ملخص
في المقابل أكد شهود أن جبهات القتال في أم درمان تشهد تعزيزات عسكرية ضخمة من قبل الطرفين فضلاً عن اتساع حجم القصف المدفعي
تنفس سكان منطقة جنوب الحزام في الخرطوم الصعداء طوال أمس الإثنين، إذ شهدت المنطقة توقفاً تاماً للمعارك واختفاء تحليق المسيرات والطيران الحربي ودوي الانفجارات وأصوات المدافع والمضادات الأرضية، بعد المجزرة التي أودت بحياة 46 شخصاً أول من أمس الأحد من جراء غارات جوية للجيش السوداني استهدفت تمركزات قوات "الدعم السريع" في المنطقة، مما يعد أعنف هجوم وأكثره حصداً للضحايا في السودان منذ اندلاع الحرب بين الطرفين قبل خمسة أشهر.
وواصل الجيش قصفه الجوي بالمسيرات أهدافاً لـ"الدعم السريع" وتمركزاته في محيط سلاح المدرعات والمدينة الرياضية، كما قصف أيضاً أهدافاً عدة بمنطقة المربعات بأم درمان، فضلاً عن وقوع اشتباكات متقطعة في محيط سلاح المهندسين، في حين ساد الهدوء شمال أم درمان.
وبحسب شهود فإن الوضع الإنساني يتجه إلى الأسوأ بمدن العاصمة الثلاث، في ظل حركة نزوح كبيرة لسكان مناطق غرب الحارات وأمبدات التي تدور فيها معارك عنيفة بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، وذلك باتجاه أحياء الثورة باعتبارها أكثر المناطق أمناً واستقراراً بخاصة أنها تحت سيطرة الجيش.
وبين الشهود أن جبهات القتال في أم درمان تشهد تعزيزات عسكرية ضخمة من قبل الطرفين، فضلاً عن اتساع حجم القصف المدفعي باستخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وطائرات الدرون، مما يؤشر إلى أن هناك معارك كبيرة ستدور قريباً في هذه الجبهات، بخاصة قاعدة وادي سيدنا وسلاح المهندسين.
اشتباكات ونازحون
وفي دارفور شهدت مدينة نيالا بجنوب الإقليم اشتباكات ومناوشات بين الجيش و"الدعم السريع" في محيط قيادة الجيش وسوق المدينة بعد توقف القتال الكثيف أياماً عدة، والذي أدى إلى نزوح نحو 80 ألف شخص إلى داخل الإقليم وخارجه.
وعادت خدمات الاتصالات إلى مدن نيالا وكبكابية والجنينة، فضلاً عن عودة التيار الكهربائي إلى الأخيرة بعد انقطاع دام لأكثر من خمسة أشهر.
وفي كردفان قال المدير التنفيذي لمحلية العباسية بجبال النوبة صديق النور إن المحلية استقبلت 15 ألف نازح فروا من القتال المشتد بين الجيش السوداني وقوات الحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو أخيراً.
ولفت النور إلى الأوضاع الصعبة لهؤلاء النازحين نظراً إلى عجز السلطات المحلية عن تأمين المأوى والغذاء والدواء لهم، الأمر الذي يستدعي تدخل المنظمات الإغاثية بسرعة لتوفير العون الإنساني.
فقدان السيطرة
في الأثناء قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم الزمزمي بشير "أخذت الحرب منذ نهاية الأسبوع الماضي مسارات مغايرة تماماً في ضوء الإدانات الأميركية وحجز أموال الدعم السريع وشركاته ومؤسساته وأرصدته في الخارج، فهذا الأمر بلا شك سيضعف من مقدرات تمويل هذه الحرب المكلفة".
وتابع "كذلك من المتوقع أن تحجم مؤسسات وشركات بيع السلاح في تعاملها مع هذه الميليشيات، إضافة إلى ابتعاد الدول الإقليمية التي كانت تدعم هذه القوات خوفاً من إدانتها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية".
وواصل بشير "هذه الآثار بدأت تظهر جلياً بظهور القائد الثاني للدعم السريع عبدالرحيم دقلو، الأخ غير الشقيق لقائد هذه القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بلباس مدني من خارج السودان، مما يشير إلى أن قوات الدعم السريع أصبحت من دون قيادة، وأنها بدأت تفقد السيطرة على الآلاف من أفرادها خلال سير المعارك الهمجية على سلاح المدرعات".
وأردف "في تقديري أن الحرب أوشكت على نهايتها بابتعاد قيادة الدعم السريع عن القتال بجانب قواتها، فلا يمكن لما تبقى من قيادة وقوات مواجهة جيش نظامي يمتلك هيئة عمليات مشتركة من قوات برية وجوية وبحرية وسلاح مهندسين ومدرعات، فضلاً عن كونه جيشاً يفهم العقيدة القتالية جيداً".
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن مسألة التفوق العددي في جانب المشاة التي رتب لها قائد "الدعم السريع" جيداً لم تعد تخدم الآن، في ظل انحسار هذه القوات وهزائمها المتتالية في دارفور وكردفان وداخل الخرطوم.
المحطة الرابعة
وكان قائد الجيش عبدالفتاح البرهان زار أمس إريتريا لمدة يوم واحد، وسط مساع لتكثيف الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب الدائرة في البلاد منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي.
وقال وزير الخارجية المكلف علي الصادق إن البرهان "أطلع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي على الأوضاع في السودان على ضوء تمرد ميليشيات الدعم السريع على الدولة".
ولفت إلى أن المباحثات تطرقت إلى المبادرات المطروحة في شأن معالجة الأزمة السودانية للخروج برؤية موحدة تحقق السلام والاستقرار في البلاد.
وتعد زيارة أسمرا المحطة الرابعة للبرهان خارج البلاد منذ أواخر أغسطس (آب)، إذ بدأ جولاته بزيارة مصر ثم جنوب السودان وقطر.
وتأتي زيارات البرهان في ظل تقارير عن وساطات للتفاوض بينه وبين قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو خارج البلاد سعياً إلى إيجاد حل للنزاع الذي تسبب في مقتل نحو 7500 شخص، وفق أحدث أرقام لمنظمة "أكليد" غير الحكومية التي ترجح، كما غيرها من المصادر الطبية والميدانية، أن تكون الحصيلة الفعلية أعلى، فضلاً عن نزوح خمسة ملايين شخص إلى داخل السودان أو العبور إلى دول الجوار خصوصاً مصر وتشاد.