Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دروب "أمازيغ سوس" بين التجارة والسياسة في المغرب

نجاحات ملحوظة قادتهم إلى رئاسة الوزراء ومناصب راقية أخرى

رجل الأعمال الشهير عزيز أخنوش الذي يرأس الحكومة المغربية الحالية أحد الوجوه الأمازيغية البارزة (أ ف ب)

ملخص

نجحت عائلات أمازيغية من منطقة سوس بالمغرب في الهيمنة على دواليب التجارة وصولاً إلى مناصب قيادية بالبلاد.

تهيمن العائلات الأمازيغية في المغرب، خصوصاً التي تنحدر من منطقة سوس، على دواليب التجارة والاقتصاد وعوالم المال والأعمال، كما يتبوأ كثير منهم مناصب راقية في مجال السياسة وتدبير الشأن العام.

ويعزو مراقبون تحول هذه الفئة من الأمازيغ المغاربة إلى نخب سياسية واقتصادية إلى عوامل تاريخية، وإلى العديد من القيم الشخصية التي تميزهم بشكل أكبر، مثل الثقة والمجازفة التجارية والصبر والنفس الطويل.

التصقت مهنة التجارة خصوصاً في المواد الغذائية بفئة أمازيغ سوس على وجه الخصوص، ولطالما اشتهروا بممارسة هذا النوع من الأنشطة التجارية المربحة في المدن والحواضر.

ويعود احتكار التجارة في الحوانيت ومحال البقالة من طرف "السواسة" إلى تضافر عوامل الهجرة والجدية والتضامن القبلي والعائلي المعروف عند هؤلاء الأمازيغ.

وينتقل الأمازيغي من منطقته التي تكابد التهميش التنموي إلى المدينة، خصوصاً إلى الدار البيضاء باعتبارها القطب الاقتصادي الحيوي والمهم بالمملكة، ليشتغل مع أحد أفراد أسرته أو قبيلته في "حانوت البقالة".

وبعد اكتساب التجربة المهنية والتعرف إلى "المزاج العام" لساكنة المدينة، وبعد أن يوفر لنفسه رأسمالاً صغيراً، يلجأ بدوره إلى "الاستقلالية" وفتح مشروع تجاري صغير خاص به، حتى صار أمازيغ سوس يوصفون بملوك التجارة الصغيرة والكبيرة أيضاً في البلاد.

وتسلقت شخصيات أمازيغية سوسية سلالم النجاح والمجد في قطاع التجارة والمال أيضاً، فمنهم من أسسوا شركات عملاقة، وآخرون دلفوا عوالم الأعمال والبورصة والصناعة وغيرها.

وهناك من "أمازيغ سوس" من زاوجوا بين الثروة والسياسة والسلطة أيضاً، مثل رجل الأعمال الشهير عزيز أخنوش الذي يرأس الحكومة المغربية الحالية، وقبله الملياردير السوسي والوزير الأسبق عبدالرحمن بوفتاس، وغيرهما كثير.

ومن الشخصيات "الأمازيغية السوسية" التي تبوأت مناصب سياسية وحكومية، رئيس الحكومة الأسبق سعد الدين العثماني، والذي ينحدر من أسرة سوسية عريقة، وأيضاً وزير العدل الحالي عبداللطيف وهبي، وزعيم حزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، ومحمد ساجد القيادي الحزبي والوزير السابق الذي تقلد العديد من المناصب الحكومية والرسمية.

التضامن العائلي

يقول الباحث في الظاهرة السوسيولوجية محمد شقير إن أمازيغ سوس يمتلكون على وجه الخصوص مجموعة من المؤهلات التي ساعدتهم على احتكار مناصب راقية في مجالات عدة تهم الاقتصاد والسياسة، وتحولهم إلى نخب اقتصادية وسياسية في المغرب.

ويضيف "تميز السوسيون من بين المكونات الأمازيغية بحس تجاري متجذر في التاريخ، نتيجة وجودهم في منطقة مرور القوافل التجارية التي تربط بين ما يعرف قديماً ببلاد السودان الغنية بثرواتها المعدنية من ذهب وعبيد، ومناطق تارودانت وتزنيت وتفراوت، التي كانت من بين المناطق السوسية التي (تخصص) سكانها في التجارة في منتجات الذهب والفضة والملح وغيرها من السلع التي يتم تبادلها مع أوروبا".

وأكمل المحلل بأنه إلى جانب ذلك تميز السوسيون بروح الاقتصاد وإدارة شؤونهم ضمن مجال يتسم بالنظرة الاقتصادية الاستشرافية، إذ عرف عنهم ما يسمى ببناء أغادير كأول مشروع لتخزين المواد الغذائية وغيرها من السلع وحراستها، مما قوى لديهم حس الادخار الذي يعتبر من ضمن مكونات الفكر الاقتصادي وتدبير الثروة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفت شقير إلى أن السوسيين عرفوا بتشبثهم بالانتماء إلى بلدهم، وروح التضامن العائلي ويساعدهم ذلك على تنمية مشاريعهم التجارية والاستثمارية من خلال إقراض بعضهم بعضاً، والثقة ببعضهم بعضاً، والتي حرصوا على الحفاظ عليها ليس في ما بينهم فقط بل حتى مع المتعاملين معهم.

وزاد المتحدث أنه "كان لهجرة السوسيين إلى الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية دور في التحكم في مختلف دواليب التجارة وما يتعلق بالاستيراد والتصدير"، مردفاً أن ارتباطها بمركز "درب عمر" التجاري الشهير، أو ببعض شركات النقل والمحروقات، قوى من وضعهم الاقتصادي داخل المغرب في منافسة "العنصر الفاسي" الذي كان يحتكر جل المجالات الاقتصادية والمناصب السياسية بعيد استقلال البلاد.

وذهب شقير إلى أن "استشراف السوسيين المستقبل دفعهم إلى تعليم أبنائهم في مدارس عليا في التسيير والتجارة بالخارج، واستثمار رصيدهم المعرفي ليس فقط في تنمية ثروات عائلاتهم، بل أيضاً في تقلد مناصب سياسية خاصة بوزارة التجارة والمالية وغيرها، مما أدى إلى تحولهم إلى نخب سياسية تصدر بعضها رئاسة الحكومة مثل العثماني وأخنوش.

التجارة بالنظر

هذه "الظاهرة السوسية" يقول الباحث والكاتب الأمازيغي لحسن أمقران عنها، إنه لا يمكن فهمها إلا بالنبش في السياق التاريخي، ذلك أن مغادرة أبناء سوس مناطقهم نحو الحواضر التي تمتد إلى مطلع القرن الماضي كانت وراء هذه الظاهرة، من دون الحديث عن هجرات سابقة تختلف في السياق والواقع.

واستطرد أمقران بأن استقرار هذه "الجالية" في معظم المدن المغربية أفضى إلى اكتساب ساكنة سوس، بخاصة الجيل الأول، فن التجارة بالنظر إلى كونها النشاط الاقتصادي المتاح لهؤلاء باعتبار تكوينهم، إضافة إلى السلوك التضامني - الاستثماري لهؤلاء، فكان يتم استقبال وتعليم وافدين جدد بحكم الارتباط العاطفي بالبلدة الأم.

ولفت الباحث الانتباه إلى أن "الريادة الثقافية لا تخرج عن هذا الإطار، ففرصة الاستقرار في الحواضر مكنت أبناء الرعيل الأول من أبناء سوس من ولوج المدارس والجامعات، بالتالي استطاعوا استثمار موروثهم الثقافي في مسيرتهم الأكاديمية، وبذلك تمكنوا من تثمينه وولجوا ساحة الإبداع، بل أقرنوا ذلك باستثمار ثقافي أنتجت على أثره مسرحيات وأفلام ومسلسلات ومختلف المؤلفات الأدبية واللسانية".

واعتبر أمقران أن "الريادة هي نتاج الاندماج في الحواضر خصوصاً مع الارتباط بالبلدات الأم كثقافة سوسية بامتياز، فنجد تواتر وتوارث العديد من القيم التي تكرس هذه الظاهرة المثيرة للنقاش والدراسة".

وخلص المتحدث عينه إلى تميز الشخصية السوسية بكونها مرنة ومطاوعة، تتكيف مع الصعاب وتتغلب على التحديات، كما تنأى بنفسها عن الصدام والمواجهة، بحكم أنها ترى نفسها في موقف "ضعف" داخل وسط تعتبره "دخيلاً"، بالتالي أكسبها ذلك ذكاءً في السلوك والمعاملة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير