Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مكيف التوانسة"... ثمن الهروب من القيظ "غالٍ"

نحو 50 في المئة من العائلات تمتلك جهاز تبريد و34 في المئة منها غير مطابقة للمواصفات

1.9 مليون مكيف هواء مركز في تونس عام 2021 (اندبندنت عربية)

ملخص

درجات الحرارة في تونس سجلت 50 درجة مئوية الإثنين الماضي... فهل تنعكس على مبيعات أجهزة التكييف؟

لم يمنع القيظ الشديد عمار الفرجاني من التحول إلى سوق المنصف أشهر الأسواق التي تبيع الأجهزة الكهرومنزلية على تنوعها واختلافها بأسعار منخفضة عن المحلات المنظمة في العاصمة تونس.

بحثاً عن مكيف تبريد يمسك عمار الفرجاني بقارورة ماء باردة مرتدياً مظلة تقيه الشمس، ووجهته هذه السوق التي تعد مستقر المنتجات المهربة بأسعار مناسبة، بغية تعويض مكيف التبريد القديم الذي لم يعد يقاوم درجات الحرارة المتجاوزة معدلاتها الطبيعية منذ مطلع يوليو (تموز) لتصل إلى مستويات قياسية لم تعهدها تونس.

ويقول عمار الفرجاني لـ"اندبندنت عربية" والعرق يتصبب من كل جسده بفعل الحرارة الشديدة، إنه قدم إلى هذه السوق بحثاً عن مكيف تبريد جديد بسعر مناسب غير مبال إن كان مطابقاً للمواصفات أو غير ذي جودة عالية.

 هم الرجل الوحيد والنهائي الحصول على مكيف يقي عائلته من ارتفاع درجات الحرارة الآخذة في الارتفاع إلى مستويات 50 درجة كما سجلت يوم الإثنين الماضي.

مع قدوم فصل الصيف تنتعش تجارة التبريد في تونس لكنها زادت بشكل ملحوظ، فمنذ مطلع الشهر الجاري بفعل المستويات القياسية للحرارة، فر التونسيون إلى الشواطئ وقضاء يوم كامل في البحر، ومنهم من عزز مقاومته للحر باقتناء معدات تبريد أخرى غير عابئين بتداعيات ذلك على فاتورة استهلاك الكهرباء.

التبريد مهما كان الثمن

لا يعير عمار الفرجاني اهتماماً كبيراً لفاتورة الكهرباء الباهظة جراء الاستعمال المتواصل لمكيف التبريد، متابعاً بالقول "لا أهتم كثيراً لهذه المسالة لأنني بكل بساطة أبحث عن الراحة والرفاه من هذا الحر الشديد".

ومضى يضيف "حتى وإن أرسلت شركة الكهرباء الحكومية فاتورة استهلاك الكهرباء سأقوم بتقسيط المبلغ، والمهم أن أتمتع بالتكييف بخاصة في الليل عند النوم".

المتجول في جل المحال التجارية المتخصصة والفضاءات التجارية الكبيرة بخاصة في سوق المنصف، سيعاين الإقبال الكبير من التونسيين في هذه الأيام لشراء مكيفات التبريد ومختلف آلاتها بحثاً عن رفاهة صارت باهظة أمام التغيرات المناخية الكبيرة التي تعرفها البلاد منذ سنوات بارتفاع لافت في درجات.

ويقر عمار الفرجاني على رغم إمكاناته المادية المتواضعة لكونه عامل نظافة وأجرته ضعيفة، بتمكنه من تحصيل مبلغ 1200 دينار (400 دولار) شهرياً عبر سلفة من العمل ومن بعض الأقارب من أجل اقتناء مكيف تبريد يقيه وأبناءه الثلاثة حر البلاد.

تجارة التبريد تنتعش

ومع تسجيل درجات حرارة قياسية في تونس هذه الأيام تنتعش تجارة التبريد متصدرة القطاعات الأكثر مبيعاً في البلاد من خلال تعدد محلات بيع مكيفات التبريد والمروحيات الكهربائية وآلات تبريد صغيرة متحركة والثلاجات.

وتعرض المحال التجارية والفضاءات التجارية الكبرى عديد الأنواع والأصناف من تجهيزات التبريد لكن سعرها يظل مرتفعاً وآخذاً في الصعود أمام تزايد الطلب عليها.

ولم تقتصر تجارة التبريد على بيع آلات التكييف والتجهيزات الكهرومنزلية بل امتدت إلى مجالات أخرى على غرار بيع المثلجات ما يعني الحركية التجارية المهمة لوحدات تصنيع المثلجات التي زادت في حجم مبيعاتها علاوة على وحدات تصنيع الثلج الغذائي الذي يستعمله التجار لتبريد عديد المنتجات الغذائية.

وأمام الحرارة المتزايدة يرتفع أيضاً نسق بيع قوارير المياه المعدنية، فوفق رئيس الغرفة الوطنية لمنتجي المياه المعدنية سعد مزاح، فإن استهلاك المياه المعدنية يصل خلال فصل الصيف إلى حدود 10 ملايين قارورة في اليوم في حين لا يتجاوز الإنتاج سبعة ملايين قارورة ويغطى هذا النقص بالمخزون الاستراتيجي.

وتحتاج تونس إلى مخزون تعديلي من المياه المعدنية يقدر بـ40 مليون قارورة تستخدم لسد النقص في التزويد.

 

 

تخصص الشركة التونسية للكهرباء والغاز (حكومية) تقريباً كل صيف ما يعادل أربع محطات كهربائية ونصف لتلبية الحاجيات المتزايدة من استعمال المواطنين لمكيفات التبريد.

وتشهد تونس خلال السنوات الأخيرة تزايداً لافتاً لأعداد مكيفات تبريد الهواء المركزة في الشقق والمنازل إلى درجة أن بعض المنازل بها اثنان أو ثلاثة مكيفات.

ويبرر التونسيون لجوءهم إلى التكييف إلى تسجيل ارتفاع لافت سنوياً في درجات الحرارة ما يدفعهم إلى اقتناء مكيفات الهواء على اختلاف أصنافها وجهل بمدى اقتصادها للطاقة.

ويقول مدير الإدارة المركزية للاستراتيجيات والتخطيط بالشركة التونسية للكهرباء والغاز، جمعة السويسي، إن ظاهرة استعمال مكيفات الهواء في تونس انتشرت بشكل واسع منذ سنة 1996 عندما تحولت الذروة من فصل الشتاء (بين الساعة 18 والعاشرة مساء) إلى فصل الصيف (بين 11 صباحاً والثالثة بعد الظهر).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن شركة الكهرباء شرعت حينها في إنجاز البحوث والدراسات التي أظهرت أن السبب الرئيس في تحول الذروة يعود إلى ظاهرة استعمال مكيفات الهواء أو التبريد.

وأشار إلى أن آخر استبيان أنجز عام 2019 خلص إلى أن زهاء 50 في المئة من العملاء (أربعة ملايين و300 ألف عميل) يمتلكون مكيفات تبريد أي ما يعادل نحو أربع محطات كهربائية ونصف ذات دورة مزدوجة بقدرة 450 ميغاواط لكل محطة لتلبية حاجيات التكييف.

وعن عدد مكيفات الهواء في تونس، أفاد المتحدث أنه تم إحصاء في 2019 نحو مليون و680 ألف مكيف هواء مركز في تونس.

وبحسب الإحصاءات التي تقوم بها الشركة، فإن عدد مكيفات التبريد في تونس وصل إلى نحو مليون و900 ألف مكيف منزلي في 2021، ويبلغ معدل الاستثمار في المحطة الكهربائية ذات الدورة المزدوجة مليار دينار (333 مليون دولار) وفق جمعة السويسي.

غير مطابقة للمواصفات

وفي مجال تطويق ظاهرة انتشار مكيفات الهواء غير المطابقة للمواصفات، أبرز المتحدث أن إرساء المعايير المطلوبة للتشغيل انطلق منذ 2003 ولم يخص فقط المكيفات، بل شمل الثلاجات وعدداً من الأجهزة الكهرومنزلية من ضمنهم مكيفات التبريد.

وأشار إلى أن جل العلامات التجارية لمكيفات التبريد في تونس لا تحمل تقريباً علامات التأشير الطاقي، فضلاً عن وجود علامات "ملتهمة" للطاقة يتم إدخالها عبر التهريب والمسالك الموازية وأن ثمنها زهيد ما يجعل الإقبال عليها كبير من التونسيين من دون إدراك تداعيات ذلك على فاتورة استهلاك الكهرباء في ما بعد.

ومن جانبه كشف رئيس دائرة دراسات الطلب على الكهرباء بالشركة التونسية للكهرباء والغاز، النوري الحيزاوي، أن آخر استبيان أنجز في 2019، فإن نحو 34 في المئة من مكيفات التبريد في تونس غير مطابقة للمواصفات ولا تراعي التأشير الطاقي وإنها متأتية بالأساس من القطاع الموازي والتهريب من دول الجوار أساساً من الجزائر وليبيا.

وأكد أن الإشكال مرتبط بالتهريب والمسالك الموازية وتوريدها من دول الجوار وأن سعرها زهيد وتلقى الإقبال عليها، وأن المواطن لا يفكر لاحقاً في فاتورة الكهرباء ما يجعله يتذمر من ارتفاع قيمة الفاتورة إثر انتهاء الصيف وهو يجهل أن السبب في ذلك هو المكيف بخاصة المكيفات غير المقتصدة للطاقة.

وشدد على أن اللجوء إلى المكيف بحكم التغيرات المناخية المتواترة أضحى ضرورة بفعل تواصل تسجيل مستويات عالية من الحرارة في عديد من فترات العام بخاصة في فصل الصيف وجزء من فصل الخريف. ويؤكد الحيزاوي أن معدل وجود مكيفات التبريد وصل إلى 1.3 مكيف في كل منزل وفق دراسات الشركة.

وفي الأثناء عثر عمار الفرجاني على ضالته باقتناء مكيف تبريد لمواجهة الصيف شديد الحرارة في رفاهة قد تتحول إلى كابوس عند حصوله على فاتورة استهلاك الكهرباء لاحقاً.