ملخص
كشف تحقيق "اندبندنت" وشركاء آخرين عن مقتل عدد من عناصر وحدات أفغانية قاتلت بجانب القوات البريطانية فيما كانوا ينتظرون أن تقرر لندن في شأن نقلهم إلى بر الأمان من براثن "طالبان"
كانت الساعة تقارب التاسعة صباحاً عندما عثر على أحمد، منهاراً ومضرجاً بالدماء داخل مجرى مياه جاف. ترك الرقيب الأفغاني السابق ليموت من عناصر طالبان الذين هاجموه وانهالوا على رأسه بالضرب باستخدام أعقاب أسلحتهم، إلى أن أصبح من شبه المستحيل تمييز ملامحه. بعد عمله 13 عاماً إلى جانب القوات البريطانية الخاصة، تحول الرجل إلى هدف رئيس.
جل ما يتذكره هو أنهم أمروه بتسليم 20 بندقية لا يمتلكها- قبل أن يبدأ الضرب الوحشي. "قال أحدهم ’لا يملك ما يعطينا إياه‘، مضيفاً أنه عليهم قتلي. ضربوني ضرباً مبرحاً. كسروا أربعة من أسناني وأنفي. اضررت إلى الخضوع إلى عمليات كثيرة".
وأحمد، الذي غير اسمه في سبيل الحفاظ على سلامته، هو واحد من بين مئات الأفغان الذين خدموا في وحدتين من النخبة فبي القوات الخاصة غير مشهورتين تسميان "تريبلز" Triples - أسسهما البريطانيون ودربوهما ومولوهما - ورفض طلب انتقالهم إلى بر الأمان في المملكة المتحدة. معظم من تحدثنا إليهم من هؤلاء العناصر، بمن فيهم أحمد، أخبرتهم وزارة الدفاع البريطانية أنهم غير مؤهلين لإعادة التوطين لأنهم لم يعملوا بشكل وثيق مع البريطانيين، أو بالشراكة معهم.
اقرأ المزيد
- باكستان تسرع ترحيل الأفغان المقيمين بصورة غير قانونية على أراضيها
- لاجئ أفغاني يعاد إلى براثن "طالبان" بسبب خطأ إداري
- سوناك "متهم" بترك أفغان مؤهلين للانتقال إلى بريطانيا في باكستان لتوفير المال
- الطيار الأفغاني يحصل على اللجوء في بريطانيا لكن ماذا عن البقية؟
- عائلات أفغانية تطالب بالتحقيق في "قتل غير شرعي" ارتكبته قوات بريطانية
- وعدت بريطانيا الأفغان بترحيب حار لكنها خذلتهم
لكنهم تركوا في المقابل تحت رحمة طالبان، الذين يلاحقهم عناصرها لاستخراج المعلومات ومصادرة الأسلحة منهم، ومعاقبتهم أو حتى قتلهم بسبب خدمتهم.
وجد تحقيق امتد على فترة ستة أشهر، قامت به "اندبندنت" بالتعاون مؤسسة "لايتهاوس ريبورتس" Lighthouse Reports الصحفية الاستقصائية ومحطة "سكاي نيوز" الإخبارية، أن عشرات من عناصر القوات الخاصة السابقة هؤلاء تعرضوا للضرب والتعذيب أو القتل على يد طالبان منذ 2021. وثقنا وتأكدنا من 24 حالة مماثلة من بينهم رجل أردي قتيلاً بإطلاق النار على رأسه فيما كان في طريقه لشراء حاجياته من البقالة، وآخر تعرض لتعذيب شديد وصل حد قول عائلته إن القتل بدل ذلك كان رحمة له.
وفي المقابل، أرغم آخرون على عيش حياة من العوز والفقر لعجزهم عن العثور على عمل بسبب اضطرارهم إلى التنقل كل شهر هرباً من طالبان. وتكلم أحد الجنود السابقين عن الحياة الجديدة التي يعيشها ويقضيها في البحث عن قطع حديد مرمية لبيعها كي يشتري الطعام لعائلته. ويعيش معظم هؤلاء منفصلين عن زوجاتهم وأطفالهم، الذين يجتمعون بهم تحت جنح الظلام، بين الفينة والأخرى.
من خلال حديثنا مع أكثر من 100 عنصر أفغاني سابق من وحدتي "تريبلز" - اللتين سميتا رسمياً القوات الخاصة 333 (سي إف 333) Commando Force 333 (CF333) والقوة الأفغانية البرية 444 (آي تي إف 444) Afghan Territorial Force 444 (ATF444) - وعدد من الجنود البريطانيين القدامى الذين خدموا إلى جانبهم، وتحليلنا لأعداد كبيرة من الوثائق، يمكننا أن نكشف كذلك عن أن مزاعم وزارة الدفاع أن أعضاء "تريبلز" لم يخدموا بشكل وثيق مع البريطانيين، هي مزاعم خاطئة. وفي الواقع، كانت الشراكة بين الطرفين وثيقة لدرجة أن هؤلاء العناصر تلقوا أجورهم مباشرة من الحكومة البريطانية، فيما حصل عدد كبير من بينهم على راتبه من بريطانيا لغاية أيام قبل سقوط كابول.
إحدى الشهادات التي حصل عليها ميكانيكي في "تيربلز" عام 2012 تصفه بأنه "موظف قيم وموثوق ومجتهد لدى القوات البريطانية والأفغانية". رفضت وزارة الدفاع طلباً قدمه لتلقي المساعدة في يونيو (حزيران). كما قدم أعضاء في وحدة 333 بطاقات العمل التي تحمل العلم البريطاني فحسب، وكتب عليها بوضوح أن "حامل هذه البطاقة. شريك للقوات المسلحة البريطانية".
وفي هذا السياق، قال اللواء تشارلي هيربرت الذي عمل إلى جانب قوات "تريبلز" وكان مستشاراً رفيع المستوى لدى حلف الناتو في أفغانستان بين عامي 2017 و2018 "لا يسعني أن أفكر في أية قوات أفغانية خاصة أخرى كانت على علاقة أوثق بالمملكة المتحدة من 333 و444، ولا أية قوات أخرى قدمت ولاء أكبر ولا دعماً أكثر شجاعة لأهدافنا العسكرية. ومجرد بقاء أي أحد منهم في أفغانستان بعد سنتين على الإجلاء أمر مقيت".
يعتقد بأن تقصير وزارة الدفاع في تقديم المساعدة لهؤلاء الأفغان الذين تتوفر إثباتات على عملهم جنباً إلى جنب مع القوات البريطانية الخاصة، هو انتهاك لسياسة "إعادة توطين ومساعدة الأفغان" المعروفة اختصاراً بـ"أراب" Afghan relocations and assistance policy (Arap) التي وضعتها الوزارة نفسها بهدف إعادة توطين الأفغان المؤهلين لذلك بفضل خدمتهم مع البريطانيين. وفي هذا التقصير نكث بالتعهد الذي قطعه رئيس الوزراء آنذاك، بوريس جونسون، في سبتمبر (أيلول) 2021 حين قال إن المملكة المتحدة ستبذل "كل ما في استطاعتها" حرصاً على حصول أعضاء "تريبلز" الذين ظلوا في أفغانستان "على الممر الآمن الذي يحتاجون إليه".
وأصبح بإمكان "اندبندنت" أن تكشف مع شركائها بأن رفض مساعدة كثير من هؤلاء الأفغان هو موضوع طعن قانوني في إطار دعوى قضائية مرفوعة ضد الحكومة.
ووصل عدد من عناصر القوات الأفغانية الخاصة إلى المملكة المتحدة بعد إجلائهم، أو بعد سفرهم عبر أوروبا وقطعهم القنال الإنكليزية على متن قوارب صغيرة. وبعضهم موجودون في بلدان مجاورة مثل إيران وباكستان لكن أغلبيتهم لا يزالون داخل أفغانستان.
ما يزال أحمد عالقاً في أفغانستان بعدما تلقى رسالة رفض رسمية من وزارة الدفاع على طلب المساعدة الذي قدمه. جاء في رسالة الرفض الإلكترونية التي وصلت أحمد في الـ11 من يوليو (تموز) من هذا العام أنه غير مؤهل لأنه "لم يعمل في أفغانستان إلى جانب وزارة حكومية بريطانية سواء بالشراكة معها أو عبر دعمها بشكل وثيق".
يرفض أحمد هذا الادعاء بشدة. وقال "كانت قيادة عملياتنا العسكرية بيد البريطانيين الذين شاركونا السكن في المعسكرات نفسها. اعتقدنا بأننا أصدقاء ولدينا التزامات تجاه بعضنا بعضاً. اعتقدنا بأن لا أحد من وحدتنا سيترك. حتى أننا اعتقدنا بأن موظفي الدعم سيحصلون على المساعدة لكنهم خانونا".
بصفته رقيباً في وحدة 333، شارك أحمد الطعام والشراب مع زملائه في القوات البريطانية الخاصة داخل قاعدتهم في ولاية لوغار. أصيب مرات عدة خلال عمليات مشتركة مع البريطانيين للإغارة على مخابئ طالبان، وكان - مدفوعاً بولائه حتى آخر قطرة - جزءاً من كتيبة من عناصر 333 نشرت في مطار كابول في أغسطس (آب) 2021 للمساعدة في عملية الإجلاء التي نفذها الناتو.
ومع أن الجندي السابق مختبئ الآن، لكنه يخشى ألا يبقى على قيد الحياة في المرة المقبلة التي تعثر فيها طالبان عليه. في الصور التي التقطت له في العيادة بعد الهجوم عليه، يظهر جرح كبير ودام على أنف أحمد الذي اختفت أسنانه الأمامية. التقط الرجل فيديو أرسله إلى قائده السابق بعد يوم من عملية الضرب، يظهر فيها وجهه المضروب مغطى بالضمادات، ويشرح بصوت متألم ما حصل معه.
حملة تعذيب وقتل
لكن رياض أحمدزاي، زميل أحمد في وحدة "سي إف 333" الذي كان هو الآخر في مطار كابول وعمل على تأمين انسحاب القوات الغربية، لاقى مصيراً أسوأ.
في البداية، بدا أن رياض، 24 سنة، سيكون على ما يرام. إذ سلم أسلحته لطالبان وأعطوه إيصالاً يضمن سلامته. ومع ذلك، حاول أن يتوخى الحذر فلم يغادر منزله سوى في النادر. لكن في أبريل (نيسان) 2023، وفي إحدى المرات النادرة التي خرج فيها من المنزل لشراء الحاجيات لأسرته تحضيراً لاحتفالات العيد، أردي بالرصاص أمام منزله في جلال أباد.
وقال والده "كانا رجلين على متن دراجة نارية. أطلقا النار على رأسه على رغم العفو العام الذي أعلنوه وتعهدهم بأنهم لن يؤذوه. مات فوراً. أخذه ابني الأصغر سناً إلى المستشفى لكن الأطباء أخبروه بأنه ميت بالفعل".
في الفيديو الذي صور بعد وفاته، تظهر جثة رياض وهو ممدد على مستشفى تملؤه الدماء، مع إصابة بالغة في رأسه. "قتل رياض بسبب عمله السابق مع القوات البريطانية. دفع حياته ثمناً لوثوقه بالقوات البريطانية".
وصل عناصر طالبان بشكل أسرع إلى قهرمان، القناص في "سي إف 333". حاول أن يصعد على متن طائرة متوجهة إلى المملكة المتحدة خلال "عملية بيتينغ" Operation Pitting - وهي العملية العسكرية التي أطلقت لإجلاء أشخاص من أفغانستان - لكنه رد على أعقابه وقيل له إن المكان لا يتسع له. قصد الشاب ذو 29 سنة، وجرى تغيير اسمه لحماية أسرته الموجودة في أفغانستان، منزل أخته في كابول، ومكث فيه بانتظار أن يخطط خطوته التالية.
بعد ثلاثة أسابيع، أطلق عليه مسلح يركب دراجة نارية الرصاص خارج منزله، وقتله.
نجح شاهين، شقيق قهرمان، الذي خدم هو الآخر في "سي إف 333"، في الصعود على متن رحلة إجلاء إلى بريطانيا في أغسطس 2021. وفي حديث معه من منزله الجديد في المملكة المتحدة، قال "كان ابن أختي موجوداً عند إطلاق النار على قهرمان لكنه لم يستطع أن يفعل شيئاً. أخذه إلى المستشفى، لكن الأطباء أعلنوا موته. أطلقت عليه 15 أو 16 رصاصة".
وفي حالة أخرى، اعتقل وليد وهو قناص سابق من وحدة "سي إف 333"، وجرى تغيير اسمه لحماية عائلته، خلال دهم ليلي لمنزله نفذته طالبان بعد شهرين من انسحاب القوات الغربية. اقتيد إلى موقع عسكري قبل أن "يقتل طعناً بالسكاكين" وفقاً لأحد أقربائه الذي طلب عدم ذكر اسمه.
وأضاف القريب أن العائلة عثرت على جثة وليد في الصباح التالي، وأن طالبان وافقت في نهاية المطاف على تسليم جثمانه في أعقاب مفاوضات مع شيوخ القرية. وشرح أنها "لم تكن جنازة كبيرة. قمنا بمراسم الصلاة مع عدد محدود من الناس ودفناه بشكل سري تحت جنح الظلام".
بعد انسحاب القوات الغربية، قرر الشقيقان خير ومحمد اللذان كانا أيضاً جنديان في الوحدة، أن أفضل الخيارات المتاحة بالنسبة إليهما هي الهرب إلى إيران. لكنهما لم يصلا إلى وجهتهما قط، أثناء تنقلهما في السيارة باتجاه الحدود الإيرانية، أطلق النار على الشقيقين وقتلا. كانا بعمر الـ24 والـ19 فقط.
أما ناصر، الرقيب السابق في "سي أف 333" الذي غير اسمه أيضاً، فتقول التقارير إنه قتل على يد طالبان في أغسطس من هذا العام. قال قائده السابق الموجود في المملكة المتحدة حالياً، إنه تحدث معه قبل ثلاثة أيام من مقتله، وأخبره ناصر عندها بأنه قضى أسبوعين معتقلاً لدى طالبان، معرباً عن خشيته من التعرض للقتل.
وأضاف القائد "تحدثت معه لمدة ساعة بعد إطلاق سراحه وقال لي ’يا قائد، ستقتلني طالبان‘. أخبرته بأنني سأرسل له المال، لكن الأوان فات بعد ذلك".
تظهر جثة ناصر في صور، ولف رأسه بقماش أبيض يبدو أنه يغطي جرحاً دامياً.
في رسالة صوتية أرسلها إلى صديق قبل مقتله، أعرب ناصر عن قلقه من الانضمام إلى مجموعة على "فيسبوك" مخصصة للأفغان الذين عملوا مع القوات البريطانية، تحسباً لمراقبة طالبان لها.
وفيما نجا أعضاء آخرون من وحدات "تريبلز" من الموت، لحقتهم إصابات جراء التعذيب، غيرت مسار حياتهم. في يوليو من هذا العام، اعتقلت طالبان قناصاً سابقاً اسمه غول خدم في وحدة 333 على مدار 19 عاماً، وحجزته ثلاثة أيام كما قال قريبه، مضيفاً أنه تعرض للصعق بالكهرباء وأرغم على الجلوس في المياه المثلجة، مما خلف لديه ندوباً نفسية وجسدية.
رفضت وزارة الدفاع طلب غول، وجرى تغيير اسمه حفاظاً على سلامته، بموجب برنامج "أراب" في يونيو من هذا العام.
وقال شقيقه "يا ليت أخي توفي تحت التعذيب، بدل المعاناة من مسائل تتعلق بسلامته وصحته النفسية الآن. تعرض لضرب مبرح وقالوا له إنه ساعد القوات البريطانية والآن لن تتركه طالبان وشأنه".
اعتقلت طالبان ميرويس، الذي خدم في وحدة "آي تي إف 444" طوال 14 عاماً حتى سقوط كابول، حين خاطر بالذهاب لزيارة عائلته خلال مناسبة العيد في 2022.
وقال الجندي الذي جرى تغيير اسمه حفاظاً على سلامته "أتوا إلى منزلي مباشرة. ضربوا عائلتي وأطفالي والجميع. ثم غطوا وجهي واقتادوني إلى مكان مجهول. لم تعلم أسرتي عن مكاني قرابة شهرين". قص هو الآخر ذكرياته مع التعذيب بالصدمات الكهربائية وأنابيب المياه. وأكد أحد الجنود السابقين في وحدة 444 الذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب على يد طالبان خلال تلك الفترة، رواية ميرويس عن التعذيب.
وقال رحيم، أحد قادة الفرق السابقين في وحدة 444، الذي رفض طلباً قدمه للمساعدة من وزارة الدفاع، إنه ظل رهن الاعتقال لدى طالبان لمدة أربعة أشهر في 2023. اضطرت عائلته إلى دفع آلاف الدولارات في مقابل إطلاق سراحه، كما قال.
وأضاف رحيم، الذي جرى تغيير اسمه هو أيضاً "في بداية اعتقالي، وضعوني داخل حاوية بلا شبابيك ولا مكيف. كانت الحاوية تحت الشمس ووجدت صعوبة في التنفس بسبب نقص الأكسيجين. علاوة على ذلك، كانوا يأتون مرات عدة في اليوم حاملين كابلات كهربائية سميكة ليضربوني بها. عندما يتعبون من الضرب، يصعقونني بالكهرباء".
في نهاية المطاف، اقتيد إلى سجن "بول إي شارخي" كما قال. وإحدى المرات "وضعوا أنبوب مياه في فمي وفتحوا الصنبور بحيث أصبحت عاجزاً عن التنفس. كانوا يملأون إبرة بالمياه ويضخون الماء في أنفي، وذلك مؤلم للغاية. كانوا يرغمونني أن أوافق على أنني تعاونت مع القوات البريطانية وهاجمت منازلهم وقصفتها. كما عملوا على إرغامي على إعطائهم أسماء وتفاصيل اتصال بالأعضاء الآخرين في وحدة 444".
ووجد تقرير نشرته بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان في الـ20 من سبتمبر أنه أثناء محاولتها استخراج اعترافات أو معلومات أخرى، أخضعت طالبان المعتقلين لـ"آلام ومعاناة كبيرتان، من خلال الضرب الجسدي والصدمات الكهربائية والخنق ووضعهم بوضعيات الإجهاد وإرغامهم على ابتلاع المياه وعصب أعينهم وتهديدهم" وهو ما يتوافق مع روايات كثيرة سمعناها من عناصر "تريبلز".
إخوة في السلاح - كيف حاربت القوات البريطانية الخاصة جنباً إلى جنب مع الأفغان
عام 2022، تولت المملكة المتحدة موقع القيادة داخل مجموعة الدول الثماني في موضوع مكافحة المخدرات في أفغانستان. وبناء على خبرة القوات الخاصة في مساعدة الكولومبيين في مكافحة تجارة المخدرات في بلادهم، قامت المملكة المتحدة ذلك العام بإنشاء وحدة من مقاتلي النخبة الأفغان، سميت "سي إف 333"، وحاربت إلى جانب البريطانيين.
ومع أن الوحدة التي ضمت نحو 400 عنصراً كانت في البداية قوة لمكافحة المخدرات، مصممة لمساعدة المملكة المتحدة في مهمة القضاء على شبكات إنتاج المخدرات التي تمول إرهاب طالبان، طورت لاحقاً قدرات متقدمة لمكافحة الإرهاب والتمرد- فساعدت البريطانيين في تقفي آثار كبار القادة في "طالبان" و"القاعدة" وإلقاء القبض عليهم.
وبعد سنوات عدة، توسعت هذه الجهود وأسس البريطانيون القوة البرية الأفغانية "آي تي إف 444". أصبحت الوحدتان تعرفان باسم "ذا تريبلز".
وقال مستشار عسكري بريطاني سابق عمل مع "تريبلز" في أفغانستان في مطلع الألفية "كانوا القوة الوطنية التي تنفذ مهمات وأوامر الحكومة البريطانية. هذه أقصى درجة من التوافق مع المصالح الاستراتيجية البريطانية. هؤلاء ليسوا أشخاصاً أتوا وعملوا كمترجمين لبعض الوقت وكسبوا بعض المال ورحلوا. بل خاطروا بحياتهم وحاربوا بكل ما للكلمة من معنى إلى جانبنا ومن أجلنا".
من جهته، وصف نقيب سابق في القوات البريطانية الخاصة، خدم مع قوات "تريبلز" في أفغانستان لسنوات عدة هذه العلاقة بأنها "شراكة تكافلية تماماً".
وقال موضحاً "كنا وحدة واحدة. أكلنا معاً وقاتلنا معاً ومتنا معاً. ومجرد عدم تقديم أية معاملة خاصة لهم أمر مشين، ولا سيما أن عدد الأشخاص الذين نتحدث عنهم ليس بكبير. فليس من الممكن تخيل العمل بشكل أوثق مع البريطانيين".
وقال المحارب السابق إن صور بعض عناصر "تريبلز" الذين قتلوا في المعركة معلقة على جدران مكاتب القوات البريطانية الخاصة في المملكة المتحدة - مع أنه ليس متأكداً إن كانت ما تزال في مكانها.
وأضاف "طلبنا منهم الإيمان بمستقبل فيه تفاؤل وأمل. وعدناهم بكل شيء وخذلناهم من كل النواحي".
وتستطيع "اندبندنت" وشركائها في التحقيق أن يكشفوا عن تلقي عناصر من الوحدتين أجراً شهرياً من الحكومة البريطانية بشكل نقدي. وبعد سنوات قليلة على تأسيسهما، نقلت الوحدتان تحت إدارة حكومية أفغانية تابع لوزارة الداخلية، وأصبحت وحدات "تريبلز" فرعاً من الشرطة الأفغانية المحلية. في هذه المرحلة، بدأ الجنود بتلقي أجر حكومي رسمي من أفغانستان دفع من خلال حساباتهم البنكية، إلى جانب أجرهم البريطاني.
وأكد مستشار بريطاني سابق بأن أعضاء إي إف 333 تلقوا راتباً شهرياً، وصل بالنسبة إلى القادة إلى نحو ألف دولار شهرياً. وقال إن الأجر الإضافي كان هدفه "الدفع في مقابل ولائهم" للبريطانيين.
فيما حاولت المملكة المتحدة أن تجعل القوات الأفغانية أكثر استقلالية، أصبحت رواتب "تريبلز" الشهرية بمثابة "علاوة" نقدية تستند إلى الرتبة العسكرية ودفعات إضافية بحسب المهمات. وقدم البريطانيون المشورة والإرشاد والتدريب لوحدة 333 ودفعوا لها حتى سقوط كابول في أغسطس 2021، فيما سلمت الوحدة 444 إلى القوات البولندية في 2014.
ويمكن التثبت من صحة نموذج "العلاوة" هذا في كتيب تدريبي للجيش من عام 2018، منشور إلكترونياً. وشرح الكتيب عن دفع "مكافأة تشغيلية" أيضاً لقاء كل يوم انتشار في الميدان "مما أدى إلى زيادة الحماسة بالمشاركة في العمليات المعقدة".
وشرح رئيس سابق للقسم الإداري بأن أعضاء "تريبلز" كانت تصلهم ورقة كتب عليها راتبهم أو أجرهم لقاء المهمات، ثم يوقعون عليها ويتقاضون المبلغ النقدي ويعيدون تسليم الورقة - مما يحرمهم من أي إثبات عن تقاضي رواتبهم.
وأخبر عناصر عدة سابقون في "تريبلز" "اندبندنت" بأنهم حصلوا على معاشاتهم بهذه الطريقة.
وكتبت إحدى هذه الوثائق التي اطلع عليها هذا التحقيق، ويبدو بأنها "قسيمة دفع راتب"، باللغة الإنجليزية، وهي تحدد مبلغ الراتب عند 870 دولاراً، وتحمل توقيع عنصر في "تريبلز"، إضافة إلى "ممثل عن المملكة المتحدة".
ومن جانبه، قال ملحق الدفاع السابق في كابول، العقيد سايمون ديغينز، إن وحدات "تريبلز" تطورت مع تطور الحملة في أفغانستان، وتلقت توجيهاً وتدريباً كبيراً من البريطانيين.
وأوضح قائلاً "شمل ذلك قيادة وتوجيهاً مباشراً"، مضيفاً "يبدو بأن موضوع قسائم الرواتب البريطانية موضوع أساسي. يبدو لي بأنه إثبات أساسي بأننا كنا ندفع لهم. والموضوع ليس مطروحاً للنقاش بتاتاً".
كما جاء في طيات أحد التقارير التي وضعتها مؤسسة "راند" Rand Corporation، المنظمة البحثية التي لديها روابط مع الجيش الأميركي، تفاصيل عن زيارة قام بها محللون عام 2013 إلى وحدات "تريبلز"، إذ أشار التقرير إلى أن الأجور البريطانية أعلى بكثير مما كان الجنود ليتقاضونه من رواتبهم العادية في أفغانستان. وبحث التقرير في جهوزية القوات الأفغانية الخاصة من عدمها للاعتماد على نفسها من دون نظرائها البريطانيين.
وفي معرض تعليقه على هذا الموضوع، أعرب أحد الضباط البريطانيين عن اعتقاده بأنها غير جاهزة، إذ قال للمحللين إن البريطانيين "يوجهون" الأفغان بدل أن "يعلموهم. ولا يعطونهم القدرة على الإمساك بزمام الأمور".
خصصت عنابر منفصلة لسكن القوات البريطانية، لكنها كانت تقع ضمن القاعدة الأفغانية وبمحاذاة المقار الرئيسة الأفغانية وقاعات الطعام وثكنة الوحدات. وأشار التقرير إلى إمكان تجول الضباط البريطانيين بحرية في أقسام القاعدة المخصصة للأفغان، كما اعتاد الأشخاص من الجنسيتين على تشارك الطعام أحياناً.
وقال أحد الضباط الأفغان إن "البريطانيين دعوا الأفغان إلى تناول عشاء عيد الميلاد هنا. ودعوناهم بدورنا في العيد".
ووصف قائد سابق في 333 أجلي إلى المملكة المتحدة في أغسطس 2021 علاقتهم بالقوات البريطانية الخاصة، وقال "عملنا جنباً إلى جنب. ظلوا معنا حتى قبل شهر من سقوط أفغانستان".
وأضاف أن 30 عنصراً تقريباً من موظفيه السابقين الذين تركوا في البلاد تعرضوا للاعتقال من طالبان الذين حققوا معهم في شأن دورهم في "سي إف 333". وتابع شارحاً "خضنا حرباً شرسة مع طالبان طوال 20 عاماً. و"طالبان" تستهدف عناصر وحدة 333 تحديداً. لو وجدوا أي شخص يعرفون بأنه من 333، يقتلونه فوراً".
من جهته، علق اللواء هيربرت بقوله إن رفض إعادة توطين عناصر سابقين من [وحدتي] 333 و444 في المملكة المتحدة على أساس أنهم لم يعملوا إلى جانب القوات البريطانية الخاصة ولا اشتركوا معها ولا دعموها بشكل وثيق هو أمر "خادع وظالم".
وأضاف "من الصعب أن نعرف إن كانت السبب هو لامبالاة الحكومة بهذا الموضوع أو عدم كفاءة الوزارات الحكومية المعنية. إذ عملت هذه الوحدات في الدعم المباشر للمصالح البريطانية الاستراتيجية في أفغانستان، جنباً إلى جنب مع القوات البريطانية، كما رافقت المستشارين العسكريين البريطانيين المصاحبين للقوات بشكل منتظم".
ورجح اللواء هيربرت أن يكون عناصر الوحدتين "مصدر خوف وكراهية بالقدر نفسه بالنسبة إلى طالبان" مضيفاً بأنه "غير وارد" أن تقدم حركة طالبان على التصالح مع عناصر أي من الوحدتين أو مسامحتهم، متابعاً بأن "التخلي عن أي عنصر من هاتين الوحدتين عار وطني".
وحصلت "اندبندنت" و"لايتهاوس ريبورتس" و"سكاي" على مئات الوثائق والصور التي رفعها عناصر "تريبلز" إلى وزارة الدفاع في معرض التماسهم المساعدة منها.
وصدرت شهادات تدريب عناصر وحدتي 333 و444 عن قادة بريطانيين وأفغان. وهي تحمل العلمين البريطاني والأفغاني وشعاري وزارتي الدفاع في البلدين.
واحتفظ أحد عناصر 444 بتقرير صادر عام 2010 وصفه بأنه "أحد أفضل المدربين في القوات الخاصة الأفغانية من جميع النواحي". تلقى العريف كذلك تدريباً على التكتيكات الدفاعية في الشرطة ومنها تكتيكات استخدام القوة والسلاح خلال صيف عام 2009 على يد رائد في شرطة هيرتفوردشير. ولا يزال في أفغانستان بانتظار إعادة توطينه.
وتمكن عنصر آخر في "سي إف 333" حتى من توفير رسالة توصية من رائد في وزارة الدفاع، إضافة إلى صورة التقطها برفقة نائب اللواء البحري (الأدميرال) تيم فرايزر الذي كان رئيساً للعمليات المشتركة والجنرال باتريك ساندرز، رئيس الأركان حالياً. أرغم هذا العنصر في "تريبلز" على الهرب إلى إيران ورفضت وزارة الدفاع طلبه لإعادة التوطين في أغسطس.
ومن بين الصور التي تشاركوها مع التحقيق واحدة داخل غرفة اجتماعات في قاعدة لوغار التي استخدمها المدربون الأفغان والبريطانيون من أجل التباحث في تفاصيل المهمات والعمليات العسكرية. وتظهر صورة لحائط في مقصف المدربين البريطانيين علماً يجمع علمي المملكة المتحدة وأفغانستان وخيطا سوية.
تحمل إحدى شهادات التقدير الممنوحة عام 2013 لنقيب في 444 شعار القوات الخاصة البريطانية واقتباساً من قصيدة غانغا دن لروديارد كبلينغ. وتقول القصيدة "مع أنني ضربتك وسلخت جلدك يا غانغا دن، لكنك بحق الإله الذي خلقك رجل أفضل مني". على رغم عمل النقيب لصالح الوحدة من عام 2006، رفضت وزارة الدفاع طلبه من أجل إعادة التوطين.
الحياة في المخابئ والعوز
أغلبية عناصر "تريبلز" يعيشون في حال هرب دائم ويغيرون أماكن سكنهم كل عدة أشهر، مما يعني أن العثور على عمل ثابت أمر مستحيل.
وصحيح أنه عليهم إعالة عائلاتهم في الديار، لكنهم يعانون من أجل توفير المال المطلوب لتأمين قوتهم. قال نقيب سابق في 444 "يموت أطفالي جوعاً لأنني لم أحظ بأي عمل منذ سقوط كابول. أسكن ولاية مختلفة عن أولادي. وعندما أزورهم، أذهب في منتصف الليل وأهرب مع ساعات الفجر الأولى".
وأضاف "لا يمكنني أن أشغل أية وظيفة بشكل رسمي وبحوزتي كيس أحمله معي. أبحث عن زجاجات فارغة وقطع حديد مرمية. أجمعها وهكذا أبقى على قيد الحياة".
وصور جندي سابق في 444 ظروف معيشة عائلته. حرك الكاميرا لتلتقط تفاصيل غرفة عارية، فيها تسعة أطفال ووالده يفترشون الأرض وقال "هذا كل ما نملكه، وهو يتضمن سجادة قديمة وغرضين آخرين. لا نوافذ لدينا، ووضعنا البلاستيك هنا لدرء الحرارة أو البرودة. لا نملك ثمن النوافذ".
في حالة ثالثة، وصف رجل خدم في صفوف "سي إف 333" لمدة 15 عاماً أحواله وأحوال عائلته الذين يجدون أنفسهم في "وضع يائس، يعانون من أجل تأمين الحاجات الأساسية مثل القوت والملجأ".
عن رفض وزارة الدفاع تقديم المساعدة
فيما جرى إجلاء بعض عناصر "تريبلز" خلال عملية "بيتينغ"، ترك كثيرون غيرهم ووضعوا آمالهم في أن يساعدهم برنامج "أراب". ورداً على تساؤلات طرحت عليها في البرلمان في سبتمبر، قالت وزارة الدفاع إنها غير قادرة على توفير بيانات عن عدد عناصر وحدة 333 الموجودين في المملكة المتحدة، أو عدد العناصر الموجودين في أفغانستان. كما لفتت إلى أنه من غير الممكن أن توفر "تقديرات دقيقة" عن عدد القتلى من عناصر 333.
وفقاً لموقع الحكومة، خصص برنامج إعادة توطين الأفغان للمواطنين الأفغان الذين عملوا "لصالح الحكومة البريطانية في أفغانستان أو معها، في أدوار مكشوفة أو مهمة".
ولأن عناصر "تريبلز" كانوا جزءاً من الشرطة الوطنية الأفغانية التابعة لوزارة الداخلية (على رغم أنهم تقاضوا رواتبهم من البريطانيين)، يعتقد بأن صانعي القرار ميزوهم عن غيرهم من الأفغان، مثل المترجمين أو الميكانيكيين، الذين يمكنهم تقديم إثبات عن عملهم الرسمي لصالح وزارة الدفاع البريطانية. وتعليقاً على هذا الموضوع، قال الوزير جيمس هيبي للبرلمان في الـ11 من سبتمبر إن "برنامج إعادة توطين الأفغان ليس مخصصاً بشكل واضح لمن خدموا في صفوف القوات الأفغانية المسلحة إلى جانب الجيش البريطاني، بل للذين وظفهم الجيش البريطاني في معظم الحالات، ما عدا بعض الاستثناءات".
لكن يبدو بأن هذا الموقف يخالف المعيار الذي نشره البرنامج، الذي ينص على أن الأفغان مؤهلون في حال "عملهم في أفغانستان إلى جانب وزارة حكومية بريطانية، إما بالشراكة معها أو عبر دعمها ومساعدتها بشكل وثيق"، أو قدموا مساهمة "ملحوظة وإيجابية" في أهداف المملكة المتحدة العسكرية أو الأمنية القومية ويمكنهم أن يثبتوا أنهم الآن بخطر.
يعمل محامون بريطانيون في الوقت الحالي على تقديم شكوى قضائية ضد وزارة الدفاع بسبب رفضها لهذه لطلبات، معتبرين بأن عملية رفض إعادة توطين العناصر السابقين في "تريبلز" غير قانونية. ويتحدثون عن عدم تقديم أي تفسير للأسباب التي تبرر هذا الرفض فيما أثيرت التساؤلات في شأن احتمال اللجوء إلى سياسة رفض شاملة. لكن وزارة الدفاع قالت من جانبها إنها لا تصدر قرارات شاملة في موضوع طلبات برنامج إعادة توطين الأفغان من أية جماعة.
وشرح الملحق العسكري السابق، العقيد سايمون ديغينز الموضوع بقوله "في البداية، استخدمت حقيقة أنهم كانوا تقنياً موظفين في وزارة الداخلية ولس موظفين مباشرين لدى البريطانيين سبباً لعدم شملهم في بنود برنامج إعادة توطين الأفغان. لا أظن الموضوع قائماً على أي أساس منطقي".
ووجدت "اندبندنت" و"لايتهاوس ريبورتس" و"سكاي" إثباتات على عدم تقييم ملفات عناصر "تريبلز" بالشكل المناسب قبل رفضها. وكشفت وثيقة حكومية داخلية عن أن أي طلب لإعادة التوطين بموجب البرنامج المخصص للأفغان من أي عنصر مزعوم في "تريبلز" يجب أن يحصل على موافقة القوات البريطانية الخاصة، التي يعود لها تأكيد دور مقدم الطلب في "تريبلز" والموافقة عليه. لكن وفقاً لمصادر داخل وزارة الدفاع، ترفض القوات الخاصة أن تشارك في هذه العملية، مما يؤدي إلى عدم الموافقة على حالات كثيرة، وإلى توزيع الرفض بالجملة إجمالاً في نهاية المطاف.
قال عقيد سابق خدم مع "تريبلز" في أفغانستان "تكمن المشكلة في أن وحدات (داخل القوات الخاصة البريطانية) لا تعرف هؤلاء الأشخاص. وهي لا تهتم فعلياً، لأنها تخطت الموضوع وانشغلت بغيره. لكن هؤلاء هم أشخاص أخبروا بأنهم سيخرجون من المكان، وما يزالون بانتظار ذلك، أملاً في أن تحترم المملكة المتحدة وعودها. هذا لا يكفي".
من جهته، لفت تيم ويلازي-ويلزي، وهو دبلوماسي بريطاني سابق رفيع المستوى، إلى أنه نبه وزارة الخارجية قبل استيلاء طالبان على أفغانستان عام 2021 إلى ضرورة القيام باستعدادات من أجل المساعدة في إجلاء عناصر 333. لم تلق اقتراحاته عندها أية آذان صاغية، لكنه يقول إن النقاشات الأخيرة مع الحكومة في شأن أهلية عناصر 333 السابقين أكثر إيجابية.
وتماشياً مع هذا المسار، يمارس السير مارك سيدويل، وزير الدولة السابق والسفير السابق لدى أفغانستان، ضغوطاً على الحكومة لكي تتعامل بجدية مع هذه القضية. وفقاً لرئيسة لجنة الشؤون الخارجية أليسيا كيرنز، وجه السير مارك خطابات متتالية إلى وزيرة الداخلية في شأن التخلي عن عناصر وحدة 333.
وخلال الجلسات الأخيرة للجنة، وجهت السيدة كيرنز تساؤلات قاسية لوزير الدولة للشؤون الخارجية اللورد أحمد، حول سبب عدم جلب مقدمي الطلبات من عناصر 333 الذين يتمتعون "بالأهلية الواضحة بل الصارخة" إلى المملكة المتحدة في إطار برنامج وزارة الدفاع [أراب].
وأجاب آندرو ماك كوبري، مدير الشأن الأفغاني والباكستاني في وزارة الخارجية والتنمية البريطانية "أعتقد بحسب فهمي للموضوع أن بعض عناصر تلك القوات الخاصة مؤهلون بموجب برنامج إعادة التوطين، لكن ليس جميعهم".
وعلق وزير الدفاع في حكومة الظل جون هيلي بقوله "من دواعي القلق الشديد أن نسمع بأن عناصر القوات الأفغانية الخاصة التي تدربت على يد المملكة المتحدة وتلقت التمويل منها ترفض طلباتهم بإعادة التوطين ويتركون أمام الخطر. وتشكل هذه التقارير تذكيراً مؤلماً بأن تقصير الحكومة تجاه الأفغان لا يترك العائلات عالقة داخل فنادق باكستان فحسب، بل يعرض حياة الأفغان إلى خطر حقيقي من طالبان".
وأضاف "يمكن لمس الواجب الأخلاقي المنوط ببريطانيا لمساعدة هؤلاء الأفغان بالشكل الأوضح في صفوف القوات البريطانية التي خدموا معها. لا مجال لمزيد من الأعذار. على الوزراء إصلاح برامجهم الفاشلة المخصصة للأفغان".
وتعليقاً على هذا التحقيق، قال متحدث باسم وزارة الدفاع "قطعت الحكومة البريطانية التزاماً طموحاً وسخياً لمساعدة الأشخاص المؤهلين لذلك في أفغانستان. أحضرنا حتى اللحظة 24600 شخص إلى بر الأمان من بينهم آلاف الأشخاص المؤهلين للانتفاع من برامجنا المتعلقة بإعادة توطين الأفغان".
وأكمل "لم تصدر وزارة الدفاع يوماً أي قرارات شاملة في شأن الطلبات التي تلقتها من أية جماعة في إطار برنامج إعادة توطين الأفغان. فجميع قرارات الأهلية تقوم على أساس دراسة كل حالة بعينها وإخضاعها لمعايير صارمة تتوافق وقوانين الهجرة وتستند إلى الإثباتات التي قدمها الأفراد".
إن لم ينجح الضغط من أجل الإصلاح، فقد تخضع الحكومة تحت تأثير الدعوى القضائية. لكن حتى لو نجح المسار القضائي، سيكون الأوان فات بالنسبة إلى من أزهقت أرواحهم على يد طالبان. وفي هذه الأثناء، يخشى الباقون الذين يختبئون، مثل أحمد، أن يكون وقتهم محدوداً قبل أن يلاقوا بدورهم ذلك المصير.
بعد التفكير في خدمته مع القوات البريطانية الخاصة، قال أحمد "إنه السيناريو الشهير عينه بين الأفغان والأجانب، نظن دائماً بأننا أصبحا أصدقاء، لكننا لا نجدهم وقت حاجتنا إليهم".
© The Independent