Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غول يفتح "الصندوق الأسود" لتركيا 

بدأت رحلة البحث في ذاكرة الرئيس السابق منذ 2009 واشترط ألا يصدر الكتاب حتى خروجه من منصبه

الرئيس التركي السابق عبد الله غول (أ ف ب)

ملخص

الرئيس التركي الأسبق فتح "صندوق أسرار عهد الرئاسة الأسود" للكاتب الصحافي اللبناني ثائر عباس في كتابه الجديد "تركيا الحديثة: البحث في ذاكرة عبدالله غول" وهو الكتاب الذي وقع على نسخه المعروضة في معرض الرياض الدولي للكتاب.

تلت حقبة الرئيس الـ11 للجمهورية التركية عبدالله غول، أزمات عاصفة في عهد خلفه الحميم أردوغان، وهي الأزمات التي بدأت بمحاولة انقلاب عسكري في يوليو (تموز) 2016 مروراً بأزمات دبلوماسية مع دول عربية وخليجية، واستعرت نيرانها بتهاوي الاقتصاد التركي، قبل أن يدرك رجب طيب أردوغان في ما بعد أن الوقت حان للعودة للعلاقات التي وضع أسسها سلفه.

الرئيس التركي الأسبق فتح "صندوق أسرار عهد الرئاسة الأسود" للكاتب الصحافي اللبناني ثائر عباس في كتابه الجديد "تركيا الحديثة: البحث في ذاكرة عبدالله غول" وهو الكتاب الذي وقع على نسخه المعروضة في معرض الرياض الدولي للكتاب.

يقول عباس عن كتابه الذي بدأت فكرته منذ لقاء صحافي أجراه مع الرئيس في 2009 "هذا الكتاب يتتبع رحلة صعود التيارات الإسلامية وهبوطها في تركيا. كما عرف عنه في السياسة، لا يناور غول في السرد أيضاً. وإن كانت علاقته مع الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان لا تزال قائمة على وشائج صداقة قديمة، إلا أن الكتاب يفرد مساحة للإضاءة على رؤى مختلفة بين أبناء الرعيل الأول لـ(حزب العدالة والتنمية) من جهة، وأردوغان من جهة أخرى. خلافات تبدأ بتعديل الدستور التركي وتمر بأزمة تظاهرات (غيزي بارك)".

 

 

يبدأ الكتاب الذي انطلق بـ"عهد ووعد" بين الرئيس غول ومؤلفه عباس بأن "لا يكون إصداره قبل خروجه من السلطة" بمقدمة للأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي كتب "قرأته بشهية مفتوحة لأتعرف إلى مسارات السياسة التركية وتاريخها، وكذلك لأتعرف أكثر إلى شخصية غول من خلال الاطلاع على مراحل مسيرته السياسية ودوره النضالي على رغم ما عرفته عنه من هدوء وربما بعض خجل، ومحاولته البعد من سياسات الصدام والتنافس السلبي وأساليبه". ويمضي بالقول عن تركيا غول "كنت في الأساس كثير الإشادة والإعجاب بمبادئ غول وأخلاقه وحسن تصرفه التي ظهرت في دفاعه عن أردوغان لدى أوساط دولية عدة، كان لها في أردوغان رأي سلبي، حتى أخرجه من خندق سوء الظن والمقاطعة، وانتقل به إلى سدة الحكم والمبايعة".


يثير الكتاب في فصوله الـ15 كثيراً من الأسئلة والمواقف حول الرجل الذي وصف بـ"الأب الروحي والرئيس الإسلامي الأول لتركيا"، وهو الذي أسس حزب "العدالة والتنمية" في 2001 بعد حظر حزبه السابق "الرفاه". وعن رأيه في حال الحزب الذي مهد الطريق نحو الرئاسة لا يبدو أنه راضٍ عنه حين قال "هناك انحراف عن قضايا ونقاط كثيرة تم الاتفاق عليها عند التأسيس".

الصحافي الذي عبر إلى قلب الرئيس من "قمة البوسفور" 2009 أخذ يقلب أرشيفه ومواقفه في حاضر تركيا وماضيها، إضافة إلى قضايا أخرى مثل الغزو الأميركي لبغداد والنووي الإيراني والربيع العربي وسوريا والإخوان وبشار الأسد وصدام حسين وحسني مبارك، وتلك الحقب التي عاشها غول رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية التركية ورئيساَ للجمهورية التركية (2002 – 2014)، وقبلها فصول رواها عباس عن حياته الشخصية وأيام صباه.

هل تركيا راعية للإخوان؟

يرد غول على اتهامات واجهتها بلاده بأنها راعية للإخوان المسلمين في العالم العربي، وعن نواياها الطامحة إلى مشروع استعماري، بالنفي قائلاً "لا توجد أي علاقة مع جماعة الإخوان من قبل، ولكن المنتمين إلى حزب ’العدالة والتنمية‘ فكرياً، كانوا يتعاطفون مع الأفكار التي كان يحملها الإخوان المسلمون"، ويجزم الرئيس المؤسس للحزب الإسلامي بأن "هناك سوء فهم كبيراً بمقارنة الأحداث الموجودة بين تركيا والبلدان العربية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رسالة صدام حسين

ويستعيد غول ذكريات عام 2003 حين كان رئيساً للوزراء، وتفاصيل ما قبل إطاحة صدام حسين وحين بدأت طبول الحرب تقرع في منطقة الشرق الأوسط آتية من أميركا، وهو الحدث الذي لم يعد العراق بعده على ما يرام. وحينها كانت تركيا منقسمة حول الحرب بين مؤيد ومعارض. وحينها توجه غول إلى النواب بالقول "لست مثل رؤساء الوزراء السابقين الذين كانوا يقررون نيابة عنكم. أعطيكم الحرية المطلقة للتصويت على الموضوع، ولن تكون هناك تحريات لمعرفة من كان مؤيداً أو معارضاً. وللمرة الأولى تصرفت تركيا بحرية من دون التأثر بجهة معينة". كانت المشكلة التي واجهها عبدالله غول في موضوع الغزو الأميركي للعراق وطلبهم أن يستعملوا الأراضي والموانئ التركية من جبهة الشمال تتمثل في اعتراضات كبيرة على هذا الموضوع لأن الأميركيين إذا دخلوا فمن الصعب أن يخرجوا منها أيضاً وهو الهاجس الأول. أما الهاجس الثاني، فتمثل في الخوف من دخول الجيش التركي إلى هناك وكانوا لا يريدون أن يتقاتل مسلم مع مسلم في بلدين جارين.

يروي "صندوق غول الأسود" تفاصيل ما قبل الحرب التي سعى جاهداً إلى إيقاف عقاربها، لكن من دون جدوى، وبعد التهديدات الأميركية واستشعاره للحرب المدمرة خطرت بباله فكرتان إحداها جمع الدول المحاورة للعراق في منتدى ونجح حينها في فعل ذلك، لكن الفكرة الثانية، أي حين ارتأى غول آنذاك أن تكون مناسبة لتفادي نشوب الحرب، فتمثلت في إرسال رسالة مباشرة إلى صدام حسين كان مضمونها ودياً وصارماً في آن واحد، إذ إنه كان يشعر بأن من واجبه إرسال رسائل تحذير ودية إلى البلد المجاور عند شعوره بالأخطار المحدقة". لكن "مثل هذه الرسائل عادة لم يكن يراها صدام الذي لا يحب أن يقرأ له أحد محتوى هذه الرسائل وحتى موظفوه يخشون تسليمها له، بحسب ما يقول (للمؤلف) مسؤول تركي سابق مقرب من غول. ولذلك، أراد غول، رئيس الوزراء التركي آنذاك التأكد من تسلم صدام شخصياً تلك الرسالة، فيقول المسؤول "أعددنا الرسالة وترجمناها وأصبحت جاهزة..."، بلغت الرسالة صدام الذي لم يرد.

عادل إمام

وفي قصة فكاهية حول الرسالة، يروي المؤلف قصة حدثت ما قبل الرسالة، حين سافر غول إلى مصر لوقف نشوب الحرب وقابل الرئيس المصري الراحل حسني مبارك وتطرقا إلى موضوع الرسالة ونيته إرسالها إلى صدام عن طريق أحد الوزراء، وحينها علق مبارك قائلاً "أعتقد بأنك تنوي التخلص من هذا الوزير"، قبل أن يتساءل الوفد المصري مع من ينوي غول إرسالها، ليرد المسؤول التركي مازحاً "مع عادل إمام، فضحك الوفد المصري، وكان اقتراح المستشار التركي لاسم عادل إمام لأنه شخصية محبوبة جداً في بغداد وكان الناس يحترمونه".

هل الإسلام السياسي قادر على قيادة دول مثل تركيا؟

في "الفصل الأخير" من الكتاب المكون من 251 صفحة أخذ المؤلف بسجيته الأولى، سجية الصحافيين، حين بدأ بطرح الأسئلة على شكل حوار، فيسأل عباس "هل الإسلام السياسي قادر على قيادة دول مثل تركيا؟، ليردّ الرئيس الأناضولي المتدين، "لا أؤمن بمسألة الإسلام السياسي، لكن أقول إن المتدينين المسلمين يجب أن يدخلوا في السياسة وأن ينجحوا في الانتخابات لقيادة بلدهم. الله أعلم من هو متدين أكثر أو أقل. هذا الأمر مفروغ أقول إن المتدينين إذا اعتمدوا الأسس الصحيحة من احترام الحريات وحقوق الإنسان والاقتصاد الحر وجميع المفاهيم التي يجب أن نؤمن بها، وهي تتناغم أيضاً مع عقيدتنا، ووصلوا إلى السلطة بانتخابات حرة من خلال الشعب مباشرة ، فمن الممكن أن يقودوا شعوبهم ودولهم بطريقة أفضل. لا أرى استعمال المفاهيم الدينية في إدارة الدولة أمراً صحيحاً. إذا استعملتم الخطاب الديني وأنتم سياسيون، يجب أن تكونوا أنتم كسياسيين خالين من أي خطأ وفي ذروة النقاء".

فخامة الرئيس كيف تركيا اليوم؟، "لم أحلم يوماً بأن تكون تركيا على ما هي عليه اليوم. رؤيتي كانت لتركيا ديمقراطية بنظام برلماني ودولة قانون ومعايير عالية قانونياً واقتصادياً، هي الآن بعيدة جداً من هذا، هذه ليست تركيا التي حلمنا بها. هناك الآن حكم شخص واحد في تركيا، فإذا قام بعمله جيداً تذهب تركيا في الاتجاه الجيد، وإذا قام بعمل سيئ تذهب في هذا الاتجاه. لا أريد أن ألوم أحداً، لكن رجلاً واحداً لا يستطيع القيام بكل هذا، التاريخ يقول هذا، وليس مفاجئاً أن نظام حكم الرجل الواحد لن يحمل النجاح ولا السعادة للشعب التركي، التاريخ يحمل كثيراً من الأمثلة، حتى التاريخ القريب في الدول المجاورة لنا".

الكتاب الذي يباع في معرض الكتاب الدولي في الرياض، يصفه الكاتب في الزميلة "الشرق الأوسط" سمير عطاالله بأنه "عمل احترافي متقن وعمل أدبي ثلاثي الأعمدة، الأول، المقدمة – الدراسة التي وضعها الدكتور عمرو موسى، والثاني موضوع الكتاب الرئيس التركي السابق عبدالله غول، والثالث المستوى الأدبي الذي حافظ عليه ثائر عباس سطراً سطراً، مما جعله يقدم إلى قارئ السياسة وقارئ التاريخ معاً، عملاً للمتعة وللحفظ".

المزيد من كتب