أجرت "اندبندنت عربية" في سبتمبر (أيلول) 2022 مقابلة مع المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ، تباينت محاورها ما بين الهدنة الهشة وسبل دعم مجلس القيادة الرئاسي المنشأ حديثاً آنذاك في وجه الخروق الحوثية.
وبعد عام من تلك المقابلة شهد اليمن انفراجات عدة جعلت عام 2023 استثنائياً في عمر الحرب، فتوجهت الأنظار نحو المحادثات بين السعودية والحوثيين ودور عُماني متزايد الأهمية، وتفاؤل بانضمام الأطراف اليمنية إلى حوار مباشر لإنهاء الصراع والتفكير بمستقبل دولتهم.
ما الجديد بعد عام؟
وناقشت "اندبندنت عربية" هذا الأسبوع آخر التطورات اليمنية مع السيد ليندركينغ الذي أبدى تطلعه بأن تحقق زيارة الوفد الحوثي إلى السعودية "نتائج إيجابية"، لافتاً إلى أهمية استمرار هذه المحادثات التي جعلت عام 2023 مهماً لليمن، وقال إن القضايا التي نوقشت في السعودية مع الوفد الحوثي معقدة وقد أثرت في الحرب وأعاقت تسوية الصراع، إلا أن عقد المحادثات إيجابي، وإن استغرق الاتفاق على كل المسائل بعض الوقت، مشيراً إلى أن دفع الرواتب من القضايا الأساس التي تناولتها المحادثات على الأرجح.
وما اختلف اليوم بحسب المبعوث الأميركي هو أن الهدنة قبل عام كانت سارية، وعلى رغم انقضائها في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 إلا أن القتال لم يتجدد، إذ يعيش اليمن اليوم "فترة خفض تصعيد، فالهجمات العابرة للحدود توقفت منذ 18 شهراً، وأطلق سراح 900 سجين في أبريل (نيسان) 2023 من السعودية والحكومة اليمنية وجماعة الحوثي".
ملامح المرحلة المقبلة
وكشف مبعوث بايدن عن تطلعه إلى الانتقال إلى عملية سلام برعاية الأمم المتحدة إذا ما أفضت المحادثات الأخيرة في السعودية إلى نتائج إيجابية، وقال إن العملية الأممية يجب أن "تتكون من مكونين رئيسين، وقف دائم لإطلاق النار، وحوار يمني – يمني، فعلى اليمنيين في نهاية المطاف أن يتخذوا القرار بأنفسهم حيال مستقبل بلادهم وكيفية توزيع الموارد والحكم، ومن الأفضل الإسراع في الانتقال إلى هذا الحوار"، متابعاً "تملك الأمم المتحدة لجاناً سياسية واقتصادية وعسكرية لتيسير المحادثات اليمنية – اليمنية، وسبق أن اجتمعت اللجنة العسكرية مرات عدة لجمع الأطراف المتحاربة".
وعما إذا كانت الحكومة اليمنية والحوثيون مستعدون لحوار يمني - يمني، قال ليندركينغ إنه "حث الطرفين على الاستعداد لهذا اليوم، وتجهيز مواقف واضحة وفرق للمفاوضة عندما تحين اللحظة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مصير البنك المركزي
ومن القضايا الخلافية بين الحكومة الشرعية والحوثيين إدارة البنك المركزي، فاليوم هناك بنك في صنعاء وآخر في عدن، وتتهم الحكومة الجماعة بنهب الاحتياط النقدي للبلاد، وفي خضم هذا الانقسام تداولت مواقع التواصل الاجتماعي تكهنات حول نقل البنك الدولي المركزي إلى دولة محايدة.
وفيما تجنب ليندركينغ تأكيد أو نفي إمكان نقل البنك المركزي اليمني إلى سلطنة عمان، إلا أنه قال إن تحسين اقتصاد اليمن يتطلب تواصلاً بين البنكين المركزيين في عدن وصنعاء، مشدداً على ضرورة تقريب وجهات النظر حيال التحديات الاقتصادية العاجلة التي تواجه اليمن، مثل دفع رواتب الموظفين المدنيين وإعادة تشغيل موارد الطاقة والنشاط التجاري.
وتمثل آلية صرف الرواتب مشكلة أخرى تعوق التفاهم بين الأطراف اليمنية، إذ يطالب الحوثيون أن تمر الأموال التي تصرفها الحكومة الشرعية للمدنيين من خلالهم، ويصل عدد اليمنيين الذين يعتمدون على الرواتب الحكومية إلى 1.2 مليون شخص وفق إحصاءات رسمية تعود لعام 2017.
وأكد المبعوث الأميركي بأن السعودية أبدت التزاماً بالمساعدة في صرف الرواتب، وأن محادثاته مع الحكومة اليمنية أظهرت حرصها على ذلك أيضاً، لافتاً إلى أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عقد هذا الأسبوع اجتماعاً مثمراً مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بحضور نائبه عيدروس الزبيدي في "استعراض قوي للوحدة خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك".
توحيد الموقف الخليجي
وعن الدور العُماني قال ليندركينغ إن عدداً من الدول الإقليمية ومنها عُمان تلعب دوراً مهماً في حل النزاع ولديها فهم للحاجة إلى التسوية، مشيراً إلى أن "مسقط عملت بجد لسد الخلافات بين السعودية والحوثيين، وقد شارك المسؤولون العُمانيون في رحلات أجراها مسؤولون سعوديون إلى صنعاء، إضافة إلى الزيارة الأخيرة إلى الرياض".
وتابع، "علاوة إلى ذلك نحن بحاجة إلى تعاون دول إقليمية أخرى مثل الإمارات والسعودية للعمل معاً، وهذا جزء مهم جداً من دبلوماسيتنا في الوقت الحالي".
وعن جهود واشنطن لتقريب وجهات النظر السعودية والإماراتية في شأن اليمن، قال ليندركينغ إن بلاده "تركز على ضمان أن الأطراف الإقليمية تتحرك بصوت واحد في تفاعلها مع الأطراف اليمنية المختلفة ودعم حلول موحدة لتحديات اليمن، ولذلك فإن أي خلاف بين دول الخليج في هذه اللحظة المهمة لتحقيق السلام في اليمن يعتبر إشكالاً".
ويذكر أن ليندركينغ شارك بعد لقائه "اندبندنت عربية" في اجتماع حول اليمن بين وزراء خارجية الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، وقال وزير الخارجية الأميركي بلينكن إن الاجتماع ناقش "الحاجة الملحة إلى حل دائم للصراع في اليمن"، مشدداً على أن "التنسيق مع شركائنا حول اليمن والتحديات الإقليمية أمر بالغ الأهمية لتحقيق السلام والاستقرار".
وأكد المبعوث الأميركي بأن إدارة بايدن تعتبر إنهاء الحرب في اليمن من أولوياتها، وقال إن اجتماع وزير الخارجية الأميركي مع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي على هامش الجمعية العامة ناقش أيضاً أزمة اليمن، مضيفاً "ما لمسته في تلك الغرفة هو تقارب قوي بين وزراء الخارجية حول السبيل الصحيح للأمام، فهناك التزام بعملية سياسية وحوار يمني - يمني كوسيلة وحيدة لحل هذه القضايا الصعبة".
قضية الجنوب والأسلحة الإيرانية
وعن مطالب المجلس الانتقالي الجنوبي بالانفصال، قال المبعوث إن هذه المسألة "يجب أن تحل في سياق حوار يمني - يمني"، متابعاً "ألتقي مع نواب الرئيس على الصعيدين الثنائي والجماعي، وقد التقيت نائب الرئيس الزبيدي قبل أسبوع في أبوظبي حين شارك في الاجتماع مع بلينكن".
وأضاف "نقدر تفاعل المجلس الانتقالي الجنوبي وبقية الأطراف الأخرى في مجلس القيادة الرئاسي، ولكننا نؤكد أيضاً أهمية عمل هذه الأطراف معاً".
وأكد المسؤول الأميركي أن بلاده تتابع عن كثب الدعم الإيراني للحوثيين بالأسلحة، وتتطلع إلى رؤية نتائج إيجابية من الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الرياض وطهران في الربيع، بما فيها وقف تهريب الأسلحة الذي ينتهك قرارات مجلس الأمن الدولي، ودعم إيران لتحقيق السلام من خلال المفاوضات، مضيفاً أن واشنطن "سترحب بتغيير إيران لموقفها في اليمن".
وبعد أكثر من شهر على سحب حمولة النفط من ناقلة "صافر" قبالة ميناء الحديدة التي كانت تنذر بكارثة بيئية، قال ليندركينغ إنه سعيد بالجهد الدولي المبذول لتجنب أزمة بيئية في المنطقة، مشدداً على أهمية "نقل الناقلة المتداعية وبيع النفط في السفينة البديلة، وهو ما يتطلب 22 مليون دولار، وجزء من وجودنا هنا في نيويورك هو التعامل مع هذه المسألة".
وخاطب اليمنيين قائلاً إن بلاده "مصممة على إنهاء النزاع ومساعدة اليمن في النهوض كبلد مستقر وآمن وقائم على تطوير موارده الخاصة، وأن يصبح عضواً فاعلاً في شبه الجزيرة العربية، ونتطلع إلى اللحظة التي يمكن فيها لليمنيين تقرير مستقبل بلادهم".