ملخص
بوتين قال إن "تمرد فاغنر طعنة في الظهر وخيانة لا تغتفر" وإن "جميع المسؤولين عنه سيلقون عقاباً لا مفر منه"... فهل انتقم الرئيس الروسي من بريغوجين أم سبقه القدر؟
أثار مصرع قائد مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين كثيراً من التساؤلات: هل الوفاة حادثة طارئة أم إنها عمل انتقامي، وهل المتهم من داخل روسيا أم من خارجها، ولمصلحة من، وماذا عن مصير "فاغنر" في بيلاروس؟
الأسئلة أكثر من الإجابات. قالوا إن هناك من شاهده في أفريقيا، وإن الوفاة كانت محتملة ومتوقعة، بل وربما كانت "حتمية" منذ تاريخ تمرد "فاغنر" الذي اندلع فجأة وانتهى أيضاً فجأة ولم يكن مضى على بدايته أكثر من 24 ساعة بوساطة من رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو، ولم يمض من الزمن سوى بضعة أيام حتى ظهر خبر لقاء بريغوجين وزهاء 35 من رجاله مع الرئيس فلاديمير بوتين، ما أقام الدنيا ولم يقعدها، مثيراً دهشة العالم بأسره.
أصابع الاتهام سرعان ما توجهت صوب من استهدفه تمرد "فاغنر"، فهل ستكون النهاية، أم إنها بداية لسلسة من الأفعال الانتقامية التي يمكن أن يرتكبها رجال "فاغنر"؟
ثمة من يقول إن وجود أكثر من قرين ليفغيني بريغوجين يمكن أن يضفي على الحادثة المأسوية أبعاداً أخرى. وهناك من يقول إن "اختفاء" أو "إخفاء" بريغوجين يمكن أن يسهم في إعادة ترتيب المشهد السياسي. ولربما كان ذلك ضرورياً لإعداد الساحة لقبول حلول أخرى للأزمة الأوكرانية، بل ويمكن أن يكون ذلك أحد مشاهد "قصة ملفقة" لبريغوجين تسمح له بأن ينزلق بهدوء ليعيش في مكان ما في المنفى، "تحت شعر مستعار" وبدرجة معينة من "السرية".
غموض شديد
البداية تمثلت في ظهور خبر نشرته وكالة أنباء "تاس" وسط ظروف يكتنفها غموض شديد حول تحطم طائرة من طراز بيزنس جيت "إمبراير" في مقاطعة تفير (شمال ضواحي العاصمة موسكو) وعلى متنها 10 ركاب، بينهم طاقم من ثلاثة أفراد، من دون أن ينجو منهم أحد.
وقالت الوكالة الروسية، إن اسم يفغيني بريغوجين مؤسس شركة الحراسة الخاصة "فاغنر" كان مدرجاً ضمن أسماء الركاب الـ10. وأضافت أن "الطائرة كانت في طريقها من موسكو إلى سان بطرسبورغ".
وقد أذاعت الخبر قناة تلفزيون "روسيا-2" الإخبارية الرسمية بالنص نفسه. وعلى رغم عدم وجود نص رسمي يؤكد أو ينفي الخبر، فقد تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي تأكيده نقلاً عن أحد عناصر "فاغنر" هو فلاديمير روغوف زعيم حركة "نحن مع روسيا" (جنوب شرقي أوكرانيا).
وقد أكد روغوف نقلاً عن عناصر "مسلحي فاغنر"، خبر مصرع زعيم "فاغنر" ومعه دميتري أوتكين وهو أحد ضباط القوات المسلحة الروسية كان اختار لنفسه كنية "فاغنر"، قبل أن يطلقها بريغوجين على فصائله المسلحة.
وكان روغوف كتب على "تيليغرام" يقول "تحدثت الآن مع مشاهير الموسيقيين (عناصر فاغنر)، إنهم يؤكدون واقعة مصرع يفغيني بريغوجين ودميتري أوتكين". كتبت الإعلامية الشهيرة كسينيا سوبتشاك نقلاً عن مصادرها أن "بريغوجين كان على متن الطائرة".
وأعادت وكالة أنباء "ريا نوفوستي" شبه الرسمية نشر الخبر مضافاً إليه "عثر على جثامين ثمانية أفراد بين ركاب الطائرة في موقع سقوط الطائرة الخاصة في مقاطعة تفير".
وذكرت وزارة شؤون الطوارئ الروسية، أمس الأربعاء، أنه "على مقربة من بلدة كوجينكينو بمقاطعة تفير سقطت طائرة خاصة من طراز (إمبراير ليغاسي) كانت في طريقها من موسكو إلى سان بطرسبورغ".
وقالت وزارة الطوارئ الروسية، إن 10 ركاب كانوا على متن الطائرة، منهم طاقمها المكون من ثلاثة أفراد. وقد أذاعت هيئة الطيران المدني الروسية "روس أفياتسيا" خبر بدء التحقيق في ظروف الحادثة، وأن اسم ولقب يفغيني بريغوجين كانا مدرجين ضمن قائمة الركاب.
وجرى نشر أسماء الركاب الـ10 على النحو التالي: "بروبوستين سيرغي، وماكاريان يفغيني، وتوتمين ألكسندر، وتشيكالوف فاليري، وأوتكين دميتري، وماتسويف نيكولاي، وبريغوجين يفغيني"، كما نشرت "روس افياتسيا" أسماء طاقم الطائرة وهم: "ليفشين ألكسي قائد الطائرة، وكريموف رستم الطيار الثاني، وراسبوبوفا كريستينا مضيفة الطائرة".
وذكرت صحيفة "أر بي كا" نقلاً عن مصادر بين رجال الأمن والشرطة، أن التحقيقات تنظر أيضاً في مختلف التفاسير للحادثة بما في ذلك "الأسباب الخارجية"، ومنها "خطأ الطيار".
نيران الدفاع الجوي
ومن جانبها، ذكرت قناة "غراي زون" القريبة من "فاغنر" على "تيليغرام" أن الطائرة أسقطت بنيران الدفاع الجوي، ملقية باللوم في الحادثة على وزارة الدفاع الروسية، التي كان بريغوجين في صراع شديد مع قيادتها، وتحديداً وزير الدفاع سيرغي شويغو، ورئيس أركان القوات المسلحة فاليري غيراسيموف، الذي استهدفهما بتمرده الشهير في يونيو (حزيران) الماضي. وأسفر ذلك "الصراع الشديد" عن "تمرد بريغوجين"، ونفي "فاغنر" ومؤسسها إلى بيلاروس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبدأت لجنة مشكلة من جانب هيئة الطيران المدني "روس أفياتسيا" الإجراءات الأولية في مكان الحادثة، كما بدأت أيضاً في جمع المواد الخاصة بتدريب الطاقم، والحالة الفنية للطائرة، وحالة الأرصاد الجوية على مسار الرحلة، إلى جانب عمل خدمات الإرسال ومعدات الراديو الأرضية، حتى الرئيس الأميركي جو بايدن تم إبلاغه بحادثة تحطم الطائرة في منطقة تفير، وكان على قائمة ركابها يفغيني بريغوجين. وقال بايدن: "لا أعرف بالضبط ما حدث، لكنني لست مندهشاً".
ولم يكن بايدن وحده غير المندهش، فالواقع الراهن يفقد المرء القدرة على الدهشة، وهناك من الشواهد ما يشير إلى أن ما توصل إليه رئيس بيلاروس من اتفاق أسهم في وضع حد للتوتر، الذي كاد يودي بالبلاد إلى "ما لا تحمد عقباه"، لكنه لا يمكن أن يكون القول الفصل.
ولعل المتابع لتاريخ فلاديمير بوتين وما "ينسبونه إليه" من إجراءات وخطوات ضد مناوئيه من زعماء الحركات المسلحة في الشيشان، وغيرها من مناطق شمال القوقاز، يتذكر تلك النهايات التي حاقت بأولئك الزعماء أينما كانوا، وهو مصير لم ينج منه خصوم بوتين ممن ناصبوه العداء، سواء من كبار "أوليغارشيا" ذلك الزمان، أو "رموز الاستخبارات ممن خانوا العهد"، وانتهى بهم المطاف بالهرب، وكانت نهاياتهم إما "نحراً" أو "انتحاراً".
ومن هؤلاء الملياردير الروسي بوريس بيريزوفسكي وضابط الاستخبارات ألكسندر ليتفينينكو، وعدد من رؤساء وزعماء الشيشان مثل جوهر دودايف، وسليم خان يندرباييف، وأصلان مسخادوف، وشاميل باساييف.
ويتوقف المراقبون للتفكير ملياً في ما توصل إليه الرئيس لوكاشينكو مع بريغوجين زعيم "جماعة فاغنر"، من اتفاق حول انتقال الأخير للإقامة في بيلاروس، وهو الذي سبق وأعلنته بلدان غربية كثيرة في صدارة قوائم عقوباتها ضد روسيا وقياداتها الموالية لبوتين.
كلمة بوتين
أما عن قرار السلطات القضائية الروسية حول إقامة الدعوى الجنائية ضد بريغوجين، وما قاله دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين حول "إسقاط هذه الدعوى الجنائية ضد بريغوجين"، فإن ذلك يظل رهن ما قاله حول "إنه يتعلق بكلمة رئيس روسيا".
وكانت السلطات الروسية سارعت إلى إقامة الدعوى الجنائية ضد بريغوجين بموجب المادة 279 من القانون الجنائي (تنظيم تمرد مسلح). وقال بوتين في خطاب وجهه إلى الشعب، "جميع المسؤولين عن محاولة التمرد سيلقون عقاباً لا مفر منه، وسيحاسبون أمام القانون والشعب"، إلى جانب وصفه لما حدث بأنه "طعنة في الظهر" و"خيانة".
وإذا كان "القدر" أسرع من "كلمة رئيس روسيا" التي ربط الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف مصير بريغوجين بها، فإن ذلك قد يكون محض "تصادف الظروف" التي يمكن أن تحمل كل التأويلات. أما عن "تصادف الظروف" فمن الممكن أن يكون في إطار ما قاله بعض المعلقين والخبراء حول أن طائرة بريغوجين "أسقطت بصاروخين من طراز (أس- 300)، ويقع هذا المجمع المضاد للطائرات بالقرب من موقع التحطم".
هدية ملغمة؟
وثمة رواية أخرى تزعم "أنه ظهرت أدلة على أنه في اللحظة الأخيرة تم تحميل هدية معينة على شكل صندوق من النبيذ الباهظ الثمن على متن الطائرة"، قد يحتوي على قنبلة. تم فحص الطائرة نفسها (قبل تحميل الصندوق) بعناية، بما في ذلك مع الكلاب".
غير أن الأمر لا يزال بعد قيد التحقيقات، ما يدفع إلى ضرورة التريث في إصدار الأحكام، والتحول إلى مراجعة الخريطة الكبرى لمجمل المشهد السياسي للأزمة الأوكرانية، ومنها ما يتعلق بمصير عناصر "فاغنر" التي يحار كثيرون من المراقبين أمام مستقبلهم ومدى احتمالات بقائهم في بيلاروس، وما إذا كانوا سيرحلون إلى أفريقيا، وحقيقة ما يقال حول احتمالات دورهم في تحديد علاقات بيلاروس مع بولندا، وكلها أسئلة تضاف "قسراً" إلى غيرها في شأن "مصرع بريغوجين".