Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأنظمة الأفريقية "الهرمة" تستبق موجة الانقلابات بتدابير وقائية

رئيس الكاميرون القابض على السلطة منذ 40 عاماً أجرى تغييرات في مناصب عسكرية حساسة وزعيم أنغولا الراحل تنازل لوزير دفاعه وحكم من وراء ستار

شباب من الكاميرون يظهرون دعمهم لرئيس بلادهم بول بيا أمام السفارة الفرنسية في ياوندي (أ ف ب)

ملخص

الدول الغربية التي طالما فرضت عقوبات على أنظمة ديكتاتورية تبدو مغلولة اليد أمام أنظمة أخرى، فثمة ازدواجية واضحة في التعاطي مع القيم الديمقراطية عندما يتعلق الأمر بالمكاسب الاقتصادية.

حركت الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول عدة في غرب أفريقيا، كالغابون والنيجر وبوركينا فاسو ومالي، مياهاً كثيرة تحت جسور الدول المجاورة التي طالما حظيت باستقرار نسبي، نتيجة قدرة أنظمتها السياسية والأمنية في السيطرة على أي تحركات من شأنها إحداث تغيير فعلي، إذ نجحت لدرجة بعيدة خلال العقود الثلاثة الماضية في الالتفاف على استحقاقات شعوبها، بخاصة تجاه مطالب التداول السلمي للسلطة، ذلك سواء عبر تنظيم انتخابات صورية، أو إجراء تعديلات دستورية تسمح بفتح التعهدات الرئاسية، بغرض إعادة انتخاب رؤسائها لضمان استمرارهم لوقت أطول في السلطة. 

إلا أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها دول عدة في غرب أفريقيا، والتي أطاحت عدداً من الرؤساء، من قبل المؤسسات العسكرية، قد أعادت المخاوف بإمكانية تمددها للجوار، وفقاً لما يعرف بحركة قطع "الدومينو"، مما دفع هذه الأنظمة إلى اتخاذ تدابير وقائية، من بينها إحداث تغييرات عميقة في المؤسسات العسكرية، بما فيها إقالة رؤوس كبيرة، واستبدالها بأشخاص من ذوي الولاء للحاكم، فضلاً عن حملات إعلامية، ذات طابع دعائي، تهدف إلى تسليط الضوء على الجوانب المظلمة من تجارب الانقلابات العسكرية في الدول المجاورة، واستغلال الشغور السياسي والأمني الذي خلفته، في محاولة لتقديم مقاربة افتراضية، تفاضل بين "الأمن والفوضى".

الكاميرون على مرمى حجر 

تبدو الكاميرون إحدى الدول المرشحة لحدوث انقلاب فيها، لكن رئيسها بول بيا أجرى تغييرات استباقية عميقة، في مناصب عسكرية حساسة، تحسباً لأي تمرد محتمل من الجيش ضده، وذلك في ظل تقارير حقوقية تحدثت عن انتهاكات جسيمة قام بها نظام بيا منذ وصوله إلى السلطة عام 1982، في أعقاب تنفيذ انقلاب عسكري مكنه من البقاء في السلطة لأكثر من أربعة عقود كاملة، على رغم سماحه بإجراء انتخابات تعددية، يصفها المعارضون بأنها "استحقاقات صورية"، لاكتساب شرعية للنظام، وشهدت البلاد خلال السنوات الأخيرة، سباقاً محموماً من محيط الرئيس وحزبه لخلافته في الحكم، بخاصة أنه تجاوز العقد التاسع من العمر، إذ إنه من مواليد عام 1933، في حين لم يعلن الأخير عن رغبته في التنحي أو إعادة الترشح لانتخابات عام 2025. 

واتخذ بيا إجراءات استباقية عدة لمنع وصول عدوى الانقلابات إلى بلاده، إذ أجرى جملة من التدابير على مستوى وزارة الدفاع وقيادات الجيش العليا، بدءاً من اليوم الثاني لوقوع انقلاب الغابون، فأقال عدداً من جنرالات الجيش، ممن يشك في ولائهم له، أو ممن يحظون بالشعبية، واستبدلهم بقيادات جديدة يرتبط معظمهم بعلاقات مصاهرة، أو قرب من محيط الرئيس العائلي أو الاقتصادي والتجاري.

وشملت التغييرات رؤساء إدارات في وزارة الدفاع، بما في ذلك سلاح الجو والمفتشية العامة لقوات الدرك الوطني، إضافة إلى تعيينات جديدة في مناصب عليا للقوات البحرية والأمانة العامة للوزارة وغيرها من هياكل وزارة الدفاع. 

ويرى المتخصص في الشأن الكاميروني، ديفيد أوتو، أن الإجراءات التي اتخذها بيا تهدف إلى استبعاد القيادات الأكثر تأثيراً وكفاءة في المؤسسة العسكرية، واستبدالها بقيادات أكثر ولاء، حتى يتجنب أي انقلاب محتمل، بخاصة أن معلومات ظلت تتسرب بين فترة وأخرى عن احتدام التنافس بين القيادات العسكرية والسياسية في البلاد، لخلافة الرئيس المسن. 

ويضيف "على رغم التبريرات التي قدمتها الوزارة، بخصوص هذه التغييرات، والتي نصت على أنها ظلت مقررة منذ عام، فإن تنفيذها بعد يوم واحد من انقلاب الغابون، يعزز فرضية (الحملة الاستباقية لمنع تكرار ما حدث في الدول المجاورة) بخاصة أن شهية المؤسسات العسكرية الأفريقية، للوصول للمنصب الأول في الدولة، قد أضحى أكثر بروزاً الآن، لا سيما بعد فشل القوى الغربية في إحباط الانقلابات العسكرية في الغابون والنيجر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح ديفيد أن موجة التحركات الأخيرة التي تجتاح المستعمرات الفرنسية السابقة في القارة السمراء، أعادت إلى الأذهان سيناريو ستينيات القرن الماضي، ودفعت الرؤساء الذين ظلوا في السلطة لفترة طويلة جداً، للشعور بالقلق. وأشار إلى أن "جيل الشباب من القادة العسكريين لم يعد متسامحاً مع الأنظمة الحاكمة المترهلة، وألهمت الأجيال الجديدة من الأفارقة، إلى التحرر من السيطرة السياسية والاقتصادية والتجارية للقوة الاستعمارية السابقة، التي ظلت متحالفة مع تلك الأنظمة الهرمة".

ويقدر ديفيد أن "الإجراءات الأخيرة، قد تمنع حدوث الانقلاب آنياً، لكنها لن تنجح في إقناع الأجيال التي ولدت واقتربت من العقد الخامس في ظل حكم رئيس واحد، مرجحاً أن يعلن بيا عن عدم رغبته في الترشح بانتخابات عام 2025، والبدء في إجراءات نقل السلطة، ومن بينها إعادة النظر في قانون الانتخابات، إذا كان بالفعل يريد إنهاء عهده بطريقة سلمية وسلسة".

ويشير المتخصص الكاميروني، إلى أن ثمة مؤشرات تكشف إدراك النظام الكاميروني، حجم التحديات التي تواجهه بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها الدول المجاورة، منوهاً بأن الاحتفال الذي ينظمه حزب الرئيس "التجمع الديمقراطي للشعب الكاميروني" (RDPC) في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، احتفالاً بذكرى وصوله للسلطة، "قد شهد هذا العام، غياباً للرئيس بيا، كما انتظمت فعاليات موازية، دعا لها معارضوه، الذين ارتدوا اللون الأسود، معبرين عن رفضهم للفساد المستشري في البلاد، وسوء الإدارة، والمعارك التي تدور داخل أجهزة النظام لخلافة بيا، بعيداً من المؤسسات الدستورية".

ويضيف أن "هذه الأنشطة غير معهودة في الكاميرون، فاحتفالات العام الماضي، طالب فيها الحزب الحاكم، الرئيس بيا بالترشح لانتخابات عام 2025، ما يعني أن الأوضاع السياسية لم تعد كما كانت قبل الانقلابات التي شهدتها دول مجاورة".

أنغولا الثروة والفقر 

لم تقتصر تداعيات الانقلابات الأفريقية، على الدول المجاورة فحسب، بل بلغت ارتداداتها إلى أنغولا التي تقع على الساحل الجنوبي الغربي للقارة السمراء، إذ استشعرت أجهزة النظام هناك لتسونامي الانقلابات الآخذ في التمدد.

الصراع على السلطة في هذه الدولة ظل لعقود خلت من أكثر الصراعات تعقيداً ودموية في أفريقيا الغربية، إذ ظل خوسيه إدواردو دوس سانتوس قابضاً على مقاليد السلطة بإحكام على رأس الحزب الحاكم "الحركة الشعبية لتحرير أنغولا"، لمدة 38 عاماً، إذ وصل إلى السلطة عام 1979، وظل في المنصب حتى 2017، عندما قرر عدم الترشح على رأس قائمة الحزب الحاكم، ليتيح الفرصة لخلفه وزير دفاعه السابق (الرئيس الحالي للبلاد) جواو لورينسو.

وتوفي دوس سانتوس في الثامن من يوليو (تموز) عن (79 سنة) بمستشفى في برشلونة بعد سكتة قلبية

وفقاً لدستور البلاد لعام 2010، لا تجرى انتخابات رئاسية مباشرة في أنغولا، وإنما يصبح مرشح الحزب الفائز بغالبية مقاعد البرلمان رئيساً للبلاد بقوة الدستور، وفازت قائمة الحزب الحاكم، ليتولى لورينسو رئاسة البلاد لولايتين (الأولى 2017) ثم التجديد له لولاية ثانية في أغسطس (آب) 2022، إذ فازت قائمته الحزبية بغالبية بسيطة (51 في المئة) وقد انتخب الحزب الحاكم رئيسه الرئيس الحالي لورينسو ليكون مرشحه للرئاسة لولاية ثانية على التوالي.

من جهته، رأى المتخصص بالشأن الأنغولي صامويل كيلان، أن التاريخ المعاصر لأنغولا طبع بالصراعات الدامية حول السلطة، إذ إن نهاية الاستعمار البرتغالي للبلاد، كانت بداية للحرب الأهلية، بين الحركات الثلاث التي كانت تحارب من أجل الاستقلال، في حين لم تختبر البلاد أية ممارسة ديمقراطية حقيقية منذ الاستقلال.

وأوضح أن "الحركة الشعبية لتحرير أنغولا تمسك بزمام الحكم، بشكل غير منقطع، منذ عام 1975، وهي تدير كل الملفات السياسية والاقتصادية، مذكراً بأن أنغولا بلد غني من حيث الثروات الطبيعية، إذ إنه ثالث بلد منتج للنفط في القارة الأفريقية، لكن لا ينعم شعبه بأي من الفوائد التي تترتب على عائدات النفط والمواد الأولية الأخرى، حيث بقيت الثروة تحت سيطرة القريبين من السلطة، الذين جمعوا ثروات من الفساد، بينما ظل الشعب في مقعد المشاهد، ويعيش في المناطق العشوائية الضخمة التي تحيط بالمدينة، ولا يزال 70 في المئة من الأنغوليين تحت خط الفقر، فيما بقى النظام قادراً على احتواء الغضب الشعبي، وإن كانت بعض مظاهره قد انفلتت في فترات مختلفة نتيجة لانتشار صور الظلم الاجتماعي وتردي الخدمات".

وعلى رغم أن الانتخابات الرئاسية في أغسطس 2017 لفتت أنظار العالم، عندما سلم الرئيس السابق خوسيه إدواردو دوس سانتوس السلطة بعد 38 عاماً، لخليفته جواو لورينسو، الذي فاز بالانتخابات بغالبية مريحة (65 في المئة)، إلا أن الصورة لم تكن بهذا البهاء في كواليس السلطة، إذ لم يختف الرئيس السابق عن إدارة الساحة السياسية من الخلف، فحتى وفاته احتفظ برئاسة الحزب الأقوى في البلاد، "الحركة الشعبية لتحرير أنغولا" حزب الدولة الذي يتولى توزيع الثروات والمناصب، سواء في القطاع العام أو الخاص. كما أنه احتفظ بسيطرته على جهاز الأمن، بفضل القانون الذي كان قد سنه قبل خروجه من السلطة والذي يحظر على خليفته تغيير قادة الأجهزة الأمنية قبل مرور ثمانية أعوام.

ويلاحظ المتخصص الأنغولي صامويل كيلان، أن العهد الذي قاده لورينسو منذ ست سنوات ليس سوى استمرار للعهد السابق، في ظل غياب تهديد فعلي للسلطة، إذ بقيت أجهزة الدولة ومؤسساتها، تعمل على الحفاظ على الوضع السياسي والاقتصادي والتجاري. 

وأشار إلى أن أولى التحديات الحقيقية تمثلت في موجة الانقلابات العسكرية التي شهدتها منطقة غرب ووسط أفريقيا، التي قرعت أجراس الخطر في لاوندا، ما دفع النظام إلى الشروع في حملة مضادة، تمثلت أساساً في إطلاق حملات إعلامية، دعائية الطابع، تمعن في إظهار أخطار الانقلابات العسكرية، بخاصة مع الانفلات الأمني الذي حدث في دول أفريقية عدة في أعقاب إطاحة الأنظمة الحاكمة. 

وسلط التلفزيون الرسمي الأضواء على عمليات السطو وانعدام الأمان الذي وقع في الأيام التالية لانقلاب الغابون والنيجر وبوركينافاسو.

كما استحدث النظام أجهزة أمنية وعسكرية، لإحباط أي محاولات قد تدفع القادة العسكريين للتمرد على السلطة. بجانب إطلاق مشاريع اقتصادية ووعود بتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأنغوليين الذين عانوا لخمسة عقود مضت من الفقر والحاجة، على رغم الثروات التي تحظى بها بلادهم.

نقمة الثروة 

ويعرب كيلان عن اعتقاده أن أي تحرك عسكري ضد النظام الحاكم في أنغولا، قد يواجه بإجراءات مزدوجة، من السلطة والقوى الغربية التي تعمل للحفاظ على مصالحها التجارية، بخاصة أن أنغولا دولة نفطية على خلاف معظم الدول الأخرى التي شهدت انقلابات عسكرية، مضيفاً "ثمة عوامل مهمة قد تدفع الغرب للدفاع عن النظام الحاكم، أكثر مما فعل في دولة مثل النيجر". 

ويضيف أن "من سوء حظ الأنغوليين، أنهم مستهدفون من قوة داخلية تتمثل في النظام الفاسد، الذي يحاول الحفاظ على بقائه في السلطة عبر جملة من السياسات، والقوى الخارجية التي تعمل للحفاظ على مكاسبها الاقتصادية والمالية"، مما يجعل الثروة نقمة على الأنغوليين المتطلعين للتحرر من الفساد والديكتاتورية.

ويشير الخبير الأنغولي إلى أن "الدول الغربية التي طالما فرضت عقوبات اقتصادية ومالية وسياسية وعسكرية على أنظمة أقل ديكتاتورية وفساد، تبدو مغلولة اليد أمام النظام الأنغولي الحليف لها، نظراً إلى المكاسب المالية والاقتصادية التي تحققها من هذا التحالف، فثمة ازدواجية واضحة في التعاطي مع القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالمكاسب الاقتصادية والمالية".

المزيد من تقارير