Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر تستعيد "ذاكرتها المنسية" بموسوعة توثيقية

لجنة محلية لإجراء مسح شامل من الدولة البونيقية حتى الوقت الحاضر

الوثائق مادة ثرية تيسر للجزائريين فهم تاريخهم (مواقع التواصل)

ملخص

مؤسسات جزائرية تتحد من أجل موسوعة محلية تستعيد ذاكرة الأمة المنسية وتجميعها في أرشيف خاص يحمي تاريخ البلاد

رحلة بحث طويلة لا نهاية لها يقطعها الجزائريون ممن يسعون إلى الحصول على وثائق تاريخية أو خاصة بأحداث أو إحصاءات وأرقام، لا سيما تلك المتعلقة بفترة ما قبل الاستعمار الفرنسي، وخلاله، أو المرتبطة بأحداث خارجية، وتبقى الرواية الغربية بصفة أوضح المتداولة والموثوقة، مما يجعل تاريخ البلاد مرهون بما تجود به كتابات ووثائق وقصاصات أجنبية.

وبقدر ما تعتبر الوثائق مادة ثرية، إلا أنها يسرت فهم الجزائريين لتاريخهم وتاريخ محيطهم من منظور الآخر، على اعتبار أنها بيد الأجانب على اختلاف مشاربهم بين تركيا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وأميركا، وغيرها، لا لشيء سوى أن المنطقة كانت عرضة للغزو والحماية والاستعمار، وهو ما جعل التوثيق والأرشيف والكتابة محل استهداف، سواء عبر السرقة أو النهب أو الحرق أو الإهمال.

ولعل الصعوبة التي تواجهها الجهات المعنية في إثبات "جزائرية" ألبسة وأنماط موسيقية وأشعار غنائية وأطباق وشخصيات تاريخية وأحداث وأماكن، وغيرها، كفيلة لتأكيد وجود أزمة توثيق يمكن اعتبارها "خطرة".

حفظ الذاكرة وبناء الوعي التاريخي

يقول المتخصص في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبدالكريم عليوات في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن الجزائر في حاجة إلى التوثيق وبناء أرشيف واسع أيضاً، لأن الذاكرة التاريخية تتطلب وجود هذا الأرشيف، فمن خلاله يستطيع الفرد كما المؤسسات تحويل الذاكرة إلى قوة فاعلة في الحاضر.

وأضاف أن انتشار ثقافة التوثيق في دول العالم، بخاصة منها الدول الغربية، باتت واسعة، بدليل أنهم يدربون الأطفال منذ صغرهم على توثيق تواريخهم الشخصية من خلال ألبومات الصور وكتابة المذكرات عن رحلاتهم، وتسجيل أبسط الأشياء اليومية، وقس على ذلك ما تفعله المؤسسات من أرشفة تاريخها.

ويتابع عليوات أن التوثيق يسعف الأفراد والمجتمعات من فقدان الذاكرة، وبذلك يجعل ماضي الجزائريين القريب بعد أن يصنف في "التراث" مادة تنتمي إليهم بشتى المعايير، ويصبح الأرشيف التاريخي بما يغتني به من وثائق شاهداً على كل الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى السياسية والإدارية، فيسهم في حفظ الذاكرة وبناء الوعي التاريخي لكل فئات المجتمع بما يعزز ذاكرتها الوطنية، لذلك فإن التوثيق جزء من عمل وطني لا تقل قيمته عن بناء وسائل التقدم في المجتمع، فلا يمكن للشعوب أن تعيش من دون ذاكرة.

أزمة على رغم المجهودات

وتواجه الجزائر أزمة توثيق، خصوصاً ما يتعلق بفترة الاستعمار الفرنسي "المتهم" بتهريب كل الأرشيف بداية من بعض الوجود العثماني إلى غاية استقلال البلاد في 1962.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولمواجهة محاولات تزييف الحقائق طالب المؤرخ والباحث الأكاديمي محمد الأمين بلغيث بضرورة توثيق الشهادات الحية من المجاهدين "المقاومين" والأشخاص الذين عايشوا مختلف الأحداث التي وقعت إبان ثورة التحرير الجزائرية. وأشار إلى أهمية توثيق الشهادات الشفوية، معتبراً إياها الكنز الذي سيحفظ الذاكرة التاريخية، علاوة على أنها ستشكل الأرشيف الذي يعتمد عليه الباحثون والمؤرخون في دراساتهم، مع أهمية تفادي الاستعانة بأية وثائق تاريخية قبل معرفة السياق الذي كتبت فيه.

من جانبه، قال وزير المجاهدين "المقاومين" وذوي الحقوق العيد ربيقة إن قطاعه يعمل على النهوض بمجال التوثيق الإلكتروني للذاكرة الوطنية من خلال المتاحف، سواء المتحف الوطني للمجاهد أو الجهوية أو الولائية، مجدداً حرص الدولة على توثيق الذاكرة الوطنية وتدوين التاريخ وتبليغه للأجيال الصاعدة.

مسح شامل منذ الدولة البونيقية

وسعياً منها إلى استدراك ما ضاع من وثائق وأرشيف نصبت الحكومة في 2019 "اللجنة الوطنية المكلفة إنجاز موسوعة الجزائر"، بهدف إجراء مسح شامل لذاكرة البلاد ابتداءً من الدولة البونيقية حتى الوقت الحاضر، وذلك من خلال إعداد مادة شاملة تمثلها ثقافياً وتاريخياً وعسكرياً وفكرياً وعلميا، إلى جانب الجغرافيا والعمران، وما أسهم به الجزائريون من إبداع علمي وحضاري في شتى الميادين، وصولاً إلى الكشف عن مكاسب التراث المحلي المطبوع منه والمخطوط والمشهور منه والمغمور، وذلك في جميع العصور.

ويأتي المشروع الذي تعود فكرته إلى عام 2006، وفق ما ذكرت الحكومة، دعماً للجهود الثقافية الرامية إلى الحفاظ على عناصر الهوية الوطنية وعلى ذخيرة الأمة وذاكرتها، متمسكة بأن الجزائر تحتاج إلى موسوعة تكون مستنداً أساسياً لتوثيق المعلومات القديمة والحديثة، ودائرة للمعارف تستوعب كل ما هو جزائري عبر التاريخ، وتستقصي جمع المعلومات والبيانات التعريفية والإرشادية عن البلاد، وترصد ما جرى فيه من أحداث وملاحم وبطولات وما يمزها من معالم ومواقف ومكاسب وشخصيات.

واستحدثت الجزائر مؤسسة الوثائق الوطنية في 1971، والتي وضعت تحت رئاسة مجلس الوزراء، وقد تدعم هذا المكسب بإنشاء مديرية المحفوظات الوطنية في 1972، ثم تأسيس مجلس استشاري للمحفوظات الوطنية، كما أنشئ المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر (تشرين الثاني) 1954، والمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ، والمركز الوطني للأرشيف، وغيرها من المؤسسات والهيئات التي تهتم بالتوثيق في مجالات مختلفة مثل المركز الوطني للسينما والمركز الوطني للوثائق والصحافة والصورة والإعلام، والأخرى الخاصة بالصحة العمومية والتسليح والهجرة.

تدليس وتجاهل وهرب إلى الأمام

في السياق نفسه، اعتبر الأكاديمي المتخصص في علم المكتبات والأرشيف عبدالحق بوسري أن التوثيق والأرشيف، سواء كان صوراً أو رسومات أو جداول أو خرائط أو رموزاً أو وسائل إيضاح، هو تاريخ كل أمة، من ثم فإن معاناة الجزائر مع صعوبة استعادة أرشيفها من فرنسا يجعل خطر التزوير حقيقياً يهدد تماسك المجتمع. ونبه إلى أنه بقدر ما تبحث الجزائر عن أرشيفها يبقى التوثيق ناقصاً على رغم الجهود المبذولة، على اعتبار أن الكل مرتبط ببعضه، مضيفاً أن "سرقة" الأرشيف من طرف فرنسا والتلويح بكشف بعض جوانبه التي لا ترغب بلاده في إظهاره، في شكل ورقة ضغط لتحقيق مصالح، جعل مختلف الحكومات المتعاقبة تمنح لمجالات التوثيق أهمية كبيرة، لكنها غير كافية. وأوضح أن ثقافة التوثيق تتوسع في الجزائر غير أنها ما زالت بعيدة من تحقيق المرجو، بدليل أن البحث في عمق أي ملف أو موضوع لا يؤدي بك إلى ما تتطلع إليه، ويصبح الاعتماد على الأرقام غير الرسمية أو التقريبية هو وجهة نظر يتم الارتكاز عليها.

وختم بوسري حديثه بقوله إن عقلية السرية تسهم في استمرار الغموض الذي يعانيه الباحثون كما الجمهور الراغب في الحقيقة للاطلاع والتدوين، مشيراً إلى أن التوثيق بات يقلق بعض الحكومات التي لا ترغب في الكشف عن حقائق لا تعبر عن رغبة الشعوب، فيتم التدليس أو التجاهل أو الهرب إلى الأمام تحت عنوان السرية، لتبقى ذاكرة الأمة بيد جهات تتلاعب بها وفق ما تشتهيه تحقيقاً لمصالحها السياسية والاقتصادية.

المزيد من تقارير