Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف سترد واشنطن على تحركات موسكو وبكين؟

ستصبح التحالفات المصغرة سمة رئيسة للبنية الأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ على المدى الطويل

تتحرك السياسة الأميركية في اتجاهات كثيرة للحفاظ على مكانتها لبناء تحالفات عدة لا تتوقف عند مواجهة بريكس (أ ف ب)

ملخص

ما هي الآليات التي تتحرك من خلالها السياسة الأميركية وكيف ترسم العالم الجديد؟

ما بين رؤيتين، الأولى تنظر بطموح إلى ما جرى في اجتماع "بريكس" أخيراً ومسعى الدول الراغبة في الانضمام إلى المجموعة وتحقيق قدر من التحرر، ولو الشكلي، في إطار العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة وعدم الخضوع مجدداً لمؤسسات التمويل الغربية، بخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين وهيئات التمويل الغربية والذهاب إلى عالم متعدد الأقطاب، كما تخطط روسيا والصين والهند في مواجهة القطب الأميركي والقفز على ما يجري في نطاق النظام الدولي الراهن الذي لا تزال تتحرك في إطاره واشنطن في مواجهة القوى المناوئة بالتعريف الأميركي وفق الاستراتيجية القومية لإدارة الرئيس جو بايدن.

والرؤية الثانية تتمهل في الطرح السابق والمتفائل بالفعل، وتدعو إلى التريث وانتظار ما يأتي من نتائج حقيقية لكل هذه الجهود والتحركات مع التحذير من الإفراط في التمني، خصوصاً أن حسابات القوة الشاملة لا تزال تعمل لمصلحة الولايات المتحدة ولأعوام طويلة على رغم المنافسة الصينية العاتية ومحاولة الإدارة الأميركية الراهنة اللحاق بها، بل العمل على بناء استراتيجية مجابهة بسلسلة من السياسات الاستباقية وإجراءات غير مسبوقة في إطار الصراع على القيادة الاقتصادية للعالم.

مخططات حقيقية

ما بين وجهتي النظر تقف السياسة الأميركية الراهنة في مساحة كبيرة من الحركة واليقظة لما هو جار ومخطط له، مع التأكيد على صعوبة استبدال النظام النقدي الراهن بنظام بديل لـ"بريكس"، أو أن يحل نظام "بريتون وودز" الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية بنظام جديد من خلال عملة نقدية جديدة ومؤسسات مالية مختلفة، مع التقدير بأن نظام الدولة يعد مخزناً للقيم المالية والرافد الرئيس للعملات وتبادل السلع والخدمات، وأنه لا توجد له منافسة حتى من العملات المشفرة أو "بيتكوين" أو عملات أخرى.

ولهذا تتحرك السياسة الأميركية في اتجاهات كثيرة للحفاظ على مكانتها مع العمل في اتجاه محدد لبناء تحالفات عدة لا تتوقف عند مواجهة مجموعة "بريكس" الراهنة، أو التي ستتوسع عضويتها لتكون "بريكس 2" على غرار "أوبك+ 2"، مما يشير إلى أن الولايات المتحدة لن تتوقف في مساحة واحدة تنتظر ما سيتم أو يجري من سياسات في مواجهة القوى الكبرى مثل روسيا والهند والصين، بل بدأت بتبني مقاربات مرحلية سيتم تكثيفها في الفترة المقبلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تخرج الولايات المتحدة إلى العالم مرة أخرى برؤية قد تبدو جديدة، مما برز في جملة التحركات الأميركية تجاه الشرق الأوسط والقارة الأفريقية ومنهما إلى مناطق التماس الاستراتيجي في آسيا وجنوب الساحل والصحراء، والواضح أن الاستراتيجية الأميركية التي أعلنتها في أغسطس (آب) من العام الماضي بدأت تدخل حيز التنفيذ من خلال مقاربة شارك فيها فريق كبير من خبراء الإدارة الأميركية وعدد من كبار مستشاريها في الاستخبارات المركزية والخارجية الأميركية ومراكز البحوث وبيوت الخبرة التي تركز على نقطة محددة مرتبطة بكيفية استعادة الولايات المتحدة لشركاء فاعلين في مناطق العالم بعد أعوام من الإهمال ووضعها في أولويات لاحقة، مما برز بوضوح في سياق ما يجري، ومسعى الإدارة الأميركية لبناء خرائط سياسية وجيوسياسية جديدة يمكن الانطلاق من خلالها لتحقيق مكاسب للأمة الأميركية على المديين المتوسط والطويل.

مرحلة جديدة

يدخل العالم مرحلة جديدة من التفاعلات الإقليمية والدولية تختلف شكلاً ومضموناً عما كان قائماً منذ أعوام طويلة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، خصوصاً أن الولايات المتحدة لا تزال تبحث عن إطار جديد لعلاقاتها بكل من روسيا والصين، وتجمع في هذا بين وسائل ضاغطة من سلسلة الإجراءات المباشرة التي لا ترتبط فقط بما قامت به إدارة الرئيس السابق وإنما أيضاً بعقيدة بايدن، وضرورة الخروج إلى مواجهة اقتصادية شاملة مع الصين تحقيقاً لواقع سياسي واقتصادي يتشكل إضافة إلى البحث عن مظلة الأمان الاقتصادي مع الانطلاق لتأسيس حضور أميركي اقتصادي واستراتيجي عبر سلسلة من الإجراءات مع الحلفاء مثل بريطانيا وأستراليا واليابان، مما يؤكد أن إعادة تموضع القوات الأميركية في مناطق النفوذ ستأخذ مزيداً من الوقت وكثيراً من الإجراءات في الفترة المقبلة، بخاصة مع إعادة انتشار القوات الأميركية في مناطق الصراعات والبؤر الساخنة ليس في القوقاز، أو قرب مناطق جمهوريات آسيا الوسطى فقط، بل في البلقان أيضاً.

الرسالة أن التحالفات الكبرى وإعادة تعريف دور كل الأطراف وفق خريطة المصالح ستحتاجان إلى استشراف ورسم سياسات، وإعادة تأطير التوجهات لكل طرف في إطار تشابك وتقاطع وتفاعل المصالح الدولية والإقليمية، بخاصة أن المعادلات الدولية الجديدة والطارئة ليس فيها خاسر ورابح ولن تكون معادلات صفرية كما يتصور بعضهم، بل بالعكس فلا بد من تقاطعات تشمل تلاقي بعض المصالح، وتعارض في بعضها الآخر.

خريطة التحالفات

الشكل المحتمل لخريطة التحالفات أنها ستأخذ مسارات مختلفة، أولاً: التركيز على أنماط جديدة مثلما يجري في إعادة تشكيل التحالف الأميركي- الياباني- الهندي- الأسترالي أو إحياء فكرة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا على غرار وارسو جديد والعمل على تنمية التحالفات الإقليمية كما يجري في الشرق الأوسط.

ثانياً: عدم العمل على مستوى واحد، فالتحالفات المرشحة للتشكل تتجاوز "إيكواس" أو "ميسا" إلى تحالفات ممتدة تعمل في أطر متعددة ووفق الحالة، وهي ليست محاور أو تحالفات هيكلية فقط بل تعمل في مناطق الجوار الإقليمي، وفي اتساعات متعددة وبؤرتها الدول الكبرى.

ثالثاً: وجود مخططات داخل التحالفات الكبيرة صحيح سواء داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) أو من خلال الاتحاد الأوروبي، واللافت التركيز على التحالفات النشطة والمتخصصة ومنها ما هو اقتصادي أو سياسي أو عسكري، مما سيرتبط ببناء منظومة من العلاقات الإقليمية والدولية المختلفة.

رابعاً: سيسمح الوضع الراهن للنظام الدولي والقائم على فكرة الاستقطاب الثنائي والمتعدد بالفعل ببناء أطر جديدة حقيقية للتحالفات المتنوعة ما بين سياسية واقتصادية واستراتيجية.

تفاعلات مهمة

في ظل ما يجري من تحولات لم تتضح معالمها بعد على رغم كل ما يطرح من مقاربات وتصورات تتعلق بما ستؤدي إليه هذه التفاعلات الراهنة، تسعى الدول الكبرى ومنها روسيا والولايات المتحدة إلى تنويع تحالفاتها والقفز على ما هو تقليدي إلى أطر مختلفة تقوم على قاعدة المصالح المشتركة بمنظور سياسي واستراتيجي جديد.

ووجود مساحات كبيرة في الاتجاهات بين مواقف الدول الكبرى سينعكس على أي تشكل في بنية الخرائط التفاعلية الكبرى للدول الكبيرة والداعمة لها وسيمتد ذلك إلى جميع دول العالم ولن يقتصر على دولة واحدة. كما أن بناء الأطر الجديدة سيتطلب تغييراً في المقاربات الراهنة لبعض الدول والوحدات السياسية وسيغير ذلك من أنماط التفاعلات الراهنة بمعنى عدم التعامل بمقاربات تقليدية غير واقعية.

ستظل دول الاتحاد الأوروبي تؤدي دوراً فرعياً في هذا الإطار، مما يؤكد أنه ستكون هناك دول فرعية ودورها محدد في خريطة التفاعلات، وإن كانت ستعمل من خلال مقاربات فردية وأطر منفردة لتأكيد جدارتها في التحالف الراهن والمستمر، خصوصاً أن المصالح الاقتصادية الكبيرة ستحكمها في إطار استراتيجيات جديدة للتحالف لن تقتصر على ما هو تقليدي مثل مواضيع الطاقة وإمدادات الغاز والاستثمارات في قطاعات متنوعة مثلما هو جارٍ أوروبياً.

الواضح أن الولايات المتحدة تتحرك في دوائر عدة للحفاظ على وحدة التحالفات الغربية- الأميركية، وتخوفاً من المجهول الذي يواجه سياستها في المديين القصير والطويل، بحيث تبحث الاستراتيجية الأميركية عن بناء تحالفات مستجدة ورؤية شاملة تنطلق من التسويق السياسي لفكرة السلام الاقتصادي والتنمية والبحث عن المشتركات والعمل على تطوير وتنمية العلاقات الغربية- الأميركية.

إن أي تحالف غربي- أميركي لن يكون مقصوراً على الأطلنطي، كمنطقة جغرافية واحدة، أو نطاق استراتيجي كما يتصور بعضهم، فالجانب الأميركي يتحدث عن القواسم المشتركة بين دول الأطلنطي والتعاون في مجالات التنمية والاقتصاد والاستثمار والطاقة وغيرها، وكذلك حرص واشنطن على مشاركة بعض الدول من خارج الأطلنطي، مما يثير إشكالية التركيز على الأولويات المهمة التي يمكن العمل من خلالها، ويطرح تساؤلاً حول كثرة التحالفات التي تخطط لها الولايات المتحدة من بناء شراكات جديدة مع اليابان والهند وأستراليا وبريطانيا ودول الكاريبي، والتمدد بالرؤية الأميركية إلى المحيط الهادئ بأكمله.

من المرجح اتجاه روسيا إلى مواجهة حلف "ناتو" عبر التركيز على إحياء فكرة منظمة الأمن الجماعي والعمل على بناء دوائر للنفوذ والتمركز الاستراتيجي في مواجهة ما سيجري في النطاق الأوروبي، مما سيعيد التذكير باستراتيجية الدولة السوفياتية أثناء استراتيجية حلف وارسو في مواجهة "ناتو" مع الاعتماد على استراتيجية الأمن الجماعي تحت إدارة الطرف الروسي، واتجاه روسيا والصين إلى بناء تحالف ثنائي عسكرياً واستراتيجياً في مواجهة المد المتصاعد للجانب الأميركي في النطاقات الآسيوية، وقد يأخذ هذا التحالف أنماطاً مختلفة عما هو قائم ومرشح للانضمام دول أخرى مثل إيران وكوريا الشمالية وغيرها، إضافة إلى تزايد معدلات الإنفاق العسكري.

الخلاصات الأخيرة

على رغم أن الصين وروسيا ليستا شريكتين استراتيجيتين، فإنهما تواجهان تهديدات مشتركة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وهو تهديد يستدعي درجة كبرى من التعاون العسكري والاستخباري بين الجانبين، وعلى هذا النحو يمكن للتحالف الاستراتيجي بين موسكو وبكين أن يزيد من القوة السياسية للدولتين في مواجهة واشنطن.

ستصبح أيضاً التحالفات المصغرة سمة رئيسة للبنية الأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ على المدى الطويل، وهناك محددات استراتيجية للتحالفات التعددية المصغرة تبرز في هذه المنطقة، منها المنافسة الدولية بين الصين والولايات المتحدة والتي دفعت الأخيرة إلى لعب دور أكبر في المنطقة من خلال تطوير عدد من الشراكات الجديدة المصغرة التي تضم بعض القوى الإقليمية مثل الهند واليابان، إلى جانب ضعف الترتيبات الأمنية الإقليمية القائمة التي لم تتمكن من حل عدد من التحديات الأمنية الملحة.

وجود الحوار الأمني الرباعي المعروف باسم "كواد" الذي يجمع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، ويلتزم من خلاله الشركاء الأربعة جعل "منطقة الهند والمحيط الهادئ مفتوحة وحرة"، وكذلك تحالف "أوكوس" الأمني الذي يضم أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة ويسعى إلى حماية مصالح هذه الدول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وموازنة النفوذ الصيني هناك، والتعاون الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية في مواجهة التحديات العالمية وعلى رأسها ما يرتبط بأمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لا سيما التهديدات الصاروخية المتطورة لكوريا الشمالية، وأخيراً الحوار الثلاثي بين الهند وأستراليا وإندونيسيا والحوار الثلاثي بين الهند وفرنسا وأستراليا.

المزيد من تحلیل