ملخص
يواجه ترمب أخطر قضية مقارنة بالاتهامات الأخرى التي وجهت إليه في نيويورك وفلوريدا
مع مثول الرئيس السابق دونالد ترمب أمام محكمة فيدرالية، الساعة الرابعة بعد ظهر الخميس، في العاصمة الأميركية واشنطن لمواجهة التهم الفيدرالية الأربع التي نسبها إليه الادعاء التابع لوزارة العدل في قضية أحداث السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 وتستند جميعها إلى أن الرئيس السابق والمتآمرين معه كانوا يعرفون أنه خسر انتخابات عام 2020، وأن مزاعمه بالتزوير لا أساس لها من الصحة، يكون الرئيس السابق قد وصل إلى أخطر قضية تواجهه مقارنة بالاتهامات الأخرى التي وجهت إليه في نيويورك وفلوريدا، فما وجه الخطورة في هذه الاتهامات، وما العقوبات التي تواجه ترمب حال الإدانة، وهل يمكن أن تصل إلى الإعدام أو السجن مدى الحياة، وهل من تأثير جديد في حظوظه الانتخابية؟
اتهام غير مسبوق
تعد لائحة الاتهامات الفيدرالية الثانية للرئيس السابق دونالد ترمب التي وجهتها وزارة العدل في الأول من أغسطس (آب) 2023 رائدة وغير مسبوقة بحسب عديد من الخبراء القانونيين، ليس فقط لأن رئيساً سابقاً يواجه أربع تهم جنائية، ولكن أيضاً لأن تلك الاتهامات الفيدرالية الأولى من نوعها في التاريخ الأميركي التي تزعم أن رئيساً سابقاً حاول فعلياً نوعاً من الانقلاب، يسمى الانقلاب التلقائي، عبر محاولة إبقاء نفسه في السلطة بوسائل غير قانونية.
وإذا كان من الواضح أنه يمكن عزل الرئيس الأميركي خلال ممارسته منصبه عبر الكونغرس، إلا أنه لا توجد قضايا في المحاكم لشخص متهم بارتكاب جرائم على أساس أفعاله كرئيس، وعلى الرغم من أن هذه المسألة ظهرت في السبعينيات، لكنها أصبحت موضع نقاش عندما أصدر الرئيس جيرالد فورد عفواً عن الرئيس السابق ريتشارد نيكسون بعد فضيحة ووترغيت، ولهذا فإن قضية السادس من يناير تضع ترمب في نوع أعمق بكثير من المشاكل القانونية الجديدة، كما تضع الولايات المتحدة في مشهد سياسي وقانوني غامض وغير مستكشف من قبل.
ويعود ذلك إلى أنه منذ وضع الآباء المؤسسون دستور الولايات المتحدة في مدينة فيلادلفيا قبل 236 عاماً، لم يتهم أي رئيس بالتخطيط للاحتفاظ بالسلطة في مخطط من شأنه أن يؤدي إلى العنف في قاعات الكونغرس، مما جعل صحيفة نيويورك تايمز تطرح أسئلة حول كيفية استخدام سلطة الحكومة لقلب إرادة الناخبين من دون عواقب، وتثير الشبح المألوف في البلدان التي لديها تاريخ من الانقلابات والمجالس العسكرية، بينما حرص واضعو السياسات على الانتقال السلمي للسلطة كأساس للشكل الجديد للحكم ووضعوا حدوداً للسلطة من خلال فترات رئاسية مدتها أربع سنوات قابلة للتجديد فقط من قبل الناخبين عبر الهيئة الانتخابية.
ثلاث مؤامرات وعرقلة
وتستند جميع التهم إلى الادعاء بأن ترمب والمتآمرين معه كانوا يعرفون أنه خسر انتخابات عام 2020، وأن مزاعمه بالتزوير ومخالفة إجراءات التصويت التي تمت قبل وخلال يوم السادس من يناير 2021 لا أساس لها من الصحة، حيث تزعم ثلاث تهم وجود مؤامرات، وهي التآمر للاحتيال على الحكومة الأميركية، والتآمر لانتهاك حقوق الناخبين، والتآمر لعرقلة إجراء رسمي (عد أصوات المندوبين المنتخبين الممثلين لولاياتهم يوم السادس من يناير في الكونغرس).
أما الاتهام الرابع وهو العرقلة الفعلية لإجراء رسمي، فينص على أن ترمب تلقى مساعدة من ستة متآمرين، بينهم أربعة محامين ومسؤول في وزارة العدل ومستشار سياسي لم يتهم أي منهم في لائحة الاتهام، ولم تذكر أسماؤهم وإنما تم تعريفهم بالأرقام، مما يشير إلى أن واحداً أو أكثر من هؤلاء الأشخاص يتعاونون مع وزارة العدل، ولكن ليس بالضرورة، وفقاً لأستاذ القانون الجنائي في جامعة كاليفورنيا غابرييل تشين.
لماذا الأخطر؟
تعد الاتهامات السابقة هي الأخطر لأنه مقارنة مع الاتهامات الأخرى التي وجهت إلى ترمب تبدو الاتهامات في نيويورك وفلوريدا أخف وطأة، حيث يتهم ترمب في نيويورك بتزوير سجلات تجارية، وهي إلى حد ما جريمة فنية، بينما اتهمته وزارة العدل في فلوريدا بالاحتفاظ بوثائق سرية تتعلق بالأمن القومي بشكل غير قانوني، لكن مع ذلك لا توجد مزاعم أن هذه الوثائق كُشف عنها لعملاء أجانب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن على النقيض من ذلك، تزعم لائحة الاتهام أن ترمب سعى عن علم للاحتفاظ بمنصب الرئيس الذي كان يعلم أنه لا يحق له الاحتفاظ به، إذ حاول (وفقاً للادعاء) إقناع المشرعين بإخراج عملية التصديق على نتائج الانتخابات في ولاياتهم عن مسارها والموافقة على قرار بأن ترمب فاز بالانتخابات وليس جو بايدن، كما تآمر ترمب وحلفاؤه لإعداد وثائق انتخابية لمندوبين محتالين عن سبع ولايات فاز بها بايدن لتقديمها إلى الكونغرس، كما طلبوا من مسؤولين في وزارة العدل التوقيع على رسالة صاغوها تطالب الولايات بإعادة انعقاد هيئاتها التشريعية لإعادة النظر في نتيجة الانتخابات، ثم حاول ترمب إقناع نائب الرئيس آنذاك مايك بنس بأن له الحق في رفض الأصوات الانتخابية التي فاز بها بايدن أو إعادة تلك الأصوات إلى المجالس التشريعية للولايات.
وعلاوة على ذلك، فإن لائحة الاتهام تنسب إلى ترمب مسؤولية بعض أعمال العنف في السادس من يناير 2021، واستغلال الشغب في مبنى الكابيتول من خلال حث أعضاء الكونغرس على تأخير إجراءات فرز الأصوات الانتخابية في ذلك اليوم، في وقت اتصل فيه ترمب بأتباعه لحضور تجمع احتجاجي صباح السادس من يناير، ووجههم بالتحرك إلى مبنى الكابيتول لعرقلة إجراءات التصديق على انتخاب الرئيس وممارسة الضغط على نائب الرئيس.
وبحسب غابرييل تشين، فإن تهم التآمر مفيدة للادعاء لأنه بموجب القواعد الخاصة بالأدلة، يمكن استخدام أي تصريحات أو أفعال قام بها متآمر مشترك لتعزيز أدلة المؤامرة ضد ترمب، ولذلك فإنه على الرغم من أن ترمب هو الشخص الوحيد الذي تم تسميته كمتهم في هذه القضية، فإن مجموعة واسعة من الأدلة من أفعال الآخرين ستكون متاحة ضده.
العقوبات حال الإدانة
من الممكن نظرياً أن يقضي ترمب عقوداً في السجن إذا أدين بهذه التهم، إذ إن التهمة الأولى في لائحة الاتهام، وهي التآمر للاحتيال على الولايات المتحدة تصل عقوبتها القصوى إلى خمس سنوات، بينما التهمتان الثانية والثالثة، وهما عرقلة إجراء رسمي والتآمر لعرقلة إجراء رسمي، تصل عقوبة كل منهما إلى 20 عاماً كحد أقصى، في حين أن التهمة الرابعة، وهي التآمر على حقوق الناس من الناخبين، عادة ما تكون العقوبة القصوى لها 10 سنوات.
ومع ذلك، ينص القانون على أنه "إذا نتجت وفاة عن أفعال تم ارتكابها في انتهاك لهذا القسم"، فقد يكون الحكم هو السجن لأي فترة من السنوات أو مدى الحياة، وقد يحكم على الشخص بالإعدام، وبالنظر إلى أن سبعة أشخاص توفوا خلال أعمال الشغب في السادس من يناير، فإنه من المحتمل أن يتم طرح مسألة ما إذا كانت الجملة الخاصة بالوفاة نتيجة هذه الأفعال يمكن استدعاؤها إذا كانت هناك إدانة.
غير أن وزارة العدل في عهد بايدن كانت شديدة البخل في تطبيق عقوبة الإعدام، ولهذا وغيره من الاعتبارات، يبدو من المستبعد جداً أن تكون عقوبة الإعدام خياراً واقعياً للحكم في هذه القضية التي سيتعين خلالها حل عديد من الأسئلة القانونية في المحكمة.
ويقول ترمب والمدافعون عنه، إنه كان لديه أسباب حسنة النية للطعن في نتائج الانتخابات بولايات متعددة وأنه لم يفعل شيئاً أكثر من متابعة خياراته المشروعة والقانونية، وهي وجهة نظر شاركه فيها 74 في المئة من الجمهوريين في استطلاع جديد للرأي، وأن المدعي الخاص جاك سميث يجعل الخلاف السياسي جريمة ترقى إلى حد عدالة المنتصر من خلال معاقبة إدارة بايدن خصمها المهزوم، الذي يعد الأوفر حظاً حتى الآن للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة العام المقبل 2024.
هل يتأذى ترمب؟
على رغم من أن المجموعة الأولى من الاتهامات في نيويورك وفلوريدا ساعدت ترمب بالفعل وأسهمت في ارتفاع شعبيته، فإن البعض يزعم أن هذه الاتهامات التي يمكن أن يضاف إليها قريباً اتهامات أخرى حول التدخل في الانتخابات بولاية جورجيا، قد تؤذي ترمب من خلال استهلاك وقته واهتمامه إذا أراد تجنب إدانته أثناء الترشح للرئاسة، ذلك أنه سيحتاج إلى بذل كثير من الجهد للتعامل مع هذه القضايا مما يجعله يبذل جهداً أقل للحملة الانتخابية.
وبحسب موقع (فايف ثرتي إيت) المتخصص في رصد الانتخابات، فإن التعامل مع أربع قضايا جنائية مختلفة يعتبر مهمة شاقة لأي شخص، خصوصاً أن كل محاكمة قد تستغرق عدة أسابيع أو أشهر قبل أن يتم التوصل إلى حكم، بينما يعتقد أن ترمب سيحاول عدم حضور المحاكمات وهو ما يفعله بشكل روتيني في القضايا المدنية، لكن من المتوقع بشكل عام أن يحضر المتهمون الجنائيون كل يوم من أيام محاكمتهم.
وتحذر محامية الدفاع الجنائي في نورث كارولينا والناشطة في الرابطة الوطنية لمحامي الدفاع الجنائي ميليسا أوين، من تخطي المحاكمة كلها أو جزء منها لأن ذلك قد يمثل مخاطرة كبيرة بالنسبة لترمب لأنه يعطي إشارة سيئة لهيئة المحلفين، ولهذا من المحتمل أن تنتهي إجراءات المحكمة المختلفة بامتصاص شهور من وقت ترمب خلال النقاط الحاسمة في الحملة، حيث من المقرر أن تتم محاكمته للمرة الأولى في أواخر مارس (آذار) في نيويورك أي بعد أسبوعين من الثلاثاء الكبير الذي يعد من أهم الأيام الحاسمة في الانتخابات، في حين أن المحاكمة الثانية، التي تنطوي على مزاعم بأن ترمب احتفظ بوثائق سرية بشكل غير قانوني، فمن المقرر إجراؤها في مايو، وقد تتلوها محاكمة ترمب في جورجيا خلال صيف عام 2024.
وإذا كان ترمب سيئ الحظ، فقد تتزامن محاكماته مع انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، مما يجعل الانقسام في الحزب الجمهوري غير مواتٍ، ولكن إذا تم إنهاء القضايا بحلول الخريف دون إدانة، فقد يكون ترمب في وضع أقوى ضد ترمب إذا حصل على البراءة لأنه سيذهب بكامل قوته حينذاك، بحسب أستاذ القانون في جامعة كولومبيا ريتشارد بريفولت.
ولكن هناك أيضاً احتمالاً أن تتم إدانة ترمب في قضية واحدة أو أكثر بعد الإدلاء بجميع الأصوات في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، مما يضمن على الأرجح بقاءه في اقتراع نوفمبر (تشرين الثاني) ولكنه لن يكون قوياً، ومع ذلك من غير المرجح أن ينتهي به الأمر وراء القضبان قبل انتخابات 2024، وسيستأنف ترمب أي إدانة على الفور وسيستغرق ذلك بعض الوقت، إذ لا يعتقد بريفولت أنه يمكن الاعتماد على قرار محكمة الاستئناف بحلول نوفمبر.
هل يحضر ترمب محاكماته؟
وفقاً لأستاذة القانون والعلوم السياسية في جامعة ولاية أريزونا ستيفاني ليندكويست، فإن دستور الولايات المتحدة يحمي حقوق المدعى عليهم عبر الوجود في محاكماتهم الجنائية، ويحظر على الحكومة إجراء محاكمات ضد المدعى عليه في غياب المتهم، وفي الملاحقات القضائية الفيدرالية هناك قاعدة للإجراءات الجنائية تتطلب من المتهم حضور المحاكمة بأكملها، لكن هذا لا يعني أن المدعى عليه سيحضر إلى المحكمة يوماً بعد يوم.
وبموجب سوابق المحكمة العليا الأميركية التي تفسر القاعدة 43، يجب أن يكون المدعى عليه حاضراً عند بدء محاكمة جنائية فيدرالية، كما يجب أن يكون المدعى عليه حاضراً في بداية المحاكمة وفي كل مرحلة من مراحلها بما في ذلك دفع هيئة المحلفين، وعند النطق بالحكم.
ولكن بعد بدء المحاكمة، أقرت عديد من المحاكم بحق المتهم في التغيب طوعاً عن بقية جلسات المحاكمة بالتنازل عن حقه في الحضور بعدما أقرت عدة محاكم بأن لقاضي الموضوع سلطة تقديرية للسماح بغياب المدعى عليه.
وطالما أن ترمب يتنازل عن علم عن حقه في حضور محاكمته الجنائية، فقد يوافق القاضي الذي يرأس الجلسة على أن ظروفه الفريدة كمرشح للرئاسة تشكل أسباباً كافية للاعتراف بالتنازل والموافقة عليه.
عواقب محتملة
في أي وقت يرفض المدعى عليه حضور محاكمته الجنائية، قد تكون هناك عواقب وعلى سبيل المثال، قد يفسر قاضي إصدار الحكم رفض المدعى عليه الحضور على أنه عمل من أعمال عدم احترام المحكمة، وفي حالة المحاكمة أمام هيئة محلفين قد ينزعج المحلفون من الغياب الطوعي للمدعى عليه.
ولهذا يعتقد الكثير أن فريق دفاع دونالد ترمب سينصحه بالحضور رغم أن هذه العوامل قد لا تكون في حسابات ترمب الذي يركز بشدة على نزع الشرعية عن المحاكمات باعتبارها اضطهاداً سياسياً، وحتى إذا كان قادراً على التغيب عن واحدة أو أكثر من محاكماته طواعية، فمن المحتمل أن يجادل بأنه يواجه ما يسمى اختيار هوبسون، وهو حضور المحاكمة وفقدان الرئاسة، أو مقاطعة المحاكمة وفقدان حريته.