ملخص
على رغم تفهم وزارة التجارة والصحة للوضع الحرج الذي تمر بها شركات صناعة الأدوية، إلا أنها لم تجد الحلول المناسبة والمتمثلة في تحريك أسعار الأدوية وزيادتها.
تواجه صناعات الأدوية في تونس صعوبات جمة ناتجة من العقبات والأزمات التي تعانيها الشركات المصنعة، مما أثر على توفر عديد من الأدوية بالصيدليات بعدما أدت إلى غلق إحدى المؤسسات المصنعة.
تطورت مصاعب الشركات إلى حد التهديد بتوقف الإنتاج بوحدات تصنيع أخرى في حال عدم إيجاد حلول عاجلة للأخطار المالية المحدقة بالشركات المهددة أيضاً بفقدان أسواقها الخارجية، وهو القطاع الذي طالما كان يمثل مفخرة مجالي الصناعة والصحة في تونس.
تعاني سوق الأدوية نقصاً حاولت السلطات التونسية تغطيته بالبدائل، أو ما يطلق عليه الأدوية الجنيسة (الأدوية المكافئة لعلامات تجارية مسجلة)، بينما لم تتمكن من توفير بدائل لماركات أخرى.
شبح الإغلاق
في غضون ذلك قال رئيس غرفة صناعة الأدوية (هيئة نقابية مستقلة تضم المصنعين) طارق الحمامي إن "مصنعي الأدوية في تونس يشكون من مصاعب مالية بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج دون مراعاة ذلك على مستوى الأسعار".
وأوضح الحمامي لـ"اندبندنت عربية" أن "السلطات جمدت أسعار الأدوية منذ يناير (كانون الثاني) 2021". مشيراً إلى أن "مصانع الدواء واجهت تضخم أسعار المواد الأولية بنسبة 15 في المئة بالسوق العالمية التي تمثل نحو 100 في المئة مدخلات الإنتاج المستوردة من الخارج".
وأضاف أن "المصانع لم تتمكن من تغطية المصاريف الإضافية التي نشأت عن التضخم المستورد، إضافة إلى التضخم المحلي الناتج من ارتفاع أسعار الطاقة بنسبة 50 في المئة والزيادات المتتالية في فوائد القروض على خلفية الرفع في الفائدة الرئيسة".
وقال الحمامي إن "هذا الأمر تسبب في دخول وحدات صناعية عدة إلى دائرة الأخطار مع تكبد خسائر ناتجة من تجاوز كلفة الإنتاج لأسعار البيع، مما دفع إحدى الوحدات الصناعية إلى غلق أبوابها، في الوقت الذي تمر فيه مصانع مختلفة بفترات عسيرة ويهددها شبح الإغلاق أيضاً".
33 شركة مصدرة
أضاف رئيس غرفة صناعة الأدوية أن أزمة المصنعين أثرت على صناعة الصنفين المنتجين داخل تونس، وهما الأدوية الجنيسة والأدوية المصنعة في تونس من طريق ترخيص من الماركات المسجلة.
وأشار إلى أن هذا الأمر يتعلق بمئات الأدوية مما يمثل تهديداً لصحة التونسيين. وبالنظر إلى لجوء المصانع إلى التخلي تدريجاً عن تصنيع الأدوية المكلفة، إذ تعرضت قائمة الأدوية المصنعة محلياً إلى التآكل بحكم تنامي الأصناف التي يتم التخلي عن تصنيعها، لافتاً إلى أن تلك الأسباب أدت حتماً إلى تراجع الإنتاج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد الحمامي أن قطاع صناعة الأدوية يمثل أحد أهم موارد العملات الأجنبية الصعبة، إذ إن 20 في المئة من الصناعة المحلية تصدر إلى خارج البلاد.
ويضم قطاع الأدوية نحو 33 شركة جميعها مصدرة إلى أسواق بأوروبا وبلدان الخليج العربي وأفريقيا جنوب الصحراء، علاوة على تغطيتها لنحو 75 في المئة من الاستهلاك المحلي.
وقال الحمامي إنه على رغم تفهم وزارة التجارة والصحة للوضع الحرج الذي تمر بها شركات صناعة الأدوية، فإنها لم تجد الحلول المناسبة والمتمثلة في تحريك أسعار الأدوية وزيادتها.
يعمل بالشركات نحو تسعة آلاف موظف نصفهم من الإطارات العليا، وتواجه مصيرها بمفردها، إذ تمول صناعات مكلفة للغاية دون جني أرباح تمكنها من التحكم في الكلفة والمصروفات كما تخاطر حالياً بوقف إنتاج أصناف أخرى من الأدوية.
عرقلة المفاوضات
من جانبه اعتبر عضو جامعة الصحة بالاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) والكاتب العام لنقابة أعوان الصيدليات هشام البوغانمي المصاعب التي تواجهها صناعة الأدوية أضحت من أهم العراقيل أمام التفاوض لزيادة أجور جميع الموظفين بقطاع الأدوية ويعدون قرابة 44 ألف ويتوزعون بين 12 ألف عون بالصيدليات و25 ألفاً من الإطارات العاملة بمصانع الأدوية والأدوات شبه الطبية، وسبعة آلاف عامل بمؤسسات بيع الأدوية بالجملة، مما نشأ عنه توقف الزيادات المستحقة في الأجور بحكم عدم توفر الأرضية الملائمة للمطالبة بالترفيع في أجور العمال والموظفين، وهي نمو الأرباح.
وأشار البوغانمي إلى أن "تراجع أرباح المصانع وتكبدها لخسائر مادية أصبح عاملاً مؤثراً في الوضعية المادية للصيدليات الخاصة، بالنظر إلى تحديد مداخيلها بنسب أرباح معينة خاضعة للأسعار المقررة للدواء من قبل وزارة التجارة، ما يدفع إلى حتمية النظر في أسعار الأدوية وتعديلها نحو الترفيع مع مراعاة المقدرة الشرائية للتونسيين".
وعبر البوغانمي عن ارتياحه لتأسيس الوكالة الوطنية للدواء ومواد الصحة، مضيفاً أنها "ستسهم في إنقاذ قطاع الأدوية"، وأوضح أن "من بين أبرز الإصلاحات المنتظرة تشكيل لجنة موحدة للأسعار، إذ تجمع بين المصنعين والسلطات التجارية والصحية المتخصصة، كما ستسهل الحصول على الرخص علماً أن تونس تضم 41 شركة مصنعة للأدوية 33 منها بصدد العمل والتصدير، بينما تنتظر بقية المؤسسات تسجيل أصناف أدويتها وإتمام الإجراءات".
ونشر بالجريدة الرسمية التونسية منذ ثلاثة أيام قرار تأسيس الوكالة الوطنية للدواء ومواد الصحة بعد موافقة البرلمان، وينتظر من الوكالة تثمين الصناعة المحلية للدواء والقيام بالإصلاحات اللازمة.