ملخص
تراجع في دور مجلس النواب الرقابي في العراق ومعظم القوانين أسيرة الخلافات والتوافقات السياسية
تبدو الدورة النيابية الخامسة لمجلس النواب العراقي التي تقترب من اكتمال عامها الثاني معطلة عن دورها الرئيس في تشريع القوانين المهمة، التي تلامس احتياجات المواطنين وتنظم عمل الدولة برمتها، فضلاً عن الدور الرقابي التي تتمتع به السلطة التشريعية.
وشهد العراق أزمة خانقة بعد إجراء الانتخابات المبكرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، التي جرت بعد استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالخدمات وتعديل قانون الانتخابات، وأسفرت الانتخابات المبكرة عن فوز الكتلة الصدرية التي يتزعمها مقتدى الصدر، إلا أنه قرر الانسحاب لاحقاً من قبة البرلمان بعد أن فشلت مساعيه في تشكيل حكومة أغلبية وطنية، رافضاً المشاركة في حكومة توافقية.
لكن الجهة المعارضة للتيار الصدري، "الإطار التنسيقي"، نجح في نهاية العام الماضي في تشكيل حكومة ستكمل عامها الأول في أكتوبر الحالي برئاسة محمد شياع السوداني وبمشاركة جميع القوى السياسية الرئيسة ما عدا "التيار الصدري" من خلال تحالف إدارة الدولة.
وعلى رغم مرور عام على تشكيل الحكومة الذي شهد العراق خلاله استقراراً كبيراً قياساً بالسنوات الماضية، لم يكن لمجلس النواب العراقي دور كبير في تشريع القوانين المهمة التي تخدم وتلامس احتياجات المواطنين وتطور الدولة وتقدمها، وبقيت معظم القوانين أسيرة الخلافات والتوافقات السياسية.
كما أنه لم يفعل الدور الرقابي إلا في حالات محدودة النطاق، إذ لم ينجح البرلمان إلا في استضافة وزير الداخلية عبدالأمير الشمري ووزيرة الاتصالات هيام الياسري، التي كانت تحت نطاق توجيه سؤال شفهي وليس استجواباً.
المجاملات السياسية
أقر عضو لجنة النزاهة البرلمانية هادي السلامي، بأن "المجاملات السياسية أدت إلى تعطيل الدور الرقابي لمجلس النواب العراقي وغياب الاستجوابات".
وقال في تصريح صحافي، إن "هناك تراجعاً في دور مجلس النواب الرقابي، خصوصاً المتعلق باستجواب الوزراء وغيرهم من مسؤولين في الدرجات الخاصة، وهذا بسبب المجاملات السياسية والصفقات ما بين الكتل المتنفذة، التي أدت إلى تعطيل هذا الدور المهم للبرلمان".
وقال السلامي "سنعمل خلال الفترة المقبلة على تفعيل الدور الرقابي لمجلس النواب العراقي، وسنعمل على إكمال طلبات الاستجواب، التي تحاول أطراف سياسية تعطيلها بسبب المصالح والصفقات السياسية".
لكن عضو مجلس النواب العراقي كاظم الطوكي، أكد أنه تم استدعاء عدد من الوزراء وتم توجيه أسئلة شفوية لهم، مبيناً أن عمر الحكومة لا يتجاوز السنة، "ولم تتم المباشرة بالموازنة قبل استجواب الوزراء بخصوص المشاريع أو خطة الوزارة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نهج المحاصصة
بدوره، يقول سكرتير اللجنة المركزية لحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، "أشرنا مراراً إلى أنه في ظل نهج المحاصصة المعتمد منذ انطلاق العملية السياسية، تتمركز السلطة التنفيذية والتشريعية الفعليتين لدى قادة أحزاب المحاصصة وليس في المؤسسة الدستورية البرلمانية".
وتابع فهمي وهو وزير ونائب سابق، "في دورات سابقة كان قادة القوى المتنفذة في مجلس النواب، ولكنهم الآن يقودون كتلهم النيابية من خارج المجلس ويجتمعون ويتوافقون على قرارات وقوانين أيضاً من دون أن يخضعوا للمناقشة والمساءلة الديمقراطية داخل المجلس، وفي ظل مثل هذه الظروف والأوضاع، يصبح من الطبيعي أن تكون المحصلة ضعفاً متزايداً في الدور الرقابي لمجلس النواب".
وفي هذه الأثناء، أشار الخبير الأمني والسياسي عقيل الطائي، إلى أن البرلمان العراقي أو النظام البرلماني له واجبات رئيسة وهي التشريع والرقابة والتقويم ومحاسبة المقصرين واتخاذ الإجراءات القانونية، لافتاً إلى "ما يحدث في ظل تخادم المصالح والصفقات السياسية من أجل حماية الفاسدين وتوفير غطاء سياسي لهم، لا سيما في ظل وجود أعداد كبيرة من الأحزاب وغياب الروح الوطنية ومصلحة الشعب".
وشدد على أن "رئاسة البرلمان ولجنة النزاهة النيابية تتحملان المسؤولية الأولى"، ورأى أن "كثيراً من الوزراء أو رؤساء هيئات أو مديرين عامين يتهمون بالفساد وبالأدلة، لكن لا تتم محاسبتهم أو استقدامهم للنزاهة إلا حين إحالتهم للتقاعد".
المحاسبة النيابية
وفي هذا السياق، يعتبر الباحث السياسي، نبيل جبار التميمي، أن حجم المشاركة السياسية الواسعة في تشكيل الحكومة الحالية متمثلة بتحالف (إدارة الدولة) الذي يضم أطرافاً وأطيافاً سياسية عدة قد يصل حجم تمثيلها في مجلس النواب ما يزيد على 80 في المئة من المقاعد النيابية، قد يمنع أو يعطل بصورة مباشرة أو غير مباشرة مهام المجلس النيابي في مسؤوليات الإشراف والرقابة والمحاسبة النيابية لمسؤولي ووزراء الحكومة.
وذكر أنه "على رغم تذمر الحكومة نفسها ولو بشكل غير معلن من أداء بعض الوزراء والمسؤولين في الحكومة، التي أرغمت من خلال التحاصص والتقاسم السياسي على القبول بتلك الشخصيات لإدارة الوزارات أو المؤسسات الأخرى، لكنها اليوم تجري عملية التقييم لأداء مسؤولي الدولة في أروقة وغرف القادة السياسيين خارج قبة البرلمان، ومتى ما تم الاتفاق على مبدأ تغيير المسؤولين من الوزراء أو الدرجات الخاصة، عبر اتفاقات سياسية خارج مجلس النواب، فما على المجلس ونوابه إلا الامتثال لرغبات وإرادة القادة السياسيين".
حالة نادرة
في المقابل رأى الباحث السياسي علي حسين أن مجلس النواب العراقي عمل على قراءة عدد من القوانين المهمة منذ انطلاق الدورة النيابية الحالية، مؤكداً أن التصويت على قانون الموازنة العامة لثلاثة أعوام مقبلة يعد حالاً نادرة وتحسباً للدورة النيابية الحالية، وهذا حصل للمرة الأولى منذ تأسيس النظام السياسي الحالي.
وأكد أن ملف الاستدعاء والاستجوابات والاستضافات يخضع لسياقات وإجراءات دستورية، لاسيما وأن عمر الحكومة الحالية لا يتجاوز عام واحداً، وأن هناك تقييماً وزارياً من رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني لوزرائه وسينتهي قريباً، إذ من المؤمل أن نشهد تغييرات وزارية مرتقبة خلال الأسابيع المقبلة.
ولفت إلى أنه من المرتقب أن يشهد الجانب التشريعي والرقابي لمجلس النواب ارتفاعاً في وتيرته خلال المرحلة المقبلة، لمراقبة أداء وعمل الحكومة، وتنفيذ برنامجها المصوت عليه من مجلس النواب، كذلك في السابق هناك عديد من المعوقات واجهت البرلمان، لاسيما وأن تشكيل الحكومة قد تأخر سنة كاملة.
وتابع "عديد من القوانين تنتظر الدورة النيابية الحالية لإقرارها كقانون النفط والغاز وقانون العفو العام، وتنتظر قبلها التوافقات السياسية بين القوى المشكلة للنظام الحالي لغرض تمريرها من تحت قبة البرلمان، إذ إن تشريع القوانين المعطلة منذ الدورات السابقة ضرورة ملحة في ظل التوافق السياسي الحالي".