ملخص
"غولدمان ساكس" يدعو بكين إلى تسريع إعادة هيكلة شركات التطوير العقاري وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي
أعاد تعثر الاقتصاد الصيني في الأذهان تجربة اليابان وما لحق باقتصادها من الركود في التسعينيات من القرن المنصرم، وما تدهور التركيبة السكانية وتراكم الديون وانفجار فقاعة الأصول، إلا عناصر جمعت بين النموذجين الآسيويين، وسبقت لدى اليابان الهبوط المدوي للاقتصاد، فيما تعانيها الصين اليوم منذ إلغاء العمل بسياسة "صفر كوفيد" نهاية العام الماضي.
انتبهت مراكز أبحاث عالمية، في مقدمتها بنك الاستثمار الأميركي "غولدمان ساكس" و"أكسفورد إيكونوميكس" إلى وجود أوجه شبه تجمع التجربتين، على رغم الشكوك من أن تتحول الصين إلى يابان جديدة، وترى هذا التحول ليس مؤكداً على الإطلاق، ووفقاً لبعض المقاييس، يبدو الوضع في الصين أكثر خطورة مما كان عليه في اليابان قبل نحو 30 عاماً، إذ انخفض معدل المواليد الخام في الصين (النسبة بين عدد المواليد الأحياء في العام وإجمالي عدد السكان في منتصف العام) إلى 0.75 في المئة في عام 2022، وهو أقل بكثير من معدل اليابان الذي بلغ 0.99 في المئة في عام 1990، وسط توقعات بأنه ربما لم يصل إلى القاع بعد.
ويبدو الضعف في قطاع الإسكان في الصين أكثر وضوحاً، فمعدل الشواغر في العقارات السكنية في المناطق الحضرية يبلغ نحو 20 في المئة في الصين، أي أكثر من ضعف المعدل الذي بلغته اليابان في عام 1990 (تسعة في المئة)، وأسعار المساكن ممتدة إلى مستوى أكبر بنحو 20 ضعف دخل الأسرة في الصين، في مقابل 11 ضعفاً في اليابان في عام 1990، في حين يمثل الاستثمار السكني نحو ضعف حصة الناتج المحلي الإجمالي في الصين مقارنة باليابان في عام 1990.
علامات هبوطية
وفقاً لأبحاث "غولدمان ساكس" في الصين، كتب المتخصص في الشأن الاقتصادي هوي شان أن توقعات النمو في الصين، التي تتعامل أيضاً مع تدهور التركيبة السكانية وتراكم الديون وانكماش سوق العقارات، تظهر علامات على الاتجاه الهبوطي، ولكن هناك طرق يمكن لواضعي السياسات من خلالها تجنب الركود على غرار ما حدث في اليابان، ولعل مفتاح تجنب مثل هذا السيناريو هو وقف التدهور المستمر في توقعات النمو على المدى الطويل، فلا تزال هناك نقاط مضيئة في الاقتصاد، بما في ذلك الاستثمار في الآلات الكهربائية وزيادة صناعة السيارات.
يرجح محلل "غولدمان ساكس" أن يكون التضخم خافتاً بسبب التوازن غير المواتي بين العرض والطلب، وسيتعين على أسعار الفائدة الاسمية أن تظل منخفضة لتسهيل عملية تقليص ديون الاقتصاد القديم، لكن الصين قادرة برأيه على تجنب الانكماش لفترة طويلة، إذ لم يتفاقم الركود العقاري في الصين بسبب انهيار سوق الأوراق المالية، كما كانت الحال بالنسبة إلى اليابان في أوائل عام 1990، عندما أدى انخفاض أسعار الأسهم إلى إلحاق أضرار بالغة بنظامها المصرفي، ويرى أن من المرجح أن تستمر الصين في التمتع بنمو سكاني مطرد في مراكزها الحضرية، بسبب معدل التحضر الذي لا يزال منخفضاً، حتى مع انخفاض إجمالي عدد السكان، إضافة إلى أن الاقتصاد الصيني يتمتع أيضاً بمعدل نمو محتمل أعلى من نظيره في اليابان في التسعينيات، وهو ما من شأنه أن يجعل عملية تقليص الديون أقل إيلاماً.
وينظر محلل "غولدمان ساكس" بارتياح حيال الشركات الصينية التي لا تزال في موقف قوة مقارنة بالشركات اليابانية في التسعينيات، في حين لا تواجه الحكومة الصينية التكاليف السياسية نفسها التي واجهتها الحكومة اليابانية، لكن تفضيلها للبنوك التجارية لاستيعاب حصة كبيرة من الخسائر في العقارات والديون الضمنية للحكومات المحلية قد يحد من قدرتها على خلق الائتمان، وفق ما يقول.
هيكلة الشركات المتعثرة
هناك اليوم من الخطوات ما يمكن أن تتخذها الصين لمواجهة هذا التشاؤم، فوفقاً لأبحاث "غولدمان ساكس"، بوسع الحكومة أن تؤكد أهمية التنمية الاقتصادية، وتسرع عملية إعادة هيكلة شركات التطوير العقاري المتعثرة وأدوات تمويل الحكومات المحلية، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لتشجيع الاستهلاك الأسري في الأمد البعيد، ولا ينبغي إرغام البنوك التجارية على تحمل معظم خسائر القروض أثناء تقليص المديونية العقارية لحماية قدرتها على تقديم ائتمان جديد، من بين خطوات أخرى لتوفير قدر أكبر من اليقين في السياسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما باحثو "أكسفورد إيكونوميكس"، فيرون أن الصين اليوم لديها أوجه شبه بالاقتصاد الياباني في تسعينيات القرن الماضي، من حيث فقدان الثقة على نطاق أوسع بين المستهلكين والمستثمرين الصينيين في نموذج النمو، فيما ظل الإنفاق الاستهلاكي هو المصدر الأساس للنمو الاقتصادي للبلاد، ولكن تحقيق ذلك يتطلب تغييرات هيكلية كبيرة في السياسة.
وقال محللون من جامعة ستانفورد ومعهد سياسات المجتمع الآسيوي، "إن الأسر تتمتع بالفعل بمستويات عالية من الاستدانة في مجال الإسكان، وليس لديها مجال كبير للاقتراض من أجل الاستهلاك، وينبغي للحكومة أن تعمل بسرعة على إنشاء أماكن بديلة لنمو الدخل إلى جانب الإسكان، وهو ما من شأنه أن يشجع الأسر على الاستهلاك"، وتشكل التركيبة السكانية رياحاً معاكسة رئيسة أخرى، وتساعد في تفسير رغبة عديد من الصينيين في الادخار بكثافة.
وفي الفترة الأخيرة، كثفت بكين جهودها لتحفيز الإنفاق الاستهلاكي وتسريع مشاريع البنية التحتية، وحققت الشركات الصناعية قفزة في الأرباح بنسبة 17.2 في المئة خلال أغسطس (آب) الماضي، بعد انخفاض بنسبة 6.7 في المئة خلال يوليو (تموز) 2023، ومن بين هذه الجهود خفض أسعار الفائدة وإلغاء القيود المفروضة على شراء المنازل وشراء السيارات والسماح للحكومات المحلية بتسريع الاقتراض للاستثمار في البنية التحتية.
ولا يزال البنك الدولي، متفائلاً على نحو قريب بنمو ثاني أكبر اقتصاد عالمي، إذ قال قبل أيام، إن بإمكان بكين تحقيق نمو بنحو خمسة في المئة هذا العام، وفق الأرقام المستهدفة من قبل الحكومة الصينية، بينما خفض توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني للعام المقبل إلى 4.4 في المئة من 4.8 في المئة، في ظل ما تواجهه البلاد من ارتفاع في الديون وأزمة العقارات وشيخوخة السكان.