Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"التين الشوكي"... عمر قصير ورزق وفير

مفتاح مزارعي مصر للثراء السريع فزراعته يسيرة وتباع الثمرة الواحدة للتجار مقابل 0.03 دولار وللمستهلك بـ 50 ضعفاً

رغم أن موسم التين الشوكي قصير ولا يتجاوز 60 يوماً إلا أنه ينجح باستمرار (اندبندنت عربية - أحمد الشيمي)

ملخص

على رغم أن موسمه قصير جداً ولا يتجاوز 60 يوماً إلا أن المزارعين المصريين يعتبرون التين الشوكي مفتاحاً للثراء السريع.

ربما يراها البعض مجرد نبتة صحراوية ليست ذات أهمية، ويراها آخرون فاكهة ضلت طريقها ولم تحصل على حظها من التسويق المطلوب، إلا أنها على رغم كل ذلك نجحت في موسمها القصير جداً الذي لا يتجاوز 60 يوماً من العام في لفت انتباه الجميع بانتشارها الواسع في شوارع وأحياء مصر، وبات لا ينافسها في هذا التواجد أشهر أنواع الفاكهة مثل الموز والبرتقال والبطيخ.

ثمرة "التين الشوكي" واحدة من أبرز معالم فصل الصيف في المحافظات المصرية، حيث يبدأ موسم حصادها من مطلع يوليو (تموز) وحتى منتصف أغسطس (آب) من كل عام، لا يعيبها سوى سرعة تلفها فهي لا تصلح للتخزين سوى ليومين على الأكثر، وقد تمتد لأسبوعين شريطة تجهيزها للتناول عبر نزع غلافها وتغليفها وحفظها في الثلاجة.

وعلى رغم إطلاق لقب "فاكهة البسطاء" عليها، إلا أنها باتت للأثرياء أيضاً خلال السنوات الأخيرة، بل أضحت واحدة من المنتجات الأكثر ربحية للمزارعين والمتعاملين فيها لتصبح "بيزنس الفقراء" الذي يدر ربحاً يتراوح ما بين 300 إلى 1000 في المئة وأكثر لمن يعتبرها فرصة عمل سريعة خلال فترات الصيف، بجانب ما توفره من فرص عمل موسمية.

وصدرت مصر تقريباً في العام 2021 حوالى 3.91 ألف طن من ثمار التين الشوكي بقيمة إجمالية نحو 10 ملايين دولار، وفق منصة (tridge) المعنية برصد حركة التجارة العالمية في مجال الأغذية والزراعة.

وبحسب خبراء منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو"، فإن ثمار التين الشوكي واحدة من الأسلحة الهامة في مواجهة التغيرات المناخية، فلديها القدرة على توفير غذاء للإنسان والحيوان، إضافة إلى كونها مصدراً للماء، حيث تستخدم أوراقه "علفاً" ذا قيمة غذائية عالية للحيوانات، كما أن "ألواح" هذا النبات لديها القدرة على الاحتفاظ بكميات كبيرة من مياه الأمطار والتي تشير الدراسات إلى أن هكتاراً واحداً (وحدة قياس المساحة في النظام المتري ويعادل الهكتار 10000 متر مربع أو 2.47 فدان)، من هذه النبتة يمكنه احتواء ما يقرب من 180 طناً من الماء، كما لا تحتاج للماء إلا نادراً، وتتميز بتحملها للجفاف الشديد والارتفاع الكبير في درجات الحرارة، بجانب العديد من فوائدها الطبية والاستثمارية.

"اندبندنت عربية" خاضت جولة في مدينة أبو زعبل (37 كيلومتراً شمال القاهرة) التابعة لمحافظة القليوبية والتي تعد أشهر مناطق زراعة "التين الشوكي" للتعرف إلى ملامح زراعة هذا المحصول وخريطة توزيعه وأسعاره، بعد الارتفاع الكبير في أسعار بيعه للمستهلكين والتي تجاوزت هذا الصيف الـ 50 ضعفاً عن أسعار العام الماضي.

زراعة عتيقة

يستعيد ممدوح قرني الرجل الستيني الذي يدير "شنيش" (محل لبيع التين الشوكي جملة) في أبو زعبل، ذكرياته مع العمل في مجال بيع ثمرة "التين الشوكي" مؤكداً أنه قضى في خدمتها 30 عاماً من عمره تقريباً، مشيراً إلى أن التين الشوكي نبات "بتاع ربنا" وأنه لا يحتاج إلى أي مجهود في زراعته أو رعايته ويحقق للمزارعين مكاسب جيدة.

وأضاف قائلاً "التين الشوكي علاج لمرضى السكري والضغط ليس به مبيدات أو كيماويات، الشجر يأخد ماء وسباخاً (روث الماشية) فقط وغير مكلف نهائياً"، مشيراً إلى أن أفضل أنواع التين الشوكي هي تلك الموجودة في مدينة "أبو زعبل" وأفضلها من حيث المذاق والحجم، يليها الثمار القادمة من محافظتي البحيرة والإسماعيلية، في حين يعد القادم من محافظة السويس "الأسوأ" لمذاقه اللاذع.

 

 

وبالنسبة إلى أسعار بيع ثمار التين الشوكي، أكد ممدوح قرني، أن "العداية" الواحدة (صندوق التعبئة) في أبو زعبل هي الأكبر حجماً وتحمل قرابة 170 ثمرة تين شوكي وتباع بسعر 170 جنيهاً (6 دولارات أميركية تقريباً) بواقع جنيه واحد لكل ثمرة بنظام البيع بالجملة، في حين يبيع تجار التجزئة والباعة الجائلين في المحافظات الأخرى "الكوز" (الثمرة الواحدة) بسعر يصل إلى 5 و10 جنيهات (0.16 إلى 0.32 دولار تقريباً)، فيما يصل سعر الثمرة إلى 10 جنيهات في أحياء القاهرة الراقية، و50 جنيهاً (1.8 دولار) في منطقة الساحل الشمالي ومصيف الأثرياء.

وحول أماكن زراعة التين الشوكي، يؤكد قرني أنها قاصرة على مدن "السويس وأبو زعبل والبحيرة والإسماعيلية" ولا تتم زراعتها في الصعيد أو سيناء أو بقية المحافظات، لافتاً إلى أن هذا النبات لا يحتاج للمياه بشكل أساسي سوى مرة واحدة خلال شهر أمشير (الشهر السادس في التقويم المصري ويعادل الفترة 8 فبراير (شباط) - 9 مارس (آذار) من كل عام)  ثم مرتين  عند "التزهير" وعند "اخضرار" الثمرة.

أبحاث علمية

ويؤكد باحثون من جامعة "نيفادا نيرو" في دراسة امتدت 5 سنوات ونشرت في دورية "جي سي بي بايو إينرجي" إمكانية استخدام ثمار التين الشوكي كمادة أولية قابلة لإنتاج الوقود الحيوي ومقاومة التغيرات المناخية، فضلاً عن توفير الغذاء للإنسان والحيوان.

وأظهرت نتائج الدراسة أن التين الشوكي كان أعلى إنتاجاً للثمار من الذرة وقصب السكر (أهم المحاصيل المستخدمة لإنتاج الطاقة الحيوية)، لكنه في الوقت نفسه يستهلك أقل منها بما يصل إلى 80 في المئة من المياه، ويتحمل درجة حرارة أعلى، مما يجعله المحصول الأكثر مقاومة للجفاف وتغيرات المناخ، كما أن ثمار الصبار تعتبر محصولاً دائماً للطاقة الحيوية ومتعدد الاستخدامات، فعندما لا يتم حصاده للوقود الحيوي أو للغذاء، فإنه يعمل مخزناً للكربون، ويزيل ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي ويخزنه بطريقة مستدامة.

ويأمل الباحثون في استخدام جينات التين الشوكي لتحسين كفاءة استخدام المياه للمحاصيل الأخرى ومقاومتها للجفاف بإغلاق مسامها أثناء حرارة النهار لمنع التبخر وفتحها ليلاً للتنفس على غرار نبتة الصبار.

من جانبه، كشف وكيل وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية مجد المرسي، تفاصيل مبادرة زراعة التين الشوكي، في محافظة الوادي الجديد، مشيراً إلى أنها من التجارب الناجحة بسبب أهميته الاقتصادية، كما أن تكاليف زراعته واحتياجاته المائية قليلة جداً.

وأشار في تصريحات تلفزيونية، إلى أن التين الشوكي مقاوم للتصحر ويستخدم كمصد للرياح، وهو كنز من الكنوز الزراعية بمصر، وأن الدولة تشجع المزارعين على التوسع في زراعته، حيث أن قيمته الإيجارية ستكون منخفضة عن المحاصيل الحقلية الأخرى.

مردود اقتصادي

تعد ثمرة التين الشوكي ذات فوائد عدة طبياً واقتصادياً، حيث تستخرج منها أغلى الزيوت الطبية المستخدمة في ترطيب البشرة ومنع الترهلات ومكافحة علامات الشيخوخة، فيما تستخدم قشرتها في الصناعات السكرية وإنتاج الكحول والغليسرين والخل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويبلغ سعر الليتر من زيت التين الشوكي 1000 دولار أميركي تقريباً، فيما تسهم الثمرة التي بدأت مصر في تصديرها للخارج في خفض مستويات السكر في الدم، وعلاج مشكلات القولون وتحسين صحة القلب ومكافحة مرض السرطان وتقوية العظام والأسنان وخفض نسب الكوليسترول في الدم.

وتستخدم ثمار التين الشوكي في صنع "المربى والعصائر"، حيث تحتوي الواحدة على قيم غذائية عيدية منها 80.3 في المئة رطوبة و19.6 في المئة مواد صلبة و13.4 في المئة سكريات، وكذلك 0.18 حموضة و0.98 بروتين و23 دهون و2.7 ألياف.

وتزرع مصر قرابة 60 ألف فدان من التين الشوكي، ويباع سعر الطن من 18 إلى 20 ألف جنيه مصري (650 دولاراً)، ويبلغ متوسط إنتاجية الفدان نحو 15 طناً، ويستوعب الفدان زراعة 250 شتلة بسعر 10 جنيهات للشتلة الواحدة.

ومن أهم الدول المتخصصة في زراعة التين الشوكي المكسيك وإيطاليا وبوليفيا وشيلي، وكذلك جنوب أفريقيا والأرجنتين والولايات المتحدة الأميركية، ومن الدول العربية تونس والمغرب حيث يدخل التين ضمن صناعات متعددة منها مستحضرات التجميل.

وتضع العديد من الدول شرطاً على تصدير التين الشوكي بما في ذلك إيطاليا والمكسيك وجنوب أفريقيا، والتي تطلب نزع الأشواك عن الثمار وتعبئتها وتبريدها قبل التصدير.

وفي السياق ذاته، أثار الفنان محمد هنيدي، جدلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد تصريحاته الفكاهية حول جنون أسعار التين الشوكي مقترحاً فكرة مشروع للشباب قائلاً "أنجح مشروع دلوقتي ممكن تعمله (عربية تين شوكي) تشتري قفص بـ 100 جنيه فيه 150 حباية، تلبس الكلسون وتدخل الساحل وتبيع لهم الواحدة بـ100 جنيه، يعني الـ100 جنيه هتعملك 15 ألف جنيه".

وأضاف في منشور آخر عبر "فيسبوك" "أي حد هيستغل اسمي أو صورتي أو فكرتي في مشروع تين شوكي في الساحل هرفع عليه قضية".

سعر موحد

يقول أحد تجار التين الشوكي بمحافظة القليوبية ويدعى محمد الجندي، إنه ورث مهنة بيع التين الشوكي عن جدوده، وأنهم بالأساس يعملون في مجال النجارة، لكن في موسم التين الشوكي يتفرغون لهذه المهمة حيث يبيعون المحصول لعشرات التجار من كافة المحافظات.

وأشار الجندي إلى أن التين الشوكي نوع واحد يختلف فقط في لون الثمرة ما بين "الأصفر والأخضر والأحمر والأرجواني" لكن جميعها مذاق واحد وسعرها لدى تجار الجملة موحد، وأن البعض يطلق مسميات مختلفة.

ويتراوح طول شجرة الصبار أو التين الشوكي في المتوسط ما بين 1.5 و3 أمتار، وموطنها الأصلي دولة المكسيك، وتنتشر حالياً في العديد من البلدان كدول أميركا الجنوبية وحوض البحر الأبيض المتوسط، ويمكن لنبتة الصبار تحمل الجفاف والبقاء على قيد الحياة بأقل من 50 مليمتراً من الأمطار في العام، ولكن من دون نمو ولا إنتاج.

ويمثل متوسط هطول الأمطار السنوي الذي يتراوح بين 100 و150 مليمتراً الحد الأدنى المطلوب للنجاح في إنشاء مزارع الصبار، بشرط أن تكون التربة رملية وعميقة، وهذه الظروف المناخية تتوافر في معظم الدول العربية، لذلك ينتشر الصبار في الكثير منها كدول المغرب العربي ومصر وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين.

يقول متخصص الكيمياء الحيوية بكلية الزراعة بجامعة نيفادا رينو، جون كوشمان إن "ما يقرب من 42 في المئة من مساحة الأرض حول العالم مصنفة على أنها شبه قاحلة أو قاحلة، وهناك إمكانات هائلة لزراعة نبات الصبار للمساهمة في عزل الكربون".

محاصيل مربحة

وفي السياق، أضاف نقيب الفلاحين المصريين حسين أبو صدام، بأن قلة تكاليف زراعة التين الشوكي وراء التوجه للتوسع فيه، حيث يحتاج الفدان حوالى 250 شتلة تكون جاهزة للإنتاج خلال عام وتباع الشتلة بـ 10 جنيهات في حين تباع الثمرة الواحدة بمتوسط نحو 5 جنيهات وينتج الفدان نحو 15 طناً في المتوسط، وهو محصول مربح جداً، لافتاً إلى أن الميزة الثانية هي عدم احتياج أشجار التين الشوكي للمياه بعكس المحاصيل الأخرى.

 

 

وتعتبر مصر من الدول التي تعاني من ندرة المياه، حيث بلغ نصيب الفرد من المياه نحو 555 متراً مكعباً عام 2018، وفقاً لتقديرات البنك الدولي، الذي صنف الدول التي تعاني ندرة المياه بتلك التي يقل نصيب الفرد فيها عن ألف متر مكعب، وتتوقع مصر أن ينخفض نصيب الفرد إلى نحو 390 متراً مكعباً بحلول عام 2050 وفقاً لتقرير المساهمات الوطنية الذي قدمته مصر إلى الأمم المتحدة منتصف العام الحالي.

وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قال في تصريحات سابقة، إن مصر من أكثر الدول جفافاً والأقل نفاذاً للموارد المائية المتجددة، كما أنها تعتبر الأعلى من بين دول العالم من حيث نسبة الاعتماد على مصدر أوحد للمياه وهو نهر النيل، الذي يوفر 98 في المئة من احتياجات البلاد المائية.

زراعة المستقبل

محمد أبو غازي مالك مزرعة للتين الشوكي، أكد أن غالبية المزارعين باعوا أراضيهم الزراعية الموجودة داخل مدينة أبو زعبل واتجهوا لزراعة أشجار التين في الصحراء، حيث الإنتاجية العالية والتربة الرملية الأفضل لنباتات الصبار، مشيراً إلى أن الأراضي القديمة الطينية باتت منهكة بخلاف الأراضي التي لا تزال بكراً.

وأضاف أن والده وأجداده يزرعون التين الشوكي منذ الخمسينيات وما زالوا يحافظون على زراعته، فهو غير مكلف على الإطلاق، كما أنه محصول مربح وأفضل من محاصيل الذرة على سبيل المثال، لافتاً إلى أن أشجار التين الشوكي تحتاج إلى ترك مساحات فراغ حول كل شجرة للتمكن من حصاد محصولها بسهولة عقب النضوج، وهو ما دفع كثيراً من المزارعين لبيع أراضيهم الطينية الموجودة داخل المدينة وشراء عدة أفدنة رملية في الصحراء للحصول على إنتاجية أكبر وأجود من الأراضي القديمة.

ويرى أبو غازي، أن المستقبل في زراعة التين الشوكي هو للمناطق الصحراوية، إذ إن النباتي وفر المياه بشكل كبير ويحقق مكاسب كبيرة للمزارعين.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات