Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تاوجوت بلدة تونسية تتشبث بهويتها الأمازيغية حتى الرمق الأخير

ظلت القرية بمنأى عن الحياة العصرية خصوصاً على المستوى المعماري

دعوات إلى إدراج اللغة الأمازيغية في المناهج التربوية بتونس (أ ب)

ملخص

ظلت قرية تاوجوت بمنأى عن الحياة العصرية خصوصاً على مستوى المباني وهندسة العمار إذ لا تزال البيوت البسيطة المبنية من الطين والحجارة الضخمة خيار السكان الوحيد

على بعد أمتار من الحدود مع ليبيا، تسرّ قرية تاوجوت الناظرين في تونس بعمران فريد من نوعه يعكس تاريخاً زاخراً بالثقافة الأمازيغية التي يتشبث بها سكان هذه البلدة وهم بالمئات، بدءاً من اللغة وصولاً إلى علاقاتهم الاجتماعية والإنسانية.

في هذه القرية التابعة لولاية محافظة قابس جنوب البلاد، تظهر المساكن وكأنها كهوف وهي غرف محفورة تحت الأرض تتوسطها منازل عربية أو ما يطلق عليه "الحوش"، وعلى رغم رفض السلطات إدراج اللغة الأمازيغية في المناهج التربوية إلا أن سكان تاوجوت لا يزالون يتمسكون بها، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك من خلال توريثها إلى الأجيال المقبلة.

وللأمازيغ في تونس كما غيرها من البلدان، احتفالات وأعياد ترتبط في ذاكرتهم بمنعطفات أو أحداث مهمة، على غرار رأس السنة الأمازيغية الذي يصادف في الـ12 من شهر يناير (كانون الثاني)، ولهؤلاء أيضاً تقويمهم الخاص للأشهر والمواسم الزراعية مثل "الليالي السود" و"قرة العنز" وبعض هذه التقويمات يتبرك بها الفلاحون في بلد يواجه القطاع الزراعي فيه متاعب كبيرة.

مقومات الأمازيغية باقية

ولم يكن غريباً أن يبذل سكان تاوجوت جهوداً مضنية للمحافظة على هويتهم الأمازيغية، فهذه القرية تقع في ثالوث يُعد مهد وموطن الأمازيغية، ويضم كلاً من تامزرط وزراوة وتاوجوت.

ويقول رئيس الجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية كيلاني بوشهوة الذي يتحدر من القرية إن "تاوجوت هي كلمة أمازيغية تعني المكان الذي تفوح منه الرائحة العطرة، وهذا الاسم تحمله قرية أخرى أمازيغية في المغرب تقع في جبال الظاهر، وهي جبال تمتد من مطماطة إلى الحدود الشرقية مع ليبيا، وهي موطن الأمازيغ في تونس".

وتابع أن "كل مقومات الهوية الأمازيغية باقية في تاوجوت، فاللغة الأم لكل أبناء تاوجوت هي الأمازيغية التي تتردد إلى مسامعهم منذ ولادتهم، ويمارسونها ويتكلمون بها في المنزل وفي الشارع وفي أرجاء القرية كافة، واللغة العربية هي عبارة عن لغة أجنبية في القرية".

ولفت إلى أن "الطفل الصغير عندما يذهب إلى المدرسة كأنه يتعلم لغة أجنبية لأن لغته الأم هي الأمازيغية، بالتالي أول أمر راسخ في هذه القرية هي اللغة الأمازيغية، وهي تمتاز بأن كل سكانها بكبيرهم وصغيرهم ينطقون بهذه اللغة ويتقنونها. والمسألة الثانية هي الهندسة المعمارية وهي أمازيغية بامتياز، فالبناء القديم يعتمد على المواد الأولية كذلك بعض المغاور التي كانت النواة الأولى للسكان في تاوجوت، علاوة على الأكلات والألبسة التي تميز القرية، مثلاً لباس العروس من تاوجوت يختلف عن تمازرت وغيرها من القرى الأمازيغية في تونس".

وأوضح بوشهوة أن "بعض العادات متوارثة مثل ’الطويزة‘ وهي عادة تعتمد على التعاون بين العائلات كجني الزيتون أو الحصاد أو بناء المنزل، فيجتمع كل الأهالي والأقارب في منزل الشخص الذي سيقوم بهذه الأعمال لتقديم المساندة والدعم".

ضرورة تثمين التراث

واللافت في قرية تاوجوت أنها ظلت بمنأى عن الحياة العصرية، خصوصاً على مستوى المباني وهندسة العمار، إذ لا تزال البيوت البسيطة المبنية من الطين والحجارة الضخمة خيار السكان الوحيد، مما يجعلها متسقة بشكل منقطع النظير.

وعلى رغم ذلك، فإن أكثر ما يهم أهالي المنطقة هو الحفاظ على اللغة الأمازيغية، تحديداً في ظل رفض السلطات إدراجها في المناهج التربوية.

ويقول الناشط الأمازيغي أحمد القويرح، "في تاوجوت هناك 130 عائلة ينتمون إلى سلالة واحدة في تونس وهم لا يتكلمون سوى الأمازيغية، لكنهم يتقنون العربية أيضاً، وإنما بشكل متفاوت. لذا كثفت الجمعية التي تسعى إلى التعريف بقرية تاوجوت وطنياً ودولياً من نشاطاتها من خلال تدريس أبجديات اللغة العربية للفئات والأعمار الناشئة بهدف تحضيرهم للمدرسة".

وتابع "هنا حققنا هدفين، الأول المحافظة على لغتنا الأم والثاني تحضير أبنائنا للغة العربية لأن الأطفال الأمازيغ كانوا يستكشفون اللغة العربية في السابق في المدارس كأنها لغة أجنبية لأنهم لا يتحدثون سوى الأمازيغية، واليوم الغالبية العظمى من التونسيين أمازيغ لكن خمسة في المئة أو أقل فقط يتكلمون اللغة الأمازيغية".

ورأى أنه "يجب تدريس اللغة الأمازيغية لتلافي زوالها، ولدينا مطالب عدة ندفع بها من خلال الترويج وتثمين المغاور وغيرها من المنشآت التراثية الأمازيغية، حتى تصبح المنطقة جاذبة للسياح والباحثين وغيرهما".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

موروث على المحك

وعلى رغم التشبث بعدد من العادات والتقاليد الأمازيغية وكذلك اللباس وغيره على غرار "البرنوس" و"القشابية"، إلا أن كثيرين يرون أن الموروث الأمازيغي اليوم بات على المحك، لا سيما أن ركيزته، أي اللغة، لا تدرّس سواء إجبارياً أو اختيارياً في البلاد.

ولا توجد إحصاءات رسمية حول أعداد الأمازيغ في تونس، لكن السلطات تجاهلت دعواتهم خلال الأعوام الماضية إلى إدراج لغتهم الأم في المناهج التربوية، مما يثير هواجس لدى هؤلاء.

واعتبر كيلاني بوشهوة أن "الموروث الأمازيغي في تاوجوت مهدد لأن اللغة أصبحت في وضع مأسوي وخطر يهدد باندثارها لاعتبارات عدة، فاللغة الأمازيغية إن بقيت فهي تعود للمرأة الأمازيغية التي أورثت هذه اللغة لأبنائها، لذلك العائلة هي النواة التي حافظت على اللغة وورثتها من جيل إلى آخر، لكن اليوم باتت على المحك بسبب عاملين اثنين الزواج المختلط والهجرة والنزوح من المناطق الأمازيغية إلى المدن الكبرى".

وأوضح أنه "يجب أن تقوم الدولة بدورها التاريخي من خلال المحافظة على اللغة الأمازيغية عبر تدريسها في المؤسسات التعليمية ولو بشكل اختياري مثل اللغة الإيطالية أو العبرية أو الكورية أو التركية وغيرها".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات