ملخص
يشترط قانون نظام الأبنية والتنظيم في مدينة عمان وجود مواقف للسيارات عند إصدار تراخيص البناء
يمضي محمد وقتاً طويلاً وهو يبحث عن موقف لمركبته صباح كل يوم، لكن اليأس يدفعه أخيراً للجوء إلى خدمة ركن السيارات المدفوعة "الفاليه" حتى يتمكن من اللحاق بعمله في إحدى الشركات الخاصة غرب العاصمة عمان.
مشهد مؤرق يتكرر يومياً مع ارتفاع عدد المركبات في الأردن على نحو لافت، إذ زاد عدد السيارات من حوالى 600 ألف عام 2000 إلى أكثر من مليوني سيارة عام 2023، بينما تتراجع المساحات المخصصة للمواقف، وسط نمو عمراني سريع في السنوات الأخيرة بعد توسع المدن الأردنية وتمددها، مما أدى إلى زيادة الطلب على مواقف السيارات.
"خدمة إجبارية"
يشكو مواطنون من تقديم خدمة "الفاليه" في بعض المستشفيات والمراكز التجارية بشكل إجباري، وبما يخالف قوانين أمانة العاصمة عمّان التي تعتبرها خدمة اختيارية، وفي كثير من هذه الأماكن تتنصل الجهات المعنية من مسؤوليتها عن أي ضرر قد يلحق بالسيارة.
ويقول آخرون إنه لا يحق لأحد حجز الشارع العام ومنع الاصطفاف فيه، في حين تخصص أمانة عمان حملات تفتيش ومراقبة للشوارع والساحات المرخصة وغير المرخصة وتخصص رقماً للشكاوى.
وتتباين أسعار خدمة "الفاليه" من منشأة إلى أخرى، لكن الثابت الوحيد، بحسب بعض الموظفين، أنها "مهنة بلا أي ضوابط"، في وقت تؤكد فيه بلدية العاصمة عمّان أنها أصدرت أخيراً قراراً بوقف منح التصاريح لخدمة الاصطفاف في الفنادق والمطاعم والشركات والمستشفيات، مشيرة إلى أن عدد الرخص المعنية بهذه الخدمة بلغت 134 فقط.
وفيما يعتبر قسم من المواطنين أن السلطات أغفلت تخصيص مساحة كافية لمواقف السيارات المجانية في عديد من المناطق السكنية والتجارية، توضح أمانة العاصمة بدورها أنها توفر مواقف مجانية في معظم الأماكن المزدحمة، لكنها تعجز عن مواكبة التزايد المستمر لعدد المركبات.
كما يتحدث آخرون عن التحايل على القوانين من قبل أصحاب المشاريع السكنية والتجارية الذين يحولون طوابق المواقف إلى شقق، مما يضاعف المشكلة ويجعل من الشارع المكان الوحيد لركن السيارات.
وترد أمانة العاصمة بالإشارة إلى قانون نظام الأبنية والتنظيم في مدينة عمان، الذي يشترط وجود وتوفير مواقف للسيارات عند إصدار تراخيص البناء لجميع المرافق وأنواع البناء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا حلول
يمكن لزائري العاصمة عمّان أن يلمحوا بوضوح فوضى اصطفاف السيارات في كل مكان متاح، مما أحال المشهد إلى كتل متراكمة من المركبات على جوانب الطرقات بشكل مزعج ومعيق في آن معاً.
إذ أصبحت لافتات (ممنوع الوقوف قطعياً) و(الموقف خاص بزبائن المحل) فضلاً عن العوائق والحواجز، مشهداً مألوفاً على رغم مخالفته القانون.
وسط هذه الفوضى وجد باحثون عن الاستثمار ضالتهم عبر تحويل عديد من الساحات الفارغة إلى مواقف للمركبات، لكن هذا الحل لم يكن كافياً، فيما يدعو مراقبون وخبراء في تخطيط المدن إلى حلول أكثر جدوى.
ويقول مدير الإدارة في أمانة عمان محمد الفاعوري، إن بلدية العاصمة توفر ساحات للوقوف والاصطفاف، وتمنح تراخيص لمواقف خاصة عدة للمنشآت التجارية، وتتيح للمواطنين الوقوف بشكل طولي ولمدد طويلة بشكل مجاني في كثير من المناطق.
ويتحدث الناطق الرسمي باسم مديرية الأمن العام عامر السرطاوي عن ظواهر سلبية ترافق خدمة "الفاليه" ومخالفات يتم ضبطها من قبل شرطة المرور، من قبيل الاصطفاف في أماكن ممنوعة أو استخدام المركبات في ممارسات خطرة كـ "التفحيط" والقيادة بتهور.
مهنة حديثة
يعمل (خالد) في خدمة "الفاليه" منذ ثلاث سنوات، ويقول إنه يتقاضى نحو أربعة دولارات عن كل عملية ركن، مشيراً إلى أن هذه المهنة تؤمن له دخلاً جيداً، موضحاً أن أغلب العاملين في هذه المهنة هم من طلبة الجامعات.
يتعرض خالد لكثير من المواقف المحرجة من قبيل رفض البعض دفع أجرة الموقف أو محاولة الدخول معه في جدال حول الأجرة، في حين يتجنب هو الدخول في مشاحنات قد تصل إلى حد الشجار.
وتعد مهنة "الفاليه" من المهن الحديثة في الأردن التي فرضها التوسع العمراني والتجاري، وهي عمالة موقتة ورخيصة.
يرفض عاملون في المهنة وصفها بالفوضوية، ويقولون إن أصحاب شركات خدمة الاصطفاف يستخرجون رخصة مهنة من قبل وزارة الصناعة والتجارة بكفالة مالية تصل إلى 20 ألف دولار للتقيد بالأنظمة والتعليمات.
وتنسحب أزمة الاصطفاف كذلك على المحلات التجارية التي يقوم كثير من أصحابها بحجزها ومنع المركبات من الوقوف فيها، ما يرتب خلافات يومية، وفي حين توفر مراكز تسوق كبرى مواقف مجانية، تعمد أخرى إلى استيفاء رسوم لا تتجاوز الثلاثة دولارات، فيضطر كثيرون إلى الاصطفاف في الشوارع الخلفية وأمام المنازل ما يخلق مشكلة أكبر.
مواقف ذكية
لكن مراقبين وخبراء في تنظيم المدن يتحدثون عن حلول غير تقليدية لزيادة عدد مواقف السيارات في المدن، كإعادة استخدام الأراضي غير المستخدمة، والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة كأنظمة الدفع الإلكتروني والحجز، والمواقف الذكية أو العامودية التي تعتمد على فكرة المصاعد، لأن أزمة المواقف برأيهم تؤثر سلباً في جودة الحياة في المدن الأردنية، وتؤدي إلى ازدحامات مرورية خانقة في الشوارع والطرق، فضلاً عن مشكلات بيئية وزيادة في التلوث الهوائي والضوضاء.
بدورها تدعو نقابة المهندسين الأردنيين إلى تبني خيار مواقف السيارات الذكية لدورها في تخفيف الازدحام المروري، اذ إن تأمين مواقف ذكية يزيد من سعة الطريق بنسبة تزيد على 30 في المئة، إضافة إلى تخفيف انبعاثات الغازات السامة.