ملخص
يظهر التاريخ أن الأبنية مهما اختلفت حقبات بنائها ومواد إنشائها يمكن أن تفشل، بينما سلطت قضية خرسانة "الراك" في بريطانيا على أهمية دورنا في اختيار أنماط مواد البناء المتوفرة لدينا
تخيلوا اجتماعاً لعموم آلهة الرومان من أجل اختيار مادة تسقيف معبد جديد ينشئه الإمبراطور أدريان على اسمهم. ذكرت أحجار اليشب والياقوت والعقيق الأبيض على نحو شبه ساخر ثم رفضت من الآلهة. هل يصلح خشب النخل المستقدم من بارثيا البعيدة لهذه الغاية؟ فكرة جميلة، لكن هيهات. الذهب؟ ما رأيك يا جونو مونيتا؟ هذا مكلف جداً، وربما بالغ النعومة. إذاً لماذا لا يجري التمسك بالرخام، هو الذي سبق تجريبه واختباره مراراً وتكراراً؟ يعكس الشمس. إذ إن (الرخام) يقي الأبنية من الحرارة وما إلى هنالك. وقد كنت أيها الإمبراطور أغسطس حريصاً على استخدام هذه المادة (الرخام) التي بدلت روما كما قلت، قبل أن تغدو واحداً منا. ما رأيك يا فسباسيان؟
ما الأفكار التي يمكن أن تكون وردت في خاطر تلك الآلهة عندما اختار أدريان ومعماره – قيل إنه إبولودوروس الدمشقي، الخبير في إنشاء القباب – مادة الخرسانة لبناء قبة البانثيون المتعالية؟ وبالتحديد الخرسانة الرقيقة. إذ في العقود السابقة، تحديداً في الأسابيع التي خلت، انشغل أهل الدنيا والفناء في "بلاد البريطانيين" Britannia، بمناقشات لم تتناول مواضيع كثيرة أخرى على ما يبدو. وهم يطلقون على خرسانتهم الرقيقة اسم الـ"راك"، وهو الاسم المختصر للـ"الخرسانة الخلوية المسلحة" reinforced autoclaved aerated concrete (raac)، وهو اسم يتشابه لفظياً [باللغة الإنجليزية] مع كلمة الخراب والخرائب.
لكن، وفي حين أن العمر الافتراضي لـ"الراك" [أي عمر بقائه متماسكاً قبل أن ينهار ويشكل خطراً على القاطنين تحت أسقف مبنية منه] بلغ 30 عاماً، فبقيت خرسانة أدريان الرقيقة، التي غطت القطر البالغ 43 متراً لسقف بهو البانثيون، سالمة طوال 2000 سنة تقريباً. والأمر يصبح لافتاً أكثر حتى حين نعلم أن خرسانة البانثيون، الرقيقة في الأصل، تزداد رقة إذ تبلغ تاج القبة وذروتها. إذ إنها هناك، في أقصى العلو، تندمج بالهواء الرقيق في هيئة كوة، أو فتحة دائرية تدخل شعاعات الشمس وأنوار القمر المكتمل وتوزعها في أرجاء المعبد الدائري الداخلية المكسوة بالرخام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى نحو مدهش أيضاً، يتساقط المطر من خلال تلك الكوة، وشهد بعضنا، بواقعة نادرة، تساقط الثلج حتى عبر هذه الكوة. المطر والثلج. العدوان اللدودان للخرسانة بلا أدنى شك. وهكذا، وفق طبيعتهما المعادية، تسللا عبر الشقوق والصدوع الموجودة في مساحات وأسطح الخرسانة المدعمة، التي يشكل "الراك" نموذجاً من أنماطها، ليزيدا من توسع المساحات الخرسانية وتشظيها.
ولا بد أن الآلهة الرومانية كانت تشيح بوجهها ناظرة في غير اتجاه عندما، قبيل ظهيرة الـ14 من أغسطس (آب) 2018، تعرض قسم بطول 200 متراً من الجسر الناهض بـ"أوتوستراد A10" فوق نهر بولسيفيرا وسط جنوى، للانهيار، متسبباً في مقتل 43 شخصاً ومشرداً 600 [لوقوعه فوق منازلهم]. وبدا أن عوامل التلوث، وهواء البحر المالح، والافتقار إلى الصيانة المستمرة، مثلت العوامل السلبية الرئيسة التي تسببت في تلف الأسلاك المغطاة بالخرسانة مسبقة الإجهاد.
وأصيب المهندسون الإيطاليون بالخيبة والإحباط جراء تلك الواقعة، هم المشهورون ببراعتهم في استخدام الخرسانة. فمصمم الجسر، ريكاردو موراندي، يتمتع بشهرة واسعة في دوائرهم النخبوية. كما أن جسر موراندي ذاك، الذي افتتح عام 1967، لا يعد قديماً بالنسبة إلى معدلات أعمار المنشآت الخرسانية. على أن بديل الجسر المنهار، ذاك البديل الذي أنجز في أقل من سنتين، صممه المعماري الجنوي (من مدينة جنوى) الشهير عالمياً رينزو بيانو. وتقوم روبوتات على مسار سكة حديدية بالتحرك باستمرار، جيئة وذهاباً على طول الجسر، للتحقق من قوة هيكله. لا أحد يخاطر. فدعائم الجسر وأعمدته الإهليجية البسيطة والأنيقة، التي تستحضر على نحو غير مفتعل تصاميم السفن، والناهضة بهيكل الجسر الشبيه بسفينة، منشأة من الخرسانة.
وكذلك الحال بالنسبة إلى نواة "برج خليفة" – البناء الأعلى في العالم – الذي يشير مثل إصبع منبثق من دبي إلى ملكوت الله الذي لا إله إلا هو، وفق إيمان العالم العربي. فصحيح أن ذروة الطبقات الأشبه بإبرة لناطحة السحاب المذكورة، ذات التصميم والهندسة الأميركيين، والمرتفعة لـ828 متراً، أطرت بالفولاذ، إلا أن أدريان سميث (المعماري) وبيل بيكر (مهندس الإنشاء) قاما بضخ الخرسانة وصبها على مدى الارتفاع الذي أرادا بلوغه.
الخرسانة، يمكن القول، مادة تتسم بالتناقض. فإن جرى صنعها على نحو جيد - كان الرومان يمزجون كميات طيعة من الجير المرطب، بالملاط البوزولاني المكون من رماد، وبالخفان (أو حجر الخفاف) وكسرات صغيرة من الصخر – يمكنها الإتيان بنتائج مبهرة تحاكي ما تحقق بقبة البانثيون المدعمة، وفي مرفأ كوزا Cosa الروماني الذي ما زالت أقسامه تحت الماء في حالة جيدة بعد أكثر من 2100 سنة أو تحاكي أعمالاً كبرى من حقبة التدعيم الفولاذي، مثل "برج خليفة"، و"سد هوفر" Hoover Dam في نهر كولورادو بين ولايتي نيفادا وأريزونا الأميركيتين)، و"باربيكان إستيت" Barbican Estate بمدينة لندن.
وإن لم تصنع الخرسانة وتحضر على نحو سليم، وإن استخدمت بطرق غير ملائمة وافتقرت إلى الصيانة، يمكن أن تؤدي إلى انهيار الأسطح والجسور، حتى لو دعمت بقضبان الفولاذ وكانت قوية من النواحي التقنية والفنية. إلا أنها بالتأكيد مادة معروفة منذ زمن بعيد. فقبائل البدو الأنباط استخدموا الخرسانة لإنشاء شبكات مياه تحت الأرض في زمن يعود لعام 700 قبل الميلاد. وهم بلا شك ما كانوا قادرين على تحمل مشكلات تسرب المياه (وذهابها هدراً). لذا فإن قوة إنشاءاتهم الخرسانية وموثوقيتها شكلتا، بالنسبة إليهم، مسألة حياة وموت، كما قد يكون الحال بالنسبة إلى مادة "الراك".
وقصة "الراك" بالتأكيد تثبت بعدها الدرامي، خصوصاً في حال الأبنية البريطانية العائدة للحقبة الممتدة من الخمسينيات إلى التسعينيات، عندما شاع استخدام هذه المادة وغالباً ما جرى تنفيذ أشغالها على يد عمالة رخيصة وغير ماهرة أو مدربة. حتى إنه هذا الأسبوع قيل إن مبنى "المسرح الوطني" National Theatre في حال إشكال محتمل. وقال متحدث أمام الصحافة في هذا الإطار إن "المسرح الوطني مدرج في لائحة الدرجة الثانية للمباني المشيدة بصورة أساسية بالخرسانة المدعمة واللاحقة الشد، إذ جرت معاينة خرسانة ’الراك‘ في عدد قليل من أقسام كواليس معينة. وينشغل مهندسونا الإنشائيون الآن في عملية مسح تلك المواضع. الدلائل الأولية تشير إلى أنها سليمة ولا تتطلب أعمال تصليح (وصيانة) في الوقت الراهن".
وقبل سنوات، في حديث مع السير بيتر هول، المدير السابق للمسرح الوطني، قال مصمم هذا المسرح، المعماري السير دينيس لاسدان، إن "الخرسانة مادة عصية جداً، لكن يمكن أن تكون مادة جميلة إن استخدمت بالطريقة التي تمليها طبيعتها. وهذا المبنى [المسرح الوطني] يمثل نمط منحوتة لا يمكن تنفيذها إلا بالخرسانة المدعمة، لكن عليك العمل وفق مستوى معين. فهي ليست مادة بسيطة ويسيرة".
من الصعب تصور السير دينيس يشير بهذا التعيين إلى أمر آخر غير مواد صلبة اختبرت بدقة في مبنى هو أقرب إلى نتوء جيولوجي منحوت أكثر مما هو مكان للفنون المعاصرة يحظى بتمويل ضئيل من مبادرة التمويل الخاص (PFI) [سياسة مشتريات حكومية في المملكة المتحدة تهدف إلى إنشاء "شراكات بين القطاعين العام والخاص"]. لكن إن جرى فعلاً اكتشاف خرسانة "الراك" مخفية في مساحات الـ"أراس" (الستائر المزركشة)، أو في أسقف بعض أقسام هذا المبنى الصرحي، فذاك لا يعني أن تلك المادة كانت تعد رخيصة ورديئة في ذلك الزمن. إذ إن ما تطلبته أعمال تنفيذها مثلت عمليات فنية بارعة.
ويضاهي مبنى "المسرح الوطني" (البريطاني) بصلابته المسرح الإغريقي القديم في إيبيداوروس، الذي استلهم منه قاعة مدرجاته، وذلك على رغم ما فرضه النمط الإنجليزي من أسقف فوق المقاعد المتدرجة. على أن الأسقف تتطلب صيانة منتظمة كما هو الحال بالنسبة إلى مختلف أقسام أي بناء مهما كانت حقبة إنشائه. ومن السهل جداً هنا القول: "نعم، لكنهم كانوا يبنون بطريقة أفضل بكثير في الماضي التليد، حين كان الطوب طوباً، والحجر حجراً"، وإن الخرسانة المدعمة لم تكن اخترعت بعد.
قبل 30 سنة، شارفت على الموت وكدت ألقى حتفي في مبنى أنيق يعود للقرن الـ18 حين انهار في اللحظة عينها التي كبست فيها على زر فتحة كاميرتي الـ"كانون أ-1" (Canon A-1) لتوثيقه فوتوغرافياً. كان ذلك في هافانا القديمة. والمبنى هو الـ"كولوجيو سانتو آنجيل"، وكنت أهم بدخوله برفقة أحد أبرز المعمارين الكوبيين الذين يتولون المحافظة على أبنية المدينة.
بدأت القصة التي كتبتها لـ "اندبندنت" (في الـ19 من أكتوبر / تشرين الأول 1993) بالتالي: "القول إن هافانا تنهار يمثل وصفاً واقعياً لما نعاينه واضحاً أمامنا. والأمر يتضح أكثر حتى عندما تهم بالدخول إلى مبنى وينهار هذا الأخير أمام عينيك. إذ في لحظة يكون فيكتور مارين، أحد أبرز المعماريين الذين يتولون المحافظة على مباني المدينة (هافانا)، يروي عن المجد البائد للدار المقنطرة التي كان يملكها أحد التجار في القرن الـ18 التي تحتل الركن الشمالي الغربي لـ’بلازا فييخا‘ Plaza Vieja، إحدى أقدم الساحات في الأميركتين وأجملها. وفي لحظة أخرى تنهار تلك الدار وتتداعى بسرعة وهدوء، مثل بيت من ورق".
والفكرة الأولى التي خطرت لفيكتور مارين أمام تلك الواقعة كانت أن الحشرات والنمل الأبيض تمكنت أخيراً من التهام المبنى. إذ إن شراهتها تجاه العمائر في المناخات المدارية لا يمكن إشباعها. أما جوليت باركلي من جهتها، التي كانت تعمل آنذاك في "مكتب مؤرخ مدينة هافانا"، فراسلت الصحيفة [اندبندنت] لتقول إن سبب سقوط المبنى تمثل بقيام سكان محليين، ساعين إلى حطب التدفئة، بانتزاع الدعائم الخشبية من أساس بناء الكلية.
كذلك فإن غابرييل فوينتيس، مدير ومؤسس "ديزاين أكشن ستديو للأبحاث والعمارة والشؤون المدينية" Design Action Studio for Research, Architecture, and Urbanism في نيويورك، كتب قائلاً: "بعد هذه المقالة، ومع صور الانهيار [المبنى] التي انتشرت في الإعلام الأوروبي، زعم أن الرئيس فيديل كاسترو اجتمع بمؤرخ المدينة، إوسيبيو ليل، لمناقشة استراتيجيات الترميم في هافانا القديمة".
وأنا هنا أستعيد هذه القصة للتذكير بكيف يمكن للعمارة في أية حقبة، حتى لو كانت مبنية بطرق تقليدية ومن دون مادة الراك، أن تتعرض لفشل فجائي ذريع يبلغ درجة السقوط.
إذ فيما كانت الملائكة تحرسني في هافانا بذلك اليوم الذي لا ينسى في عام 1993، فهي بالتأكيد كانت تحلق في البعيد بمكان آخر عام 1284 حين انهارت وسويت بالأرض الأسقف المقببة بالغة الارتفاع، والمنشأة حديثاً آنذاك فوق موضع الجوقة الكنسية، في "كاتدرائية بوفيه" Beauvais Cathedral بفرنسا.
ولم تكن الملائكة حاضرة أيضاً عام 1573 عندما انهار البرج المركزي في تلك الكاتدرائية. ذاك الانهيار ربما حصل بفعل رياح قوية تسببت بتردد الارتجاجات عبر الهيكل الحجري المذهل. لقد كان بناة الكتدرائيات الفرنسية شديدي المهارة، لكنهم هنا في بوفيه مضوا قدماً بارتفاع هائل نحو الفردوس الأعلى.
اليوم كل ما يبقى – كل! – من هذا التصميم المذهل يتمثل بموضع الجوقة (الكنسية) والأقسام (حوله)، وهما الجزءان اللذان حاولا طوال قرون البقاء منفصلين، فيما الدعائم الشاهقة والرفيعة والمتعالية حول موضع الجوقة جرى تعزيزها وضبطها من جديد بعامل شد دقيق وضروري عبر قضبان معدنية.
و[كاتدرائية] بوفيه هذه شيدت على يد بنائين "معلمين" كما الحال بالنسبة إلى البانثيون. غير إن كتل وحدات الشقق السكنية المشيدة على نحو رديء، التي كانت مخصصة للإيجار (الإنسولاي insulae) في روما القديمة، كثيراً ما كانت تنهار بمجملها، مثل مساكن الطبقات (أو المساكن المدرجة، وهي شقق ذات شرفات في أبنية من طوابق عدة) في عهد الملك جورج ذات المظهر الجميل لكن الرخيصة، التي تسابق في بنائها مقاولو البناء الساعون إلى أرباح سريعة.
إذاً يمكن القول هنا: لا، الأساليب القديمة لم تكن جيدة على الدوام. في المقابل ينبغي القول إن بعض أكثر المباني والمنشآت كفاءة في نصف القرن الماضي جرى تشييده من مواد خفيفة الوزن استندت في جزء من هندستها إلى تصميم "شبكات العناكب"، وغيرها من الأساليب التي تستوحي الظواهر الطبيعية.
ويمكننا في هذا الإطار أن نذكر السقف المشدود فوق ستاديوم ميونيخ الأولمبي المشاد عام 1972، من تصميم المهندس الألماني فراي أوتو والمعماري غونثر بينيش. وهيكل السقف الأشبه بخيمة في الـ"ماوند بافيليون" Mound Pavilion في أستاذ "لوردز كريكيت غراوند" (1987) الذي صممه مايكل هوبكينز، والأسقف الأثيرية التي صممها هوبكينز أيضاً - مع المهندسين طوني هانت وآروب - لتغطي "مركز شلومبرغير كامبريدج للأبحاث" Schlumberger Cambridge Research Centre عام 1985، عند طرف المدينة الجامعية.
صحيح أن هكذا منشآت قوامية تحتاج إلى صيانة دقيقة، وحتى إلى استبدال (للأقسام والأجزاء والقطع) أحياناً في فترات معينة، إلا أن الخفة البالغة في أوزانها تضمن بقاء الأضرار التي قد تلحقها طفيفة حتى لو أهملت - والإهمال هنا تسهل معاينته لأن تفاصيل المنشآت ظاهرة بوضوح.
وإزاء جميع المخاوف والأخطار المباشرة المتعلقة بـ"الراك"، ومزاعم الوصولية والمزاعم المضادة عن سياسيين ساعين إلى تسجيل النقاط، الذين بمختلف ألوان طيفهم السياسي ألقوا على كاهل بريطانيا منذ الخمسينيات آفات متلاحقة من الأبنية المستعجلة والمشكوك بمصادر تمويلها، يبقى هناك خطر آخر متربص في المشهد العمراني بهذه البلاد.
فالاندفاع المتهور لإنشاء مساكن جديدة بقيمة معمارية واهية، أو من دون قيمة أبداً، في مواقع غير ملائمة بطول بريطانيا وعرضها، يمثل سبيلاً أكيداً لمراكمة مشكلة كبرى في المستقبل. إذ إن الفشل ذائع الصيت لمبنى الـ"رومان بوينت" Roman Point، ذاك المبنى الذي يمثل كتلة خرسانية لمجمع شقق سكنية مؤلف من 22 طابقاً في شرق لندن، الذي انهار ركن منه عام 1968 بعد أسبوعين فقط من انتقال السكان إليه، قدم نموذجاً واضحاً لضعف التصميم والإنشاء. والمباني الأكثر بؤساً بين هذه المساكن الجديدة المروعة، المتكاثرة في أنحاء البلاد، لن تنهار بهذا الشكل المميت، إلا أنها، مثل المدراس المبتلاة بخرسانة "الراك"، ستستدعي جهوداً كبرى لتدعيمها في المستقبل.
يظهر التاريخ أن الأبنية مهما اختلفت حقبات بنائها ومواد إنشائها يمكن أن تفشل. فذاك الشاعر الفيكتوري الغريب، ويليام ماكغوناغال، لم يخطئ حين ختم قصيدته "كارثة جسر التاي" The Tay Bridge Disaster بالأسطر التالية: "كلما تشددنا في بناء بيوتنا / كلما قلت احتمالات مقتلنا".
غير أن القوة، كما أثبت أدريان ومعماريوه ومهندسوه وبناؤوه المهرة، والكامنة على نحو استثنائي في تصميم البانثيون وفي صياغته وأسلوب إنشائه، جاءت بفضل استخدام الخرسانة خفيفة الوزن.
أخيراً، سلطت قضية "الراك" على طريقة عملنا اليوم في اختيار وتحديد واستخدام أنماط مواد البناء المتوفرة أمامنا. وهو موضوع لا شأن للآلهة به.
© The Independent