ذكر المركز العالمي للدراسات التنموية في العاصمة البريطانية لندن أن عام 2027 سيكون عام التحولات الكبرى في الاقتصاد العراقي، فهل يصل إلى مفترق الطرق في خمس سنوات؟.
أوضح المركز أن إنتاج العراق من النفط سيزداد بمعدل 37 في المئة عما هو عليه حالياً ليصل إلى حدود ستة ملايين برميل يومياً، وتبلغ طاقة البلاد الإنتاجية 5.4 مليون برميل يومياً، إلا أنه ينتج حالياً 4.43 مليون برميل يومياً انسجاماً مع اتفاق "أوبك+" القاضي بخفض الإنتاج.
ويعمل العراق بالتعاون مع شركات النفط الأجنبية على تطوير حقوله الجنوبية على رغم وجود عديد من التحديات، فمعالجة مشكلات الضغط في المكامن تعد أساساً لتسريع الإنتاج، إضافة إلى ضمان استمرار التدفقات النفطية، لذا تم التعاقد مع شركتي "توتال إنرجيز" الفرنسية و"قطر للطاقة" على حقن مياه البحر، ما سيرفع الإنتاج في بعض الحقول مثل حقل أرطاوي من 60 ألف برميل يومياً إلى أكثر من 210 ألفاً.
ويعاني العراق من محدودية منافذ تصدير النفط وضعف القدرة التخزينية، لذا خصص مبلغ 1.251 مليار دولار لإنشاء ثلاثة خطوط بحرية يتم من خلالها ربط محطة تصدير النفط في الفاو بمرافق التخزين، وسيعاد تأهيل محطة تصدير النفط في خور العمية وبناء منصة بحرية جديدة في ميناء البصرة ما يزيد من قدرته على تصدير النفط الخام.
إضافة لاستثمار الغاز في جنوب وغرب العراق، فإن التقرير يتحدث عن إسهام فعال لإقليم كردستان في إنتاج الغاز قد توفر قرابة 1500 مليون قدم مكعب يومياً، لكن الأمر يحتاج إلى استثمارات كافية وتشريع لقانون النفط والغاز، ما يشكل عاملاً مشجعاً للشركات العاملة في تلك الحقول.
توقف حرق الغاز المصاحب
ويعمل العراق على استثمار الغاز المصاحب من عدد من الحقول النفطية في محافظة البصرة في توليد الكهرباء، بمعدل 600 مليون قدم مكعب يومياً، إضافة لاستثمار شركة "غاز البصرة" لإنتاج 400 مليون قدم مكعب من الغاز، وإذا تم ذلك فإن العراق سينتهي من مشكلة حرق الغاز المصاحب نهاية عام 2027، ما يمنع خسارة البلاد أكثر من مليار دولار سنوياً إضافة للأضرار البيئية والمناخية.
العراق مصدر للغاز الطبيعي
جرى طرح جولتين لتراخيص الاستكشاف في البلاد، شملت أكثر من 10 حقول نفطية وغازية شرق البلاد ستوفر ما لا يقل عن 800 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز، أما الجولة الثانية فتتضمن 13 حقلاً وموقعاً تمتد على مساحة تسعة آلاف كيلومتر مربع ضمن مناطق الأنبار ونينوى والنجف، ويتوقع أن يصل إنتاج العراق في تلك الرقع إلى أكثر من 1.5 مليار قدم مكعب من الغاز، الأمر الذي سيمكن بغداد من التصدير إلى الأسواق العالمية.
يتوقع تقرير المركز أن يكون العراق قادراً على تصدير 28 مليون متر مكعب يومياً من الغاز نهاية عام 2027، مبيناً أن هذا الرقم على تواضعه مقارنة بمصدري الغاز في العالم، إلا أنه مرجح للارتفاع بشكل كبير في السنوات اللاحقة بخاصة أن المساحات غير المستكشفة تبلغ 80 في المئة من مساحة البلاد.
الاستغناء عن استيراد الغاز لتوليد الكهرباء
يسعى العراق إلى جذب الشركات الأجنبية للاستثمار في صناعة الغاز، فخلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، التقى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عدداً من ممثلي الشركات الأميركية العاملة في إقليم كردستان، إذ تحدث بصراحة عن رغبة حكومته في تحويل العراق إلى لاعب مهم في سوق الغاز العالمية، وتعمل الحكومة على دراسة عديد من النماذج الجديدة من العقود التي ستتيح للشركات الأجنبية المشاركة بالأرباح، وذلك بعد استقطاع حصة الدولة وكلف الإنتاج.
ويحاول العراق تقليص اعتماده على الأسواق الخارجية في ما يتعلق باستيراد الغاز لتوليد الكهرباء، إذ ينفق سنوياً قرابة ستة مليارات دولار لاستيراد الغاز من إيران، ما يستنزف إيراداته المالية ويعرضه لأخطار العقوبات الدولية.
إضافة إلى ذلك، فإن العراق يسعى للاستفادة من الطاقة الشمسية في إنتاج 20 في المئة من حاجته من الكهرباء، إذ تم التعاقد مع شركة "أكوا باور" السعودية لإنجاز مشروع بطاقة واحد غيغاواط في النجف ويخطط لاستثمار عديد من المشاريع في كل من كربلاء وواسط والمثنى، وفي حال تحقق تلك المشاريع فإن العراق سيكون قادراً على توفير قرابة 10 غيغاواط من الطاقة النظيفة تسهم في سد جزء كبير من حاجته من الكهرباء.
وتعمل بغداد على تسريع عملية الربط الكهربائي مع دول الخليج والأردن، الأمر الذي قد يسهم في حل مشكلة الكهرباء قبل نهاية هذا العقد، إلا أن الأمر يتطلب أيضاً حل مشكلة خطوط النقل والتوزيع وأتمتة نظام الجباية لتحقيق النتائج المرجوة وجعل قطاع الكهرباء مسهماً في دعم الاقتصاد العراقي.
العراق مصدر للمشتقات النفطية
على رغم امتلاك العراق احتياطات كبيرة جداً من النفط والغاز إلا أن اقتصاده يخسر سنوياً قرابة خمسة مليار دولار جراء استيراده للمشتقات النفطية، لذا يعمل العراق حالياً على تطوير قطاع التكرير والاستثمار في المصافي لزيادة سعتها الإنتاجية وسد حاجة السوق المحلية، ويمتلك قدرة تكريرية تصل إلى 1.120 مليون برميل يومياً، لكن إنتاجه الحالي لا يتجاوز 950 ألف برميل يومياً، ما يعني وجود نقص يقدر بـ170 ألف برميل يومياً، لذا فهو يخطط لرفع قدراته التكريرية إلى مستويات تصل إلى 1.3 مليون برميل يومياً، بخاصة بعد استعادة أجزاء مهمة من مصفى بيجي وافتتاح مصفى كربلاء الذي سيوفر 70 في المئة من حاجة البلاد النفطية.
وبحلول عام 2027، سيستغنى العراق عن استيراد المشتقات النفطية ويوفر مليارات الدولارات يمكن أن تستخدم لزيادة الاستثمار في هذا القطاع ويتحول العراق من مستورد إلى مصدر لها.
نقلة نوعية في مجال النقل البري والجوي
في قطاع النقل، يبدو العراق ماضياً نحو تحقيق نقلة نوعية في مجالي النقل البري والجوي، إذ سيبدأ بمد عدد من السكك الحديدية الواصلة مع عدد من دول الجوار مثل تركيا وإيران والخليج العربي، وتطوير عديد من السكة الحالية ضمن ما يعرف بـ"طريق التنمية"، إذ يتوقع أن تكتمل أولى مراحل العمل فيه نهاية عام 2027، ليتم تشغيل بعضها بخاصة ما يتعلق بالمسافرين والسلع.
أما في مجال النقل الجوي، فإن العراق بدأ تسلم عدد من الطائرات الحديثة التي ستسهم في تعزيز أسطوله الجوي وزيادة عدد الرحلات، ما يرفع من الإيرادات ويعزز قطاعات الطيران المدني والتجاري.
وحتى عام 2027 سيكون العراق تسلم 31 طائرة حديثة من شركتي "بوينغ" و"إيرباص" الأمر الذي سيكون بمثابة نقلة نوعية في قطاع الطيران المدني وسيسهم في زيادة عدد المسافرين من وإلى البلاد بشكل ملحوظ.
قفزة كبيرة في مجال التمور
يسهم تطوير قطاع النقل في تحسين الوصول إلى الأسواق العالمية والتجارية، ويدعم قطاعات أخرى مثل الإنتاج الزراعي، ويعد العراق من أكبر مصدري التمور في العالم، ويتوقع أن يصل عدد النخيل في البلاد عام 2027 إلى قرابة 25 مليون نخلة بزيادة تصل إلى 43 في المئة مقارنة بالأعداد الحالية، ما سيكون له أثر مهم في تشجيع زراعة التمور وتصديرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشكل الجفاف تحدياً كبيراً للمزارعين، إذ تراجع إنتاج العراق من التمور بشكل واضح، وكانت صادراته في العام الماضي 2022، تجاوزت 650 ألف طن وذلك بعد تراجع ملحوظ في الأعوام السابقة.
ونجح العراق في زراعة النخيل في أربع محافظات جديدة في شمال وغرب البلاد ما يشير إلى ارتفاع في أعداد النخيل وقدرة البلاد على زيادة صادرات التمور في غضون الأعوام الأربعة المقبلة.
مفترق طرق
تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية يحذر من تحديات حقيقية تنتظر الاقتصاد العراقي، فالزيادة السكانية الكبيرة والتوقعات بوصول عدد السكان إلى 38 مليون نسمة في عام 2027، تستوجب على الحكومة العراقية الاستعداد لمعالجة عدد من القضايا في مقدمتها، توفير الأمن الغذائي والمائي واستيعاب أعداد العاطلين من العمل والحد من الفساد وتحسين نظام الرعاية الصحية وتطوير التعليم والحد من الفقر وتطوير القطاع المصرفي ودعم الشركات المتوسطة والصغيرة وغيرها من العوامل المهمة.
ويبين التقرير أن العراق أمام مفترق طرق حقيقي، فإما أن يستوعب كل هذه التحديات ويعالجها، أو أن يخفق في تحقيق التنمية المستدامة عقداً آخر من الزمن.