك في تلك المفاوضات عاد إلى بورتسودان لمزيد من التشاور مع قيادة الجيش حول ما تم طرحه، سواء في ما يتعلق بوقف دائم لإطلاق النار أو قبول (الدعم السريع) بالشروط التي وضعتها القوات المسلحة، وعلى وجه العموم إن حل الأزمة السودانية الحالية وضمان الاستقرار السياسي في المستقبل يتطلب إرادة كافة أبناء الشعب السوداني، عسكريين وسياسيين، وذلك بالابتعاد عن خطابات التفرقة والكراهية والإقصاء والاتجاه نحو قبول الآخر".