ملخص
يقود توني بليز بحماسة معهده الذي نجح في بناء سمعة قوية لناحية جودة عمله ودقة السياسات التي يطرحها وتوقيتها
مسيرة توني بلير المهنية في فترة ما بعد توليه رئاسة الحكومة مختلفة. فرؤساء الوزراء البريطانيون الآخرون غالباً ما واصلوا عملهم في البرلمان، تحديداً في مجلس اللوردات (على رغم أن رئيس الحكومة تيد هيث واصل عمله كنائب في البرلمان لمدة 27 عاماً). ومعظمهم انشغلوا في الأعمال الخيرية. وبعض منهم استحصلوا حتى على وظائف إدارية عليا في الشركات.
أحدهم، وهو أليك دوغلاس–هوم واصل ممارسة السلطة في الحكومة بصفته وزيراً للخارجية في حكومة هيث. ولكن أياً منهم لم يفكر في إنشاء مؤسسة خاصة به للسلطة وبشكل مستقل عن الحكومة مثلما فعل بلير من خلال "معهد توني بلير للتغيير العالمي" Institute for Global Change.
الانتباه تركز أخيراً عليه لأن المعهد قام بتنظيم مؤتمر بعنوان "مستقبل بريطانيا" Future of Britain الشهر الماضي، إذ ظهر توني بلير من خلال المؤتمر وهو يبارك زعيم حزب العمال كير ستارمر بأنه خليفة جدير به. وقال بلير إن إمكانات معهده ستكون بتصرف حزب العمال، فيما يعد الحزب لتسلم الحكم، وبالطبع حين يصبح الحزب على رأس السلطة في حال انتخابه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهذا ليس أكثر مما درج بلير على قوله دائماً: إن العمل الذي يقوم به معهده هو متوافر لأي حكومة أو معارضة في أي دولة كانت إن كانت لديها الرغبة فيها. ولم يمنح المؤتمر قوة دفع فقط لمجرد انعقاده في شهر يفتقر إلى الأحداث السياسية مثل شهر أغسطس (آب) الجاري ولكن لأن حزب العمال يبدو الأكثر احتمالاً بأن يشكل الحكومة البريطانية المقبلة ويبدو كذلك أنه وبسبب الروابط الأيديولوجية والشخصية مع المعهد، هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن معهد بلير للدراسات سيكون مؤثراً. بالطبع، يعتقد وبشكل واسع، بأنه إذا نجح ستارمر في الانتقال إلى 10 داونينغ ستريت فإن عدداً كبيراً من الموظفين في معهد بلير للدراسات سيلحقون به.
بعد فترة طويلة قضى "الغضب العارم من بلير" خلالها على سمعة رئيس الوزراء السابق ونشاطاته منذ تركه السلطة، وفترة تميزت بعكوفه على كسب المال وببساطة من زعماء مستبدين، يبدو أن الرجل قد عاد. ويسود الاعتقاد بشكل عام بأن لديه أشياء مفيدة ليقولها.
تسبب "بريكست" إلى حد كبير بإعادة تأهيله لأنه نجح في عكس وجهة نظر المطالبين بالبقاء في أوروبا بشكل أكثر إقناعاً من أي شخص آخر وواصل القيام بذلك حتى عندما ضلّ الجانب الذي خسر الاستفتاء طريقه في حملة التصويت الشعبي لمصلحة الطرف الآخر.
في الوقت نفسه، نجح معهد بلير في بناء سمعة قوية لناحية جودة عمله ودقة السياسات التي يطرحها وتوقيتها، خصوصاً ما هو غير أيديولوجي ("فالمهم بالنسبة إلى المعهد هو طرح ما هو مجد") على رغم شموله مواضيع مألوفة مثل الحماسة التفاؤلية بالتكنولوجيا وبعض السياسات المعروفة الأخرى مثل قواعد بيانات الشخصية.
وحقق المعهد أيضاً نجاحاً صاعقاً خلال جائحة كورونا من خلال الدعوة إلى "الجرعات الأولى لأكبر عدد" من لقاح "كوفيد-19" الذي أسهم في تسريع عملية توفير اللقاح في مناطق واسعة. ويجري المعهد عملاً مهماً في موضوع التغيرات المناخية وهي القضية التي لفت بلير النظر إليها عندما قال في مقابلة أجراها مع المذيع أندرو مار، إن [سياسة] تصفير الانبعاثات تتعلق بشكل أكبر بما فعلته الدول الأخرى بالمقارنة مع ما تسهم بريطانيا في تقديمه.
لذلك لم يكن مفاجئاً بأن تكون هناك موجة اهتمام جديدة ببلير وأعماله كافة. ما الهدف مما يفعله إذاً؟ هل يبلي معهده بلاء حسناً أم لا؟ ومن يقدم له الدعم المادي؟ في محاولتها الإجابة عن السؤال الأخير، أجرت صحيفة "ذا تايمز" اللندنية كشفاً على حسابات المعهد، ولاحظت أن لاري إليسون، الملياردير الأميركي في قطاع التكنولوجيا، كان منح المعهد أموالاً طائلة منذ 2018. إليسون هو واحد من عدد من كبار المانحين، إضافة إلى مؤسسة بيل وميليندا غيتس الخيرية، ومؤسسة عائلة بلافاتنيك الخيرية Blavatnik Family Foundation، (التي تقدم الدعم لمدرسة الدراسات الحكومية في جامعة أوكسفورد)، إضافة إلى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية US Agency for International Development.
لكن إليسون هو الشخصية المثيرة للاهتمام لأنه كان قد قام بشراء شركة السجلات الصحية الإلكترونية "سيرنر" Cerner، العام الماضي بمبلغ قدره 30 مليار دولار أميركي. وطموح إليسون يتركز على مساعيه لتأمين سجل صحي رقمي لكل مواطن أميركي ـ وبالطبع لكل مواطن في أي دولة في العالم. وهذا يتشابك مع اهتمام بلير الكبير بالسياسات، ومعهده كان بصدد العمل على وضع نظام للهوية الرقمية، خصوصاً في ما يتعلق بسجلات اللقاحات، في روندا وغانا والسنغال.
وكذلك يقول توم ماكتاغي، في ملخص كتبه عن معهد بلير في موقع "أنهيرد" UnHerd، إن بعض أعمال المعهد في الدول النامية جرى انتقادها لأن المعهد تحول إلى "شركة ماكينزي [شركة استشارات إدارية عالمية تقدم خدمات احترافية للشركات والحكومات والمنظمات الأخرى] للاستشارات" لزعماء العالم" أي إلى وكالة استشارات إدارية عالمية تسعى إلى تقديم النصيحة لرؤساء الحكومات والرؤساء، "بالاستناد إلى علاقات شخصية مع بلير نفسه". وهذا ما يطرح السؤال حول الشفافية والمحاسبة.
ويستشهد ماكتاغي بإعلان عمل نشر حول وظيفة شاغرة مع المعهد في شرق أوروبا "لقيادة فريق تابع لمعهد توني بلير متجذر في دولة على أعلى مستوى حكومي"، ويتوقع منه أن "يقترح ويقنع الجهة الشريكة" على مستوى رئاسة الوزراء أو المستوى الرئاسي. ويتساءل ماكتاغي: "ماذا سيكون رد الفعل لو كان الأمر معكوساً، ولنقل مثلاً إن مؤسسة كلينتون الخيرية كانت قامت بنشر إعلان لتوظيف مجموعة من الأشخاص كي يتقربوا من الحكومة البريطانية أو ببساطة "أن يعملوا على اقتراح أو يؤثروا" في رئيس الحكومة البريطاني كي يتبع نصائحهم؟".
وعلى رغم ذلك، يبدو أن هناك طلباً على خدمات المعهد. وهو طلب ضخم. ولقد حقق المعهد دخلاً بلغ قدره 81 مليون دولار أميركي عام 2021، وهو يوظف حالياً 800 شخص حول العالم.
لم أكن أعتقد يوماً بأن بلير كان مهتماً بالكسب المادي لنفسه. لطالما كان مهتماً بالسلطة، وهو كان بحاجة إلى جمع الأموال والعمل على استخدام شبكة معارفه وخبراته السياسية. لدى توني بلير أكثر مما يحتاج إليه من المال لتلبية حاجاته الشخصية، مع امتلاكه منزلاً في لندن، ومنزله في الريف الإنجليزي، إضافة إلى تمتعه بنمط حياة رؤساء الوزراء [السابقين]. نجله إيوان الذي بلغت قيمة شركته "ملتيفيرس" Multiverse للتدريب المهني 1.7 مليار دولار العام الماضي، يمتلك أكثر منه حتى. إن بلير الأب لا يقوم بمنح نفسه راتباً من المعهد: فكل المال الذي يجمعه المعهد يعاد استثماره للقيام باستشارات للحكومات حول العالم ووضع سياسات للدولة هنا في المملكة المتحدة.
ما يحفز توني بلير وهو في عمر الـ70، على العمل بكل هذا الجهد، وكأنه لا يزال لديه بلد أو حتى عالم ليديره؟ يكتب ماكتاغي "كلما أجريت دراسات عن توني بلير، تساءلت عما إذا كانت أقوى نقاط ضعفه هي ببساطة رغبته في الاحتفاظ بموقع مؤثر وهي نقطة ضعف كان جي دي سالنجر JD Salinger، وصفها بأنها ’عدم توافر الشجاعة لتكون شخصاً عادياً للغاية‘".
© The Independent