ملخص
ينبه تقرير أميركي إلى هيمنة فرنسية على نشاط المقاهي والمخابز والمطاعم والفنادق في المغرب تعوق توسع منتجات الولايات المتحدة في البلاد
تبدو موائد المغاربة اليوم بما تحويه من أكلات فرنسية وإسبانية وعربية ساحة محتملة لتنافس أميركي – أوروبي على سلاسل التوريد إلى البلد الواقع في أقصى غرب الشمال الأفريقي، وفي مسعاها لتعزيز صادرات المنتجات الغذائية تصطدم الولايات المتحدة بالمستعمر الذي غادر البلاد بعتاده وجنده منتصف القرن الماضي، وبقي مهيمناً ذا نفوذ وشعبية في سائر قطاعات الحياة العامة ومنها المطبخ المغربي.
بلغت صادرات منتجات التجزئة الغذائية الأميركية إلى المغرب في 2022 نحو 138 مليون دولار، إذ تستورد الأخيرة، الشوكولاتة والمأكولات البحرية والصلصات واللوز والمشروبات الروحية المعبأة من الولايات المتحدة، وهو ما كان له بالغ الأثر في نمو النشاط، فيما يظل الوجود التجاري الأوروبي بالغ القدم في المغرب عقبة أمام سيولة المنتجات الأميركية.
وتشهد سوق الخدمات الغذائية في المغرب نمواً مطرداً بعد الوباء، ويقدر القطاع بـ3.4 مليار دولار، بدعم من النمو السريع في نشاط المطاعم التي تحظى بتركز كبير في مراكش والدار البيضاء، ووراء هذا النمو التفضيل المتزايد لدى المواطنين لتناول الطعام في الخارج على رغم الضغوط التضخمية.
ويتوقع بنك المغرب، تراجع التضخم في البلاد إلى ستة في المئة العام الحالي، من 6.6 في المئة العام الماضي، قبل أن يتراجع أكثر في عام 2024 إلى مستوى 2.6 في المئة، بفضل ما سماه "التدابير الحكومية وتراجع الضغوط التضخمية الخارجية وتشديد السياسة النقدية" عبر مواصلة رفع أسعار الفائدة.
يأتي تقرير وزارة الزراعة الأميركية لحث الشركات في الولايات المتحدة على اقتناص ما تحظى به البلاد من فرص استثمارية في عديد من القطاعات، في ظل شراكة الرباط وواشنطن في اتفاقية التجارة الحرة الأميركية (FTA)، التي شملت إلغاء عديد من التعريفات الجمركية على نفاد السلع، فيظل المغرب موقعاً مرغوباً على المستوى الدولي، ومطاعم الخدمة السريعة (QSR) تزيد من حضورها الدولي، وفق ما يذكر تقرير وزارة الزراعة الأميركية، في ظل ما تحظى به البلاد من مكانة مرموقة في خريطة السياحة العالمية، وينصح الشركات الأميركية في ذلك، بزيادة صادرات لحوم البقر والدواجن والخوخ واللوز والمشروبات الكحولية، إضافة إلى البقول التي تتناسب بشكل جيد مع المطبخ المغربي التقليدي، وسط توقعات بنمو صناعة الخدمات الغذائية، وعمادها من العمال قرابة 165 ألف عامل.
نشاط المطاعم
تجملت مراكش، وزال عن وجه المدينة غبار الزلزال الذي باغت سكانها في إحدى ليالي مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، مخلفاً بضعة آلاف من الضحايا، إذ عجلت الحكومة المغربية من جهود تجهيز عاصمة البلاد السياحية لاستضافة اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين في الفترة من التاسع إلى الـ15 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
وبينما تبرز المدينة المغربية على رأس وجهات السفر لـ15 ألفاً من المسؤولين الاقتصاديين ورؤساء البنوك المركزية والوفود الدولية المشاركة في الاجتماع الدوري، فإن مطاعمها ذات الطرازين الفرنسي والإسباني، تنضم لقوائم أبرز المستفيدين من حالة الرواج السياحي.
ويسهم قطاع السياحة في البلاد بنحو سبعة في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي، ويتجلى تعافي هذا القطاع من آثار الجائحة، في إحصاءات رسمية تشمل إيرادات محققة بنحو 91 مليار درهم (8.9 مليار دولار) العام الماضي، وارتفاعاً خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي في الحصيلة نسبته 50 في المئة على أساس سنوي، بإجمال 6.5 مليون سائح في النصف الأول من العام.
ولم يغفل القطاع السياحي وفي القلب منه صناعة المطاعم، آثار الزلزال، والمخاوف من موجات اهتزازية لاحقة، وتداعيات ذلك على معدلات الإشغال والحجوزات في ما تبقى من العام الحالي، بعد تسجيل إلغاءات للحجوزات والسفر من قبل سياح أجانب، ما دعا وزارة السياحة لحفز الشركات السياحية ببرامج ترويجية، وبعث الطمأنة، والشروع في معاينة المباني في أعقاب الكارثة.
وعلى رغم التحديات يبعث التقرير الأميركي الحديث، الأمل في قطاع السياحة المغربي مزكياً نشاط المطاعم في البلاد، كوجهة استثمار محتملة للشركات الأميركية، في ظل ما تحظى به سلاسل التوريد الأوروبية من نفوذ في البلد الذي كان محتلاً في الماضي من جانب فرنسا وإسبانيا.
هيمنة فرنسية
لكن التقرير، يلفت أيضاً إلى بعض التحديات التي تواجه الصادرات الأميركية، في وقت يقدم موردو الخدمات الغذائية من الاتحاد الأوروبي أسعاراً أقل بسبب انخفاض تكاليف الشحن وإقامة علاقات أوثق مع العملاء المغاربة، وينبه إلى هيمنة فرنسية على نشاط المقاهي والمخابز والمطاعم والفنادق في المغرب.
عرفت المغرب في السنوات الأخيرة، نشاطاً قياسياً للمطاعم الأميركية، وأبرزها "ماكدونالدز" و"كنتاكي"، و"برغر كينج"، إضافة إلى "تشيليز" و"ستاربكس" و"سينابون" في عديد من مدنه الكبرى ويعتمد نشاطها البيعي على خدمة التوصيل، وفي مقدمتها الدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة، لكن ثقافة الطعام صارت على النمط الفرنسي في وقت شقت المأكولات الإسبانية طريقها إلى موائد المغاربة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتنشط صناعة المطاعم طوال العام، إلا أنه يمكن الإشارة إلى أشهر الصيف، وتحديداً من مايو (أيار) إلى أغسطس (آب) من كل عام، إذ تشهد تلك الفترة نشاطاً للأعراس وحفلات الزفاف، التي عادة ما تأتي مصحوبة بتقديم الوجبات الغذائية على الطريقة المغربية، والتي تضم لحم الضأن ولحم البقر والدواجن والفواكه المجففة والمكسرات، إضافة إلى التوابل والشاي والقهوة والسكر، في وقت يزداد الطلب على البوفيهات على النمط الغربي.
ويقدم تقرير وزارة الزراعة الأميركية، قوائم المنتجات التي يتوقع ارتفاع مبيعاتها في المغرب، مثل اللوز والفستق والجوز، ومنتجات الألبان (الجبن)، والخبز والمعجنات والكعك، ومحضرات الطعام، ويتحدث أيضاً عن منتجات غذائية لا تحظى بوجود كبير في السوق المغربية على رغم إمكاناتها البيعية الجيدة، مثل الدواجن ولحوم البقر الأميركية والبقول، والبرقوق والزبيب والتوت البري، والتفاح والفواكه والخضروات المعلبة، والأغذية المجمدة، بما في ذلك البطاطا والمأكولات البحرية، وخلطات الزبادي المجمد والآيس كريم، وخليط الدقيق والحلويات، بما في ذلك الشوكولاتة والكاكاو والصلصات والتوابل، إضافة إلى المشروبات غير الكحولية بما فيها القهوة.
وبينما تأمل المغرب اليوم تجاوز محنة الزلزال، كما عبرت من قبل محنة الجائحة التي أضرت بالنشاط السياحي، وأعاقت تدفقات السفر الدولية بسبب القيود المفروضة على الرحلات والمسافرين مستهدفة، بحسب تقديرات وزارة السياحة، استقدام 17.5 مليون سائح بحلول عام 2026، من 11 مليون العام الماضي، ضمن خطة اعتمدت في مارس (آذار) الماضي، بميزانية مرصودة تقدر بـ6.1 مليار درهم (598 مليون دولار)، فإن الصراع الأميركي – الأوروبي باق على الأرجح وقد يتطور على أمل في قضم الكعكة المغربية.