Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سلطان باليرمو" لطارق علي "قريب" مرغريت يورسنار و"ليون الأفريقي"

الكاتب البريطاني/ الباكستاني يوصل أفكاره السياسية من طريق "خماسية الإسلام"

طارق علي: الأدب في خدمة التلاقح الحضاري (أ ف ب)

ملخص

الكاتب البريطاني/ الباكستاني يوصل أفكاره السياسية من طريق "خماسية الإسلام"

لسنا ندري ما إذا كان الكاتب البريطاني من أصول باكستانية، طارق علي، قد قرأ "العمل بالأسود" لمرغريت يورسنار - كما سبق لأمين معلوف أن فعل - قبل أن يكتشف قدرة الرواية التاريخية على إيصال أفكار عميقة وإنسانية إلى قراء أكبر عدداً بكثير من أولئك الذين يتلقون تلك الأفكار من طريق الدراسات الفكرية. أمين معلوف أعلن بوضوح قراءته بعض أجمل وأقوى روايات يورسنار وبخاصة "مذكرات هارديان". ويقيناً أن طارق علي فعل ذلك وإن لم يقله. اللهم إلا إذا كانت الفكرة قد ولدت لديه من طريق معلوف نفسه. ففي نهاية الأمر وتحديداً في الأجزاء الخمسة التي تتألف منها خماسيته التي باتت تبدو كلاسيكية اليوم والمعروفة بـ"خماسية الإسلام" تبدو القرابة واضحة في الأقل مع رواية "ليون الأفريقي" لأمين معلوف. وهو نفس ما يمكننا أن نقوله مثلاً عن رواية "رسم العدم" البديعة للكاتب السعودي أشرف فقيه، لكن هذا موضوع آخر بالطبع. أما هنا فنتناول الجزء الأول من خماسية طارق علي وعنوانه "سلطان في باليرمو" وهي التي تشكل مفتتح الخماسية التي صدرت بقية أجزائها لاحقاً بعناوين يحيل كل منها ليس فقط على ديار إسلامية محددة في كينونتها التاريخية، بل في تنوع دلالاتها ودائماً في مجال عزيز على الكاتب الذي كان صديقاً لمحمود درويش وإدوارد سعيد وكتب كثيراً عنهما، بل حتى اعتبر نفسه ناطقاً باسميهما في لندن كما في أوساط اليسار الجديد. والعناوين التي تلت "سلطان في باليرمو" هي "ظلال شجرة الرمان" و"كتاب صلاح الدين" و"امرأة من صخر" و"ليلة الفراشة الذهبية".

تاريخ عصور ذهبية

يشكل المجموع متناً روائياً يصور التشابك الصراعي أحياناً والأليف في أحيان أخرى بين المسلمين والمسيحيين واليهود منذ الحروب الصليبية وصولاً إلى لندن في القرن الحادي والعشرين، وذلك في ما يشبه رحلة في الزمن يقوم طارق علي بها عبر العصور. ففي "ظلال شجرة الرمان" يجسد الكاتب، بحسب ناقد صحيفة "اندبندنت"، "النزعة الإنسانية وروعة إسبانيا المسلمة" التي كما تصورها الرواية "نكبت بسقوط غرناطة". وفي "كتاب صلاح الدين" نعيش مرحلة ما بعد استعادة السلطان المسلم مدينة القدس المقدسة من الصليبيين، حيث يصور لنا طارق علي كيف "قام كاتب يهودي ليسجل قصة محرر القدس بناءً على طلبه". وفي "امرأة من صخر" يرسم علي "صورة حية لعالم يتلاشى"، بحسب توصيف مقال في مجلة "نيويورك تايمز لمراجعة الكتب" التي أوضحت أن الرواية تنطلق من حكاية سليل بعيد لأحد رجال البلاط العثمانيين يعاني جلطة دماغية في إسطنبول، "وتندفع عائلته إلى جانبه للاستماع إلى قصصه الأخيرة حين يحكي بصخب عن المؤامرات والحب والعصيان والتلاعب". أما في "ليلة الفراشة الذهبية" فلدينا كاتب ولد في لاهور يعيش الآن في لندن - مما يجعله بالطبع أنا/ آخر لطارق علي نفسه - استدعاه صديق قديم إلى وطنه، ليقع أخيراً في الحب وهو في سن الخامسة والسبعين.

بين الليالي العربية ودون كيشوت

وهذا ما يعيدنا هنا إلى الرواية الأولى "سلطان في باليرمو" بالطبع. فهذه الرواية تأخذنا إلى مرحلة زمنية تقع بين القرنين التاسع والثاني عشر، حيث كانت الثقافات تتعايش بوئام وبقدر كبير من التلاقح المتبادل في تلك الأوروبا التي كانت فردوساً للازدهار الفكري الحضاري بالتالي للتسامح الحقيقي. ومن المؤكد أن غاية طارق علي من العودة إلى تلك الحقبة ومميزاتها الإنسانية إنما تنضوي ضمن إطار مشروع فكري قديم لديه، ما كان ليخطر في باله أول الأمر أن يعرضه من طريق إبداع روائي حتى وإن كان لم يخف أبداً إعجابه بنصوص "ألف ليلة وليلة" برسالتها "الكوزموبوليتية الإنسانية"، وقوله غير مرة إنه يحلم بكتابة ما ينهل من روحية "دون كيشوت". ويقيناً أنه يفعل هذا هنا عبر نص روائي مكثف لا يقلل من شأنه احتفاؤه برسالة تصالحية يسمح بها البعد الروائي إن لم يسمح بها الواقع التاريخي كما ينبغي. وهو يسمح بها من خلال شخصيتين تاريخيتين لا شك أن ثمة الكثير من مجالات المقاربة بينهما كثنائي تاريخي/ فكري، وبين الثنائي الآخر الذي سيشكله لاحقاً بابا روما وحسن الوزان اللذان أعطاهما أمين معلوف بطولة روايته "ليون الأفريقي". ونتحدث بصدد رواية طارق علي طبعاً عن الإدريسي كبير الجغرافيين العرب وروجيرو، ملك صقلية النورماندي الذي عاش الإدريسي في كنفه وبلاطه فألف له ما يعرف عربياً بـ"كتاب رجار" وعلمياً بـ"نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" الذي صدر بالفرنسية منذ سنوات في طبعة شعبية بوصفه "أول كتاب يدرس جغرافية الغرب".

أبعد من الهدف العلمي

صحيح أن رواية طارق علي تدور من حول تلك العلاقة بين المؤلف الأندلسي - المغربي المسلم، والملك المسيحي المتنور، لكنها حتى ولو أثمرت إنجازاً علمياً كبيراً مثل "نزهة المشتاق" فإن الهدف من الرواية هنا ليس علمياً خالصاً، بل بالتحديد فكرياً - سياسياً - أيديولوجياً، مما يضمه إلى اهتمامات طارق علي من باب عريض. ومع ذلك لا بد أن قارئ الرواية سيروق له أن تنطلق بأسلوب تخييلي لطيف حين تنطلق أحداثها في عام 1153 تحديداً وقد عاد الإدريسي لتوه من جولة بحرية في سفينة يقودها بنفسه إذ كان إلى عمله قبطاناً على دراية بشؤون الفلك والملاحة. ونكتشف هنا أن الجولة البحرية التي جمع خلالها الإدريسي كل ما يحتاج إليه من المعلومات والمعارف وعاينها من أجل "نزهة المشتاق" إنما كانت ممولة من الملك روجيرو الثاني، الذي كان العرب يعرفونه بلقب "السلطان رجار". ولئن كان عرب تلك المرحلة بل وحتى أوروبيوها الذين عاشوا ما قبل دخول "محاكم التفتيش الكنسية" على الخط، قد عاشوا ازدهاراً وتسامحاً كبيرين، وأمعنوا في تقدير ذلك السلطان فإنه كان على الإدريسي وربما بشكل كتوم أن يدافع عن تعاونه معه، بل حتى عن ارتباطه به أمام أولئك من قومه الذين لتطرفهم كانوا لا يرون فيه سوى "العدو النصراني" الذي "من الكفر التعامل معه والعمل لصالحه". وهؤلاء كان يقابلهم على الضفة الأخرى على أية حال آخرون حتى في بلاط ملك صقلية ينظرون بعين الغضب والخوف إلى العرب الذين كان سيد البلاط يقربهم من بلاطه ويستشيرهم في الكثير من العلوم والأفكار التي عززت ما لديه من نزعة تنويرية حقيقية. ومن هنا سيكون من الطبيعي ما إن تكالبت المؤامرات أن تضعف سلطة روجيرو فيفشل ذلك الفصل الواعد من فصول التلاقح الحضاري والإنساني، مما وضع حداً لعصر ذهبي لا يزال العالم، المتوسطي في الأقل، يدفع ثمن إخفاقه حتى اليوم، كما يؤكد لنا نص طارق علي البديع هذا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سيرة ناشط

وطارق علي، بحسب سيرته المتداولة، من مواليد عام 1943 ويعرف عادة كناشط سياسي بريطاني باكستاني وكاتب وصحافي ومؤرخ وسينمائي. وهو عضو في لجنة تحرير "نيو لفت ريفيو" كما يسهم بكتاباته في عدد من الصحف منذ أنهى دراسته الفلسفة والسياسة والاقتصاد في كلية إكستر في أكسفورد، له العديد من الكتب التي تطغى عليها السياسة ومن بينها كتاب "حوارات مع إدوارد سعيد" و"بوش في بابل". وهو ولد ونشأ في لاهور - البنجاب في الهند البريطانية (لاحقاً جزء من باكستان). وهو نجل الصحافي مظهر علي خان والناشطة طاهرة مظهر علي خان وخاض النشاط السياسي باكراً بل وهو في سن المراهقة، إذ شارك في معارضة الديكتاتورية العسكرية في باكستان. لذلك قرر والداه إرساله إلى إنجلترا، فدرس في جامعتها العريقة، وأصبح عضواً في مجموعة جامعة أكسفورد الإنسانية، حيث اكتشف "أن النقاشات والمناقشات هنا كانت أكثر إثارة". وتم انتخابه رئيساً لاتحاد أكسفورد في عام 1965. وفي عام 1967 كان واحداً من 64 شخصية بارزة، إلى جانب أعضاء فريق البيتلز، الذين وقعوا على عريضة تطالب بإضفاء الشرعية على الماريجوانا. كذلك فإنه أدلى بشهادته في محكمة راسل في شأن تورط الولايات المتحدة في فيتنام. وهو مع مرور الوقت راح ينتقد بشكل متزايد السياسات الخارجية الأميركية والإسرائيلية. وفي عام 1968 انضم إلى المجموعة الماركسية الدولية (IMG) التي اختير لاحقاً لقيادتها وأصبح عضواً في اللجنة التنفيذية الدولية للأممية الرابعة، كما صادق شخصيات مؤثرة مثل مالكولم إكس وستوكلي كارمايكل وجون لينون ويوكو أونو.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة