Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف ضيعت هوليوود على نفسها قصص همنغواي القصيرة؟

مئات من المواضيع والأفكار تضمنتها نصوص الكاتب الأميركي ولم تعرف كفاية

لقطة من فيلم "لمن تقرع الأجراس" عن رواية همنغواي (موقع الفيلم)

ملخص

مئات من المواضيع والأفكار تضمنتها نصوص الكاتب الأميركي ولم تعرف كفاية

في البداية كانت فرجينيا وولف تقول إنها أبداً لا تستسيغ قراءة قصص زميلها الأميركي إرنست همنغواي القصيرة حتى وإن كان إعجابها بكل ما كتبه من روايات طويلة لا يحد. مضيفة أن كتاباته الأخرى من أدب رحلات ومقالات صحافية ورسائل وتعليقات تثير إعجابها، بل حتى غيرتها أيضاً وتكشف "كم أن في إمكاننا أن نتعلم منه". وكانت وولف تخص بالإعجاب روايات همنغواي المبكرة التي اطلعت عليها قبل أن ترحل عن عالمنا منتحرة. ومهما يكن فإن صاحبة "مسز دالاواي" كان لديها، وقبل انتحارها المبكر والمؤسي، من الوقت ما جعلها تعيد النظر في موقفها من قصص همنغواي القصيرة فتقول: "مهما يكن من أمر، لا بد من الاعتراف لهمنغواي بأنه يعرف تماماً كيف يضع كلماته في المكان الذي يريده بالضبط هو الذي ثمة لديه وبخاصة في قصصه القصيرة لحظات قلق آية في الجمال، والذي يمكنني أن أقول إنه بادي الحداثة في الأسلوب إن لم يكن في الرؤية". من الواضح إذن أن فرجينيا وولف تبدو هنا، ولو متأخرة بعض الشيء، مدركة بحساسيتها المفرطة أهمية أسلوب همنغواي وبراعة الإيقاع لديه. وهي في هذا تكاد تبدو وكأنها تعكس مسبقاً ما سيقوله الكاتب الأميركي لاحقاً في واحدة من صفحات روايته الكبيرة "تلال أفريقيا الخضراء" من أن "بعض الكتاب لم يوجدوا إلا لكي يساعدوا كتاباً آخرين على كتابة ولو جملة واحدة". وهو على أية حال قول يثنّي عليه الكاتب الأميركي الأصغر سناً من همنغواي بكثير جيروم شارين إذ يقول بحماسة: "بالنسبة إلينا جميعاً نحن معشر الكتاب، لا شك أن همنغواي تمكن من أن يكون معلماً لنا. بكل وضوح، ليس ثمة كاتب لاحق على همنغواي وزمنه لم يتعلم منه هو الذي بدل من أسلوبنا كما من طرقتنا في وصف الجزر والأرخبيلات والمساحات الشاسعة المحيطة بنا والتي تبدو وكأنها بلا نهاية".

أعداد كبيرة من القصص والخافي أعظم

والحال أن هذين الموقفين المتناغمين على رغم افتراقهما زمنياً ومن حيث قوة تعاملهما بل تبريرهما للتعامل مع أدب صاحب "لمن تقرع الأجراس" و"العجوز والبحر" وغيرهما من الروايات الكبرى التي طبعت أواسط القرن العشرين، إنما يرتبطان ليس بروايات همنغواي التي يمكن الزعم أن ثمة دائماً إجماعاً من حولها، بل بقصص الكاتب القصيرة التي تلقى عادة اهتماماً أقل. بل ثمة أوقات تنسى فيها مع أنها تشغل في أكثر مجلداتها تواضعاً، أكثر من 1200 صفحة اشتهر من بينها بالطبع ما يشكل المجموعات الخمس الأولى التي صدرت في حياة الكاتب وهي "في أيامنا هذه" (1924 – 1925) و"رجال بلا نساء" (1927) و"خمسون ألف دولار" (1928) و"الرابح لا يكسب شيئاً" (1933) و"الطابور الخامس" (1938) وهي بالطبع المجموعات التي علقت عليها فرجينيا وولف كما أشرنا ولكن ثمة ما يصل إلى ضعف هذا العدد صدر لاحقاً وبعد رحيل وولف التي لو قرأته لزاد بالتأكيد إنصافها لنصوص همنغواي بشكل عام. ولكن في المقابل، قُيض لجيروم شارين أن يطلع عليها كلها ومن هنا كان موقفه أكثر وضوحاً وجذرية من موقف وولف. فهو في نهاية الأمر يتحدث عن الطبعة الأحدث التي تضم كل ما كتبه همنغواي من قصص قصيرة بين عام 1919 حين نشر قصته الأولى "المرتزقة"، وعام 1958 حين انتهى، بعد مماطلة أربع سنوات، من صياغة "آخر قصة" من هذا النوع نشرها تحت عنوان "آخر ركن جميل في العالم". والحقيقة أننا تعمدنا هنا أن نضع صفة "آخر قصة" بين معقوفتين لسبب بسيط وهو أنه لا تزال وحتى الآن تُكتشف قصص قصيرة كتبها همنغواي ولا سيما في سنواته الأخيرة لكنه لم ينشرها فتم العثور على مسودات لها في صناديق أوراقه وبات ينشر ما يتم العثور عليه من بينها ليشكل مفاجأة طيبة بين الحين والآخر، معيداً إلى الواجهة أدباً كبيراً دينامياً وعابقاً بالمغزى الاجتماعي والسياسي وطبع الأدب العالمي في القرن العشرين.

عندما فات هوليوود القطار

ولعل في مقدورنا انطلاقاً من هذه المقدمة أن نتساءل عن السبب الذي جعل السينما الأميركية، وغير الأميركية، والتي اهتمت بأدب همغواي الروائي باكراً أي منذ كان الألماني الأصل فرانك بورزاغي من أول المهتمين بنقل رواية لهمنغواي إلى الشاشة الكبيرة، عبر أفلمة لروايته الحربية "وداعاً للسلاح" المنشورة عام 1929 في فيلم حقق منذ عرضه في فرنسا، عام 1932 تحت عنوان "وداعاً للعلم" (!) نجاحاً كبيراً. وبالطبع خلال العقود التالية لن تكون "وداعاً للسلاح" رواية همنغواي الوحيدة التي تؤفلم، بل أفلم السينمائيون كل رواياته ومرات عديدة ودائما من دون تدخل من قبله هو الذي على عكس كبار مجايلين له مثل ويليام فوكنر وسكوت فيتزجيرالد ورايموند شاندلر لم يحترف كتابة السيناريوهات السينمائية. ولعل ما يلفت النظر هنا هو ما قاله يوماً المنتج دافيد سيلزنيك الذي كان في هوليوود من أكثر المنتجين اهتماماً بتحقيق أفلام مقتبسة عن همنغواي من أن "الروايات الوحيدة لهذا الكاتب التي تصلح للأفلمة، هي تلك التي تبدو الأكثر بعداً عن أدبه"، قبل أن يلفت إلى أنه من الحري بهوليوود أن تفتش عن مصادر إلهام لها في هذا المجال في "قصص هذا الكاتب القصيرة التي قد تبدو من وجهة نظر ما وكأنها ملخصات لأفلام سينمائية أكثر مما تفعل رواياته بكثير". وهنا نعود إلى التساؤل الذي كنا نوشك أن نطرحه قبل سطور: إذاً لماذا، والحال كذلك لم تدن هوليوود إلا نادراً من تلك القصص القصيرة التي قد تبدو لنا اليوم مع التراجع الزمني مخزوناً كبيراً من الأفكار والمواضيع والمواقف؟ هل يعود ذلك الغياب إلى عدم معرفة عاصمة السينما بتلك القصص؟ أم لرغبتها بالاستفادة من شهرة روايات همنغواي الكبرى فأفلمتها مرات ومرات؟ أم أن همغنغواي نفسه كان هو الذي استهان بتلك النصوص الصغيرة مستنكفاً أحياناً حتى عن نشرها حالما ينجز كتابتها؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أسئلة وفرضيات

كل هذه الفرضيات واردة. ومن هنا نجدنا أمام سؤال لا بد منه: إذا كان الأمر كذلك، من أين أتى المنتج سلزنيك إذاً، بتلك الفكرة التي عبر عنها في كلامه السابق؟ ولماذا لم يقدم هو على التنبه للأمر؟ ومهما يكن هنا لا بد أن نتذكر في السياق نفسه وإنما في مجال آخر كيف أن الإيرلندي جيمس جويس كان يعتبر دائماً، وطبعاً على عكس همنغواي، عصياً على الأفلمة ولا سيما بالنسبة إلى روايته الكبرى "يوليسيس" التي حطم كثر من كبار السينمائيين رؤوسهم وهم يسعون من دون جدوى لأفلمتها. وفي النهاية جاء المخرج جون هستون وقال: لا بد من أن يحضر جويس على الشاشة وهكذا التفت هستون ناحية قصة قصيرة لجويس من مجموعة "أهل دابلن" هي "الميت" وأفلمها محققاً بها مأثرة سينمائية كبيرة. فلماذا لم يُلتفت كما ينبغي إلى قصص همنغواي القصيرة وتنقل على الشاشة الكبيرة مع أن سمعة أدبه السينمائية كانت في الأحوال كافة خيراً من سمعة زميله الإيرلندي؟ سؤال سيظل مطروحاً في كل مرة نقرأ قصصاً قصيرة لهمنغواي ونتذكر ما قاله منتج كان على أية حال من أقل الناس اهتماماً بالأدب لكنه عرف كيف يصيب هذه المرة. ولكن أيضاً في كل مرة نتذكر فيها كيف أن الحرب الأهلية الإسبانية لم تخلد سينمائياً بشكل مدهش إلا من خلال أفلمة لرواية "لمن تقرع الأجراس" لهمنغواي نفسه، من تمثيل إنغريد برغمان وغاري كوبر ثم نتذكر من خلالها أمراً آخر تماماً وهو أن همنغواي لم يكن مستنكفاً تماماً عن الدنو من السينما، هو الذي تدخل سينمائياً في الحرب الإسبانية نفسها ولكن هذه المرة من خلال كتابته نص فيلم متوسط الطول في اقتباس عن كتابة له كانت في الأصل نوعاً من قصة قصيرة، عنوانه "أرض إسبانيا" حققه المخرج الهولندي الأصل جوريس أيفنز عام 1937 ويحمل حتى اليوم تعليقاً سجله إرنست همنغواي على أحداث الفيلم بصوته.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة