ملخص
أهم منافسة خاضها الإنسان الحديث هي المنافسة مع الذكاء الاصطناعي إذ بادر إلى إبطاء مسيرته حتى لا يتفوق عليه
يجمع محبو المسابقات التنافسية في وقتنا هذا على وجود سلبيات كثيرة للمسابقات الحديثة، أهمها التحكيم المنحاز في بعض المباريات، أو عدم نزاهة المسابقة. ويدرك كثيرون أن مفهوم التنافس لدى البشر، هو مفهوم قديم قدم الإنسان (بدائي). مع ذلك ينساق معظمهم وراء عنصر التشويق والابتكار الذي يميز بعض المسابقات، لكن معظم المسابقات الحديثة الرياضية والعلمية والأدبية، أصبحت جزءاً من عالم الترفيه، بمعنى أنها تحولت إلى صناعة ومهنة، يحترفها أفراد وجماعات/شركات، بل إنها وصلت إلى الدول، فأصبحت محوكمة، وذلك من قبيل تحقيق العدالة الاجتماعية خصوصاً في التقدم إلى وظائف كبيرة ومرموقة.
منتجات جاذبة
تقوم صناعة المسابقات حديثاً على هيكلية صارمة، إذ يتطلب تصميم مسابقة ناجحة وجود استراتيجيات دقيقة، تضمن تدفق إيرادات مالية توظف لاحقاً لاستدامة الأعمال، وذلك من خلال اختيار منتجات جاذبة وعلامات تجارية مميزة ومواضيع تتمحور حول رموز الصناعة التي تقدم ضمنها المسابقة. لذلك تؤكد هذه الصناعة مبدأ فهم البيانات للجماهير الحالية والمستقبلية في القطاع المستهدف، إضافة إلى دراسة قواعد المعجبين، لتحقيق دخل مجز منها، لتوزيع الأرباح والحقوق التجارية. وعلى رغم كل هذه الترتيبات المسبقة التي تصب في مصلحة تحقيق أكبر عائد مالي ممكن، يقول بعض رواد هذه المهنة الحديثة، إن المسابقات الرياضية -على سبيل المثال- تهدف قبل كل شيء إلى عكس قوة الرياضة والنشاطات الجسدية وتوظيفها لمنفعة الجميع.
مسابقات النشاط الجسدي
تعد هذه المسابقات القديمة حجر الزاوية للمسابقات التنافسية في المجتمعات الإنسانية الحديثة، إذ مثلت الألعاب الأولمبية الإغريقية الشهيرة عند اليونان، أساساً لمعظم التنافسات الرياضية التي تعتمد على النشاط الجسدي المحض في وقتنا هذا. وتعود جذور هذه الألعاب الإغريقية إلى حقبة أقدم من ذلك بكثير، إذ دخل الإنسان البدائي منافسات شديدة تعلقت أحياناً بمصير هذا الإنسان، مع مخلوقات أخرى واقعية وخيالية أحياناً وصفت بأنها أكثر توحشاً منه، فيما خاض البشر في ما بينهم منافسات ذات طابع جسدي متعلقة بالموارد الغذائية والصراع على الشريك للتزاوج، فيما عد أول تنافس بشري متعلق مباشرة بفكرة البقاء والغريزة، وذلك منذ قابيل وهابيل وحتى يومنا هذا. لذلك يعد مبدأ التنافس الشريف مهما كان نوع المسابقة، العامل الحاسم في قيمتها تاريخياً وحتى الآن، إذ ظهر من خلال سلوكيات الإنسان قديماً وحديثاً ميوله الواضحة للفوز في بعض المنافسات بأي ثمن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الرحلة والكنز
تكتسب المنافسات والمسابقات بكل أشكالها أهميتها الاجتماعية والإنسانية من خلال كونها منفذاً يقود إلى فهم رصيد الإنسان الأخلاقي. ولا تعد المنافسات غير الشريفة مسابقات حقيقية، فيما يذهب كثيرون إلى تأكيد مبدأ المشاركة في حد ذاتها وليس المنافسة للفوز بأي ثمن. وعلقت هدى خشان، مؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، على هذا قائلة "المسابقات تثري إبداعاتنا، لكنها مرهقة وتزيد الضغط النفسي على الإنسان وتؤثر أحياناً على صحته"، فيما ذهبت إحدى المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التركيز على دور المسابقات في دفع الإنسان للمواجهة، شرط أن تكون المسابقات خالية من الغش والسرقات الإبداعية. وأكد آخرون الاهتمام بمحتوى المسابقات، من خلال تفضيل تلك الأدبية على مسابقات ملكات الجمال الخالية من أي قيمة، لأنها باعتبارهم "مضيعة للوقت". فالإنسان العاقل يبحث دائماً في هذه المسابقات عن المتعة، ويركز على اجتياز الرحلة أثناء المسابقة وليس الحصول على الكنز في نهايتها.
مسابقات الذكاء الاصطناعي
بعد انتهاء حقبة النشاطات الجسدية، كان من الطبيعي أن تتحول المسابقات إلى نظم معلوماتية، ترتكز على الذكاء الاصطناعي وليس البشري. فأعيد إنتاج وإخراج برامج المسابقات القديمة لتظهر في شكل حضاري مسل، ومن هذه البرامج "الحصن" و"أقوى رجل في العالم" ومسابقات كمال الأجسام. وأصبحت المسابقات الرياضية بكاملها ألعاباً ترفيهية، وظهرت برامج تعتمد على الثقافة والتفكير مثل "بنك المعلومات" و"من سيربح المليون" و"الحلم"، إضافة لبرامج المواهب مثل "سوبر ستار" و"ذا فويس" وبعض المنافسات الأدبية من نوع "شاعر المليون" وغيرها، لكن مشكلة هذه المسابقات من حيث جوهرها، أنها تعتمد على قيمة الجائزة وتركز على حجم المكافأة، بمعنى أنها غيرت قاعدة المسابقات القديمة كلها، لتصبح رحلة بحث عن الكنز تحديداً، إذ تكون المكافأة المادية التي تتعدى مليون دولار أحياناً، مؤشراً دائماً إلى فكرة التنافس البدائي عند البشر من أجل الحصول على الغنيمة، بعيداً من القيمة الأخلاقية والمعرفية الكامنة في بعض المنافسات. لذلك كانت أهم منافسة خاضها الإنسان الحديث، أخيراً، هي المنافسة مع الذكاء الاصطناعي ذاته، إذ بادر الإنسان إلى إصدار قرار أممي يوجه الدول والمجتمعات الحديثة إلى إبطاء مسيرة الذكاء الاصطناعي حتى لا يتفوق في مرحلة من مراحل السباق على البشر.
أخيراً وصل شغف الإنسان المعاصر بهذه القيمة التي أصبحت مصدر دخل لكثيرين إلى درجة تنظيم منافسات مميتة خصوصاً بين الحيوانات، وأشهرها مبارزة الديوك وسباقات الهجن وجمال الخيول العربية، فيما تعد المنافسات عن بعد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، واحدة من مظاهر التنافس البشري من أجل التسلية والهرب من العزلة والوحشة.