Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مجهولو النسب في الأردن يتجرعون "مر الحياة"

يعيشون معاناة بعد خروجهم من مراكز الإيواء عند سن الـ18 ويواجهون صعوبة في العمل والاندماج في المجتمع

يخرج مجهول النسب من دار الإيواء ليبدأ بمواجهة حياة جديدة أشد قسوة من اليتم (أ ف ب)

ملخص

تقديرات رسمية تشير إلى أن هناك 100 مولود مجهول النسب سنوياً في الأردن وفقاً لوزارة التنمية الاجتماعية.

يواجه مجهولو النسب في الأردن معيقات ويعيشون معاناة مريرة تحيل حياتهم إلى جحيم، حيث صعوبة الحصول على أوراق رسمية والعمل أو حتى الاندماج في المجتمع. فما إن يتخرج أحدهم من دور الإيواء حتى يبدأ بمواجهة حياة جديدة أشد قسوة من معاناة الولادة من دون نسب.

وعلى رغم أن الخوض في ظاهرة مجهولي النسب تواجه بإنكار مجتمعي في الأردن، إلا أن تقديرات رسمية تشير إلى أن هناك 100 مولود مجهول النسب سنوياً وفقاً لوزارة التنمية الاجتماعية.

وصمة عار

يقول علاء، أحد مجهولي النسب، إنه دخل مراكز الأيتام وعمره شهران، ويتمنى لو بقي صغيراً، بدلاً من مواجهة الحياة الصعبة.

يضيف علاء "أكثر ما يؤلمنا نظرة المجتمع التي تكون إما على شكل شفقة أو ازدراء، فأغلب مجهولي النسب يخرجون من مركز الإيواء إلى الشارع من دون عمل أو تأمين صحي أو مستقبل أو حتى مسكن، لكن معاناة الفتيات تكون أكثر صعوبة".

ويشير إلى عدم وجود مظلة رسمية تحمي مجهولي النسب، أو تمنحهم بعض الحقوق بعد سن الـ18، باستثناء حصولهم على راتب شهري من صندوق المعونة الوطنية لا يزيد على 70 دولاراً.

وفيما يرفض المجتمع تزويجهم تحت مبررات "العار" يضطر أغلب هؤلاء، عندما تتيسر حالهم ويحصلون على عمل، إلى الزواج من بعضهم.

رعاية موقتة

يعرف قانون الأحوال الشخصية الأردني مجهولي النسب بأنهم الأطفال الذين ولدوا من دون معرفة هوية أحد والديهم أو كليهما، وتتولى وزارة التنمية الاجتماعية مسؤولية رعايتهم عبر احتضانهم في دور إيواء حتى سن الـ18، إضافة إلى مؤسسات أهلية كجمعية قرى الأطفال الأردنية SOS، وجمعية رعاية الأيتام.

لكن على رغم ذلك تواجه هذه الفئة في مرحلة الخروج من دور الإيواء عقبات حياتية واجتماعية كالشعور بالنقص والعار، وصعوبة الحصول على الرعاية والدعم الاجتماعي، وفقدانهم لكثير من الحقوق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتنفذ وزارة التنمية الاجتماعية آليات وبرامج لحماية مجهولي النسب، كالاحتضان حتى سن الـ18، أو نقلهم إلى أسر بديلة في بيئة آمنة. ويشار إلى أن أول حال احتضان في الأردن كانت عام 1967، أما اليوم فيزيد عدد حالات الاحتضان واللجوء للأسر البديلة على 1160 حالة.

ويمنح القانون الأردني الأطفال غير الشرعيين من أبوين مجهولين الجنسية الأردنية، لكن في المقابل يعتبر دين الدولة وهو الإسلام، هو دين المولود مجهول النسب. 

حق إثبات النسب

وتنادي منظمات حقوقية بضرورة إثبات النسب لهذه الفئة من المجتمع، بمعنى توثيق صلة الشخص بأسرته البيولوجية وتأكيد هويته الأصلية، حتى لا تتأثر حقوقه في الهوية والانتماء والميراث والرعاية الصحية والتعليم.

ووفقاً للمادة 16 من قانون الأحوال الشخصية الأردني "يحق لأي شخص يشك في نسبه أو يدعي عدم انتسابه الطعن في النسب ومطالبة المحكمة بإثبات النسب. ويتم تنظيم هذه الإجراءات وفقاً للقواعد القانونية والإجراءات المنصوص عليها في قانون الأحوال الشخصية".

كما يوفر قانون الأحوال الشخصية الأردني آليات قانونية لتوثيق النسب وتأكيدها، لدى المحاكم أو الجهات القانونية المختصة.  

لكن تنازع المسؤولية والإجراءات ما بين مؤسسات عدة حكومية كوزارة التنمية الاجتماعية ودائرة حماية الأسرة ومديرية الأمن العام والسلطات القضائية ودائرة الأحوال المدنية والجوازات، جعل من هذا الحق البسيط غير فعال أو بعيد المنال.

حياة في الشارع

تقول "برديس" التي خرجت من دار الإيواء بعد سن الـ18، إنها لا تحمل أي إثبات للشخصية وتعيش أغلب أيامها في الشارع وفي بعض المناطق كالغابات والحدائق العامة.

وتضيف "عندما أرى الفتيات اللاتي هن من عمري أحسدهن على حياتهن"، وتروي قصة زيارة سيدة لها بعد أن عرفت عن نفسها بأنها صديقة والدتها، لكنها حينما كشفت عن وجهها اتضح حجم الشبه الكبير بينهما، فأحست أنها والدتها الحقيقية.

تقول برديس إن نشأتها كمجهولة النسب جعلتها شرسة وعنيفة وبشخصية قوية لمواجهة الحياة الصعبة.

 

تبلغ برديس حاليا 24 سنة، وتزوجت في سن الـ18 للهرب من الاستمرار في الحياة التي عاشتها، لكنها تركت زوجها بعد أربعة أشهر.

أصدرت برديس هوية أحوال شخصية خاصة بمجهولي النسب لكنها فقدتها، مشيرة إلى معاناتها مع الأدوية النفسية التي تتعاطاها، وعدم قدرتها على العمل أو الحصول على دخل، مستعينة بمساعدات تتلقاها من بعض العائلات.

عانت برديس بحسب قولها صدمات نفسية واجتماعية أثرت في سلوكها، مما أدى إلى حبسها ثلاثة أشهر، لكنها اليوم تحلم بحياة طبيعية وتكوين أسرة.

الحماية

تؤكد الباحثة رقية الشيشاني لـ"اندبندنت عربية" أن القوانين الأردنية كفلت لفئة مجهولي النسب حقوقهم، وتحرص الحكومة على احتوائهم منذ لحظة العثور عليهم، فمنحتهم أسماء وألقاباً وأنساباً مفترضة للتخفيف من حدة الظلم الواقع عليهم، ومن وصمة "العار" التي التصقت بهم.

لكن هذه الفئة برأيها بحاجة إلى عناية خاصة، لأن إهمالهم سيغير منحاها وسلوكها لتصبح مصدر خطر على المجتمع.

وترصد الباحثة رقية الشيشاني ملاحظات عدة خلال دراستها لفئة مجهولي النسب، من بينها أن قانون الأحوال الشخصية لم يضع تعريفاً دقيقاً لهذه الفئة، إذ وردت تسميات مثل اللقيط والابن غير الشرعي، إضافة إلى سحب الجنسية الأردنية من مجهولي النسب في حال ثبوت نسبه لأب أجنبي.

وتوصي الشيشاني بتعديل التشريعات الأردنية لحماية مجهولي النسب بعد إتمامهم سن الـ18، وذلك لتمكينهم من الاندماج في المجتمع، وتوفير الدعم المادي والمعنوي لخريجي مؤسسات ودور الرعاية لمساعدتهم في الحصول على وظائف حكومية أو في القطاع الخاص.

وتشير أيضاً إلى حقوق مجهولي النسب في المواثيق الدولية التي تلتزم الأردن بكثير منها، كإعلان جنيف لحقوق الطفل، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاق خفض حالات انعدام الجنسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاق الدولي للقضاء على التمييز والعنصرية، واتفاق حقوق الطفل.

أسباب وتبعات

تعيد الشيشاني أسباب ظاهرة مجهولي النسب لعوامل عدة، من بينها العلاقات غير الشرعية، وانعدام الوعي لدى فئة من المواطنين الذين يخشون مواجهة الحياة وتحمل أعبائها، بخاصة إذا كان الطفل مريضاً أو مشوهاً.

كما يعد عجز الأم عن إثبات نسب ولدها في حالات كالزواج غير الموثق رسمياً أحد أسباب هذه الظاهرة الاجتماعية، فضلاً عن الفقر والحاجة، وظاهرة خطف الأطفال والاتجار بهم.

ويحصل مجهولو النسب على أرقام وطنية تبدأ بالرقم 2000، بغض النظر عن سنة الولادة، وهو ترميز يتسبب في "وصمة عار" تلاحقهم في كل مكان.

وفيما تسعى الفتيات إلى الارتباط بعد خروجهن من دور الرعاية لخشيتهن من مواجهة الحياة بمفردهن، تقع أخريات في براثن الانحراف أو العمل في مهن غير أخلاقية.

رفض اجتماعي

اضطرت "رائدة" إلى الزواج بشاب مجهول النسب مثلها لتجاوز الرفض الاجتماعي، مشيرة إلى أن مشكلة هذه الفئة تبدأ بعد بلوغهم سن الـ18، إذ يلجأ أغلبهم إلى الشارع بسبب عدم حصولهم على عمل.

تحصل "رائدة" وأطفالها الأربعة على 70 دولاراً فقط كل شهر من صندوق المعونة الوطنية، لا تكفي لشيء من المستلزمات الشهرية، وتشير إلى حجم المعاناة النفسية التي يعايشونها جراء الضغوطات.

تطالب رائدة الجهات المعنية بعدم التخلي عن مجهولي النسب بعد سن الـ18، بخاصة الفتيات اللاتي تضطر كثيرات منهن إلى العمل في الملاهي والنوادي الليلية ومهن غير أخلاقية، أو أن يكون مصيرهن السجن.

بينما يروي "عكرمة" قصته بالقول إنه اضطر في إحدى المرات إلى الخضوع لدراسات دوائية في مقابل المال ليصرف على نفسه، وأنه كثيراً ما كان يلجأ إلى المساجد للمبيت، موضحاً أن أغلب أرباب العمل كانوا يتخلون عنه بمجرد معرفة أنه من مجهولي النسب.

وللهرب من نظرة المجتمع السلبية تجاه مجهولي النسب، يضطر "عكرمة" إلى التحايل بوصف نفسه بأنه يتيم.

أما "عريب" فتشير إلى معاناة مجهولي النسب من الفتيات تحديداً، وتتحدث عن الصدمة التي تحدث لهن عند خروجهن إلى المجتمع الخارجي. وتقول إنها ما زالت تعالج نفسياً حتى اللحظة، بعد سنوات من المبيت في الشوارع وتسول وجبات الطعام من المطاعم والعمل بمهن بسيطة.

نفذت عريب وكثيرون من مجهولي النسب اعتصاماً قبل أربع سنوات، لعرض قضيتهم لكن من دون أية استجابة، ففضلت الدخول إلى السجن على حياة الشارع، على حد تعبيرها. وتطالب عريب الحكومة بالحماية بخاصة للفتيات، عبر توفير مساكن لهن ومساعدتهن في الحصول على عمل، حتى لا يكن عرضة للاستغلال.

فاقدو السند الأسري

تقول جمعية قرى الأطفال SOS إن مجهولي النسب يواجهون تحديات صعبة تؤثر في اندماجهم في المجتمع، ووصولهم إلى فرص العمل بسبب عدم قدرتهم على تقديم وثائق نسب صحيحة، فضلاً عن القيود المالية والتمييز المجتمعي والنظرة الدونية التي يتعرضون لها، مما يؤثر في ثقتهم بنفسهم وشعورهم بالاغتراب والانعزال.

تفضل الجمعية تسمية هذه الفئة بفاقدي السند الأسري، وتدعو إلى ضرورة تسهيل إجراءات إثبات النسب وتوثيق السند الأسري، وتقديم دعم قانوني وإداري للأفراد الذين يعانون هذه المشكلة وتوفير المساعدة اللازمة للحصول على الوثائق الرسمية، فضلاً عن توعية المجتمع بحقوقهم للمساعدة في تغيير النظرة المجتمعية لهم وتقبلهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير