ملخص
رسائل أرشيفية بريطانية تقدم رؤية من قرب عن الدور الخليجي في حرب أكتوبر دعماً لمصر وسوريا
لا يزال أرشيف حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 يكشف عن بعض تفاصيل المعارك وما حولها، إذ تشير هذه المرة برقية مرسلة من قبل الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي ليونيد بريغنيف إلى رئيس الوزراء البريطاني إدوارد هيث في نهاية الشهر نفسه، إلى فكرة مشروع وقف إطلاق النار بين العرب وإسرائيل، والتي اقترحتها لندن بعد أسبوع واحد من اندلاع الحرب.
آنذاك، أوفد بريغنيف مبعوثه "أليكسي نيكولايفيتش كوسيغين" إلى القاهرة في 16 أكتوبر ممثلاً عن السياسة الخارجية للاتحاد السوفياتي، الذي عاد إلى موسكو بعد يومين من الوجود في مصر، من دون زيارة سوريا، ثم في 22 أكتوبر قبل المصريون وقف إطلاق النار بموجب قرار مجلس الأمن رقم 338.
نجاح فكرة وقف إطلاق النار
تروي البرقية أيضاً "عند هذه المرحلة، وافق المصريون على وقف إطلاق النار بموجب قرار مجلس الأمن رقم 338. ربما ترددت الحكومة في القاهرة. وربما، كما قال الرئيس الأسد لاحقاً، غمرتهم سرعة الأحداث"، لكن من غير المرجح أن يحظى وقف إطلاق النار بشعبية كبيرة لدى دولة عرضت عليها لمحة من النصر، مهما كان وهمياً".
أما العراقيون وزملاؤهم البعثيون ورفاق السلاح، الذين كان لديهم عدد كبير من القوات في سوريا ولا بد أنهم يعتبرون خطراً على النظام في دمشق، رفضوا القرار عمداً من أجل إحراج القاهرة، وربما كان السوريون أيضاً منزعجين من اعتبارهم الشريك الأصغر المطيع لمصر، وقد تسامحوا كثيراً، وقرروا أن يكونوا صعبين في اللحظة الأخيرة... "كان عليهم أن يأخذوا في الاعتبار رد فعل الفدائيين بشكل عام، بخاصة قوة الصاعقة في "فتح".
وتمضي البرقية، "وأخيراً، نعلم أنهم جمعوا قوة كبيرة جداً من العراقيين والسوريين في قطاع سعسع بحلول 22 أكتوبر استعداداً لأكبر هجوم لهم منذ محاولتهم الأولى في الحرب. ومع ذلك، فقد وافقوا في 24 أكتوبر على وقف إطلاق النار، الذي يبدو اليوم وكأنه مستمر في الأقل في المستقبل القريب والمستقبل".
الحروب تغير ملامح الدول
يتحدث التقرير الدبلوماسي السري المعد من قبل السفارة البريطانية في دمشق، الذي يحمل رقم 73/473 والمرسل في نهاية أكتوبر إلى مرجعيتها في لندن عن تداعيات الحرب وتأثيرها المحتمل على السياسة الخارجية السورية، فيقول "من السابق لأوانه التنبؤ بعواقب الحرب على سوريا بأي تفاصيل. وعلى أي حال، فإن وقف إطلاق النار هو نهاية طبيعية بعد التوقف".
ويضيف "ومع ذلك، من الواضح الآن أنه نتيجة للحرب، فإن موقف سوريا من إسرائيل، وجيرانها العرب، وربما تجاه العالم بأسره، لن يكون كما كان عليه من قبل، إذ وجد السوريون ثقة جديدة بالنفس، وأتمنى أن تدوم بثبات، لكنها قد تبالغ بالنجاح، أو تتحول إلى مرارة وحشية بالفشل. وهذا أيضاً هو إجماع الدبلوماسيين والمراسلين والمراقبين المحايدين بشكل عام".
ويتابع التقرير، "كانت عديد من ملامح الحرب محيرة، إذ بدت وكأنها تتناقض مع كل معرفتنا وحكمتنا المكتسبة عن سوريا... السوريون قالوا الحقيقة أحياناً (بينما الإسرائيليون كذبوا أحياناً). في الأوقات السابقة، لم يكن المراقبون الحياديون وحدهم يلجأون إلى هيئة الإذاعة البريطانية، بل السوريون أنفسهم. كان الخطاب السوري معتدلاً، وليس فقط بالمعايير السورية. وأسقطت الصواريخ السورية الطائرات الإسرائيلية، وغالباً ما كان ذلك على مرأى ومسمع من الجميع".
ومضى في رصده للوضع، "قاتل الجيش السوري بشجاعة وبشكل جيد بمعظم المعايير، لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو موقف عامة الناس. في الماضي رأيت السوق خالية، ورجالاً يخزنون الطعام، والجميع يتخوفون من أقل فرصة من انقلاب عسكري من قبل بعض الأفواج الساخطة. الآن كان الناس هادئين ومبتهجين وهم تحت النار، واستمر العمل كالمعتاد، ولفترة قصيرة لم يكن من غير المناسب أن تذكر أمجاد دمشق القديمة".
وأضاف "بالنسبة إلى السوريين تنتهي الحرب بمفارقة. لقد ذهبوا إلى الحرب بشكل غير قانوني ومتهور في قضية عادلة لاستعادة أراضيهم. بعد الحرب الوحيدة لسنوات عديدة التي قاتلوا فيها بشجاعة جماعية، فشلوا حتى الآن في تحقيق النصر الذي كانوا يسعون إليه. قد تؤدي المرتفعات التي ارتفعوا إليها إلى سقوط أعمق من أي وقت مضى إذا أصيبوا بخيبة أمل. سيكون السلام اختباراً أكبر بكثير لأعصابهم وشجاعتهم من الحرب".
وتتحدث التقارير الدبلوماسية البريطانية عن دور الدول العربية لا سيما دول مجلس التعاون الحالي في دعم وإسناد الجبهتين المصرية والسورية واتخاذ مواقف سياسية جريئة علاوة على مشاركة جيوشها واتخاذ قرار وقف تصدير النفط الذي أربك الدول الغربية وأثار قلقها.
السعودية في المقدمة
كشف الأمير بندر بن سلطان في مقابلة تلفزيونية له مع قناة "العربية" بعض خفايا الدور السعودي السري في حرب السادس من أكتوبر 1973، قائلاً "كنا ندرب ضباطاً مصريين في السعودية سراً قبل حرب 1973 على طائرات إل ثنين ونجعلهم يلبسون الزي العسكري السعودي. ومن بين الذين تدربوا استعداداً لتلك الحرب الشهيد عاطف السادات، وهو شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، وكان من أوائل شهداء أكتوبر".
وذكر، "في أحد التدريبات كانت هناك عواصف ضبابية على مطار الظهران، فتم تحويل الطائرات إلى البحرين، وإذا باتصال يأتي من المنامة للقاعدة الجوية في الظهران. فكنت أنا الضابط المناوب بالصدفة، وفي الاتصال قيل إن هناك طائرة سعودية مخطوفة، وعلى متنها مصري وبريطاني، حينها كاد الموضوع ينكشف، لكن قلت لهم لا أرجوك، هذا ضابط سعودي، ولد وتربى في مصر وأخذ عنهم اللهجة المصرية، وعندئذ تفهم البحريني الموقف، وذهبت بنفسي، وأخذت المتدرب المصري والمدرب البريطاني، وطلبنا طاقماً فنياً لتجهيز الطائرة وإعادتها للسعودية".
وأفصح عن مزيد من تفاصيل الدور السعودي في الاستعداد للحرب، قائلاً "كنا أيضاً نشارك في تزويد الجيش المصري بأجهزة اتصالات متطورة أميركية مشابهة للأجهزة الإسرائيلية، بالتالي لا تستطيع تل أبيب التشويش عليها، كما اشترت السعودية مضخات عالية القوة تمويهاً على الإسرائيليين حتى لا تنكشف الخطة العسكرية المصرية لفتح ثغرات في خط برليف أثناء العبور".
وتحدثت الوثائق البريطانية عن تدشين السعودية جسراً جوياً لدعم مصر وسوريا وإرسال جيش للمشاركة في القتال هذا إضافة إلى قرار استخدام النفط سلاح رادع للعدوان ووسيلة لإحلال السلام وإنهاء السيطرة الإسرائيلية على الأراضي العربية منذ عام 1967.
سلطنة عمان
تتحدث الرسالة السرية المرسلة من قبل السفارة البريطانية في مسقط بتاريخ 22 أكتوبر إلى مرجعيتها في لندن عن الوضع في الشرق الأوسط بشكل عام وسلطنة عمان وتعاضد الشعب والحكومة العمانية مع أشقائهم في مصر وسوريا وانزعاج الشارع العماني وقلقه من الانحياز الأميركي لصالح إسرائيل.
تقول الرسالة، "في التاسع من أكتوبر، سافر السلطان في مسقط من صلالة في طائرته الجديدة فالكون التنفيذية لحضور اجتماع خاص لمجلس الوزراء تقرر فيه إرسال فريقين طبيين عمانيين على الفور لمساعدة الجيشين المصري والسوري. ووفقاً لوزير الصحة، وصل الفريقان الطبيان بالفعل إلى سوريا ويعملان خلف الجبهة. كان على اتصال مع زميله المصري حول إرسال فريق آخر إلى الجبهة المصرية".
وتوقعت أن يكون إرسال هذه الفرق مثل ضغطاً على الموارد الطبية المحدودة في عمان أو أنهم دفعوا لإيجاد عدد كاف من العمانيين المؤهلين لتشكيل الفرق، كما قرر مجلس الوزراء في مسقط أن يسهم جميع موظفي الحكومة، العمانيين والوافدين، الذين يتقاضون أكثر من 70 ريالاً عمانياً شهرياً بنسبة 25 في المئة من رواتبهم لشهر أكتوبر في القضية العربية.
الإمارات
"كان الشيخ زايد في إنجلترا وحصل على الفور على مقابلة مع هيث. عاد إلى أبوظبي بعد بضعة أيام، وكان راضياً تماماً عن السياسة البريطانية والفرنسية ومستعداً أيضاً لإعلان قناعته بضرورة دعم الرئيس المصري أنور السادات بشكل كامل باعتباره أول زعيم عربي يوحد العرب، بشكل أو بآخر بجانب الرئيس السوري حافظ الأسد، وتسببت الأحداث اللاحقة في صعود الأسد، وسقوط السادات إلى حد ما، في تقدير الشيخ زايد.. عندما أعلن منتجو النفط العرب لأول مرة، خلافاً لتعليماته لمندوبه، عن خفض بنسبة خمسة في المئة في صادرات النفط من دون تمييز بين أصدقاء إسرائيل وغيرهم، أعلن على الفور حظراً أحادي الجانب على الصادرات إلى الولايات المتحدة، وبعد ستة أيام وفي وقت لاحق، تم فرض حظر على الصادرات إلى هولندا.. وقد دعماً معنوياً لدول الخطوط الأمامية بشكل ملموس أكثر من خلال الإعانات المقدمة لمصر وسوريا".
الكويت
إن الموقف السياسي وراء استخدام الكويت لسلاح النفط لم يكن من غير المعقول ظاهرياً. تساءل الكويتيون لماذا يسمح لإسرائيل وحدها من بين جميع دول العالم، باستثناء الاتحاد السوفياتي، بالاستيلاء على أي منطقة مجاورة تعتبرها ضرورية لأمنها.
ويشير الكويتيون –وفق الرسالة أيضاً- إلى أن الجهد السياسي والاقتصادي الغربي الكبير كان موجهاً لأكثر من 25 عاماً نحو مقاومة السياسة السوفياتية حول تأمين وتوسيع ما اعتبرته (موسكو) منطقة دفاعية مناسبة لها، "وهم يعتقدون أنه إذا كانت هناك إرادة من جانب الدول الغربية لتخصيص ولو جزء صغير من هذا الجهد للتعامل مع سياسات إسرائيلية مماثلة، فيمكن حل المشكلة. وهم يلاحظون الجهود التي يبذلها السيد كيسنجر للدعوة إلى تشكيل مجموعة عمل للتعامل مع مشكلة الطاقة وليس مجموعة عمل من أجل إعادة إسرائيل إلى ما وراء حدود عام 1967 وفقاً للقرار رقم 242 الذي صدر قبل ست سنوات".
قطر
" لقد حاولت قطر دائماً تعزيز علاقة خاصة مع مصر، ومن الواضح أن العلاقات بين أنور السادات من جهة والأمير ووزير خارجية قطر من جهة أخرى وثيقة، وكما نعلم تعود إلى زمن الرئيس المصري جمال عبدالناصر. في أهداف سياسته الخارجية الرئيسة يمكن القول إن الأمير كان ناجحاً إلى حد معقول وإن فشله الوحيد كان في علاقاته مع البحرين".
وتابعت الرسالة، "شاركت قطر مضطرة (وليس عن طيب خاطر) في الأزمة العربية الإسرائيلية، ويشعر الشباب بقوة أكبر من كبار السن، وربما كانت السمة الأكثر بروزاً هي قوة الشعور ضد أميركا وهولندا."
البحرين
وقفت البحرين حكومة وشعباً مثل باقي الدول العربية بجانب مصر وسوريا خلال حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 وأعلنت عن دفاعها عن الحقوق العربية من خلال مواقفها السياسية والإعلامية والاقتصادية وإعدادها لمجموعة قتالية للمشاركة في الحرب.
كما اتخذت المنامة خطوة سياسية جريئة وهي تعليق الاتفاقية الأميركية البحرينية ملوحة بإلغائها في حال إن استمرت الولايات المتحدة في دعم إسرائيل والانحياز لها.