Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

المرأة الحرة تفرض حضورها على موجة من الأفلام الحديثة

شخصيات نسائية خارج الصورة النمطية بين الخيانة المتبادلة والتضحية والمواجهة والتحول الجسدي 

بينولوبي كروز في دور لاورا في "فيراري" (ملف الفيلم)

ملخص

شخصيات نسائية خارج الصورة النمطية بين الخيانة المتبادلة والتضحية والمواجهة والتحول الجسدي

هيمنت المرأة هذا العام على عدد كبير من الأفلام المعروضة في مسابقة مهرجان البندقية السينمائي في دورته الـ80، فارضةً حضورها وسلطتها وهيبتها، وطارحةً وجهة نظرها بحرية تامة في عديد من المسائل، علماً أننا تابعنا عديداً من الأحداث من وجهة نظرها بالكامل.  

لم تبرز الشخصيات النسائية في أفلام أخرجتها نساء برؤية نسائية لها، بل أيضاً في أفلام لسينمائيين ذكور، أدركوا أهمية الحديث عن المرأة في عصر التغيرات الكبرى، خصوصاً ان موضوع تمكينها أصبح من الضرورات التي تهتم بها المهرجانات. صحيح أن "الموسترا" أغضب كثراً من خلال اختيار أفلام لثلاثة سينمائيين، بولانسكي وآلن وبوسون، طالتهم اتهامات بالتحرش الجنسي والاغتصاب، إلا أن الغوص في تفاصيل الدورة الـ80، والإمعان في ما قدمته من رد اعتبار للمرأة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، يرينا كم أن الاهتمام كان كبيراً في هذا المجال.

"كائنات مسكينة" الفائز بجائزة "الأسد الذهبي" يقع ضمن الأفلام التي تناولت شخصيات نسائية تتحدى الأعراف والتقاليد والمسلمات الاجتماعية. من سيدة متزوجة برجل متسلط حملها على الانتحار، تتحول بيلا (إيما ستون) إلى مرأة متحررة، لديها كيانها الخاص المنفصل عن كيان الرجل، ومن اللحظة التي تكتشف فيها الرعشة الجنسية التي يبدو أنها لم تعرفها يوماً، تتغير حياتها إلى الأبد. طبعاً، ما يصوره المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس في هذا الفيلم حالة شديدة التطرف، تمعن في الفانتازيا، مع شخصية مدفوعة إلى أقصاها تؤديها إيما ستون بكل مسامات جلدها. 

زميلتها الإيطالية ألبا رورفاكر، هي الأخرى يبدو أنها باتت منذ زمن طويل تتحكم بحياتها. هذا ما يتبدى بوضوح، من دور أليس الذي تضطلع به في "خارج الموسم" للفرنسي ستيفان بريزيه. إنها سيدة متزوجة تعيش في مدينة مملة، ويبدو أنها فضلت أن تنعم بالاستقرار عبر الزواج برجل لا تكن له حباً كبيراً. يشهد روتينها تغييراً، عندما يصل إلى مكان إقامتها ممثل مشهور (غيوم كانيه). اللقاء به بعد سنوات، يجعلها تسترجع العلاقة التي عاشتها معه قبل 15 عاماً، وما تبقى منها، وما هي الأسباب الخفية والواضحة التي دفعتهما إلى الانفصال. هذا كله في ضوء الخيارات اللاحقة التي قامت بها. الفيلم ليس من وجهة نظرها وليس عنها تماماً، ولا هي العنصر الأقوى في الفيلم، لكن هذا لم يمنع المخرج بريزيه من أن يسند إليها الدور الذي يعتمد عليه الفيلم بأكمله، فمن دونها ما كان ليحدث شيء جديد لهذا الممثل الذي لجأ إلى فندق فخم، في مكان بعيد من الأنظار كي يعيد النظر في حياته وهو يقارب الخمسين. 

شخصية سيلفيا التي تؤديها الأميركية جسيكا تشاستاين في "ذاكرة" للمكسيكي ميشال فرنكو، ليست بعيدة كثيراً من تلك التي تلعبها رورفاكر في الفيلم المذكور آنفاً، هناك تقاطع عاطفي ووجودي بينهما. سيلفيا أم عزباء عاشت طفولة صعبة ومعقدة انعكست سلباً على حياتها كراشدة. إنها شخصية مفككة لا تعرف ماذا تفعل بحياتها، لكن يعاد بناؤها على مرأى من المشاهد، إلى اليوم الذي تلتقي فيه سول (بيتر سارسغارد) وهو رجل يعاني من مشكلات نفسية. معاً ينهضان من محنتهما، علماً أنها تلعب دوراً بارزاً في نقله من حالة ميؤوس منها إلى أخرى أفضل بكثير. يقول المخرج إن الفيلم عن ظلال الماضي وكيف يمكن للإنسان أن يعيش في حضورها، ولكن أميل إلى اعتباره فيلماً عن المستقبل، فحالة الحب والعطف تفتح الأبواب التي كانت مغلقة حتى الأمس القريب.

وإذا كانت لسيلفيا تلك القدرة على تغيير حياة سول، فللمراهقة هولي (كاثالينا غيرارتس) قدرة على شفاء رفاقها في الصف وأهاليهم غداة تعرضهم لمأساة، بمجرد أن تقترب منهم، وهذا ما نكتشفه في فيلم المخرجة البلجيكية فيين تروش الذي يحمل اسم البطلة. لكن، مع الوقت، تبدأ هولي في رفض هذه المهمة التي تم تكليفها بها، بعد شعورها بأنها صارت عبئاً عليها وتهدر طاقتها. 

في "الوحش" للفرنسي برتران بونيللو، تلعب ليا سايدو دور غابرييل، شخصية امرأة تعبر العصور والأماكن، وكلها رغبة في استعادة مشاعرها والانفعالات التي أصبحت مدينة في زمن الذكاء الاصطناعي. بونيللو الذي تعج سينماه بشخصات نسائية، يقول إنه ود مع هذا الفيلم إنجاز بورتريه امرأة ومقاربة الحب والميلودراما من خلاله. ويذهب بونيللو أبعد من ذلك بالقول إن "الوحش" يتحول إلى عمل وثائقي عن ممثلة، قاصداً بها ليا سايدو التي تقدم هنا أحد أهم أدوراها على الإطلاق. 

عالم التمثيل والسينما يحضر أيضاً في "أخيراً ألبا" للإيطالي سافييرو كوستانزو، الذي يعرفنا على فتاة بسيطة من روما اسمها ميموزا (ليلي جيمس) يعرض عليها دور صامت في فيلم من بطولة نجمة "هوليوودية" يتم تصويره في استوديوهات تشينيتشيتا، وهنا تكتشف المقلب الآخر للسينما والعاملين فيها. تدخل ميموزا هذا العالم وهي خجولة ومرتبكة، قبل أن تصاب بخيبة بعد الذي تعيشه. الفيلم يحمل وجهة نظر نسوية، وللمفارقة، إن معظم الأفلام التي تحاول إحداث قطيعة مع الصورة النمطية للمرأة التي ارتسمت في الأذهان عبر العصور، هي لمخرجين رجال. 

حتى في أكثر الأفلام التي من المفترض أن تكون "رجالية"، كـ"فيراري" للأميركي مايكل مان، نجد عنصراً نسائياً طاغياً ويتمثل هنا في شخصية لاورا (بينيلوبي كروز)، زوجة إنزو فيراري الذي يروي الفيلم، فصلاً صغيراً من حياته. تعاني لاورا من خيانة زوجها لها، وقد رزق بطفل من امرأة أخرى خارح إطار الزواج. ومع ذلك تبقى صلبة أمامه، تعنفه وتفرض شروطها في أي نوع من مفاوضات معه، هو الذي أحبته ذات يوم وأنجبت منه طفلاً توفي في حادثة أليمة. أعطى مان دوراً بارزاً للمرأة في فيلم بطله الأول هو سباق السيارات، هذا بعدما أعتبر لفترة طويلة مخرجاً ذكورياً، بسبب طبيعة أفلامه. 

الكلام عينه ينسحب على فيلم "بريسيللا" للأميركية صوفيا كوبولا الذي يأخد من الحياة الشخصية لملك الروك إلفيس بريسلي، هذه الزواية التي لا يعرفها الجميع، وهي زواجه ببريسيللا (كايلي سباني)، مع الفرق أن كوبولا لطالما صورت شخصيات نسائية، بخلاف مواطنها مايكل مان. في "بريسيللا" نرى إلفيس "من الداخل"، لا هو شرير ولا هو الأسطورة التي نعرفها، يزج بزوجته المراهقة في سجن معنوي وفعلي، وهكذا يعيشان معاً عقداً من الزمن، قبل أن تتحرر بريسيللا منه، على رغم أن إلفيس يبقى حب حياتها. 

اقرأ المزيد

بين كل هذه الشخصيات النسائية، ثمة واحدة هي الأكثر جرأةً، تقدمها المخرجة البولندية مالغورزاتا زوموفسكا (بالاشتراك مع ميهال أنغلرت) في جديدها "امرأة الـ…" الذي يروي نحو نصف قرن من حياة رجل بولندي (مالغورزاتا هاييفسكا) يتحول إلى امرأة لشعوره بأنه ولد في الجسد الخطأ. يقدم الفيلم واحدة من أقوى قصص العبور الجنسي، تجري فصولها في بولندا، لحظة انتقالها من الشيوعية إلى الرأسمالية وما بعدها، مع الإشارة إلى أن بولندا من البلدان الكاثوليكية التي لا تزال تعاني من بعض التعصب الديني. 

بولندا هي أيضاً البقعة التي تموضع فيها المخرجة البولندية المخضرمة أغنيشكا هولاند، أحداث جديدها "حدود حضراء"، لتصوير قصة تضامن ولجوء وعنف، من خلال مجموعة من الناشطات المؤيدات لحقوق المهاجرين اللواتي تتعامل معهن الشرطة بقسوة ما بعدها قسوة، ليتحول جزء من النضال من أجل الحرية، حرباً بين رجال ونساء! 

المزيد من سينما