ملخص
لم تسلم المباني والمآثر التاريخية في إقليم الحوز ومدينة مراكش من تداعيات الزلزال العنيف الذي ضرب المغرب.
لم تسلم المباني والمآثر التاريخية في إقليم الحوز ومدينة مراكش بخاصة من تداعيات الزلزال العنيف الذي ضرب المغرب ليل الجمعة - السبت الماضي، وأدى إلى مقتل أكثر من 2900 شخص وإصابة 5530 آخرين، وفق حصيلة نشرت أمس الثلاثاء.
وتضررت كثير من الأبنية والمآثر والمساجد والقصور التاريخية في إقليم الحوز الذي يعتبر بؤرة الزلزال المدمر، إضافة إلى مدينتي مراكش وتارودانت جنوب البلاد، ومنها مبان تاريخية تضررت بصورة كاملة وأخرى بصورة جزئية أو طفيفة.
سقف مراكش
ولعل أبرز المباني التاريخية التي تضررت مسجد الكتبية التاريخي الشهير وسط مراكش، ومشهده وهو يتمايل قبل أن يستقر في مكانه وسط صراخ عدد من الأشخاص، بحسب ما وثقت مقاطع فيديو تم بثها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقول الباحث المتخصص في تاريخ مراكش إلياس عروض إن الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز أدى إلى الأضرار بمسجد الكتبية التاريخي الذي يوجد قرب ساحة جامع الفنا السياحية الشهيرة في قلب مراكش، مشيراً إلى أن المسجد لم يسقط على رغم أنه شوهد يتأرجح قليلاً بضع ثوان قبل أن يهمد ويعود لوقفته الشامخة، مبرزاً أن "الذي تضرر من المسجد الصومعة مع بعض التصدعات في الواجهة".
ووفق الباحث فإن مئذنة جامع الكتبية التاريخي يبلغ طولها 69 متراً وتسمى "سقف مراكش"، باعتبار أن الواقف في الصومعة يمكنه أن يرى المدينة كلها، وتعد من أفخم وأجمل أجزاء المسجد الفسيح الشاسع الذي يمتلك تاريخاً ضارباً في العراقة والقدم يعود للدولة المرابطية".
وتقول مصادر تاريخية متطابقة إن مسجد الكتبية في صورته الأولى شُيد على يد السلطان عبد المومن بن علي الكومي عام 1147 ميلادي، كما يستحوذ على مساحة 5300 متر مربع، ويتشكل من 17 جناحاً و11 قبة مزينة بالنقوش.
ووفق مصادر محلية بمدينة مراكش فإن مسجد الكتبية ستحظر الصلاة فيه موقتاً إلى حين رصد حجم الأضرار التي طاولته، وأيضاً لحين ترميم الأعطاب وإعادة الصومعة والواجهة إلى حالتها الطبيعية.
خربوش والملاح اليهودي
ولم يكن جامع الكتبية التاريخي الوحيد الذي أصابته شظايا الزلزال الذي هز المغرب، بل أيضاً مسجد خربوش التاريخي المعروف الواقع في أقصى الشمال الشرقي من ساحة جامع الفنا، غير بعيد من سوق السمارين الشهير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفاد سعيد أزغور، وهو أحد المهنيين العاملين في ساحة جامع الفنا وعاين انهيار صومعة مسجد خربوش، بأن هذا المسجد على رغم أنه ليس بشهرة مسجد الكتبية لكنه أيضاً جامع تاريخي عريق، ويعد من معالم مدينة مراكش الخالدة.
وأضاف أنه كان وقت الزلزال في ساحة جامع الفنا كعادته بعد أن صلى في مسجد خربوش العشاء، ثم سمع بعد ساعتين أصوات صراخ الناس في الساحة بسبب الهلع من الهزة الأرضية القوية"، مشيراً إلى أن "مسجد خربوش كان من بين ما تهدم في المكان، وخصوصاً صومعته التاريخية".
ويضيف عروض أن الحي اليهودي في المدينة، والمعروف باسم "الملاح"، تعرض هو الآخر لضرر كبير في عدد من أجزائه، مستحضراً أنه سبق وخضع لترميم من طرف السلطات المغربية، لكن الزلزال أعاد الأمور للصفر، كما أن أسوار مراكش التاريخية أيضاً تأثرت وتضررت بفعل الهزة الأرضية القوية إذ تصدعت وتشققت أجزاء منها، موضحاً أنها أسوار ترمز إلى حضارة مراكش والمغرب وكانت الدولة المغربية تتخذها دفاعات لها خلال تشييدها في القرن الـ 12 الميلادي.
وتابع أن مراكش أيضاً شهدت أضراراً طاولت بعض قصورها التاريخية، إذ وصلت شظايا الزلزال المدمر إلى مرافق في قصري الباهية التاريخي والبديع، وطاولت التصدعات بعض قباب القصر التاريخي.
أسوار متضررة
وغير بعيد من مدينة مراكش، تضرر أيضاً مسجد تينمل الذي يسمى المسجد الأعظم، وهو تاريخي وعريق يعود بناؤه للدولة الموحدية في عهد الخليفة الموحدي عبدالمؤمن بن علي عام 1156 الميلادي.
وبحسب عروض فإن جامع تينمل يرمز إلى الحضارة الموحدية، إذ لم يكن مجرد مسجد تقام فيه الصلوات والدعوات، بل كان أيضاً "عاصمة دينية" لهذه الدولة التي حكمت المغرب خلال قرون مضت، لافتاً إلى أن هذا الجامع التاريخي صمد لقرون كثيرة أمام نوائب الدهر المختلفة وعلى مر الدول المتعاقبة التي حكمت المغرب، كما أنه خضع للترميم قبل شهور قليلة، غير أن الزلزال الأخير استطاع أن يهدم هذا الصرح التراثي والتاريخي الجليل"، وفق تعبيره.
ومثلما حصل مع أسوار مراكش فإن سور مدينة تارودانت التاريخي تضرر أيضاً جراء الهزة الأرضية ذاتها مما أحدث فيه شروخاً وتشققات، مما يستوجب إجراء عمليات صيانة وترميم كبرى في هذا السور وباقي المآثر والمباني التاريخية المتضررة.
وفي السياق وصل وفد من منظمة "يونيسكو" إلى مراكش من أجل "تقديم الدعم إلى السلطات المغربية لحصر الخسائر التي تكبدها قطاع التراث، وتأمين المباني تمهيداً لإعادة الإعمار"، وفق تعبير مديرة المنظمة.
ووفق مصادر مطلعة فإن وزارتي الثقافة والأوقاف والشؤون الإسلامية المغربيتين تعكفان حالياً على إعداد خطط لضبط وجرد الأضرار التي أصابت هذه المباني الأثرية والتاريخية، بهدف ترميمها وإصلاحها وإعادة بناء ما تهدم بعد تخصيص موازنة استثنائية.