ملخص
يتساءل الشارع التونسي عن مصير الحزب "الدستوري الحر" بعد احتجاز رئيسته عبير موسى قبل انتخابات الرئاسة.
يطرح الشارع السياسي في تونس تساؤلات عدة بعد اعتقال رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، لكن أهمها يرتبط بمستقبل هذا الحزب الذي ظل من قوى المعارضة النادرة القادرة على تحريك قواعدها الشعبية خلال الأشهر الماضية.
وبرزت المحامية موسي بعد ثورة الـ 14 من يناير (كانون الثاني) 2011 عندما أطلت في إحدى المحاكم في العاصمة التونسية لتدافع عن الرئيس الراحل زين العابدين بن علي الذي أطيح بنظامه إثر احتجاجات شعبية، وكان هذا الظهور في فترة توارى فيها كل رموز نظام بن علي تحدياً كبيراً لموسي التي دخلت في سجالات قوية مع خصومها ممن كانوا يمثلون المعارضة زمن النظام السابق.
وعلى مدى الأعوام اللاحقة أطلقت موسي مواقف قوية تشيد فيها بنظام بن علي وتنتقد المسار الديمقراطي الذي دشنته تونس بعد احتجاجات عام 2011، قبل أن تنضم إلى الحركة الدستورية وتتسلم قيادتها عام 2016، إذ غيرت اسم الحركة إلى "الحزب الدستوري الحر" الذي تمسك قيادته الآن بقبضة من حديد.
لا تفكك للحزب
وعُرفت موسي في الساحة السياسية بظهورها الدائم وقيادتها سجالات مع خصومها من الإسلاميين الذين كانوا هدفها الأساس، ثم الرئيس قيس سعيد، مما زاد التكهنات حول مستقبل الحزب في غيابها، وما إذا كان سيبقى متماسكاً كما كانت حاضرة بنفسها.
ولم يتردد القيادي في "الدستوري الحر" كريم كريفة في القول إن هناك رهاناً من قبل بعضهم على ضرب وحدة الحزب، موضحاً أن "عبير موسي لم تخطأ يوماً في حق الحزب ومواقفها كانت نابعة من مواقفه ومن مواقف الديوان السياسي له".
ويعد كريفة من بين الوجوه القليلة جداً من الحزب الدستوري الحر التي تظهر في وسائل الإعلام، على رغم أن موسي أكدت في وقت سابق أنها لا تمانع في بروز نشطاء الحزب إعلامياً، لكنها قالت في المقابل إن هناك تفاهماً حول الإدلاء بمواقفه.
بينما قالت المحللة السياسية حذامي محجوب إن "الحزب الدستوري الحر له قاعدة شعبية قوية وتاريخ طويل من النضالات وهناك خلافات وهذا طبيعي، لكن منذ عام 2016 عملت موسي على توحيد شق كبير من الدستوريين، لكن اختلاف وجهات النظر موجود وطبيعي في الأحزاب الكبرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابعت محجوب في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "أعتقد أننا لن نرى خلافات كبيرة داخل الحزب الدستوري الحر خلال المرحلة المقبلة، ولا أعتقد أنه سيتفكك لأن لديه ديواناً سياسياً وله كفاءات من أعضائه والمنتمين إليه لا يظهرون جميعاً في وسائل الإعلام، وهذا اختيار من الحزب ورئيسته من أجل توحيده".
ومضت في حديثها، "لا ننسى أن عبير موسي لديها كاريزما وشخصيتها تغطي على بقية الشخصيات، لكن أتوقع أن نرى كثيراً من مناضلي الحزب يتحركون خلال المرحلة المقبلة، فالإيقاف دائماً يقوي الحزب، وسيكون هناك تضامن وتآزر يضع قياداته أمام مسؤولية تاريخية، فحركة ’النهضة‘ مثلاً كانت قوية في السرية أكثر من العلنية نفسها، وعبير تركت كثيراً من المناضلين، وحزبها سيكون منتظماً وله هياكله".
منعرج خطر للحزب
واللافت أن الحزب الدستوري الحر بخلاف بقية الأحزاب لم تشقه الخلافات إلا عند تسلم موسي قيادته عام 2016، إذ تحسب على الدستوريين، وهو طيف سياسي حكم البلاد منذ الاستقلال عام 1956 وحتى عام 2011، المتشددين والمتحمسين لمواجهة الإسلاميين، مما أثار حفيظة بعض القيادات التي سعت إلى مهادنة حركة "النهضة" وطُردت لاحقاً.
ومنذ ذلك الحين برز الحزب كأحد القوى المتماسكة على الساحة السياسية، فيما انتقلت عدوى الانقسامات من حزب "نداء تونس" الذي حكم البلاد بين عامي 2014 و 2019 بقيادة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، إلى حركة "النهضة" الإسلامية وأحزاب أخرى.
وأثار ذلك تساؤلات حول مدى قدرة الحزب على الحفاظ على تماسكه إذا كتب له النجاح في أحد الاستحقاقات السياسية، إذ يحظى بقاعدة شعبية قوية، وستكون موسي مرشحة الحزب في السباق الرئاسي المرتقب العام المقبل.
واعتبر المحلل السياسي بوبكر الصغير أن "هناك خلافات في الأقل خلال المرحلة الأولى لتأسيس الحزب وانشقاقات عندما تسلم قيادة الحركة الدستورية السيد حامد القروي ثم ترشيحه عبير موسي لخلافته، وكان هناك نوع من التحفظات ثم انقسام للحزب قبل بروز شق قوي بقيادة موسي".
وأوضح الصغير أنه "لا توجد اليوم ردود فعل من قبل الجماعة التي طردت من الحزب ولا من الشخصيات التي دخلت في خلافات مع عبير موسي نفسها، لكن في نهاية الأمر ما حدث كان منعرجاً خطراً في مسار الحزب الدستوري الحر ومستقبله، والأسئلة التي تبقى مطروحة هي قدرته على التماسك وتمكنه من التعاطي مع مستجدات المرحلة المقبلة".
ونوه الصغير بأن "إيقاف موسي وإيداعها السجن حدث مهم بكل تأكيد ويكتسي دلالات كثيرة، بالنظر إلى مكانتها شخصياً والحزب أيضاً الذي لا يختلف اثنان على أنه كان الأبرز خلال الأعوام الماضية، وكان له فضل كبير في كشف حقيقة الإخوان المسلمين وإنهاء حكمهم البلاد والتمهيد لما حصل في الـ 25 من يوليو (تموز) 2021".
ويقود الرئيس قيس سعيد مساراً سياسياً مثيراً للجدل، إذ أطاح بالبرلمان والحكومة المنتخبين عام 2021 في إجراءات سارع خصومه من الإسلاميين إلى وصفها بالانقلاب، قبل أن يدخل معركة كسر عظم معهم انتهت بموجة واسعة من التوقيفات شملت نشطاء سياسيين من بينهم زعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي، إضافة إلى قيادات أخرى من الحزب ونشطاء مثل غازي الشواشي وعصام الشابي وصحافيين وغيرهم.
وعلى رغم أن ردود الفعل اختلفت خلال الساعات الماضية حول احتجاز موسي بين مرحب ومدين من الساحة السياسية التونسية، إلا أن الثابت أن مستقبل حزبها سيكتنفه الغموض، لا سيما في ظل الاتهامات التي يوجهها قياداته إلى السلطة بمحاولة منع رئيسته من الترشح للانتخابات الرئاسية، مع غياب قيادي آخر يملك خصالاً قادرة على جعله يقود الحزب في غيابها.