يربك الدخول المدرسي موازنة الأسر الجزائرية، لا سيما بعد مصاريف شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى وكلف عطلة الصيف، ليأتي العام الدراسي الجديد على ما تبقى في جيوب الآباء الذين سيجدون أنفسهم أمام خيارين، إيجاد حلول ناجعة لمعادلة الإنفاق أو الوقوع في مستنقع الاستدانة.
ويحل شهر سبتمبر (أيلول) المقبل ضيفاً ثقيلاً على الجزائريين الذين يرون فيه عنواناً لزيادة النفقات استعداداً للدخول المدرسي، ويعني ذلك مزيداً من ترشيد النفقات والرواتب على رغم غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار خصوصاً لذوي الدخل الضعيف.
وشرعت كثير من العائلات في اقتناء الأدوات والمستلزمات المدرسية هذه السنة باكراً، تفادياً لأي ارتفاع غير متوقع للأسعار، لا سيما وأن التجار غالباً ما يستغلون المناسبات للمضاربة ورفع الأسعار لتحقيق الربح السريع.
ويعد اقتناء المستلزمات المدرسية بالنسبة إلى الأسر الجزائرية خياراً حتمياً لا مفر منه، على رغم أن النفقات الكثيرة المتعلقة بالموسم الدراسي ترهق الأولياء طوال العام وليس في بدايته فقط، مما يدفعها نحو الاقتراض مرات كثيرة لتلبية حاجات ومطالب الأبناء الدارسين.
مدونة رسمية
وفي خطوة للتقليل من اقتناء المستلزمات المدرسية غير الضرورية للسنة الدراسية 2023 - 2024، نشرت وزارة التربية الجزائرية مدونة رسمية تتضمن قائمة بالأدوات المدرسية للمراحل التعليمية الثلاث، وأوضحت في بيان لها أن المدونة تأتي في إطار الإجراءات المتعلقة بتخفيف ثقل المحفظة المدرسية.
وأفاد البيان أن هذه المدونة جاءت طبقاً لمقتضيات البرامج التعليمية الخاصة بكل مستوى تعليمي وبكل شعبة بالنسبة إلى المرحلة الثانوية، مع "الأخذ بالاعتبار البعدين البيداغوجي والاجتماعي والبعد الصحي للوقاية والحد من الأضرار التي قد تؤثر في صحة التلاميذ".
وأوضح البيان أن المدونة تمثل "الحد اللازم الذي يجب اعتماده بغية عقلنة استغلال الأدوات المدرسية، لا سيما الكراريس التي يبقى جزء كبير منها غير مستغل عند نهاية السنة الدراسية"، من أجل "تقليص الكلفة الملقاة على عاتق الأهل".
ولا تشمل قائمة الأدوات المدرسية التي نشرتها وزارة التربية الوطنية الكتب المدرسية والمآزر والملابس وأحذية ممارسة الرياضة في المؤسسات التربوية، والتي تختلف أسعارها بحسب الجودة والعلامات التجارية، إذ إن العلامات الأصلية "ثمنها ليس في المتناول" مقارنة بالمنتجات المقلدة أو تلك المصنعة محلياً.
وعلى سبيل المثال تكلف الأدوات والكتب المدرسية لوحدها نحو 13 ألف دينار (95.3 دولار) بالنسبة إلى عائلة ذات طفلين أحدهما في السنة الخامسة والآخر في القسم النهائي الثانوي، مما يمثل تقريباً ربع الموازنة الخاصة بشهر سبتمبر بالنسبة لأجر متوسط بقيمة 50 ألف دينار (366 دولاراً) ناهيك عن الكلف الأخرى التي ترافق كل دخول مدرسي مثل الملابس والمحفظات والمآزر والتأمين ورسوم التسجيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وللتخفيف من عبء كلف الدخول المدرسي على العائلات أطلقت جمعيات تنشط في قطاع التربية وأفواج الكشفية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حملات لجمع وتبادل الكتب المدرسية بين التلاميذ من مختلف الأطوار التعليمية، ولقيت المبادرة نجاحاً وتجاوباً كبيراً من الأولياء والطلاب.
ودخلت وزارة التجارية الجزائرية على الخط وأعلنت إجراءات لتوفير مختلف المستلزمات والأدوات المدرسية بأسعار معقولة، لضمان الدخول المدرسي المقبل في أفضل ظروف.
وفي إطار التحضيرات كشفت وزارة التجارة عن "تجنيد 59 متعاملاً محلياً متخصصاً في إنتاج المستلزمات والأدوات المدرسية على مستوى 17 ولاية، إضافة إلى إحصاء 137 شركة قامت باستيراد هذه المنتجات بقيمة 88.6 مليون دولار عام 2023"، مشيرة إلى ارتفاع واردات هذه السلع مقارنة بعام 2022 حين بلغت 51 مليون دولار.
ولتسويق وترويج هذه المنتجات أطلق في نهاية أغسطس (آب) الجاري 72 معرضاً عبر 58 ولاية، مخصصة لعرض وبيع المستلزمات والأدوات المدرسية، إضافة إلى ثلاثة معارض كبرى جهوية في كل من وهران والجزائر العاصمة وقسنطينة، لتكون "نقاطاً مرجعية لأسعار المستلزمات المدرسية".
ودعت الوزارة المنتجين المحليين للمستلزمات والأدوات المدرسية إلى الرفع من نسب الإنتاج، وأيضاً "بعض المستوردين إلى الانخراط في عملية التصنيع المحلي"، بالنظر إلى حجم السوق الوطنية الواعدة والمزايا التي تمنحها الحكومة للاستثمار في هذا المجال.
إنتاج ضعيف
ويرى المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك فادي تميم أن سوق الأدوات المدرسية هذا العام تعرف استقراراً في الأسعار وانخفاضاً نسبياً مقارنة بالسنة الماضية، وقال في تصريح إلى "اندبندنت عربية" إن المنظمة تواصلت قبل بداية التحضيرات للدخول المدرسي مع كبار المنتجين المحليين والمستوردين للأدوات المدرسية الذين وجهوا تطمينات للمستهلكين بأن الأسعار ستكون في المتناول بسبب انخفاض أسعار النقل العالمية، كما أن أسعار الأدوات في الأسواق الدولية عرفت انخفاضاً ملحوظاً مما انعكس إيجاباً على السوق المحلية بعد أن عرفت ارتفاعاً عقب "جائحة كوفيد".
وأشار المتحدث إلى وجود تباين في أسعار الكراريس المدرسية بين المنتجين والتجار في الأسواق، إذ راسلت المنظمة وزارة التجارة للتدخل ومحاربة أي محاولة للمضاربة في الأدوات المدرسية بخاصة.
ويأسف تميم لعدم وجود إنتاج محلي من الأدوات المدرسية يغطي حاجات السوق باستثناء إنتاج الكراريس الذي تمكنت الجزائر من تحقيق اكتفاء ذاتي فيه، وعلى رغم وجود مصانع جديدة إلا أن منتجاتها لا تغطي إلا 35 في المئة فقط من حاجات السوق المحلية وقت الذروة.
وذكر أنه بوجود 11 مليون تلميذ في الأطوار التعليمية الثلاثة ومليون طالب جامعي سيلتحقون بمقاعد الدراسة، إلا أن الجزائر لا تزال بعيدة عمن تغطية السوق المحلية، مشيراً إلى أن المنظمة طلبت من وزارة التجارة الانتقال من الاستيراد إلى الإنتاج المحلي بطريقة تدريجية سلسة، تفادياً لأي صدمة أو اضطراب في السوق يؤثر مباشرة في المستهلكين.
وتحدث عن أسواق الجوار التي تم تنظيمها في المدن الكبرى وكيف أسهمت بشكل كبير في خفض الأسعار عبر تقريب المنتجين والمستوردين وتجار الجملة بالمستهلكين من طريق البيع المباشر، في انتظار تعميم التجربة في المناطق الداخلية لتصل لأكبر عدد ممكن من الأسر الجزائرية خصوصاً المعوزة منها.
تحديات ونقائص
ويقول الخبير التربوي بلال بن زهرير إن الدخول المدرسي يعتبر شأن وطني تسخر له الدولة إمكانات كبيرة لإنجاحه.
ويوضح أن أهم الجهود المبذولة هي تسلم منشآت تربوية عدة دخلت حيز الخدمة من أجل استقبال الدارسين في مختلف الأطوار التعليمية، إذ تلعب الأسرة التربوية دوراً بارزاً في إنجاح الدخول المدرسي.
ويرى بن زهرير أن الطاقمين الإداري والتربوي بجميع مكوناتهما من أساتذة ومديرين ومشرفين وعمال ومهنيين يشكلان لبنة أساسية ويسهمان في التأطير والتوجيه والاستقبال.
وفي المقابل يقول المتحدث بوجود نقائص تنغص فرحة الدخول المدرسي، على غرار الاكتظاظ الذي تشهده كثير من المدارس مما ينعكس سلباً على عمليتي التأطير والتحصيل.
ويضيف أنه "على رغم الموازنة الكبيرة المخصصة لقطاع التربية إلا أن كثيراً من البلديات تبقى عاجزة تماماً عن بناء مؤسسات تربوية جديدة، إذ نجد في الحي الواحد مدرسة واحدة تعود للثمانينيات من دون أن نجد مؤسسات جديدة عصرية، مما أسهم في ارتفاع نسب الاكتظاظ داخل المدارس".
وأفاد بن زهرير بأن "من بين التحديات التي تقف أمام كل دخول مدرسي قوانين التدريس بنظام الدوامين الذي يؤرق الأساتذة والتلاميذ وأولياءهم، ويفرض على الوزارة الوصية العمل على القضاء على هذا النمط في التدريس لأنه أتعب الجميع"، بحسب قوله.
وذكر المتحدث أنه من بين النقائص أيضاً قلة أو انعدام كلي للمشرفين التربويين في كثير من المدارس الابتدائية، مما أقلق الطاقمين الإداري والتربوي.
ودعا الخبير الوزارة إلى "تعميم منصب مشرف تربوي على جميع المدارس بالعدد المناسب، ما يسهم في عملية إنجاح الدخول واستقرار المؤسسات، واستحداث رتب جديدة مثل الأعوان الإداريين وغيرهم الذين سيقدمون الإضافة ويرفعون التحدي لإنجاح الدخول المدرسي ومنح استقرار حقيقي للتعليم في الجزائر، إذ إن العامل البشري مع منظومة تربوية متكاملة من شأنه تحسين موقع منظومتنا التربوية وجعلها قاطرة للتنمية الحقيقية في البلاد".