ملخص
أزمة النظام الإيراني ورهاناته تقتربان من الأوهام في تحقيق نصر بانضمام طهران إلى "بريكس" بدعوى أن ذلك سيمكنها من الالتفاف على العقوبات الأميركية
خلال مشاركة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في قمة مجموعة دول "بريكس" التي عقدت في الـ24 من أغسطس (آب) الجاري في مدينة جوهانسبورغ، أعلن الرئيس الجنوب أفريقي رئيس القمة سيريل رامافوزا دعوة كل من السعودية وإيران والإمارات ومصر وإثيوبيا والأرجنتين إلى عضوية هذه المجموعة مع مطلع العام المقبل 2024.
مع هذا الإعلان الذي كان يتوقعه النظام الإيراني وحكومة رئيسي بناء على تطور العلاقات التي تعمقت مع كل من روسيا والصين وهما من أقطاب مجموعة "بريكس"، سيطرت حال من الانتصار على السلطة الإيرانية باعتبار أن هذه العضوية ستمنح طهران القدرة على مواجهة العقوبات الأميركية والضغوط الدولية والعزلة الدبلوماسية التي فرضت عليها نتيجة أزمة برنامجها النووي ودورها الخارجي في منطقة غرب آسيا، تحديداً في الشرق الأوسط، إضافة إلى التطور الخطر في تعاونها العسكري مع موسكو في الحرب على أوكرانيا.
عضوية "بريكس" تعتبر إنجازاً للدبلوماسية الإيرانية لحكومة إبراهيم رئيسي في ظل افتقارها إلى أي إنجاز على المستويين الداخلي والدولي، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بعد عامين على توليها قيادة السلطة التنفيذية، بخاصة أنها فشلت في مصادرة جهود حكومة سلفه الرئيس حسن روحاني في تمهيد الطريق أمام قبول عضوية إيران الكاملة في "منظمة شنغهاي" قبل نحو سنة.
علاوة على ذلك، جاء دخول إيران في "بريكس" ثمرة لطموح نما وترعرع لأكثر من عقد من الزمن وجهود بذلتها دبلوماسية النظام للانضمام إلى هذه المجموعة أو التكتل الدولي السياسي، ومن المفترض أن يكون اقتصادياً في المستقبل القريب، بحسب رغبة طهران وحليفها الروسي بالدرجة الأولى.
وبكثير من الواقعية وقراءة لحقائق الوضع الإيراني والأزمات التي يعانيها، من الصعب القبول بالأوهام التي تروج لها حكومة رئيسي بأن العضوية في هذه المجموعة ستكون البداية لحل الأزمات والمشكلات التي يعانيها الاقتصاد الإيراني أو أن تتحول إلى خشبة خلاص ومسار يساعد على إيجاد الحلول الاقتصادية والتنموية، بخاصة في ظل سوء الإدارة وفشل هذه الحكومة في استقطاب استثمارات خارجية كبيرة في مختلف القطاعات الاقتصادية والإنتاجية، وسط استمرار أزمتها مع المجتمع الدولي، تحديداً مع الولايات المتحدة التي تمسك بعصا العقوبات.
إضافة إلى أن اتفاق التبادل الذي جرى بين طهران وواشنطن خلال الأسابيع الأخيرة، وإن كان أسهم في تحرير بعض الأرصدة الإيرانية المجمدة من عائدات بيع النفط والطاقة في كوريا الجنوبية والعراق واليابان، إلا أن الشروط والآليات التي فرضها البيت الأبيض لم تسمح للنظام الإيراني بضخ هذه الأموال في الداخل بحيث تساعده في تحريك العجلة الاقتصادية، بل تم تحويلها إلى البنوك القطرية وحددت آليات صرفها بتسديد شراء إيران لحاجاتها من الغذاء والدواء، بما يشبه ما سبق أن فرض على العراق بعد عام 1992 وتحرير الكويت بقانون "النفط مقابل الغذاء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا كان النظام الإيراني يعتقد بأن الانضمام إلى "بريكس" يشكل خطوة متقدمة على طريق معركته مع الدول الغربية، تحديداً أميركا، فإن الواقع الاقتصادي يقول غير ذلك لأن تحقيق الطموحات الإيرانية لتوظيف هذه العضوية في خلق وإيجاد فرص اقتصادية وتنموية من خلال تعزيز علاقاتها مع الدول الأعضاء، لا بد من أن يمر عبر طريق ترميم علاقاتها مع خصومها الغربيين، بخاصة أن الدول أعضاء "بريكس" وحتى روسيا التي تخوض حرباً مع الغرب، لم تستطع حتى الآن ولن تستطيع فك ارتباط اقتصادها ومصالحها الجيواقتصادية مع اقتصاد الدول الغربية، خصوصاً أميركا، فضلاً عن علاقاتها السياسية والاستراتيجية التاريخية والمستمرة، وأن الاستغناء عن الدولار في معاملاتها الاقتصادية واستبداله بعملة جديدة أو بديلة أمامه مسار طويل لكي يتحقق، وربما لا يتحقق بشكل واسع ويبقى محصوراً في جزء من التعاملات بين بعض أعضاء هذه المجموعة.
كما أن الأعضاء الرئيسين في مجموعة "بريكس" لا يرغبون في دفع الأمور إلى حدود المواجهة مع واشنطن، فهي إن كانت تحاول الخروج من تحت الهيمنة السياسية الأميركية، إلا أن اقتصاداتها ترتبط بشكل عضوي بحجم التبادل التجاري والاقتصادي والمالي مع الولايات المتحدة، سواء كانت الهند التي تعتمد بشكل كبير في هذه المرحلة على النفط الروسي الرخيص، فإنها تعتبر في الوقت نفسه عضواً في التحالف الأمني (Quad) للمحيط الهادئ مع واشنطن وأستراليا واليابان، في حين أن النهضة الصناعية البرازيلية تعتمد بشكل كبير وأساسي على ما تصدره من معادن ومواد أولية إلى الأسواق الأميركية، فيما يشكل التبادل التجاري والصناعي بين الصين والولايات المتحدة عصباً رئيساً في المنظومة الاقتصادية للنظام الصيني، إضافة إلى ما هو معروف من ارتباط كبير بين اقتصادات الأعضاء الجدد بالاقتصاد العالمي، تحديداً الأميركي.
وإذا ما كانت الصين مدعومة من روسيا بدأت التفكير الجدي في إيجاد بدائل لصندوق النقد والبنك الدوليين، إلا أن هذه المجموعة التي تبدو متقاربة في موقفها السياسي أو أن ما يجمع بينها هو السلبية من السياسات الأميركية في كثير من الملفات والأزمات، إلا أنها في المقابل تبدو جزراً متباعدة في أنظمتها الاقتصادية والإدارية مما يعقد عملية التوصل إلى منظومة اقتصادية تقود وتنظم العلاقة في ما بينها، فضلاً عن أن هذه الدول لم تستطع تقديم آليات ونظام للتبادل المالي على غرار نظام "سويفت"، بالتالي فإن جميع استثمارات هذه الدول الخارجية ستبقى مرتبطة بالآلية الأميركية والغربية لنقل وتحويل الأموال وعائداتها الاستثمارية الخارجية، بخاصة مع الدول غير الأعضاء في هذه المجموعة.
من هنا تبرز أزمة النظام الإيراني ورهاناته التي تقترب من الأوهام في تحقيق نصر يمكنه من الالتفاف على العقوبات الأميركية ويعوضه عما يلحق به من خسائر في توظيف عائداته من التجارة الخارجية وبيع النفط والغاز نتيجة فصله عن نظام التحويل الدولي للأموال.
إن إصرار إيران على عدم التوقيع على معاهدات محاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب استمرار العقوبات وعدم قدرة المستثمرين على إخراج أو الحصول على أموالهم بالطريق الرسمية والآليات الدولية، دفع بعض الشركات الصينية التي دخلت إلى إيران للاستثمار في بعض المشاريع الكبرى في البنى التحتية والصناعية إلى التفكير جدياً بالانسحاب من السوق الإيرانية، وأعلنت بعضها الانسحاب فعلياً نتيجة عدم قدرة النظام والحكومة الإيرانيين في تقديم حلول لهذه المعضلة، مما دفع وزير الخارجية الصيني قبل أيام لتوجيه دعوة حاسمة للنظام الإيراني من أجل تعاون جدي بغية إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي يؤسس لعودة طهران لتكون عنصراً طبيعياً في الأسرة الدولية ويسهل عمليات التعامل الاقتصادي والاستثماري معها من دون أي أخطار أو مخاوف.