ملخص
تقرير أممي مستقل قدم صورة قاتمة للانتهاكات التي شهدها إقليم تيغراي الإثيوبي فأي سيناريو مطروح لحل تلك الأزمة.
أسدل تحقيق مستقل أجرته الأمم المتحدة في مزاعم الانتهاكات التي ارتكبت منذ اندلاع النزاع المسلح في شمال إثيوبيا، الستار عن تقريره بتقديمه إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف.
وتحدث التقرير، الذي أعدته اللجنة الدولية لخبراء حقوق الإنسان المعنية بإثيوبيا (ICHREE)، عن فظائع واسعة النطاق خلال النزاع، إذ جرى توثيق 49 عملية قتل جماعي للمدنيين، فضلاً عن العنف الجنسي الممنهج ضد ما يقارب 10 آلاف امرأة وفتاة في الإقليم، علاوة على حالات التهجير القسري والاعتقال التعسفي.
وقال إن جميع الأطراف المتحاربة، بما فيها قوات تيغراي، والجيش الفيدرالي وحلفائه من ميليشيات الأمهرة والقوات الإريترية، ارتكبوا جرائم حرب قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
وحذرت اللجنة الدولية من أن الصراع لا يزال مستمراً في إثيوبيا، على رغم انتهاء الحرب في تيغراي، بخاصة مع حدوث انتهاكات جديدة في إقليمي أمهرة وأوروميا وأماكن أخرى، منوهاً إلى الاعتقالات الجماعية لعرقية الأمهرة منذ أن فرضت الحكومة حالة الطوارئ في أغسطس (آب) الماضي.
الالتزام الإثيوبي
التقرير الأممي دعا إلى المساءلة الحقيقية، مشككاً في تعهدات الحكومة الفيدرالية بالوفاء بالتزاماتها السابقة، قائلاً "لقد فشلت إثيوبيا في التحقيق بشكل فعال في الانتهاكات". وأشار إلى أن الإجراءات المحلية "المعيبة للغاية" التي تتبعها الحكومة أدت في المقام الأول إلى تجنب التدقيق الدولي حول الانتهاكات، موضحاً "أن الإفلات من العقاب، وليس المساءلة، هو القاعدة التي ظلت تتعامل بها الدولة الإثيوبية، في شأن التحقيقات السابقة."
ونبه إلى أن الضحايا وعائلاتهم، يتطلعون إلى تحقيق العدالة والإنصاف، لكنهم لا يثقون في مؤسسات البلاد لتحقيق هذه الغاية، داعياً الضحايا والمدافعين عن حقوق الإنسان في دول الاتحاد الأوروبي، الذي قاد الجهود لإنشاء ICHREE عام 2021، إلى تقديم نص لتجديد ولاية اللجنة.
إلا أن المتابعين لإجراءات المجلس، يشككون في قدرته على اتخاذ تدابير عاجلة في هذا الشأن، بخاصة مع بقاء أسبوع واحد لتقديم مشاريع القرارات، وذلك في ظل انعدام مؤشرات حقيقية إلى تقدم الاتحاد الأوروبي بنص للمتابعة.
وأوصت اللجنة المجلس تأييد تقريره بـ "توسيع التحقيقات الدولية، وتجديد ولاية اللجنة لدورة أخرى"، معتبرة "عدم القيام بذلك سيكون بمثابة تخلي عن جزء من التزامات المجلس تجاه حقوق الإنسان".
الإفلات من العقاب
من جهته، رأى المتخصص في الشأن التيغراوي، محاري سلمون، "أن الانتهاكات الواسعة التي شهدتها حرب تيغراي، بما في ذلك المزاعم المتعلقة بجرائم حرب، وأخرى ترقى لتعريف جرائم ضد الإنسانية، لا ينبغي تجاهلها تحت أي مبررات سياسية أو بيروقراطية".
وأضاف أن توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية في بريتوريا بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيغراي، لا يمكن أن يسقط حق الضحايا، أو يمنح الفرصة للمتهمين للإفلات من العقاب.
ولاحظ سلمون "ثمة محاولات من الحكومة الفيدرالية، وكذلك الحكومة الموقتة في إقليم تيغراي، لطي هذه الصفحة، لأسباب سياسية"، وهو ما يتنافى مع حقوق الضحايا، والتزامات المجتمع الدولي تجاه هذا الملف الشائك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن أديس أبابا ومقلي، يحاولان بناء الثقة لترتيب وضعهما الداخلي، خصوصاً مع انفجار الأوضاع في الأقاليم الإثيوبية الأخرى، لا سيما في إقليمي أمهرة وأوروميا، بالتالي فهما لا يعيران الأهمية اللازمة لهذا الملف، بخاصة أن كلاهما متهمان بالضلوع في عدد من الانتهاكات.
ويشير إلى الأطروحات المتعلقة بالعدالة الانتقالية، التي يراد تسويقها لإفلات المتهمين من العقاب المستحق، لافتاً الانتباه إلى أنه "لا يمكن الحديث عن مخارج مناسبة، من دون إخضاع المتهمين من كل الأطراف للمتابعة القضائية، فمشروع العدالة الانتقالية ينبغي أن يعزز المساعي المتعلقة بتحقيق الإنصاف في شأن الانتهاكات المرتكبة خلال الأعوام الثلاثة الماضية".
البيروقراطية الدولية
وفي قراءته للتقرير الذي أعدته اللجنة الدولية لخبراء حقوق الإنسان المعنية بإثيوبيا، رأى المتخصص في الشأن التيغراوي، محاري سلمون "أنه تقرير منصف، يتضمن توصيات بضرورة توسيع التحقيقات، وتجديد ولاية اللجنة"، لكنه رصد عدة معوقات تقف أمام تنفيذها، لعل أهمها التعامل البيروقراطي لمجلس حقوق الإنسان الدولي في جنيف، إذ تعوق الإجراءات المعقدة إمكانية التجديد، بخاصة أن ما تبقى من الوقت أقل من أسبوع.
ومضى في انتقاده بقوله، "ثمة أسباب أخرى تتعلق بالرؤية الأميركية والأوروبية الجديدة، حول ضرورة التعامل بمرونة مع الحكومة الإثيوبية، من أجل دفعها لتنفيذ بنود اتفاقية السلام، والمضي قدماً في تعزيز علاقاتها مع حكومة تيغراي، باعتبار أن ذلك قد يسهم في استتباب الأمن والسلام في البلاد".
لكن سلمون انتقد هذا الطرح بالقول "لا يمكن تصور بناء جدار للثقة بين الشعب في تيغراي والحكومة الفيدرالية، من دون إيجاد حل قانوني منصف، لهذه الانتهاكات"، بخاصة في ظل تنامي شعور جماعي في الإقليم، بتعرضهم للتصفية العرقية بشكل ممنهج.
من جهته، رأى المتخصص في الشأن الإثيوبي غيداون يهون، أن تاريخ التحقيقات الدولية حول مزاعم ارتكاب انتهاكات في مناطق النزاعات المسلحة، تكشف صعوبة التحقق من جدية تلك المزاعم، بخاصة أنها تعتمد في الأغلب على شهادات، لأشخاص يدعون أنهم شهود عيان، إذ لا يمكن التحقق عن مدى صدقيتهم، فضلاً عن غياب المنظمات الدولية المعنية، أثناء النزاع، أو عدم السماح لمحققيها لاحقاً للوصول إلى المناطق المحددة لمسرح للانتهاكات، علاوة على مساحات التناقض القائمة بين الروايات الرسمية وتلك التي تعتمد عليها المنظمات الدولية، إضافة إلى عدم توافر المناخ المناسب والنزيه والآمن للشهود.
وتابع، "يصعب الأمر أكثر في حالات النزاعات المسلحة بين أطراف داخلية، إذ تتسع فرص تناقض الشهادات وفقاً لسردية كل طرف، بناءً على الانتماءات المحلية والسياسية وغيرها".
تجارب مجاورة
وفي تناوله للحالة الإثيوبية، قال بيهون، "إن معظم التقارير الدولية، تؤكد وقوع الانتهاكات من كافة الأطراف" ومن مصلحة هذه الأطراف، تجاوز هذا الملف عبر تسوية سياسية منصفة، لا تسقط حقوق الضحايا، لكن في الوقت ذاته لا تسقط البلد ككل في فخ الانتقام".
وأشار إلى ضرورة الاستفادة من التجارب التي شهدها العالم من بينها تجربة جمهورية جنوب أفريقيا، التي اعتمدت على مبادئ العدالة الانتقالية عبر ما عرف بـ"لجنة الحقيقة والمصالحة" التي عالجت إرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال سيادة نظام الأبارتايد.
ونوه بأن اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيغراي، قد أشارت إلى "العدالة الانتقالية" كمخرج آمن من حالة الاقتتال، والانتقال إلى المصالحة الوطنية الشاملة.
واعتبر أن تجربة جنوب أفريقيا تبدو الأقرب إلى الحالة الإثيوبية، إذ انتبذت موقعاً وسطاً بين العدالة العقابية والعفو الشامل، بخاصة أنها نجحت نسبياً في انتشال جوهانسبورغ من آتون صراعات دموية مدمرة، من خلال الموازنة بين هاجس طي صفحة الماضي وواجب عدم النسيان.
المصالحة هي الحل
غير أن غيداون يهون يؤمن بصعوبة تطبيق نموذج جنوب أفريقيا في بلاده، لعدة نقاط أهمها، الحملات الدعائية المتبادلة بين أطراف النزاع، والتي تغالي في تضخيم الانتهاكات، إضافة إلى البعد الإثني الذي تعتمد عليه بعض التيارات المطالبة بالانفصال عن إثيوبيا، واصطفافات السلطة، إذ إن التسوية في جنوب أفريقيا أفضت إلى تغيير النظام، في حين أن السلطة في أديس أبابا تسعى إلى المحافظة على الوضع القائم.
ويختم بيهون حديثه بالقول إن المصالحة الوطنية الإثيوبية، هي السبيل الوحيد لتجاوز ملف الانتهاكات، سواء اقتصرت المعالجة على المتابعات القضائية لمتهمي الطرفين، أو عبر تحكيم مبادئ العدالة الانتقالية على طريقة جنوب أفريقيا، التي يرى أنها الأفضل، إذا ما توافرت الإرادة السياسية، القائمة على مبدأ تجاوز آلام الحرب الأخيرة، عبر الاعتراف المتبادل وجبر الضرر عبر تعويضات مجزية، تؤسس لمرحلة جديدة.