ملخص
يمارس الحوثيون وجهات أخرى انتهاكات غير مسبوقة ضد الصحافيين في اليمن
طالبت أكثر من 50 منظمة محلية ودولية بإنهاء حالات الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة في حق الصحافيين اليمنيين الذين يعيشون مرحلة صعبة تسببت لكثر بالموت أو الاعتقال والملاحقة.
وأكد بيان مشترك لـ51 منظمة أن "إنهاء الإفلات من العقاب عن الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين من أكثر القضايا إلحاحاً لضمان حرية التعبير والوصول إلى المعلومات لجميع المواطنين".
وقال البيان الذي صدر تزامناً مع "اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب إن أطراف الصراع، وعلى رأسهم الحوثيون والمجلس الانتقالي والحكومة الشرعية "اتفقوا جميعاً على الشيء الوحيد والمتمثل في إسكات صوت الصحافة ومنع الصحافيين من ممارسة عملهم بحرية".
توحش غير مسبوق
هذا الواقع الذي لم يقابل بإجراءات قانونية تحد من الهجمة الشرسة في حق العمل الصحافي أشار إليه بيان المنظمات التي تعمل في المجالات الحقوقية والإنسانية منها تدهور حرية الصحافة والتعبير خلال السنوات الماضية وما تعرض له الصحافيون من اغتيالات وقتل مباشر واعتقال وإخفاء قسري وتعذيب وأدخل البقية في معاناة رهيبة.
تقول الحقوقية اليمنية ورئيسة منظمة النساء المستقلات وسام باسندوة إن الانقلاب الحوثي وما صاحبه من سيطرة على مناطق نفوذ بمثابة الكارثة التي حلت على الصحافة اليمنية التي لم تشهد مثل هذا التوحش على العاملين فيها من قبل. ووصفت خلال حديثها إلى "اندبندنت عربية" ما يحدث لقطاع الصحافة بـ"الكارثة الحقيقة"، لأن "قائمة الضحايا باتت تزداد يوماً بعد آخر، بينما قتلة الصحافيين خارج السجون ومستمرون في اشهار آلتهم القمعية لإسكات الحقيقية وقتل الشهود، ولهذا لم نستغرب عندما عد اليمن من أخطر ثلاث دول على حياة الصحافيين".
وعن هذه الحال ترى باسندوة أنه لم تعد هناك حرية رأي وتعبير في اليمن، إذ يعيش العاملون في مهنة الصحافة بين نيران القتل وشبح المطاردة والمعتقلات الرهيبة، وحتى من أطلق سراحه منهم تم مقايضته بمقاتلين حوثيين في مخالفات إنسانية بعد أن قضوا سنوات بالسجون وأفلت السجانون من العقاب.
وعلى مدى السنوات الماضية حلت جماعة الحوثي في المرتبة الثانية بعد تنظيم "داعش" من حيث الانتهاكات التي تمارس في حق الحريات الصحافية والصحافيين، بحسب تقييم منظمات صحافية دولية معنية، أدت تلك الممارسات إلى تجريف المجال الصحافي والإعلامي في مناطق سيطرتها متبوع بموجة نزوح جماعي للصحافيين إلى مناطق الحكومة الشرعية أو خارج البلاد.
مع "داعش"
بيان المنظمات طالب الأمم المتحدة بالضغط على أطراف الصراع لإنهاء استمرار حالة الإفلات من الصراع، و"الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي بوقف الانتهاكات التي تمارس بشكل مخيف ومتزايد في حق الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام بصورة فورية، وتطبيق القانون بما يحفظ الحقوق والحريات ويمنع إفلات المنتهكين من العقاب". ودعا أطراف النزاع إلى فتح الباب أمام المقرر الخاص بحرية التعبير لدراسة المستوى المتزايد للعنف واقتراح حلول تعالج الإفلات من العقاب، مرة واحدة وإلى الأبد. وفي ضوء هذه الخبرة، نحث أطراف النزاع على الالتزام الصادق بالمشاركة في حوار هادف وتنفيذ حلول فعالة نيابة عن مهنة الصحافة قبل أن تزداد بيئة حرية التعبير سوءاً.
ودانت كافة الجرائم المرتكبة في حق الصحافيين، مؤكدة أن "سلطات إنفاذ القانون، سواء الخاضعة لجماعة الحوثي، أو سلطات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، فشلت في إجراء تحقيقات نزيهة من شأنها أن تؤدي إلى محاسبة الجناة المتورطين في جميع هذه الجرائم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توضح باسندوة أن عدداً من الحقوقيين اليمنيين والدوليين سعوا عبر فرق متخصصة "إلى التركيز على مطالبة المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم وعدم إفلاتهم من العقاب مع رصد الجهات والشخصيات المنتهكة وتقديم ملفات إدانة مكتملة ضدها للجهات الدولية مع تأكيد حق من أطلق سراحهم بمحاسبة سجانيهم فهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم".
ومن بين الإجراءات الدولية "تنظيم دورات تدريبية مكثفة في مجال الصحافة والإعلام تستهدف الصحافيين والإعلامين والنشطاء الحقوقيين لتفعيل دورهم المجتمعي للتصدي لحملات الميليشيات الإعلامية المضللة والإدلاء بشهاداتهم لدى المنظمات والجهات الدولية المعنية بحرية الصحافة وحقوق الإنسان".
وكحق قانوني يضمن محاسبة منتهكي العمل الصحافي تشير إلى "ضرورة تفعيل قانون الصحافة وتجريم ما يتم تناوله في وسائل الإعلام الحوثية كخطاب الكراهية والتعبئة الفكرية الإرهابية التي ترسخ للطائفية وانتهاج العنف وضرورة الاهتمام بالصحافيين المفرج عنهم وتمكينهم والتعويض عما عانوه في سجون الانقلابيين وإطلاق سراح من لا يزالون بسجون الاعتقال".
"لم يؤخذ حقنا"
في مسعى إلى إيجاد إطار قانوني ينتصر للضحايا شدد بيان المنظمات على ضرورة إنشاء لجنة مشتركة دولية ومحلية مستقلة للتحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين من قبل كل الأطراف بإجراء تحقيقات فعالة وفورية وحقيقية في كافة قضايا القتل والاغتيالات التي تعرض لها الصحافيون وإحالة المتورطين في هذه الانتهاكات إلى المحاكمة العادلة، داعية إلى "إطلاق سراح الصحافيين الذين اعتقلوا تعسفياً والفصل في قضايا الصحافيين المعتقلين أمام محكمة الصحافة والمطبوعات ووقف كافة الإجراءات التي تقيد الصحافيين والامتناع عن إصدار القرارات أو الإجراءات التي تعوق قدرتهم على القيام بواجبهم الصحافي".
يقول الصحافي المدافع عن حقوق الإنسان والمختطف سابقاً لدى ميليشيات الحوثي عصام بلغيث إن هذه المناسبة تأتي في حين لا يزال وضع الصحافة اليمنية يعيش أسوأ حال متصدراً البلدان التي تشهد انتهاكات في حقوق الإنسان وحرية التعبير والصحافة. ويشير خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" إلى البيئة الخطرة على مستوى العالم من حيث عدد الصحافيين الذين قتلوا بشكل معتمد، وكذا عدد السجون على امتداد اليمن بتصدر الحوثيين الذين تفوقوا على الجميع وعلى من سبقهم بانتهاكات نابعة من كون الصحافي بالنسبة إليها هو العدو الأول بحسب تصريح زعيمها عبدالملك الحوثي الذي قال إن الصحافيين هم أكثر خطراً من الدبابة والمسلحين، من ثم يعيش الصحافيون اليوم بلا مرتبات ومشردون في المنافي، ومن بقي منهم بات معرضاً للقتل أو الاعتقال والتعذيب في أية لحظة".
يستدل بحالته ومعه عدد من زملائه المفرج عنهم تزامناً مع اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب الذي يأتي فيما "لم ترفع أية قضية من قبلنا نحن الذين انتهكت حقوقنا، ولا حتى من قبل الجهات الرسمية التابعة للحكومة أو المنظمات التي تدعم حرية الرأي والتعبير في اليمن".
في شأن الحق القانوني أوضح أن "المرافعات القانونية في المحاكم الدولية تحتاج إلى جهود حكومية عبر وزارة حقوق الإنسان بالتنسيق مع وزارة الاعلام عبر إنشاء لجنة متخصصة تعد ملفات تعين محامين دوليين بالتنسيق مع الدبلوماسية اليمنية، وجهودنا هي جهود شخصية، لكن مهما بلغت قوتها فلن تبلغ كالجهود التي تكون الحكومة الشرعية على رأسها والداعمة لها".
عصام الذي امتدت فترة اعتقاله لنحو ثماني سنوات وأفرج عنه وعدد من زملائه الصحافيين ضمن عملية تبادل الأسرى التي تمت بين الحكومة الشرعية والحوثيين برعاية أممية في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، يشير إلى ما تعرضوا له من "انتهاكات إجرامية بمصادرة حقنا في الحياة، وكنا قريبين من الموت مرات عدة لعل أكثرها وحشية عندما وضعنا مسلحو الميليشيات في مخازن للسلاح وهددونا بالتعرض للقصف الجوي كعقوبة لنا". ويرى أن هذا التعامل ينبع من "حقد الجماعة الانتقامي على الصحافيين باعتبارهم العين على الجرائم التي ترتكبها في حق الشعب اليمني".
وفقاً لتقارير حقوقية ودولية فإن الحوثيين ما زالوا يعتقلون عدداً كبيراً من الصحافيين بسبب الوشاية بهم من موالين للجماعة أو من مسؤولي الأحياء، ومنهم من جرى اختطافه خلال حملة مداهمة لمقاهي الإنترنت أو الفنادق أو الأماكن يمارسون مهامهم فيها.
محاولة تشويه
ولم يتسن لـ"اندبندنت عربية" الحصول على تعليق من قبل الحوثيين أو الحكومة الشرعية، وعادة لا تهتم الأطراف اليمنية بمثل هذه الاتهامات، فإن نائب رئيس الدائرة الإعلامية في "المجلس الانتقالي الجنوبي" منصور صالح نفى قيام كيانه السياسي بممارسة أية انتهاكات تجاه الصحافيين من قبل القوات التابعة للكيان الذي أنشئ في مايو (أيار) 2017 ويتبنى مشروع "استعادة الدولة لما قبل عام 1990"، أي قبل توحيد شطري اليمن الشمالي والجنوبي في دولة واحدة. وقال إن "(الانتقالي) قدم نموذجاً جيداً في دعم حرية الصحافة وحماية الصحافيين، حيث يمارس الصحافيون بمن فيهم المعارضون والمختلفون مع المجلس عملهم بحرية ودون قيود، وهذا أمر واضح". وأضاف "على العكس من حرص المجلس على حماية الصحافيين فقد كان الصحافيون التابعون أو المناصرون له عرضة للاستهداف والقتل، وأبرزهم المصور العالمي نبيل حسن القعيطي، كما لم يحدث أن تعرض صحافي في المناطق التي يسيطر عليها (الانتقالي) لأية مساءلة بسبب التعبير عن رأيه، وهو أمر نعتز به كثيراً، وسنحرص على تعزيز هذه الحريات كجزء من مشروع الدولة الجنوبية المدنية المنشودة". واعتبر اتهامهم بالانتهاكات التي تضمنها التقرير الحقوقي "محاولة تشويه من وسائل الإعلام المعادية للجنوب وللمجلس الانتقالي الجنوبي، وأهمها وسائل إعلام الإخوان ونقابة الصحافيين اليمنيين المسيطر عليها من الإخوان كرست، وما زالت تكرس، جهدها لتشويه ما يجري في الجنوب والتغطية على انتهاكاتها في مناطق سيطرتها".