ملخص
دفعت أعمال حرق القرآن تصنيف التهديد الإرهابي في السويد إلى "مرتفع" – فكيف ينبغي لها وللدنمرك التعامل مع الأزمة؟
"نعلم أن أعمالاً إرهابية مخططاً لها قد منعت"، هذا ما قاله رئيس الوزراء السويدي، أولف كريسترسون، في حين زادت البلاد مستوى التهديد الإرهابي إلى "مرتفع" الأسبوع الماضي. وحض المواطنين على توخي اليقظة في وقت تواجه فيه السويد وجارتها الدنمارك رد فعل عنيف في أجزاء من العالم الإسلامي بسبب حرق القرآن في احتجاجات عامة.
وإذ رفع جهاز الأمن السويدي (سابو) مستوى التهديد من ثلاثة، أي "التهديد الشديد"، إلى أربعة، أي "التهديد العالي" – ثاني أعلى مستوى – للمرة الأولى منذ عام 2016، أفاد بأن السويد تحولت في الأشهر الأخيرة من مستهدف "شرعي" إلى مستهدف ذي "أولوية" للأعمال الإرهابية. وقالت رئيسة "سابو" – شارلوت فون إيسن – إن البلاد أصبحت "بؤرة تركيز متزايد" للمتطرفين الإسلاميين، مضيفة أن خطوة الجهاز لا ترتبط بحادثة واحدة بعينها.
وتعزز الدنمارك والسويد إجراءات الأمن على حدودهما في الوقت الذي تتهمان فيه روسيا بتعمد تأجيج النيران بحملات تضليل في أعقاب احتجاجات في الخارج على حرق القرآن في مدن إسكندنافية.
جاءت آخر التطورات الجمعة عندما اعتقلت الشرطة السويدية امرأة رشت رجلاً بمطفأة حريق أثناء تنظيمه احتجاجاً تضمن حرقاً للقرآن خارج السفارة الإيرانية في ستوكهولم. وأظهرت لقطات فيديو للمشهد المرأة وهي تهرع نحو الرجل وترش المسحوق الأبيض قبل اعتراضها من قبل ضباط شرطة يرتدون ملابس مدنية قادوها بعيداً. وقال ناطق باسم الشرطة إن المرأة، التي لم تكشف الشرطة عن هويتها، احتجزت للاشتباه في إخلالها بالنظام العام وممارستها العنف ضد ضابط شرطة.
وتسمح قوانين حرية التعبير بأعمال حرق كهذه في كل من الدنمارك والسويد منذ سنوات – إذ أسقطت طعون قضائية استهدفت وقف هذه الأعمال – لكن الأزمة الأخيرة تتصاعد منذ يناير (كانون الثاني) عندما أحرق السياسي الدنماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان نسخة من القرآن خارج السفارة التركية في ستوكهولم. ومنذ ذلك الحين وقعت حوادث عديدة.
وولد ذلك كثيراً من التوتر في كلا البلدين، إذ هاجم زعماؤهما أعمال الحرق. وقال كريسترسون في مؤتمر صحافي في أغسطس (آب): "ليس كل ما هو قانوني مناسباً. يمكن أن يكون الأمر قانونياً، لكنه لا يزال فظيعاً".
ويضيف دور روسيا – التي أدى غزوها أوكرانيا قبل 18 شهراً إلى توحيد الغرب في إدانتها – عنصراً دولياً يتجاوز العلاقات مع البلدان ذات الغالبية المسلمة، وهي علاقات تضررت بشدة من أعمال الحرق، وبطء وتيرة المناقشات السياسية حول ما يجب القيام به حيالها. والواضح أن الجمود ليس خياراً.
يواجه البلدان ما يرقى إلى أكبر أزمة دبلوماسية منذ عقود، لكن بالنسبة إلى السويد على وجه الخصوص، تشكل هذه الأزمة صداعاً يستحوذ على اهتمامها كله. أدرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعمال حرق القرآن من ضمن تعليل عرقلة بلاده طلب ستوكهولم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهو طلب قدم في الوقت نفسه الذي قدمت فيه فنلندا طلباً مماثلاً في أعقاب غزو أوكرانيا في فبراير (شباط) من العام الماضي. وفي حين يبدو أن المأزق قد جرى تجاوزه أخيراً بعد جهود دبلوماسية مكثفة في قمة عقدتها الدول الأعضاء في التحالف في ليتوانيا الشهر الماضي، لا يزال يتعين على تركيا المصادقة على عضوية السويد. وانضمت فنلندا رسمياً في أبريل (نيسان).
وأصدرت بلدان أخرى، من إستونيا إلى المملكة المتحدة، تحذيرات في شأن السفر إلى السويد، وأفادت وزارة الخارجية البريطانية في تحديث حديث لها بما يلي: "يجب أن تتوخوا الحذر في هذا الوقت... من المرجح جداً أن يحاول إرهابيون تنفيذ هجمات في السويد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يعني ذلك أن أعمال حرق القرآن تجري في كل مكان. فالجناة وراء أي أعمال حرق يمكن عدهم على أصابع بضع أيدٍ. إنهم متطرفون يمينيون. بعضهم، مثل بالودان، يمارسون ذلك منذ سنوات، ولا يضيعون أبداً فرصة لجذب الاهتمام الذي تجلبه هذه الأعمال حتماً.
ويتنقل حارقو القرآن من سفارة إلى سفارة، لضمان تصوير أعمالهم ونشرها على الإنترنت. في كثير من الأحيان لا يوجد شهود تقريباً في هذه الأحداث، باستثناء الشرطة وعناصر الأمن الذين يتابعون هؤلاء النشطاء – وبالطبع الشخص الذي يصور الفيديو.
الأزمة التي تسببت فيها أعمال الحرق واضحة جداً. تعرضت السفارة السويدية في بغداد إلى هجوم من قبل حشد غاضب في منتصف يوليو (تموز)، وكذلك السفارة السويدية في لبنان في 9 أغسطس. والربيع الماضي، اعتقلت الشرطة أربعة إسلاميين متشددين مزعومين في ثلاث بلدات سويدية للاشتباه في ارتكابهم جرائم إرهابية. وفي الوقت نفسه يحقق ضباط مكافحة الإرهاب أيضاً في هجوم على القنصلية الفخرية السويدية في مدينة إزمير الساحلية بغرب تركيا، حيث قتل موظف تركي في إطلاق للنار.
واستدعي سفراء دنماركيون من قبل مضيفيهم في عدة بلدان، بما في ذلك إيران ومصر، وطلبوا منهم توضيح ما يحدث. وتطلب مصر رسمياً من الحكومة الدنماركية إنهاء أعمال حرق القرآن.
وبالنسبة إلى كوبنهاغن، يذكر ما يجري بما يسمى أزمة الرسوم الكاريكاتيرية بين عامي 2005 و2006، عند طبع رسوم كاريكاتيرية تصور النبي محمد في صحيفة "يولاندس بوستن" الدنماركية. واستمرت هذه الأزمة لأشهر وأدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص في احتجاجات غاضبة في أنحاء العالم كله. وعام 2005، رفض رئيس الوزراء آنذاك أندرس فوغ راسموسن دعوة إلى الاجتماع مع ممثلين لبلدان ذات غالبية مسلمة. وألقى خطاباً في أوائل عام 2006 قال فيه إنه يأمل في "أن نكون قد وصلنا إلى نقطة يمكننا من خلالها العودة إلى حوار بناء بين شعب الدنمارك والعالم الإسلامي".
أما هذه المرة، فقد سارع وزير الخارجية الدنماركي، لارس لوكه راسموسن، إلى التواصل مع منظمة التعاون الإسلامي لاستنكار أعمال حرق القرآن. وتحاول الحكومة الدنماركية الآن العثور على طريقة تجعل حرق الكتب والرموز الدينية غير قانوني – لا شك في أنها تدرك الضرر الهائل الذي لحق بالصادرات الدنماركية إلى البلدان الإسلامية المرة الماضية، وتحرص على تجنب مواجهة أخرى مع العالم الإسلامي.
وصوت عدد من أعضاء الحكومة الائتلافية الحالية لصالح إلغاء قانون التجديف القائم عام 2017 الذي كان يجعل أعمال حرق القرآن غير قانونية. وأعلن راسموسن، الذي كان رئيساً للوزراء عام 2017، عن فخره بإلغاء قانون التجديف، مما سمح بحوار حر ومفتوح. واليوم، يبدو أنه يرى الأمور في شكل مختلف.
كتب راسموسن في بيان صدر في يوليو يقول "إنه لعمل حقير أن يسيء المرء إلى المعتقدات الدينية للآخرين. ويصح هذا عندما يتعلق الأمر بإحراق نسخ من القرآن وكذلك الرموز الدينية الأخرى. ليس لهذه الأفعال هدف آخر سوى إثارة الانقسام والتسبب فيه".
وأدت دعوته إلى اتخاذ إجراءات لمنع أعمال حرق القرآن إلى اتهامات بالنفاق في بعض الأوساط. كتب ليني مالاسينسكي في صحيفة البرودشيت "فيك أند أفيسن" يقول "يحق للدنماركيين معرفة الجانب الذي تقف فيه الحكومة: الحريات الدنماركية أو الحكومات المسلمة التي تريد الحد من هذه الحريات".
وفي السويد، يواجه الإجماع القائم منذ فترة طويلة على الترحيب بالمهاجرين إلى الشواطئ السويدية منذ حصول الحزب اليميني المتطرف ديمقراطيو السويد (سفيريه ديموكراترنا) على 20.5 في المئة من الأصوات في انتخابات عام 2022، ليصبح ثاني أكبر حزب في البرلمان. وتدعم اتفاقية "ثقة ودعم" مبرمة مع الحزب اليميني المتطرف ائتلاف الأقلية الذي يتزعمه كريسترسون. وعندما سئل عن ذلك الخميس، قال كريسترسون إن بعض السويديين يجب أن "يعيدوا النظر في كيفية التعبير عن أنفسهم".
وأضاف "لا يوجد سبب لإهانة شخص آخر عمداً، لأن ذلك يخاطر في الواقع بتهديد السويد".
لا شك في أن رئيس الوزراء السويدي يشعر بالضغط. يضاف إلى ذلك الرسالة النصية ذات المصدر غير المعروف التي أرسلت إلى عديد من المتلقين في الدنمارك والسويد. وجاء في النص: "يظهر إشعال النار في القرآن الكريم نفاق السويد والبلدان الغربية وخيانتها"، إلى جانب رابط يعرض 350 ألف كرونة (نحو 25 ألف جنيه استرليني/ 32 ألف دولار) لمن يأتي بالسياسي بالودان "ميتاً أو حياً"، وفق الإذاعة العامة السويدية "أس في تي".
سيكون من الصعب على كريسترسون العثور على طريقة لاسترضاء المصرين على حرية التعبير وأولئك الذين يسعون في تغيير القانون، مما يعني أن الأزمة من المرجح أن تستمر. وقد يوفر ربط نشر المعلومات المضللة حول أعمال حرق القرآن بروسيا زخماً إضافياً.
وكتبت رئيسة الوزراء الدنماركية، مته فريدريكسن، أخيراً في "فيك أند أفيسن" تقول: "نستخدم كثيراً من الموارد لبناء شراكات وتحالفات على أساس مبدأين: أن هناك حرباً في أوروبا ونحن في حاجة إلى دعم عالمي لحل جيد لأوكرانيا، وأن الغرب يفقد نفوذه في العالم، هذا يعني أن علينا ببساطة أن نفعل ما في وسعنا للتأكد من أن لدينا شركاء جيدين على الساحة الدولية".
لكن الطريق لن تكون سهلة. لا تريد السويد ولا الدنمارك المخاطرة بعلاقاتهما مع الشركاء الدوليين، لكن المشكلة التي يجب أن تتعاملا معها هي كيفية التوفيق بين هذا وقوانين حرية التعبير وتقاليدها المتأصلة في كلا البلدين.
© The Independent