Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تراجع تعافي الاقتصاد التونسي في 2023؟

محللون يرون أن الوضع في البلاد أصابه الوهن بسبب الأزمات السياسية المستمرة وسط نزيف فواتير مالية باهظة

كلفة الديون ونفقات الأجور والدعم تستحوذان على 19.5 مليار دولار من إجمالي موازنة الدولة لعام 2024 (أ ف ب )

زادت عائدات القطاع السياحي التونسي مسجلة 6.3 مليار دينار (ملياري دولار أميركي) حتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقابل 4.5 مليار دينار (1.43 مليار دولار) وفق الانزلاق السنوي بزيادة قدرها 1.73 مليار دينار (550 مليون دولار) مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وارتفعت تحويلات المغتربين بالخارج لتصل إلى 6.32 مليار دينار (ملياري دولار) مقابل 6.08 مليار دينار (1.9 مليار دولار) في الفترة نفسها من عام 2022.

تلك الزيادات دعمت ميزان المدفوعات وأسهمت في ارتفاع احتياط العملات مسجلاً 25.2 مليار دينار (8.02 مليار دولار) مقابل 22.6 مليار دينار (7.19 مليار دولار) في أكتوبر 2022.

بالتوازي تراجعت نسبة التضخم لتستقر عند 8.6 في المئة في الشهر الماضي، بعد أن سجلت مستويات قياسية في فبراير (شباط) 2023 عندما قفزت 10.4 في المئة.

وعلى رغم التعافي النسبي في بعض القطاعات، فإنه لم ينجح في معالجة الفتور الاقتصادي، إذ انحسرت نسبة النمو عند 0.6 في المئة خلال الثلاثي (الربع الثاني) الثاني من عام 2023، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022، متراجعاً أيضاً عن معدل النمو المسجل في الربع الأول من العام الحالي عند 1.9 في المئة، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).

إلى ذلك سجل معدل النمو 1.2 في المئة خلال النصف الأول من عام 2023، ولم يدرك بعد حجم الناتج المحلي الإجمالي مستواه المسجل في 2019 قبل الجائحة.

ويرجع هبوط الأداء الاقتصادي خلال الربع الثاني من 2023 أساساً إلى انكماش قطاعي الفلاحة والصناعة ونقص الطلب، إذ شهد حجم الطلب الداخلي تطوراً طفيفاً بنسبة 0.2 في المئة مما يعكس التباطؤ، ليعكس الانكماش الحاد في القطاع الفلاحي (الزراعي) نتيجة الظروف المناخية وتراجع الأنشطة الصناعية، وامتد تعثر أداء القطاع الفلاحي.

في غضون ذلك، سجل القطاع الصناعي تراجعاً بـ2.1 في المئة خلال الربع الثاني من عام 2023، مقارنة بالفترة نفسها من 2022. 

وعلى رغم أن تونس قلصت حجم العجز التجاري خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023 ليستقر في حدود 12.19 مليار دينار (3.88 مليار دولار) مقابل 16.91 مليار دينار (5.38 مليار دولار) مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022، فإنه تصاعد مجدداً خلال سبتمبر (أيلول) 2023 بصورة ملحوظة ليستقر عند مستوى 1.57 مليار دينار (500 مليون دولار) مقارنة بـ1.2 مليار دينار (382 مليون دولار)، في أغسطس (آب) نتيجة تراجع الصادرات في جميع القطاعات، إضافة إلى تراجع نسبة تغطية الواردات بالصادرات بمقدار 5.1 نقطة، مقارنة بشهر أغسطس.

 منحى التراجع المخيف

واستفحل تباطؤ نمو الاقتصاد التونسي في العام الحالي، بعد أن سجل 2.4 في المئة عام 2022 مقابل 4.3 في المئة في 2021 على خلفية الضغوط المسلطة على التوازنات الداخلية والخارجية المتضررة من مخلفات جائحة كورونا والوضعية السياسية والمعطيات المناخية مجتمعة، ويرجع النمو المسجل نتيجة تماسك قطاع الفلاحة مع ارتفاع عائدات زيت الزيتون بعد أن استفادت من ارتفاع سعره بالأسواق العالمية.

أما قطاع السياحة والصناعات المعملية التصديرية، فقد عانى من تراجع الصناعات غير المعملية، خصوصاً في نشاط الفوسفات الذي لا يزال عند مستوى أدنى من قدراته، إضافة إلى تدني استخراج الطاقة نظراً إلى عدم استكشاف حقول جديدة والتوقفات التقنية لصيانة بعض مواقع الإنتاج.

في غضون ذلك، توقع البنك الدولي أن يصل نمو إجمالي الناتج المحلي لتونس في 2023 إلى نحو 1.2 في المئة، وهو معدل متواضع، يعادل نصف معدل النمو المسجل في 2022.

وأرجع البنك توقعاته المتواضعة إلى عدم معالجة تونس الاختلالات العميقة التي تعوق الاقتصاد، منتقداً القواعد المرهقة المتعلقة بالاستثمار والتجارة والتراخيص، وضعف فرص الحصول على التمويل، وتنامي دور الإدارة العامة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار البنك إلى أن ذلك أدى إلى النمو السريع في حجم الدين العام، إذ ارتفع من 40.7 في المئة نسبة من إجمالي الناتج المحلي في 2010، إلى 80.2 في المئة عام 2023، وأدى انخفاض إنتاج النفط والغاز، وزيادة الطلب على الطاقة والمنتجات الزراعية، إلى تفاقم ضعف الميزان التجاري أمام تقلبات الأسواق الدولية، لافتاً إلى أن الارتفاع السريع في فاتورة الواردات أظهر علامات تقويض ميزان المدفوعات.

وأدى الاستخدام المتزايد للتمويل المحلي بالاقتراض من السوق الداخلية، إلى مزاحمة الائتمان في الاقتصاد، ونظراً إلى الصعوبات المستمرة في الحصول على التمويل الدولي، يواصل البنك المركزي إعادة تمويل إصدار سندات الخزانة، مما يزيد من حجم السيولة.

إلى ذلك، دفع ارتفاع معدل التضخم، البنك المركزي إلى رفع معدل أسعار الفائدة، بمقدار 175 نقطة أساس تراكمية، في 2022 إلى ثمانية في المئة وظل محافظاً على تلك النسبة على رغم التراجع الطفيف للتضخم في الأشهر الأخيرة من العام الحالي.

مفعول كرة الثلج

من جانب آخر، يشير ارتفاع معدل البطالة إلى 15.6 في المئة حالياً إلى الأسباب الحقيقية لفتور النشاط الاقتصادي، إذ إنه يعد نتيجة مباشرة للضعف الهيكلي للاستثمار الذي لا يتعدى نسبة 16.3 في المئة حتى العام الماضي 2022.

وتعليقاً على هذا الوضع قال المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم، إن هذا التراجع يعود إلى انخفاض عامل الثقة وغياب عوامل ثلاثة رئيسة وهي استقرار الحكومات والرؤية والاستراتيجية الواضحة.

وأضاف "أن الاستثمار العام هو قاطرة الاستثمار الخاص بالبلاد وهو يعاني ضعفاً ملحوظاً، إذ لم تتجاوز موازنته حدود الأربعة مليارات دينار (1.27 مليار دولار) في موازنة الدولة عام 2023، بينما بلغت موازنة الاستثمار خمسة مليارات دينار (1.6 مليار دولار) عام 2010 التي لم تزد فيها الموازنة العمومية على 18 مليار دينار (5.7 مليار دولار) وهو ما يمثل 25 في المئة من الإجمالي الموازنة آنذاك.

وأوضح سويلم أن "تخفيض مخصصات الاستثمار العام يرجع إلى عدم قدرة الدولة على الاستثمار متأثرة بالتزاماتها في خدمة الدين المتنامي التي تبلغ نحو 24.7 مليار دينار (7.76 مليار دولار) في 2024 ما يساوي 14 في المئة من الناتج الإجمالي"، مضيفاً "هذا إلى جانب نفقات الأجور التي زادت لتصل إلى 23.71 مليار دينار (7.4 مليار دولار) مقابل 22.77 مليار دينار (7.1 مليار دولار) بموازنة 2023، علاوة على نفقات الدعم المقدرة في 2024 بـ11.3 مليار دينار (3.55 مليار دولار) وهو ما يمثل 19 في المئة من إجمالي نفقات موازنة الدولة و6.5 في المئة الناتج الإجمالي".

وأشار سويلم إلى أن "مصاريف تسديد الدين ونفقات الأجور والدعم استحوذت على 19.5 مليار دولار من إجمالي موازنة الدولة لعام 2024 التي لا تتجاوز 77.86 مليار دينار (24.48 مليار دولار)"، لافتاً إلى أن ذلك "يستنزف الموازنة ويحول دون توفير نفقات للتسيير والاستثمار".

وحول طرق استعادة النمو الاقتصادي لتونس قال سويلم "يجب خفض عجز الموازنة أولاً بتقليص النفقات وزيادة الضرائب والرسوم والموارد"، مستدركاً "لكن في المقابل يؤدي زيادة الضرائب إلى الإضرار بالقدرة الشرائية للمواطنين ومن ثم سينعكس ذلك سلبياً على مؤشر الاستهلاك مما يخفض القدرة على الاستثمار" .

وتابع المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي، أن الحكومة التونسية عجزت عن ترشيد النفقات بسبب رفض رئيس الجمهورية تقليص الدعم، إضافة إلى أنها لا تبدي استعداداً لمزيد من الضغط على كتلة الأجور.

وحول الاستثمارات الخارجية قال سويلم "تبقى الآفاق محدودة ومتعلقة بعقود محددة مثل مشاريع الطاقات المتجددة بسبب المناخ العام غير المشجع، في المقابل يتواصل تراجع صادرات الفوسفات والنفط وكذلك الصادرات الميكانيكية الموجهة إلى السوق الأوروبية المتأثرة بالحرب وندرة الغاز ثم التغييرات الناجمة عن الاتجاه نحو اعتماد السيارات الكهربائية"، مشيراً إلى أن القطاعات المحركة للاقتصاد أصابها الوهن بسبب الوضع السياسي عقب انتفاضة 2010، قائلاً "كلفت البلاد فاتورة باهظة ظلت تسددها، ولها مفعول كرة الثلج من جهة التأثر والتأثير والتراكمية، ولكن أظهر الاقتصاد التونسي قدرة على تحمل الصدمات"، متسائلاً "لكن إلى أي مدى يستطيع الصمود؟".

في المقابل رأى عضو هيئة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين (مستقل) أن تعويل الحكومات المتعاقبة على الاقتراض أدى إلى عدم القدرة على تحقيق النمو، إذ أضحى الاقتراض عبئاً على التنمية، وأصبح الاقتصاد مجنداً لسداد فاتورة الديون.

وأضاف أن سياسة التقشف التي انتهجتها الدولة تسببت في تعطيل محركات النمو، إذ عطلت الاستثمار وضربت الاستهلاك في مقتل، الأمر الذي يعوق الانتعاش المفترض.

اقرأ المزيد