Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المقاطعة" سلاح افتراضي... لا يصيب الأهداف

يراقب البعض عن كثب قوائم المنتجات لشركات تدعم طرفاً ما في الحرب فيما يذهب آخرون إلى عدم جدية الإجراء الاقتصادي

الترويج للمقاطعة يظهر وقت الأزمات  (وسائل التواصل الاجتماعي)

ملخص

لا يزال سلاح المقاطعة يثير جدلاً افتراضياً مستمراً يلقي بظلاله على الشوارع العربية

قوائم متعاقبة يتم تحديثها بين الفينة والأخرى تضاف إليها منتجات فتدخل في إطار مقاطعة، وتزاد أخرى إلى قوائم بديلة فتأخذ صك القابلية للشراء كون إنتاجها ليس من شركات أعلنت دعمها لإسرائيل خلال الحرب الأخيرة على غزة، فيما تصبح المنتجات الإسرائيلية والأميركية قطعاً ضمن حملات المقاطعة الأخيرة.

بداية من السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، والمتابعة العربية والتفاعل مع ما يحدث في قطاع غزة كبير، ويدخل ضمن قوائم الأكثر رواجاً (تريند)، بداية من هجوم مفاجئ شنته حركة "حماس" على بلدات ومقار عسكرية إسرائيلية، مروراً باحتجاز رهائن، ورد إسرائيلي بقصف وغارات وصفت بغير المسبوقة، وأعداد ضحايا تتزايد بالعشرات وربما المئات في الليلة الواحدة.

تعاطف بحجم الدمار

ما حدث على مدار الأيام الماضية خلق تعاطفاً بحجم الدمار الواقع في غزة التي توشك وفق توصيفات أممية على "كارثة"، وسط أزمات خانقة لقطاع محاصر بالأساس منذ 17 عاماً، توشك معه المشافي أن تعلن توقفها التام عن العمل، في ظل نقص وقود وكهرباء، وأدوات جراحية وأدوية، فيما يعاني السكان من انقطاع المياه.

هذا التعاطف جرت ترجمته افتراضياً في غير شكل، بداية من التدوين ونشر الصور المقبلة من غزة، ومقاطع الفيديو، ثم الدعوة للتبرع إلى سكان القطاع البالغ سكانه نحو 2.3 مليون نسمة، أجبر عدد كبير منهم تحت القصف للنزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، ومع زخم الأحداث والحديث، والصور والتدوينات، عادت الفكرة القديمة إلى الواجهة من جديد، وإن اكتسبت الحالة زخماً أكبر لفظاعة المشهد.

تاريخ المقاطعة

للمقاطعة تاريخ طويل في العالم العربي، بعض أسبابها سياسية وكثيرها دينية، كان آخرها قبل الصراع الأخير في غزة ما دعت إليه مؤسسات لمقاطعة المنتجات السويدية والدنماركية على خلفية حرق المصحف.

ومع الدعوات أخيراً لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية أو الأميركية، ومنتجات الشركات التي أعلنت دعمها أو تعاطفها مع تل أبيب، فإن حدة تلك الدعوات باتت أقوى ودخلت في باب الولاء والخيانة للقضية الفلسطينية وسط جدل متسع حول قيمة المقاطعة من عدمه وآليتها، بما في ذلك سخرية شملت بعض المنتجات وطبيعة الاستهلاك.

تساؤل صعب

"هل قتلت فلسطينياً اليوم؟" يبدو التساؤل مخيفاً، وقد وضع على لوحة إعلانية في إحدى الدول العربية، والغرض من السؤال ليس استفهامياً بطبيعة الحال وإنما استنكارياً، متبوعاً بوسم "مقاطعون"، مرفقاً بصور أطفال جرى انتشار مقاطع فيديو أو صور قاسية لهم من غزة.

نشط هذا التساؤل مع صور عدة ومقاطع فيديو كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي في بعض الدول العربية، إضافة إلى دعوات لمقاطعة المنتجات التي أعلنت دعمها لإسرائيل، وجري في أحد سياقين، الأول الاحتفاء بتلك الحملة الإعلانية والدعوة لانتشار مزيد منها، والأخير في سياق نشر عشرات المنتجات التي يكثر استخدامها في العالم العربي، موضحين تفاصيلها وربما بدائلها، والدعوة لاستخدام البديل المحلي أو العربي.

 

 

عاطفة شعبية

تقول الأكاديمية اللبنانية الباحثة في الاقتصاد السياسي زينة منصور، إن دعوات المقاطعة لمنتجات شركات داعمة لإسرائيل تجري في إطار عاطفة شعبية متضامنة مع الفلسطينيين لممارسة ضغط شعبي على اقتصادات دول ممولة للحرب وشجباً للإبادة ضد المدنيين والأبرياء.

لكنها تلفت في حديثها لـ"اندبدنت عربية" إلى أنه بمراجعة محطات تاريخية عدة لحملات المقاطعة الشعبية، وحجم تأثيرها في مجريات التطورات والقرارات السياسية الكبرى، فإنها تكون محدودة التأثير السياسي والاقتصادي، لكنها توسع إطار تأثيرها المعنوي والإعلامي والاجتماعي.
تغيير المسارات

تؤكد منصور أن المقاطعة تاريخياً لم تنجح في تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية لأسباب عدة، منها عدم كونها شاملة موسعة تشمل أسواقاً كبرى وعدم الالتزام الجماعي الحاسم بها، وتشير إلى أنها لم تتمكن من تغيير مسار الأحداث السياسية والقرارات الكبرى ما لم تكن مقاطعة واسعة غير محصورة بسوق محددة، وإلا فالخسائر ستظل قليلة لا أثر لها لتغيير مجريات الأحداث والتأثير في القرارات السياسية.

يدون كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن مقاطعة سلاسل تجارية ومطاعم وأماكن لتقديم المشروبات تعمل في مصر لكن لها شركة أماً، جرى استخدام اسمها التجاري برأس مال محلي ويد عاملة محلية، مطالبين بمقاطعتها أيضاً ويتيحون لها بدائل بتغيير الاسم، وتصبح شركات محلية خالصة.

لكن الأستاذة الجامعية، ترى أن ذلك لم ينجح مسبقاً أيضاً وربما يطال الضرر الاقتصاد المحلي لأن هذه الشركات عبارة عن امتيازات وعلامات تجارية يتم شراء اسمها وما يتبقى يصبح جزءاً من السوق المحلية ضمن سلسلة الإمداد والتوريد المحلية.

تضيف، "كثير من الشركات التي تتم الدعوة لمقاطعتها تعمل ضمن محركات السوق المحلية وقدراتها التشغيلية، من شراء المواد الأولية الأساسية من السوق المحلية، وتشغيل اليد العاملة المحلية".

ما تتحدث عنه منصور، ظهر أثره في بيانات صدرت عن شركات مالكة لعلامات أجنبية، فأعلنت أنها مصرية 100 في المئة، وتوفر فرص عمل للمواطنين، وعلاقتها بالشركة الأم تقتصر على استخدام العلامة التجارية فحسب، والحصول على خبرة ومعرفة لازمتين لتشغيل الأماكن بأفضل جودة ممكنة، وبعضها نشر ما مفاده دعم المبادرات الإغاثية المقدمة إلى الأسر الفلسطينية في غزة.

تكسير وتهشيم

كانت الدعوات للمقاطعة الناجمة عن غضب، تعود أيضاً لحسابات بعض الشركات نشرت دعم سلاسلها لجنود إسرائيل، وتقديم وجبات مجانية لهم، ونشرت صوراً لتلك الوجبات وهي مع قوات إسرائيلية، تحمل شعار بعض الشركات، ما استدعى غضباً واسعاً من ذلك الدعم والتلويح بالمقاطعة، ثم مباشرتها على أرض الواقع، وشمل الأمر سخرية، على شاكلة "اطلبوا تلك المنتجات ثم لا تستلموها. هذا سيضيف إلى خسائر تلك الشركات".

وفي أكتوبر الجاري، خلال تظاهرة في جنوب مصر تندد بأفعال إسرائيل في غزة، رشق بعض المتظاهرين مطعم مأكولات يحمل اسم علامة تجارية لشركة أميركية، سبق أن أعلن بعض وكلائها في دول أخرى غير عربية دعم إسرائيل، وألحق ذلك الرشق وتحطيم النوافذ تلفيات، لكن دون وقوع إصابات بشرية سواء للمترددين على المكان أو العاملين فيه، لكن قوات الأمن اضطرت لإغلاقه في محاولة للسيطرة على غضب الأهالي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في مقطع الفيديو الذي وثق ما حدث، كان بعض الشباب يقذفون المطعم بالحجارة وسط تكبيرات، كما أسقط بعضهم العلامة التجارية للمكان وحطموها على الأرض، وبعضهم تناول صوراً معها في احتفاء بما حدث، في مشهد اعتبره كثيرون خارجاً عن السياق لمفهوم المقاطعة وتخطاها إلى الاعتداء.

وفي تركيا كان هناك تصرف مشابه مع مقهى أميركي شهير، حين حطمه متظاهرون بالحجارة والعصي وسط هتافات ضد تل أبيب وواشنطن في مقاطع فيديو لاقت انتشاراً سريعاً، ويظهر فيها البعض وهم يحملون موادَ ويكسرون الواجهات الزجاجية للمكان.

مقاطعة المضطر

من داخل أحد مراكز التسوق في القاهرة تقول سلوى رجب، البالغة من العمر 36 سنة، من حق أي شخص أن يقاطع ما يشاء من منتجات لأسباب مختلفة، لكنها في الوقت نفسه تدين مشاهد الاعتداء على تلك الأماكن وتحطيمها "بشكل شخصي سبق لي أن شاركت في مقاطعة منتجات دول، هذا حقي، سواء كان التأثير كبيراً أو صغيراً".

تعتبر سلوى أن مقاطعتها تعطيها نوعاً من ارتياح الضمير تجاه ما يحدث، إذ لا تملك شيئاً تستطيع فعله سوى المقاطعة، لكنها من جانب آخر تلفت إلى اضطرارها لشراء بعض المنتجات، لأنها لا تجد لها بديلاً". وتشير "لدي طفلة صغيرة، أشتري لها نوعاً من الحفاظات، إن استبدلت به غيره فستصاب بالتهابات".

تعدد سلوى بعض منتجات قاطعتها، وتعدد في الوقت نفسه منتجات لم تستطع التوقف عن شرائها لاحتياجها إليها، كما أنها متابعة جيدة لما ينشر من قوائم على مواقع التواصل الاجتماعي من سلع بديلة تستطيع شراءها وتسأل عنها في المتاجر، وقد تضطر للذهاب لغير متجر للعثور على ما تريد.

تأثير محدود

داخل أحد المتاجر الذي كانت تشتري سلوى منه بعض احتياجات منزلها، كان مدير مركز التسوق يتابع عبر شاشة التلفاز ما يحدث في قطاع غزة.

يقول الرجل إن للمقاطعة أثراً محدوداً داخل متجره، فقلة من الزبائن من باتوا يسألون عن بدائل محلية أو عربية لما يشترون "لكن النسبة الأكبر في المتجر الذي أديره لم تتغير كثيراً طبيعتهم الشرائية".

يشير الرجل إلى منتجات عدة لديه، وقد زاد من أعدادها لطلب البعض، باعتبارها محلية الصنع كما أنها أقل سعراً وبجودة متقاربة مع نظيرتها الأجنبية "هناك بعض المنتجات بالفعل أقبل عليها كثيرون، لكن ذلك لا يعني أن المنتجات الأخرى لا تباع، عليها إقبال أيضاً، لكن ظهور منافس محلي للصدارة من جديد أمر جيد".

بدائل محلية

رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء" في مصر محمود العسقلاني يرى أنه خلال جولة على بعض المتاجر لمس إصراراً من مواطنين على مقاطعة منتجات بعينها استجابة للحملة الحالية، كما لاحظ خصومات وعروضاً من بعض الشركات، وأيضاً وجود مندوبين لها داخل بعض المتاجر الكبيرة للترويج لمنتجها خشية فقدان عملاء على خلفية ما يحدث.

يعدد الرجل وفق ملاحظاته زيادة لمبيعات بعض أنواع الأجبان والمياه الغازية والحلويات محلية الصنع، فيعتبر أنها لاقت قبولاً لدى مواطنين لم يكونوا يشترونها من قبل "70 في المئة في تقديري من المنتجات المستوردة في الأسواق لديها بديل محلي، كل ما في الأمر أن لدينا عقدة الخواجة".

 

 

دعم وعروض

النقطة التي تحدث عنها العسقلاني كانت واضحة في منشورات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، فأعلنت أنه وفقاً لمنطق "ضرب عصفورين بحجر" فمع دعوات المقاطعة لمنتجات أميركية وإسرائيلية وشركات تدعم إسرائيل، فإن النشر بشأن شركات محلية وعربية سيكون له مردود جيد على الاقتصاد، وباتوا ينشرون في بعض المجموعات والصفحات والحسابات قوائم بمنتجات محلية، على هيئة "اشتر ولا تشتر".

أمر تلقفته بعض الشركات المحلية، فأعلنت دعمها للشعب الفلسطيني والتنديد بالأوضاع الكارثية التي يمرون بها ومنها مطاعم أعلنت أن نسبة من أرباحها ستذهب إلى دعم المحاصرين في غزة من خلال المساعدات التي تدخل عبر معبر رفح. كما قررت مطاعم أن تلعب دور المقاطع هي الأخرى، فأعلنت عدم تقديمها منتجات ومشروبات تدخل في إطار المواد المقاطعة.

وتجد هذه المنشورات صدى كبيراً على العالم الافتراضي، فيوجه الآلاف التحية لشركات محلية أو مطاعم ومقاه ومتاجر، تعلن دعماً للفلسطينيين في غزة، فيما تتوالى العروض على تلك الأماكن بشراء كميات من منتجاتها بالجملة، أو تطرح هي الأخرى عروضاً لجذب مستهلك جديد مستغلة حالة الدعوات المتزايدة للمقاطعة.

ما باليد حيلة

كان جمال ممدوح، أحد أصحاب المتاجر الغذائية في محافظة القليوبية في مصر، يرتب بعض بضائعة داخل المكان، بعدما اشترى مخزوناً جديداً ترقباً لارتفاع أسعار محتمل في ضوء ما يحدث، وهو يستمع إلى الراديو والأنباء التي تصل من قطاع غزة، قبل أن يحول محطة الراديو إلى إذاعة القرآن الكريم "ما باليد حيلة سوى الدعاء، والجهود الدبلوماسية التي تقوم بها الدول، لكن لا أؤمن بفكرة المقاطعة" هكذا أخبرنا الرجل.

يعتبر جمال أن فكرة المقاطعة لم تصنع شيئا منذ زمن بعيد، ويتذكر  حملات مقاطعة عدة سابقة، كانت تأخذ وقتاً قصيراً ثم تنتهي "أحدثك هنا بشكل شخصي ووفق مشاهدتي، حملات المقاطعة تأخذ فترة ثم تنتهي ويعود الناس لثقافتها الشرائية المعتادة جربنا ذلك مع فرنسا والسويد والدنمارك، لا أعتقد أن شيئاً كبيراً تغير".

لكن لجمال رأياً آخر في المقاطعة، فهي برأيه إن كانت وفق توجه رسمي وبتوافق عدد من الدول، فربما يكون لها تأثير واضح، لكن غير ذلك فلن يكون لها تأثير ملحوظ، "معي هاتف آيفون، وحاسوبي من إنتاج أميركي، وكثير من أدوات منزلي أيضاً، سأقاطعها بالتأكيد لو أن هناك بديلاً عربياً بجودة أفضل، لكن سأكتب عن ذلك على موقع (فيسبوك) الذي يدعم إسرائيل أيضاً، ويضيق المنشورات على الحسابات التي تدعم فلسطين" يحكي الرجل مازحاً، متمنياً أن تكون هناك قبل دعوات المقاطعة منتجات جيدة محلية.

دور الدبلوماسية

أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، مساعد وزير خارجية مصر السابق السفير جمال بيومي، يرى في حديثه لـ"اندبدنت عربية" أن المقاطعة الاقتصادية أثبتت على مر العصور أن تأثيرها ضئيل جداً، مذكراً حينما قاطعت أميركا الصين قديماً، لكن بمرور السنوات باتت الأخيرة أكبر شريك تجاري للأولى.

يضيف، "قاطعنا المنتجات الإسرائيلية في أغلب الدول العربية، لكن ذلك لم يؤثر لأن الدولة المقاطَعة شركاؤها التجاريون هما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ولن تضرها المقاطعة العربية"، وأشار إلى أنه يفضل أن تلعب الدبلوماسية دوراً أكبر في الأمر، من خلال الفرص التجارية المتاحة، حال عدم استخدام العنف والاعتراف بحقوق الفلسطينيين.

وفي تصريح سابق لـ"اندبدنت عربية" قال الأكاديمي المصري المتخصص في علم الاجتماعي السياسي سعيد صادق، إن ثقافة المقاطعة ليست عربية وسيعود المستهلك لشراء السلعة التي أعلن من قبل مقاطعتها، لأن البدائل لا تكون عادة بالجودة نفسها، أو أنها لا تكتسب زخم وبريق المنتجات الأخرى، معتبراً أن المقاطعة لا تكون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وإنما يكون للإعلام فيها دور وللمؤسسات الرسمية ودون ذلك فإنها تصبح بلا قيمة.

وما بين داعم كبير لفكرة المقاطعة وبين مقتنع بمحدودية تأثيرها، لكنه من وجهة نظره أضعف أنواع الدعم وممن يرى عدم جدواها من الأساس، فإن الأمر في الحالتين يأتي من غضب شعبي عربي تجاه ما يحدث في قطاع غزة، ويأمل الطرفان في أن تنتهي الأمور إلى استقرار تدريجي بمرور الأيام في القطاع المحاصر.

المزيد من تحقيقات ومطولات