ملخص
من يساوره القلق في شأن الاستبداد في أي نظام يجب أن يسعى لتصغير أدوار الحكومة في الاقتصاد والثقافة والمجتمع لكي تجد المؤسسات المدنية أمامها طريقاً للنمو والتطور.
بعد فترة من انتهاء الحركة الاحتجاجية في شوارع إيران شهدنا بروز خلافات بين أنصار النظام الجمهوري (الماركسيين والإسلاميين) وأنصار النظام الملكي (الأعداء اللدودين للماركسيين والإسلاميين) حول مستقبل النظام السياسي في إيران.
التياران وجها انتقادات حادة ضد بعضهما بعضاً، كما شهدنا في مجالات أخرى خلافات حول الفيدرالية وتقرير المصير والاستقلال وإقامة نظام مركزي، كما أن النقاشات مستمرة في شأن حدود الدين ومواجهة المؤسسات التابعة لمؤسسة الدين في المجتمع.
هذه الخلافات، على رغم عدم جدواها والضرر الذي تسببه للحركة الاحتجاجية، تكشف عن أن النشطاء السياسيين لا يدركون أن مستقبل إيران يجب بحثه بدقة كبيرة وعلى أساس الصبر. هذه النقاشات يجب أن تشمل مهام الحكومة في مستوى المدن والمحافظات والمستوى الوطني.
أسعى من خلال هذا المقال إلى طرح أسئلة في شأن كل المجالات المتعلقة بطبيعة النظام المستقبلي في إيران.
حدود مسؤوليات الحكومة في الاقتصاد
هل يجب أن تكون لدينا في إيران الحرة والديمقراطية وزارات مثل السكن وبناء المدن والاتصالات والنفط والصناعة والمناجم والطاقة؟ ما الأدوار التي يجب أن تضطلع بها وزارة الطاقة وكذلك وزارة بناء المدن؟ هل يجب أن تتولى الحكومة المركزية جميع مهام إنشاء البنى التحتية المتعلقة بالإنتاج وتوزيع الطاقة أو صناعات السيارات وشبكات الري والاتصالات؟
هل تعمل الحكومة على بناء مساكن لأصحاب الريع والمنتمين إليها، أم أنها تكتفي بدفع نفقات بناء مثل هذه المساكن؟ هل تتدخل الحكومات المحلية في الأقاليم في هذه الأمور أم يجب إدارتها بواسطة القطاع الخاص؟
والسؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو ما حجم تدخل الحكومة في الاقتصاد؟ هل هذه النسبة 15 أو 25 أو 80 في المئة؟ ولهذا التدخل تأثير كبير في شؤون الحياة للمواطنين مستقبلاً.
التصرف بالموارد الوطنية
أين يجب الاحتفاظ بأموال الموارد الوطنية مثل النفط والغاز والمناجم؟ ما المؤسسة التي تدير هذه الأموال؟ هل يجب أن تحتفظ بها الحكومة لكي تنفقها على الفساد والقمع؟ أم يجب إيداعها في حسابات استثمار مستقبلي أو حسابات التقاعد؟
هل تصل هذه الأموال إلى أصحابها بواسطة مسؤولين أكفاء وعادلين لكي تستخدمها الطبقات الفقيرة؟ كيف يجب العمل حتى لا تنفق موارد البلاد للمشاريع التوسعية للحكام أو الترويج الأيديولوجي؟ كيف يمكن تشكيل حكومة نشطة وبعيدة من التعقيدات؟ ما السبل التي تضع حداً لفساد الحكام ونهبهم ثروات الشعب؟
حدود عمل الحكومة
ماذا سيحل بمؤسسات مثل منظمة الدعاية الإسلامية ووزارة الإرشاد والتراث الثقافي ووزارة الرياضة ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون الحكومية والمؤسسات الدعائية الدينية مثل مؤسسة الدعاية الإسلامية ومؤسسة الثقافة والتواصل والمئات من دور النشر والمطبوعات والمواقع الحكومية؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل تنسحب الحكومة من هذه المؤسسات؟ أم يرغب المسؤولون بالعمل في مثل هذه المؤسسات وأن يتدخلوا في جميع الشؤون المتعلقة بالثقافة؟
هل ستنفق الموارد العامة لإنتاج أفلام يرغب بها المسؤولون السياسيون لهندسة الساحة الثقافية طبقاً لتوجهاتهم؟ هل ستنفق كلفة الرياضة من جيوب الفقراء؟ هل يجب دفع كلفة الاحتفالات الحكومية والدينية والتجمعات المناصرة للنظام من المصادر العامة؟
العلاقة بين الدين والحكومة
هل يجب الحفاظ على المؤسسات الحكومية لتحصل على نفقاتها من ميزانية الحكومة؟ هل تكون إدارتها حكومية؟ ماذا سيحل بالأوقاف؟ إذا ما تقرر بقاء هذه المؤسسات تحت إدارة الحكومة فإننا سنكون وقتها قد اتخذنا النموذج الألماني (ولم تستغل فيه المؤسسات الدينية لصالح الدولة) أو مثل تركيا حيث يستغل أردوغان المؤسسات الدينية كوسيلة للسلطة؟ ما المشكلة إذا كان لدينا نموذج مثل الولايات المتحدة حيث إن الحكومة لا تتدخل في مؤسسات الدين؟ الرد على مثل هذه الأسئلة يبين مدى الالتزام بالعلمانية التي ننتهجها مستقبلاً، هل الدين والسلطة يتم عزلهما، هل تكون ضمن الأجهزة القضائية؟
أدوار الحكومة المركزية
ما حدود أدوار الحكومة المركزية؟ هل تقتصر أدوارها على الدفاع والشؤون الخارجية والأمن الداخلي والمشاريع الكبيرة ومعالجة الكوارث الطبيعية أم ستكون الحكومة المركزية مثل روضة الأطفال تتدخل في جميع شؤون المواطنين؟ هل ستتولى الحكومة توفير العيش لنحو نصف سكان البلاد؟ ما الأدوار التي يجب أن تبتعد عنها الحكومة؟
هل يستطيع سكان أي منطقة ومدينة وإقليم التحكم بالقطاعات الأساسية المرتبطة بالمصادر المحلية والضرائب؟
هل تكون مهمة توفير الأمن على عاتق الأقاليم؟ هل تستطيع الحكومة إنشاء قناة لنقل مياه إقليم إلى مكان آخر من دون أن يتدخل سكان ذلك الإقليم؟ هل تستطيع الأقاليم تشكيل سلطات تنفيذية وبرلمان وقضاء؟ هل بإمكانهم اتخاذ قرارات فيما يتعلق بأقاليمهم لتكون أدوار السلطات الثلاث على مستوى البلاد ضئيلة؟
هل تحديد أدوار الحكومة المركزية وفصل الدين عن الحكومة يؤدي إلى تقليص أدوار المؤسسات الحكومية؟
الثقافة والمجتمع
ما مصير وزارات التربية والتعليم والعلوم والبحوث والصحة والتعليم الطبي بعد سنوات من انهماكها بغسيل الأدمغة والتزوير في منح الشهادات الجامعية والمنح الدراسية؟
هل تستطيع الحكومة اتخاذ قرارات في شأن محتوى الكتب الدراسية؟ هل تتدخل في تعيين الأستاذة بناءً على توجهات أيديولوجية؟ هل يكون أمامها المجال مفتوحاً لإيفاد عشرات الآلاف من رجال الدين إلى المدارس؟ هل تستطيع اتخاذ قرارات في شأن إقالة الأساتذة؟ ماذا يجب أن نفعل لكي لا نواجه مثل هذا الأمر؟ كيف يمكن أبعاد الحكومة من الحياة العلمية والثقافية والاجتماعية وإدارتها بواسطة الأموال التي تصل من ضرائب المواطنين؟
حقوق الناس
هل تمنح جميع أدوات السلطة إلى الشعب؟ هل يحق للمواطنين الملتزمين بالقوانين حيازة السلاح؟ ما الإجراءات التي يجب اتخاذها لمنع إطلاق الرصاص ضد الناس في الشوارع؟ هل يحق لجميع المواطنين القيام باحتفالات غير دينية خاصة بهم على غرار ما نشهده خلال عاشوراء في الشوارع؟ هل يستطيع المثليون إجراء احتفالاتهم بدعم من الشرطة؟ هل يستطيع الشباب مثلاً إجراء احتفال يتعلق بـ"البيرة"؟ هل يطيق المتدينون الذين ينادون إلى الحرية الدينية، أن يتمتع الجميع بالحرية؟ كيف يمكن منع المتدينين من التعدي على حريات الأفراد؟
الجدل المفيد
لنهتم بدلاً من الخلافات على الشاه ورئيس الجمهورية والسيادة على الأراضي الوطنية وشجب مناهضة الدين ومصير الحريات، لنهتم بنقاشات حول أدوار الحكومة حيث لها الأثر الأكبر في المصائب الوطنية.
السؤال الأهم فيما يخص مستقبل البلاد يتعلق بأدوار الحكومة ومدى تدخلها في شؤون المواطنين. وفي حال عدم تدخل الحكومة سيصبح الوضع مختلفاً لأن الناس في جميع أنحاء العالم لا يلتزمون بما يقره العقل والأخلاق والقانون. وإذا ما سحبت الحكومة أرجلها من هذه المواضيع سيجد المجتمع طريقاً لمواجهة مثل هذه المشكلات.
من يساوره القلق في شأن الاستبداد في أي نظام يجب أن يسعى لتصغير أدوار الحكومة في الاقتصاد والثقافة والمجتمع وسد الطريق أمام الاستبداد المبني على تكبير أدوار الحكومة لكي تجد المؤسسات المدنية أمامها طريقاً للنمو والتطور.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"