Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سقوط إمبراطورية الإعلام اليميني في أميركا

قد تكون نهاية شبكة فوكس قريبة أو لا تكون ولكن العرض مستمر

قطب الإعلام اليميني الأميركي روبرت مردوخ  (أ ف ب)

ملخص

يختلف تقدير المراقبين في مآل إمبراطورية روبرت مردوخ فبينما يعتبرها البعض إرث ملياردير شهير يراها آخرون تمثل تيار في الخطاب الإعلامي

قد يكون روبرت مردوخ غنيا عن التعريف حتى للقارئ العربي العام، لكن لا بأس ببضع كلمات. هو قطب الإعلام اليميني الأميركي الذي أقام وأشرف على إحدى أهم الإمبراطوريات الإخبارية في العالم، فارتبط اسمه باسمها: شبكة فوكس الأميركية، مثلما ارتبط بأسماء صفوة الساسة في بلده، وأحدثهم دونالد ترمب الذي كان مردوخ بمثابة شريك له في البيت الأبيض، مثلما كان هو بمثابة شريك في شبكته الإخبارية.

ومردوخ، برئاسته لمجموعة تنشر ضمن ما تنشر صحيفة وول ستريت جورنال ـ وهي ربما أهم صحيفة يومية أميركية ـ ونيويورك بوست، ظل على مدار عقود من أكبر المؤثرين في دوائر الحزب الجمهوري لا يباريه في ذلك إلا قليلون على مدار التاريخ.

في 21 من سبتمبر (أيلول) الماضي، ربما يكون العالم، أو على الأقل، المعنيون بالإعلام والسياسة في الولايات المتحدة فوجئوا بإعلان مردوخ قرار اعتزاله واكتفائه بالرئاسة الفخرية لشركته تاركا رئاستها الفعلية لأكبر أبنائه، لاتشلان مردوخ.

في مذكرة موجهة لموظفيه كتب مردوخ: "على مدار حياتي المهنية بأكملها انخرطت على نحو يومي في الأخبار والأفكار، وهذا ما لن يتغير. لكن الوقت حان لأن أتولى أدوارا مختلفة".

في تقرير لها عن هذا الاعتزال، ذكرت شبكة (سي إن إن) في موقعها على الإنترنت أن هذا التقاعد يأتي في لحظة مهمة في صناعة الإعلام "يواجه فيها عمالقة الترفيه الراسخون تحولا كاسحا في أعمال التلفزيون والسينما التقليدية وينجذب المستهلكون بسرعة نحو خدمات البث المباشر"، مضيفة أنه تقاعد سيفضي إلى نتائج سياسية مهمة في وقت يشهد الاستعداد لمنافسات الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024.

ربما فوجئ العالم بقرار اعتزال مردوخ، غير أن شخصا واحدا في ما نعلم لم يكتف بزعمه أن هذا القرار لم يفاجئه، بل زاد على ذلك بأن قال إنه كان له يد فيه. فقد قال الكاتب مايكل وولف لصحيفة فايننشال رفيو الأسترالية "أعتقد أنني قد تكون لي يد في هذا، بقولي شيئا من طراز (إعلان عري الإمبراطور)، شيئا لا يقوله أحد، وهو أنه [أي مردوخ] في الثانية والتسعين من العمر، فقد كان من الصعب أن أتعامى عن هذه الصورة لرجل يبلغ من العمر اثنين وتسعين سنة ويدير برغم ذلك شركتين عامتين كبيرتين. هذا أمر يستعصي على التفسير أو التبرير".

جاء إعلان روبرت مردوخ تقاعده قبل خمسة أيام تقريبا من صدور كتاب لمايكل وولف عنوانه "السقوط: نهاية إمبراطورية مردوخ" عن دار نشر "ذي بريدج ستريت".

في هذا الكتاب ـ على حد قول سام باكنغهام بـ"فايننشال ريفيو" في 1 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي ـ يفكك مايكل وولف بشراسة أسرة مردوخ وآلتها المتمثلة في شبكة فوكس الإخبارية، ويقطع بأن الإمبراطورية الإعلامية العالمية التي أقامها مردوخ على مدار السنوات السبعين الماضية، بادئا إياها من أستراليا، آيلة للسقوط.

يكتب أندرو أنطوني في الغارديان (2 أكتوبر) أن مايكل وولف "كتب قبل 15 سنة دراسة عن روبرت مردوخ بعنوان (الرجل الذي يملك الأخبار)، مستفيدا من قربه من القطب الإعلامي والمحيطين به، فجاءت الدراسة مليئة بالتصريحات المنسوبة إليه وإليهم، ومليئة بالمراجع. بل لقد احتوت على فهرس".

وعلى مدار تلك السنوات الـ15 جرت في النهر مياه كثيرة. "لم ينفصل مردوخ فقط عن زوجته آنذاك، ويندي دينغ، بل تزوج بعدها زوجته الرابعة جيري هول وطلقها. وباع حصة كبيرة من إمبراطوريته التجارية، فكان من بين ما باعه استديو ذي توينتي سينشري فوكس، وشبكة سكاي التلفزيونية.

إجمالا، كانت 15 سنة  مليئة بالأحداث بالنسبة لمردوخ، كما كانت كذلك أيضا للكاتب مايكل وولف الذي تمكَّن من الحصول على مقعد صحافي في البيت الأبيض في عهد دونالد ترمب، ثم فجر قنبلته أو كتابه (النار والغضب) الذي حقق رواجا كبيرا على مستوى العالم، ويمكن القول إنه أفضل وأفضح ما كتب عن رئاسة دونالد ترمب. ثم أتبع وولف ذلك الكتاب بكتابين عن ترمب أيضا هما (الحصار) و(الانهيار الأرضي)".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن أوجه كثيرة، يدين كتاب "السقوط: نهاية إمبراطورية مردوخ" لثلاثية ترمب أكثر مما يدين لدراسة "الرجل الذي يملك الأخبار" التي كان ينبغي أن يؤسس عليها. ويرجع ذلك بحسب أندرو أنطوني إلى أن كتاب (السقوط)  "أكثر انطباعية، ونمائمية، وغنى بالعبارات القاطعة غير المنسوبة إلى أحد" خلافا للدراسة الأولى، كما أنه خلافا لها ـ حسب ملاحظة أندرو أنطوني الطريفة ـ "لا يحتوي على فهرس".

يمضي أنطوني فيقول إن كتاب السقوط لا يكشف أسرارا كبيرة أو صادمة، لكنه يقدم "بورتريهات سيكولوجية للشخصيات الكبرى في مؤسسة مردوخ الاقتصادية وفي شبكة فوكس نيوز على وجه التحديد "ومن هؤلاء مردوخ نفسه، وولداه المتحاربان لاتشلان وجيمس [لم يتبادل الأخوان حديثا لمدة خمس سنوات، بعد أن أصبح جيمس متبرعا للحزب الديمقراطي، ولاتشلان مسؤولا عن فوكس]، ومقدمو البرامج الكبار في فوكس من أمثال شين هانيتي، وتاكر كارلسن، والعديد من المسؤولين التنفيذيين رفيعي المستوى".

يكتب مايكل وولف في ما ينقل عنه سام باكنغهام أن فوكس على وجه التخصيص ـ من إمبراطورية مردوخ كلها ـ منذورة بالسقوط لأنها "تقوم على أكتاف رجل واحد ورجل واحد فقط"، وبوفاة مردوخ، المتوقعة "قريبا جدا"، سوف تنتقل السيطرة إلى أربعة من أبنائه "ولا يكاد يوجد تصوُّر يوحي بأنهم متوافقون على الحفاظ على فوكس حسب ما هي عليه الآن".

يكتب سام باكنغهام أن الكتاب مؤلف من "300 صفحة موزعة على 25 فصلا، يركز كل فصل على شخصية"، والبداية عبارة عن "نعي متخيل لروبرت مردوخ نفسه، مع إشارة إلى أن غرف الأخبار في شتى أرجاء العالم لديها مواضيع شبه جاهزة للاستعمال في حالة وفاة (العظماء والصالحين، وطبعا الكذابين والأخساء)".

يكتب أندرو أنطوني أن الصورة التي يرسمها مايكل وولف لمردوخ تصوره "بطريركا جليلا، ورجل أعمال هرما، يكافح من أجل المصالحة بين أبنائه المتنازعين، وبين نفوره ونفورهم من شبكة فوكس وحبهم العارم في الوقت نفسه لأرباحها الهائلة.

 

 لقد حظيت شبكة فوكس في ظل رئيسها التنفيذي روجرز آيلز،  وهو الآفة الجنسية المتسلسلة والكاره للنساء في الآن نفسه، بنوع من الاستقلال الذاتي على المستوى الأخلاقي والهيكلي، فكانت لها حرية اختراق أعماق السياسة القذرة، ما بقي المال مستمرا في التدفق".

"لكن حينما أطيح بآيلز على خلفية قضية تحرش جنسي في عام 2016 ـ ويوحي مايكل وولف بأن التخلص منه بهذه الطريقة كان مدبَّرا من جيمس ولاتشلان. تولى مردوخ بنفسه السيطرة. ولما كان لا يكاد يفقه في عمل التلفزيون أي شيء، فقد كان يصدر لموظفيه تعلميات متزايدة الغموض لم يكن بالإمكان تمييزها دائما عن خرف المسنين".

"وتحت ضغوط من زوجته جيري هول، ومن جميع أبنائه تقريبا، من أجل إصلاح الشبكة التي اعتبرت مسؤولة عن تخريب بنيان السياسة الأميركية، بدا مردوخ مترددا وعاجزا، وليست هذه بالتركيبة التي حققت له اسمه وثروته".

"تأكد عجز مردوخ عن إحكام قبضته بصفة خاصة في حالة دونالد ترمب الذي وصفه بـ(الأحمق اللعين) الذي برغم ذلك كان يدير البلد. فقد اختطف ترمب عمليا شبكة فوكس نيوز. وبلغ ذلك الأمر ذروته حينما خسر انتخابات 2020 لكنه استعمل فوكس في نشر نظريات مؤامرة لا أساس لها بشأن تزوير الانتخابات".

"رفعت شركة دومينيون للأنظمة الانتخابية دعوى تشهير قضائية، وانتهى الأمر بشركة فوكس إلى دفع 787.5 مليون دولار لتسوية القضية. وألقى مردوخ باللوم على ترمب، وتمنى موته بسبب تلك الخسارة".

يرسم مايكل وولف بورتريهات لأشهر وجوه شبكة فوكس التي شكلت المشهد السياسي، وأسهمت كثيرا في تكوين الآراء السياسية لنصف الشعب الأميركي، أو لفئة كبيرة منه على الأقل، وفي ثنايا وصفه لهم تظهر جوانب من إدارة مردوخ الجنونية، أو المزاجية المتطرفة، في إدارته للشبكة. ويتساءل آندرو أنطوني "كيف إذن تسنى لذلك الرأسمالي عتيق الطراز صارم الانتماء إلى تيار المحافظين الجدد أن يؤسس قناة تلفزيونية شديدة المعاداة للتيار الجمهوري التقليدي، بل المعادية في واقع الأمر لكل التيارات الرئيسة في المشهد السياسي الأميركي؟ وكيف، بحسب مايكل وولف، كان مردوخ داعما لباراك أوباما، ومع ذلك كانت لديه مجموعة شنت أبشع الهجمات عليه وأكثرها عنصرية؟"

يقول أنطوني، إن هذه التناقضات لها إجابة بسيطة هي "المال. فالملياردير كان يختل أمام تيار الأموال غير المنقطع مما حصل عليه من فوكس بنشرها لأيديولوجيا ترفض الكفاءة السياسية وتعدها نخبوية مقيتة، وتحتفي بنرجسية ترمب باعتبارها نوعا من التطهر والتمرد".

غير أن نينا بورلاي ربما تقدم إجابة أخرى في استعراضها المسهب للكتاب (نيوريببليك) 26 سبتمبر (أيلول) 2023، فهي تقول إن المدير التنفيذي المؤسس لتلفزيون فوكس روجر آيلز، قال ذات مرة لمايكل وولف إن (الناس الذين تعرفهم أنت يعيشون في اللحظة الحالية، أما الناس الذين نحدثهم نحن في فوكس فيعيشون في عام 1965) وقد أتاحت عائلة مردوخ لآيلز أن ينشئ عالما بديلا لهذا الجمهور الرجعي.

 لكن وولف يذكر أن آيلز لم يكن يرى أي نفع في عائلة مردوخ، خصوصاً ابنيه، جيمس ولاتشلان، اللذين كان يصفهما على سبيل الاستهزاء بالمخنثين، وذلك كان وصفه لكل رجال النخبة.

تكبت نينا بورلاي أن "آيلز كان يختار نجومه بعناية، مراعيا أمرين: عام 1965 وانعدام الخنوثة. ولا بأس بالغباء. فقد كان آيلز يتباهى بأنه التقط شون هانيتي من وظيفة إذاعية براتب 800 دولار أسبوعيا في أطلنطا، في خطوة عبقرية، تكمن تحديدا في أن هانيتي ليس على القدر الكافي من الذكاء. ويقول آيلز لولف إن (الذكاء هو ما يكرهه الناس. يا إلهي كم يكرهون ذلك)".

ربما يجدر بنا أن ننتبه إلى أن هذه ليست نادرة طريفة وحسب، فهي طرف من آراء مؤسس شبكة تلفزيون فوكس التي لا يمكن إنكار تأثيرها الهائل في صياغة الوجدان الأميركي، هربا من أن نقول العقل الأميركي. لقد استطاعت آراء آيلز ورؤيته لجمهوره أن تحقق هيمنة لفوكس لم تتأثر بفضيحته الجنسية التي أنهت حياته المهنية في عام 2016 ثم حياته نفسها بعد ذلك بقليل. لكن مايكل وولف، في ما تكتب نينا بورلاي، يرى أن "الإمبراطورية التي أقامها آيلز ومردوخ لن تدوم طويلا في هذا العالم، فالجيل القديم يتلاشى، والجديد يفتقر إلى الملكات اللازمة لإدارة هذه الآلة المتخصصة في البروباغندا الفاشية".

"وربما بسبب الافتقار إلى نهاية في الأفق قابلة للتصديق لشبكة فوكس، تبدو نهاية الكتاب ضعيفة إلى حد ما. فوولف ينسج نهاية أقرب إلى نهايات الحواديت، إذ يتخلص الورثة من فوكس، ويمضون في طريقهم. إذ يقرر أبناء روبرت وهم جيمس ولاتشلان وبرو وإليزابث ـ وفقا لهذه النهاية الفنتازية ـ أن عبء تقويض الديمقراطية الأميركية مرهق للغاية، ولم يعد يدر عليهم ما يبرر هذا العناء، فيبيعون الشبكة، وينطلقون إلى التمتع بمناظر الغروب الأسترالية الآسرة محملين بثرواتهم".

لا تقيم بورلاي وزنا كبيرا لهذه النبوءة التي يبنيها وولف على شيخوخة مردوخ وقرب وفاته، وشيخوخة جيل المؤسسين برمته، وذلك "لأن الكتاب يظهر لنا المرة تلو الأخرى أن فوكس لم تنجح بسبب روبرت مردوخ وإنما نجحت بالرغم منه".

والحق أن تقدير نينا بورلاي يبدو ناجما عن إحباط أو خوف أو حتى حسرة من الخراب الذي ترى أن تلفزيون فوكس ومن ورائه مردوخ وترامب وآيلز، وعلى شاشته هانيتي وأمثاله، قد أحدثه في المجتمع الأميركي. فهي تكتب أنه "حتى في حالة سقوط فوكس، فإن إرثها سوف يبقى، غير متمثل فقط في الضرر العميق الذي لحق بالخطاب السياسي والثقة العامة، وإنما أيضا في سلالة لا أول لها ولا آخر ـ من النجوم والكتَّاب ومقدمي البرامج ـ الذين أفرختهم فوكس فانطلقوا مستلهمين تجربتها وخطابها" وتنقل بورلاي عن وولف قوله إن فوكس "جعلت من الخطاب المحافظ سلعة إعلامية كبرى، واتسعت وتعملقت ونشأت حولها صناعة كاملة".

وسوف يظل هذا النسل، بحسب نبوءة بورلاي لا وولف، "حاضرا بالتأكيد لإشباع جمهور فوكس المحروم من شبكته إذا آثر آل مردوخ يوما مصلحة الشعب الأميركي على المال".

لكن تقدير بورلاي هذا قد لا يزعزع نبوءة وولف، فالحقيقة أن كلا منهما يتكلم عن غير ما يتكلم عنه الآخر، فوولف يتكلم عن مؤسسة بعينها، يرصد مؤشرات أفولها، بينما بورلاي لا ترى في فوكس إلا استعارة، أو تمثيلا لتيار في الخطاب الإعلامي ترى حولها جمهوره وترصد حجم الطلب عليه، فتخلص من ذلك ـ شأن أي ملم بأوليات الاقتصاد ـ إلى أن زيادة الطلب تؤدي إلى زيادة العرض، وإذن، فقد تكون نهاية فوكس قريبة أو لا تكون، ولكن العرض مستمر. 

عنوان الكتاب:  The Fall: The End of the Murdoch Empire 

تأليف: Michael Wolff

الناشر: The Bridge Street Press

اقرأ المزيد

المزيد من كتب