ملخص
فيما تندد بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأفريقي بالانقلاب العسكري في الغابون، تسود حالة ترقب بين المواطنين في انتظار أي معلومات عن مستقبل الدولة.
أعلن مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي اليوم الخميس أنه قرر "تعليقاً فورياً" لعضوية الغابون في الاتحاد إثر الانقلاب الذي شهدته هذا الأسبوع.
وأعرب المجلس على منصة "إكس" عن "تنديده الشديد باستيلاء عسكريين على الحكم في جمهورية الغابون وإطاحة الرئيس علي بونغو في الـ30 من أغسطس (آب) 2023"، مضيفاً أنه "قرر أن يعلق فوراً مشاركة الغابون في كل أنشطة الاتحاد الأفريقي وهيئاته ومؤسساته".
وجاء هذا الإعلان إثر اجتماع للمجلس بحث التطورات في الغابون بعد انقلاب أمس الأربعاء الذي أعقب انتخابات رئاسية مثيرة للجدل أعلن فوز بونغو فيها.
وقال المجلس إن الاجتماع ترأسه مفوض الاتحاد الأفريقي للشؤون السياسية النيجيري بانكول أديويي والرئيس الدوري لمجلس السلم والأمن البوروندي ويلي نياميتوي.
3 توجهات
وضع الانقلاب العسكري الغابون أمام ثلاثة توجهات سياسية وشعبية رئيسة، ففي الوقت الذي يرى أنصار الرئيس علي بونغو أونديمبا ضرورة العودة إلى المسار الديمقراطي والاعتراف بالانتخابات الرئاسية، طالبت المعارضة قادة الانقلاب العسكري بمنحها اعترافاً بالفوز في الانتخابات بعد إبعاد بونغو، لكن الجيش يمضي في طريق اكتساب الشرعية، حيث عين رئيساً انتقالياً بالفعل ويبدأ تنصيبه الأسبوع المقبل.
وأعلن قادة الانقلاب في الغابون الخميس أن مراسم تنصيب الجنرال بريس أوليغي نغيما "رئيساً انتقاليا" ستقام في الرابع من سبتمبر (أيلول) المقبل أمام المحكمة الدستورية.
وأكّد الناطق باسم "لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات" التي تضم قيادات الجيش أولريك مانفومبي مانفومبي، أن الجنرال أوليغي قرر أيضاً إنشاء "مؤسسات انتقالية على مراحل"، واعداً بأن تحترم البلاد كل "التزاماتها الخارجية والداخلية".
وقال المتحدث للتلفزيون الرسمي إن "الرئيس الانتقالي سيؤدي اليمين أمام المحكمة الدستورية يوم الاثنين المقبل في مقر رئاسة الجمهورية".
تنصيب الرئيس الانتقالي
وأضاف أن الجنرال أوليغي "قرر إنشاء مؤسسات انتقالية على مراحل" من دون أن يحدد الفترة الزمنية التي سيستغرقها ذلك، و"طلب من جميع الأمناء العامين ومكاتب الوزارات والمديرين العامين ومن جميع المسؤولين في جهاز الدولة أن يؤمنوا فوراً الاستئناف الفعلي للعمل واستمرار تشغيل كل الخدمات العامة".
وخلص المتحدث باسم "لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات" إلى أن الرئيس الانتقالي "يحرص على طمأنة جميع المانحين والشركاء في التنمية وكذلك مقرضي الدولة الى أنه سيتم اتخاذ كل الإجراءات بهدف ضمان احترام التزامات بلادنا على الصعيدين الداخلي والخارجي".
على جانب آخر، حضت المعارضة في الغابون اليوم الخميس العسكريين الذين أطاحوا الرئيس علي بونغو أوديمبا على إنهاء فرز بطاقات الاقتراع في الانتخابات التي شهدتها البلاد للاعتراف بـ "فوز" مرشحها.
ودعت المعارضة "قوات الدفاع والأمن إلى مباحثات بهدف تقييم الوضع في إطار وطني ومسؤول، وايجاد الحل الأفضل بين المواطنين الغابونيين للسماح للبلاد بالخروج من هذا الوضع".
وقال المتحدث باسم المعارضة مايك جوكتان للصحافيين إن عناصر "قوات الأمن والدفاع هم أول الشهود على الانتصار الكبير الذي حققه البروفيسور البير اوندو اوسا، كونهم كانوا موجودين أمام كل مركز اقتراع وأشرفوا على نقل الصناديق".
وبحسب النتائج الرسمية التي أعلنت قبل ساعة من الانقلاب واعتبر العسكريون أنها مزورة، حصل اوندو اوسا على 30,77 في المئة من الأصوات في مقابل 64,27 في المئة لعلي بونغو.
ترقب للمستقبل
وتسود حالة ترقب في الغابون بانتظار أي معلومات عن مستقبل الدولة الواقعة في وسط إفريقيا اليوم الخميس بعدما أسدل ضباط متمرّدون في الجيش الستار على حكم عائلة بونغو الذي دام 55 عاماً، حيث أطاح العسكريون أمس الأربعاء بالرئيس علي بونغو أونديمبا الذي حكم والده عُمر البلاد لأكثر من أربعة عقود، بعد لحظات على الإعلان عن فوزه في انتخابات متنازع عليها.
ووسط أجواء احتفالية في الدولة الغنية بالنفط، عيّن قادة الانقلاب قائد الحرس الجمهوري الجنرال بريس أوليغي نغيما "رئيساً للمرحلة الانتقالية" في الغابون، وأعادوا خدمة الإنترنت وبث ثلاث وسائل إعلام فرنسية بعدما قطعته حكومة بونغو مساء السبت، لكنهم أبقوا حظر التجوّل المفروض من السادسة مساء حتى السادسة صباحاً "للمحافظة على الهدوء والسلام" فيما ما زالت حدود الغابون مغلقة.
وينتظر سكان الغابون والمجتمع الدولي معرفة المدة التي ستبقى فيها البلاد تحت الحكم العسكري والكيفية التي ستعاد من خلالها السلطة إلى المدنيين.
وانتُخب بونغو الذي لطالما تم تصويره على أنه شخصية تفتقر للشعور بالمسؤولية عام 2009 عقب وفاة والده الذي جمع ثروة طائلة من خلال الموارد النفطية للغابون، وأعيد انتخابه عام 2016 في ظروف خلافية قبل أن يتعرّض إلى ذبحة قبلية عام 2018 أضعفت سلطته.
وأعلن قادة الانقلاب أمس الأربعاء بأن بونغو وضع قيد الإقامة الجبرية و"أحيل على التقاعد"، لكن خلال تلك الساعات الأولى تمكّن بونغو من نشر تسجيل مصوّر ناشد فيه "جميع الأصدقاء حول العالم رفع أصواتهم" من أجله.
وأفاد قائد عسكري بأنه "تم توقيف" نجله ومستشاره المقرّب نور الدين بونغو فالنتان ورئيس مكتبه إيان غيزلان نغولو ونائب رئيس مكتبه ومستشارين اثنين آخرين للرئاسة وأكبر مسؤولَين في الحزب الديموقراطي الغابوني، وأضاف أنهم اتُّهموا بالخيانة والاختلاس والفساد وتزوير توقيع الرئيس إلى جانب اتهامات أخرى.
القادة الجدد
جاء الإعلان عن الانقلاب بعد لحظات على إعلان هيئة الانتخابات الوطنية فوز بونغو بولاية ثالثة في انتخابات السبت مع حصوله على 64,27 في المئة من الأصوات.
وأعلن القادة الجدد الذي أطلقوا على أنفسهم "لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات" إلغاء نتائج الاقتراع التي قالت المعارضة إنها مزوّرة، وأفادوا في بيان أن الانتخابات "لم تفِ بشروط الاقتراع الشفاف والموثوق والشامل الذي كان يأمل به سكان الغابون".
وأوضحوا "يضاف إلى ذلك حكم غير مسؤول ولا يمكن التنبؤ به، والذي نجم عنه تدهور التماسك الاجتماعي، مع خطر أن يقود ذلك إلى فوضى في البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي السياق شدد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، اليوم الخميس، على أنه لا يمكن مقارنة الانقلاب العسكري في الغابون بالانقلاب في النيجر، قائلاً إن العسكريين في ليبرفيل تدخلوا بعد فوز الرئيس المخلوع علي بونغو في انتخابات شابتها مخالفات.
وقال بوريل من طليطلة الإسبانية على هامش اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الـ27، "الانقلابات العسكرية ليست الحل، لكن يجب ألا ننسى أن انتخابات مليئة بالمخالفات جرت في الغابون"، مضيفاً أن تصويتاً مزوراً يمكن اعتباره بمثابة "انقلاب مؤسساتي" مدني.
وأشار إلى أنه ليست هناك خطة حالياً لإجلاء مواطني دول التكتل من الغابون.
ونددت بريطانيا بالانقلاب العسكري "غير الدستوري" في الغابون مع إقرارها بالمخاوف في شأن الانتخابات الأخيرة التي شهدتها البلاد.
وقالت الخارجية البريطانية في بيان "تدين المملكة المتحدة استيلاء الجيش بشكل غير دستوري على السلطة في الغابون وتدعو إلى استعادة الحكومة الدستورية. نحن نقر بالمخاوف التي أثيرت في شأن العملية الانتخابية الأخيرة، بما في ذلك القيود المفروضة على حرية الإعلام".
انتهاك صارخ
وقال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد، في بيان، إنه "يدين بشدة" ما وصفها بمحاولة انقلاب في الغابون، واصفاً ما جرى بأنه "انتهاك صارخ" لمبادئ الاتحاد الأفريقي، ودعا "الجيش الوطني وقوات الأمن إلى ضمان سلامة رئيس الجمهورية (علي بونغو أونديمبا) وأفراد عائلته وكذلك أفراد حكومته".
وتابع البيان أن فكي "يشجع جميع الأطراف السياسية والمدنية والعسكرية الفاعلة في الغابون على اختيار المسارات السياسية السلمية التي تساهم في العودة السريعة إلى النظام الدستوري الديموقراطي في البلاد".
واشنطن تدعم الديمقراطية
وأعلن البيت الأبيض أنه "يتابع من كثب" الوضع في الغابون، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، إن "الوضع مقلق جداً. نراقب ذلك من كثب وسنواصل بذل كل ما في وسعنا لدعم فكرة المثل الديمقراطية التي يعبر عنها الشعب الأفريقي"، وأكد كيربي أن دبلوماسيي الولايات المتحدة وعسكرييها الموجودين في الغابون بأمان.
وإذ رفض التعليق على إعادة انتخاب الرئيس علي بونغو الحاكم منذ 14 عاماً، أكد أن الولايات المتحدة "تركز على العمل مع شركائنا في أفريقيا وجميع سكان القارة للمساعدة على دعم الديمقراطية".
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في بيان "نحض من هم في سدة المسؤولية على إطلاق سراح أعضاء الحكومة وعائلاتهم وضمان سلامتهم والحفاظ على الحكم المدني".
مشكلة لأوروبا
من جانبه، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن وزراء دفاع دول التكتل سيناقشون الموقف في الغابون، وإذا تأكد وقوع انقلاب هناك فذلك سيأتي بمزيد من الاضطرابات للمنطقة، ووصف ما يحدث في غرب أفريقيا بأنه يمثل مشكلة كبيرة لأوروبا.
وأضاف بوريل متحدثاً أمام اجتماع لوزراء دفاع دول الاتحاد الأوروبي في توليدو بإسبانيا "إذا تأكد ذلك، فسيكون انقلاباً عسكرياً آخر يزيد من الاضطرابات في المنطقة بأكملها".
وقالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن، أمس الأربعاء، إن بلادها تتابع الموقف في الغابون عن كثب، وذلك خلال إلقائها لخطاب أمام اجتماع للسفراء في باريس، ولم تقدم بورن أي تفاصيل أخرى.