Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المدرس النجم في مصر... تحولات "الأستاذ حمام" المذهلة

جعلته الـ"سوشيال ميديا" أكثر جماهيرية وبات متابعوه بالآلاف بسبب شرحه المشوق وابتكاراته التعليمية الطريفة

يرى قطاع من الناس أنه إذا كان المعلم قادراً على جذب كل هؤلاء الطلاب عبر الـ"سوشيال ميديا" فهذا نجاح كبير (أ ف ب)

ملخص

بالتواكب مع امتحانات الثانوية العامة كل عام تثار سجالات ونقاشات عن التعليم والمدرسين ومراكز الدروس الخصوصية التي صارت واقعاً منتشراً في طول البلاد وعرضها، وهذا العام صار الأمر على أشده بعد واقعة غريبة شهدها المجتمع المصري.. فما الذي جرى؟

دائماً ما كانت الصورة النمطية للمدرس هو أنه شخص وقور يرتدي ملابس تميل إلى الكلاسيكية ويقدم مادته العلمية في فصول المدارس المختلفة سواء الحكومية أم الخاصة، لاحقاً أصبح المدرس حاضراً في منازل الطلاب مع انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، التي انتقلت أخيراً من المنازل إلى مراكز متخصصة تقدم خدمة تعليمية متكاملة للطلاب بمعزل عن المدارس.

بالتواكب مع امتحانات الثانوية العامة كل عام تثار سجالات ونقاشات عن التعليم والمدرسين ومراكز الدروس الخصوصية التي صارت واقعاً منتشراً في طول البلاد وعرضها، وهذا العام صار الأمر على أشده بعد واقعة غريبة شهدها المجتمع المصري هي قيام مدرس باستئجار الصالة المغطاة بمجمع "حسن مصطفى" الرياضي بالقاهرة المملوكة لوزارة الشباب، ليقيم فيها مراجعات نهائية حضرها نحو 4 آلاف طالب.

على أنغام الموسيقى

دخل المدرس إلى الصالة على أنغام الموسيقى مثل نجوم السينما وسط تصفيق الطلاب، وبدأ في إلقاء محاضرته في الجيولوجيا التي حضرها آلاف من كل حدب وصوب، وبالطبع انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة من الحدث ليشتعل الصراع على الـ"سوشيال ميديا"، فبعضهم انتقد المشهد كاملاً وركز على الشكوى الدائمة للمعلمين من ازدحام الفصول الدراسية وعدم قدرتهم على الشرح في هذه الأجواء على رغم أن باستطاعتهم القيام بالفعل ذاته في مثل هذه الفعاليات التي يحصلون منها على أموال طائلة.

قطاع آخر من الناس انبرى دفاعاً عن المدرس، متبنياً فكرة مفادها بأنه ما الذي يمنع أن يتحول هذا المدرس أو غيره إلى نجم يذهب إليه الطلاب بهذه الكثافة؟ إن هذا من شأنه الإعلاء من قيمة العلم والمعلم بالتفاف الشباب حوله واهتمامهم بمحتوى ذي قيمة بدلاً من كثير من المحتويات الفارغة والتافهة التي تنتشر على مواقع التواصل، وإذا كان المعلم قادراً على جذب كل هؤلاء الطلاب بمضمون علمي سواء على الـ"سوشيال ميديا" أم في فعالية مثل التي نظمت فهذا نجاح كبير.

 

 

المفارقة أن المدرس صاحب الواقعة السابقة ليست له علاقة بوزارة التربية والتعليم في مصر، لكنه متخصص في الجيولوجيا ويمتلك منصة خاصة به لتقديم دروس فيها، ويتابعه على الـ"سوشيال ميديا" نحو 700 ألف شخص، ويقدم محتواه بطرق مبتكرة ويحفز طلابه بهدايا قيمة مثل هواتف "آيفون" وساعات "سمارت" وأشياء مشابهة.

هذا المدرس ليس النموذج الوحيد، فكل هذه المحاضرات التي تقدم للطلاب في مراكز الدروس الخصوصية وعلى المنصات المختلفة منفصلة بالكامل عن وزارة التعليم، وإن كانت تقدم المناهج المعتمدة من الوزارة، التي من المفترض أن يدرسها الطلاب في المدارس.

كاريزما المدرس النجم

الواقع أن طلاب هذا الزمن، بكل ما يتوافر لهم من إمكانات، اختلفت حاجاتهم في طريقة التعليم، وهو ما يجب أن تسعى إليه الجهات المسؤولة بوضع مناهج واعتماد طرق تدريس تتلاءم مع العصر وتجذب الطلاب.

طبقاً لوزارة التربية والتعليم وصل عدد التلاميذ في العام الدراسي 2023 - 2024 إلى 25 مليوناً و657 ألف تلميذ في مراحل التعليم كافة، وفي ما يتعلق بالثانوية العامة التي تشهد الاعتماد الأكبر على الدروس الخصوصية والمراكز الخاصة فإن عدد الطلاب المقيدين بها هذا العام وصل إلى نحو 750 ألف طالب، في حين يصل عدد المعلمين إلى 922 ألفاً و628 معلماً، وهو بالقطع رقم لا يتناسب مع عدد الطلاب ويحتاج إلى زيادة كبيرة.

طبقاً لبعض التقديرات فإن عدد مراكز الدروس الخصوصية يقدر بنحو 12 ألف مركز، جميعها تقدم تعليماً موازياً لما يقدم في المدارس سواء الحكومية أم الخاصة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول عبدالرحمن (طالب في الصف الثالث الثانوي)، "اعتمدت على مراكز الدروس بشكل كامل في الثانوية العامة أنا ومعظم زملائي، فهي توفر لنا تجربة أفضل وتقدم ملخصات وامتحانات ومتابعة دائمة، وأشترك كذلك في بعض المنصات الخاصة بالمدرسين الذين حققوا شهرة كبيرة.  وأنا مقيد بإحدى المدارس الخاصة ولكن التعليم فيها تقليدي للغاية ولا يوفر لنا المتابعة والامتحانات طوال الوقت، صورة المدرس أيضاً لابد أن تتطور فهو بالنهاية شخص وظيفته تقديم محتوى معين ولابد أن يبتكر في عمله ولا يتمسك بالإطار التقليدي".

يشير المهندس معتز (والد طالبة في الجامعة حالياً) إلى أن ابنته كانت تدرس في مدارس خاصة حتى المرحلة الإعدادية، ومع بداية المرحلة الثانوية نقلها إلى مدرسة حكومية، وطوال سنوات المرحلة الثلاث اعتمدوا أولاً على الدروس الخصوصية في المنزل. وفي الصف الثالث الثانوي كان الاعتماد كلياً على الـ"سنتر"، فالطلبة يذهبون إليه صباحاً، وهو وقت المدرسة التي لا يذهب إليها أحد، هذا الأمر أصبح شائعاً فالمدرسون في هذه المراكز أصبحوا مثل رجال الأعمال، وبعضهم أصبح مثل نجوم السينما، على حد قوله.

أرقام وإحصاءات ومفاجآت

طبقاً لتقرير صدر عن الجهاز المركزي للتعبة العامة والإحصاء عام 2020 فإن المصريين ينفقون على الدروس الخصوصية ما يعادل 136 مليار جنيه (2.83 مليار دولار) سنوياً، وهذا المبلغ ينفق بشكل كامل على الدروس في المنازل أو المراكز الخاصة، مما يدل على الرواج الكبير الذي تشهده. يدل أيضاً على اهتمام المصريين بالتعليم أياً كانت وسيلته، فقصور العملية التعليمية في بعض المدارس أدى إلى ظهور هذا الاتجاه وترويج المدرسين لأنفسهم في البداية بألقاب مثل "ملك الكيمياء" و"إمبراطور الفيزياء"، وصولاً إلى ظاهرة المدرس النجم التي نشهدها الآن.

مدرسو مراكز الدروس الخصوصية والمنصات الخاصة خلقوا صورة وشخصية جديدة للمدرس، فلديهم سكرتارية ومساعدون وخدمة عملاء، ولابد من الحجز معهم منذ بداية الصيف لأن عامهم الدراسي يبدأ من شهر أغسطس (آب) قبل موعد الدراسة الرسمي بأكثر من شهر ونصف شهر. ويقدم كثير منهم على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات وفيديوهات تتضمن تجارب ونصائح مثل خبراء التنمية البشرية. ولا يقتصر الأمر فقط على جودة المادة العلمية، فبعض صفحات هؤلاء المدرسين يصل عدد متابعيها إلى مئات الآلاف، وأحياناً يكون ذلك أحد العوامل التي تدفع الناس لاختيار مدرس معين من دون غيره.

 

 

في السنوات الأخيرة لم يخل الأمر كل عام مع موسم الامتحانات من مفارقات ومواقف كوميدية تثير الجدل والقيل والقال، فواقعة مدرس الجيولوجيا الأخيرة ليست الأولى من نوعها، منذ ما يقرب من عامين ظهرت مدرسة أحياء محاطة بمجموعة من الـ"بودي جاردات" على أبواب أحد قاعات المسارح التي استأجرتها لتقديم الدروس، في مشهد أثار سجالاً كبيراً وقتها.

واقعة أخرى حققت انتشاراً كبيراً حين قام مدرس باصطحاب فرقة موسيقية وراقص "تنورة" في أحد القاعات أثناء المراجعة، وقدم المنهج على شكل أغنيات يرددها الطلاب وراءه.

مدرس آخر يطلق على نفسه "ساحر اللغة الإنجليزية" استأجر قاعة للأفراح لتقديم المراجعة النهائية للطلاب، وهبط عليهم في صندوق من سقف القاعة.

لم يقتصر الأمر على ذلك، ففي العام الماضي قام مدرس بدعوة 500 طالب إلى السينما، وخرج في تصريحات إعلامية قائلاً إنه مهندس بالأساس وترك الهندسة من أجل التدريس، وإنه دفع 100 ألف جنيه (نحو 2000 دولار) لاستئجار القاعة بهدف خلق علاقة ودية بينه والطلاب.

صورة "الأستاذ حمام"

عند الرغبة في التعرف على الصورة السائدة لفئة ما من المجتمع كثيراً ما تكون السينما وسيلة أساسية لذلك، على مدار تاريخ السينما في مصر قدمت الشاشة صورة المدرس بشكل يتوافق مع طبيعة دوره في المجتمع، ومن أشهر أدوار المدرس في الدراما المصرية دور نجيب الريحاني (الأستاذ حمام) في فيلم "غزل البنات" عام 1949، لاحقاً قدمت السينما أدواراً مختلفة للمعلم من بينها فيلم "غصن الزيتون" الذي قدم فيه أحمد مظهر شخصية المدرس، وكان يغلب عليها في هذه الفترة الوقار والاحترام لطبيعة المهنة.

مع حقبة السبعينيات بدأ ظهور المدرس في حال مختلفة، إذ قدم في أدوار لا تظهر وقاره المعهود، من أشهرها مسرحية "مدرسة المشاغبين" التي اعتبر بعض الناس أنها بداية لتغير صورة المدرس، لاحقاً في حقبة الثمانينيات وأوائل التسعينيات قدمت شخصية المدرس في عديد من الأعمال الدرامية، من بينها أحمد ذكي في فيلم "البيضة والحجر"، وهو مدرس الفلسفة الذي يسعى بالدجل والشعوذة إلى تحسين أوضاعه، كذلك من أشهر الأدوار كان نور الشريف في فيلم "آخر الرجال المحترمين"، وهو المدرس الريفي المتمسك بالتقاليد.

 

 

ثم أتت ظاهرة الدروس الخصوصية في المدارس وتناولها فيلم "الشقة من حق الزوجة"، وذلك حين توافد الأطفال بكثافة على منزل المدرس (الفنان جورج سيدهم)، الحقبة نفسها شهدت واحداً من أروع الأعمال التي تناولت صورة المعلم وهو مسلسل "ضمير أبلة حكمت" من بطولة الفنانة الراحلة فاتن حمامة، الذي قدمت فيه شخصية مديرة المدرسة كما يجب أن تكون.

حديثاً ظهر المدرس على الشاشة بصورة ليست دائماً بالقدر الكافي من الاحترام، وأشهرها أعمال مثل "الناظر"، ومسلسل "رمضان مبروك أبو العلمين" لمحمد هنيدي، هذه الأعمال لا شك في أنها تعكس التصور العام لقيمة المهنة ومكانتها في المجتمع والصورة السائدة عنها، التي اختلفت مع الزمن كواحدة من ظواهر اجتماعية أخرى.

أستاذة مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس عزة فتحي، تقول إن "المعلم في كل عصر لابد أن يكون قدوة ونموذجاً جديراً بالتقدير، والتعليم بشكل عام هو أساس المجتمع وأحد أهم حلقاته هو المعلم، لكن الأوضاع التي يعانيها المدرس من عدم التقدير وضعف المرتب تدفعه للدروس الخصوصية، وكان هذا بمثابة البداية لاهتزاز هيبته أمام التلاميذ، وفي الوقت ذاته فإن ضعف الإمكانات في المدارس لا تتيح له الفرصة للإبداع".

وتضيف "بعض المعلمين لديهم قدرات إبداعية وكاريزما، وفي الوقت ذاته قدرة على استخدام وسائل العصر مثل الـ’سوشيال ميديا‘، وبالفعل نجحوا في تقديم محتوى مميز ونالوا شهرة كبيرة وأصبح لديهم مئات الآلاف من المتابعين لأنهم يقدمون المناهج بصورة مبتكرة وبوسائل غير تقليدية، وهذا ليس عيباً في هؤلاء المدرسين بل على العكس، فالقصور هنا يأتي من المدارس التي لابد أن توفر للمعلم حرية الإبداع في تقديم المادة العلمية، وليس تقييده بالشكل المعتاد للتدريس الذي لم يعد متناسباً مع طلاب العصر الحالي، وكانت نتيجته ظهور هذه المؤسسات الموازية التي تقدم عملية تعليمية متكاملة للأسف أصبحت واقعاً ملموساً تتعامل معه كل طبقات المجتمع".

وتتابع "لابد أن يكون هناك مشروع متكامل للإعلاء من قيمة المعلم وتعديل المسار من خلال التحسين من وضعه المالي وتقديم برامج تدريبية متطورة له، ويمكن أيضاً الاستعانة بهؤلاء المدرسين الذين حققوا نجاحات طاغية على الـ’سوشيال ميديا‘ والتعرف على تجربتهم، فالمدرس له دور كبير في محبة الطالب للمادة العلمية والإقبال على تعلمها وفهمها، وصورة المدرس وطبيعته بالقطع اختلفت حالياً، هذا ما يجب أن يتعامل على أساسه، أما تجاهل الأمر فلن يؤدي إلا إلى خلق مزيد من الكيانات الموازية".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات