ملخص
تشير الأرقام إلى أن سوق العمل في بريطانيا لا تزال تعاني عرضاً محدوداً في العمالة مقارنة بالطلب عليها، وهذا أمر له عواقب اقتصادية وسياسية جيدة وسيئة على الحكومة
الخبر الرئيس هو أن متوسط الأجور – ثمة كثير من الاختلافات – ارتفع بنسبة 7.8 في المئة في الفصل الثاني من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، هذا رقم مرتفع جداً بالمعايير التاريخية الحديثة، وأسرع معدل زيادة منذ بدء السجلات المعنية بذلك في عام 2001، ذلك أن ارتفاع معدلات الأجور بأرقام قريبة من خانة العشرات هو شيء افترض كثر أنه بات في الماضي البعيد.
تشير الأرقام إلى أن سوق العمل لا تزال تعاني عرضاً محدوداً في العمالة مقارنة بالطلب عليها، وهذا أمر له عواقب اقتصادية وسياسية جيدة وسيئة على الحكومة. وسينشر رقم التضخم السنوي الشهري قريباً، وسيعطي مؤشراً آخر إلى حالة الاقتصاد. وستكون هذه القراءات كلها مهمة في قرار بنك إنجلترا التالي في شأن معدل الفائدة، المقرر الشهر المقبل.
لماذا ترتفع الأجور بهذه السرعة؟
بسبب موضوع العرض والطلب، نظراً إلى أن مزيج العوامل الناجمة عن "بريكست" والجائحة اللذين قللا من المعروض من العمالة بشكل كبير، ونظراً إلى عودة الاقتصاد أخيراً إلى مستويات الإنتاج السابقة لـ"كوفيد"، يعد العرض من العمالة – الجميع من الجراحين إلى قاطفي الفاكهة – ضعيفاً. وهكذا يرفع أصحاب العمل الأجور. وقد يكون عدد قليل من أولئك الذين غادروا سوق العمل النشطة قد أغراهم ارتفاع معدلات الأجور هذا بالعودة (وكذلك الضغوط على ميزانيات الأسر)، لكن لا تزال ثمة نواقص واضحة كثيرة في أنواع العاملين كلها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ظروف كهذه تشعر المصارف المركزية والحكومات بقلق من ارتفاع معدل التضخم بفعل ارتفاع معدلات الأجور [الذي سيقود إلى ارتفاع كلف الإنتاج]، ثم تحاول خفض الطلب على العمالة من طريق خفض الطلب الكلي على البضائع والخدمات في الاقتصاد. ويتحقق ذلك من خلال استبعاد قوة الإنفاق من خلال فواتير أعلى للرهون العقارية، تدعمها رفع ضرائب تهدف إلى الحد من الإنفاق. وبالنسبة إلى مقاومة القطاع العام مناقشة المطالب، يعني ذلك قيام إضرابات. من هنا نشأت الحالة التي نحن فيها الآن.
هل ستلحق الأجور بالتضخم في نهاية المطاف؟
سنعلم قريباً، لكن الاتجاه العام هو في إحدى النواحي مشجع - الأجور ترتفع، التضخم ينخفض. لذلك سيخف في الأجل القريب الضغط المفروض على مستويات المعيشة، وقد يشعر كثر من الناس بتحسن. ومع ذلك، من المحق القول أيضاً إن العاملين في القطاع الخاص يتمتعون بزيادات في الأجور أعلى قليلاً مقارنة بنظرائهم في القطاع العام، كما تشهد مجموعات مثل المعلمين والممرضين والأطباء تآكلاً بعيد الأجل في قوة رواتبهم الشرائية في ظل سنوات التقشف الطويلة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. ومن الإنصاف أيضاً الإشارة إلى أن كثيراً من الضرورات ترتفع أسعارها بوتيرة أسرع من معدل التضخم، مما يصيب الأقل ثراء بشكل أشد. حتى أولئك الذين يحصلون على أجور أفضل لا ينالون زيادات في الأجور بما يتماشى مع ارتفاع الأسعار.
من ناحية أخرى ــ الاقتصاديون ينظرون إلى ناحيتين في الأقل ــ يشير ارتفاع الأجور أيضاً إلى أن التضخم "المحلي" أو "الأساسي" أصبح مترسخاً في دوامة الأجور - الأسعار المرعبة على المدى الطويل [يشير مصطلح التضخم "الأساسي" إلى الزيادة العامة في أسعار السلع والخدمات في الاقتصاد، مع التركيز بشكل خاص على العناصر الأساسية التي يتم استهلاكها بانتظام، مثل الغذاء والسكن والضرورات الأساسية الأخرى].
لذلك في الأجل القريب – حتى نهاية العام – سينخفض معدل التضخم بسرعة كبيرة مع خروج الزيادات في كلف الأغذية والطاقة التي طرأت العام الماضي (مدفوعة بالحرب في أوكرانيا) من الحسابات (أي إنها لم تتضاعف مرة أخرى هذا العام، في حين سيهدأ بعضها). سيطرأ بعض الشعور الجيد، لكنه مكبوت أيضاً في الأجل الأبعد إذا استمر بنك إنجلترا في دفع معدلات الفائدة إلى أعلى وارتفع معدل البطالة تدريجاً.
هل هذه الأخبار جيدة أو سيئة لريشي سوناك؟
إذا انخفض معدل التضخم بقدر ما يتوقعه بعض الاقتصاديين – من 7.9 في المئة في السنة المنتهية في يونيو (حزيران)، إلى ما بين 6.7 وسبعة في المئة في يوليو (تموز)، سيشكل ذلك عناوين رئيسة ممتازة، بالتالي سيبدو وعد رئيس الوزراء بتخفيض معدل التضخم إلى النصف خلال عام 2023، وإنزاله إلى نحو خمسة في المئة، محتملاً للغاية. قد تتوقعون أن يستفيد سوناك وفريقه من ذلك إلى أقصى حد، ولا سيما نظراً إلى الفوضى التي آل إليها "أسبوع القوارب الصغيرة".
ومع ذلك، وبسبب النمو السريع في الأجور، الذي لا يدعمه في الغالب أي تحسن في الإنتاجية، قد يستغرق معدل التضخم وقتاً أطول للوصول من خمسة في المئة إلى المستهدف الرسمي الفعلي لبنك إنجلترا البالغ اثنين في المئة – ليس حتى أوائل عام 2025، وفق المصرف. وسيتطلب ذلك معدلات للفائدة مرتفعة نسبياً لبعض الوقت، لكنه سيمثل صداعاً للحكومة المقبلة.
هل سترتفع فواتير الرهون العقارية مرة أخرى؟
بالنسبة إلى أولئك الخاضعين إلى معدلات متغيرة أو يتقدمون بطلبات للحصول على قرض جديد أو إعادة رهن، الإجابة هي نعم – وتواجه الشركات كلف تمويل أعلى. وسيتطلب إيصال معدل التضخم إلى أي مستوى قريب من مستهدف الإثنين في المئة بعض التحديات الحقيقية خلال عام 2024، على رغم أنها ستكون موزعة في شكل غير مُتساوٍ – سيكون الأكبر سناً والأغنى ممن لديهم مدخرات كبيرة وليست لديهم قروض عقارية الناس الأسعد.
من المتوقع أن يبلغ معدل الفائدة لدى بنك إنجلترا ذروته عند ستة في المئة، لكن إذا ظل معدل التضخم الأساسي – يستبعد البنود المتقلبة مثل الأغذية والوقود، وتدفعه الأجور – مرتفعاً باستمرار، سترتفع المعدلات وراءه، تدريجاً لكن من دون هوادة.
هل سيحصل المتقاعدون على زيادة ضخمة إضافية؟
نعم، لأن فكرة "الضمانة"، وهي فكرة أطلقها الديمقراطيون الليبراليون، وطبقتها الحكومة الائتلافية قبل عقد، تضمن أن المعاش التقاعدي الحكومي سيرتفع إما بنسبة 2.5 في المئة، بسبب التضخم، أو بمعدل زيادة الأجور – أيهما أعلى. وعلى رغم تعليق هذا التعهد خلال الظروف الاقتصادية المجنونة التي أحاطت بالجائحة، يجري الوفاء به ويستعيد في الأقل بعض التخفيض في القيمة الحقيقية للمعاشات التقاعدية بعدما تخلت عنه حكومة ثاتشر عام 1980، بالتالي هو يؤدي دوراً في الحد من فقر المتقاعدين، وسترتفع المعاشات التقاعدية مرة أخرى بما يتماشى مع الأجور، ما يضمن عدم تخلف المتقاعدين الأكثر فقراً عن الركب كما حدث في الماضي.
ستبقى الضمانة قائمة في الوقت القصير المتبقي قبل الانتخابات العامة، لكن ما يحدث بعد هذه المرحلة حساس للغاية من الناحية السياسية. هل ستلتزم الأحزاب الرئيسة الحفاظ على هذه السياسة، أو خفضها، أو التخلي عنها، ملقية اللوم على الحالة السيئة للمالية العامة؟ إن صوت المتقاعدين، الذي يظهر بقوة كبيرة ومثيرة للإعجاب يوم الاقتراع، صوت قوي، خاصة بالنسبة إلى حزب المحافظين.
تقود الاتجاهات الاقتصادية التصويت دائماً تقريباً، والطريقة التي ستسير بها التيارات المتقاطعة للأجور والأسعار ومعدلات الفائدة على مدى الأشهر القليلة المقبلة بالنسبة إلى المتقاعدين، والعاملين في القطاع الخاص، والعاملين في القطاع العام، ومشتري المنازل للمرة الأولى، ورجال الأعمال، ستكون من دون شك حاسمة.
© The Independent