ملخص
المعلمون في يومهم العالمي ينشدون لفت الأطراف المتصارعة في البلاد إلى ظروفهم المتردية
في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي للمعلم تقديراً لجهوده في دروب المعرفة والعلم، وأما في اليمن فلا، فهذه الذكرى تحل منذ سنوات حزينة ويرحل المعلمون كل يوم بعوامل عدة بعد أعوام عديدة من العمل في مهنة التعليم لتكون مكافأة نهاية خدمتهم أن يموتوا قهراً وجوعاً، أو يلقوا حتفهم بنيران الحرب وهم في الشتات مشردين عن عائلاتهم يبحثون في الصحاري والقفار عن وطن مفقود، كما هو حال المعلم الأستاذ حيدر الأحمدي الذي أصبح نشيداً حزيناً في عيد المعلم، كما جاء على لسان إحدى طالباته في مدينة "حجة" اليمنية.
كان علم البلاد يرفرف وترفرف معه أحلام عشرات من الطلاب
على إيقاع معلم نشط يقوم بحصص رياضية للطلاب في طابور الصباح بمدرسة اليرموك في شمال غربي اليمن، كانت تلك هي المحطة الأخيرة من حياة المعلم اليمني حيدر الأحمدي قبل أن ينهي حياته مقذوف طائرة مسيرة حوثية ليفارق على أثر ذلك الحياة.
كفاح التعليم في زمن الحوثي
قصة المعلم حيدر الذي ارتبط حضور كثير من الطلاب في المدرسة بوجوده فيها، هي قصة من وحي كفاح اليمنيين في التعليم في زمن الميليشيات الحوثية.
عمل الأحمدي معلماً بمدرسة الثورة الثانوية في محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر لأكثر من عقدين من الزمان، ومع تمدد الميليشيات الحوثية في المدينة غادرها حيدر إلى مناطق الحكومة الشرعية في شرق اليمن، ثم التحق بقوات الجيش اليمني شمال محافظة حجة، وهي مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً، إلا أنها تشهد حصاراً حوثياً وإغلاقاً للطرق والمنافذ التي تربطها بباقي المناطق اليمنية منذ أعوام وتعيش عزلة ووضعاً متردياً، عمل الأستاذ على إنعاش العملية التعليمية في المنطقة التي وجد فيها.
العودة إلى "فصول الأشجار"
عاد إلى ميدان التعليم متطوعاً، ولم يقف الأمر عند هذا بل حشد المعلمين وزملاءه من أجل التطوع وتعليم الطلاب وكانت البداية من التعليم تحت الأشجار ومن منازل المواطنين، ومع استجابة الأهالي بدفع أبنائهم، كبر حلم المعلم الأثير وتشكلت بسواعده فصول دراسية مكونة من القشاش، وذهب يفتش في ركام المدارس التي هدمت أو تلك التي على مقربة من خطوط الحرب والوصول إليها محفوف بالمخاطر عن الكتاب المدرسي المنعدم ليدرس الطلاب، وجاء بسارية العلم من ركام إحدى المدارس التي تعرضت للتدمير من قبل الحوثيين، وعاد علم البلاد يرفرف في ساحات المدارس الموقتة وعادت إذاعة المدرسة وطابورها الصباحي بعد صمتها طويلاً وعلو صوت المدافع.
يقول الطالب حمزة كديش وهو تلميذ في المدرسة ذاتها قبل وصول الأستاذ حيدر مناطقهم "كان التعليم متوقفاً منذ فترة، فعمل الأستاذ حيدر على عودة التعليم في بيوت المواطنين وفي المساجد من أجل تعليمنا"، لافتاً إلى أن التعليم في مدرستهم محصور على التعليم إلى الصف السادس أساسي فقط ولكن بجهوده استمر إلى المرحلة الثانوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح حمزة أنه قبل مجيء المعلم حيدر "كنا لا كتاب ولا مقاعد مدرسية ولا مبان، لكن جهوده جاءت بفصول بديلة يتعلم الطلاب فيها وبمعلمين متطوعين في كل التخصصات من أجل النهوض بالتعليم، ولم يقتصر الأمر على هذا فعمل على تشجيعنا بكل الوسائل وإخراجنا من الوضع المعيشي والحرب إلى وضع أفضل".
تشجيع لا يفرق بين الجنسين
ابتسام عبده طالبة في الصف الخامس وهي واحدة ممن طالها تشجيع معلمها الراحل تقول عن حال التعليم قبل مجيئه إلى منطقتهم "كنا نتعلم تحت الأشجار والخيام والطقس حار لا يرحم، وعندما جاء المعلم حيدر وجدت الإذاعة والاحتفالات والنشاط والمسابقات، لقد كان أكثر المعلمين اجتهاداً".
مدير المدرسة يقول "إن حيدر جاء إليه مع متطوعين آخرين في العام الثاني من استئنافهم التعليم واستمر معهم لمدة ثلاثة أعوام، وفي العطلة الصيفية فتح مركزاً صيفياً لتعليم الطلاب يعلمهم القراءة والكتابة، وكان مستعداً لبداية هذا العام الدراسي ولكن شاءت إرادة الله أن يستشهد، افتتحنا العام الجديد بخسارة هذا المعلم، وهي خسارة كبيرة لأن دوره كان كبيراً".
من جانبه، علق رئيس اللجنة التحضيرية لنادي المعلمين والمعلمات اليمنيين أبو زيد الكميم في حديثه مع "اندبندنت عربية" بالقول "أي عيد هذا ومعلمو اليمن من دون رواتب منذ ثماني سنوات، لقد مات منهم كثير تحت وطأة الجوع والمرض، ومن بقي منهم يتضورون جوعاً.
نناشد كل ضمائر العالم الحية ومنظمات حقوق الإنسان ونقابات التعليم في كل دول العالم التضامن مع المعلم اليمني وإنقاذ حياة من تبقى منهم".
دعوة لصرف رواتب المعلمين
يذكر أن هناك 160 ألف معلم في مناطق سيطرة الحوثيين يعانون انقطاع رواتبهم بشكل كلي منذ 2016، فيما نزح أكثر من 23 ألفاً إلى مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وفقاً لتقارير حقوقية.
في غضون ذلك دعت نقابة المعلمين اليمنيين الأمم المتحدة وكل المنظمات المتصلة بالتعليم والمعلمين وحقوق الإنسان إلى ممارسة دورها الحقوقي والإنساني بالضغط على جماعة الحوثي لصرف مرتبات المعلمين الموقوفة منذ ثماني سنوات.
وطالبت النقابة في بيان لها، تزامناً مع اليوم العالمي للمعلم الذي يصادف الـ5 من أكتوبر من كل عام، جماعة الحوثي بسرعة إطلاق سراح جميع المعلمين والتربويين المختطفين وعلى رأسهم النقابي البارز سعد النزيلي نقيب المعلمين بصنعاء.
كما طالبت النقابة في بيانها الحكومة اليمنية بأن تولي المعلم اليمني كل اهتمامها ومنحه كامل مستحقاته المادية، وزيادة رواتب المعلمين بما يضمن لهم حياة كريمة وآمنة تمكنهم من أداء رسالتهم المقدسة وبما يحقق أهداف التربية والتعليم والغايات النبيلة لها.
وقالت النقابة في بيانها "تمر مناسبة اليوم العالمي للمعلم (5 أكتوبر) والمعلم اليمني يعيش منذ أكثر من سبع سنوات من دون مرتبات كحالة فريدة من نوعها على مستوى العالم، بما تحمله من معاناة مريرة ومشقة بالغة الأثر في المعلم اليمني وأفراد أسرته وما يحتاجون إليه من متطلبات ضرورية وأساسية للعيش والحياة الكريمة".