ملخص
وصف معلقون ووسائل إعلام بريطانية ما حدث في تصويت البرلمان على اقتراح المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة بأنه "انفجار" في حزب المعارضة الرئيس في البلاد و"انقلاب" على قيادة ستارمر
انتقد زعيم حزب العمال البريطاني، السير كير ستارمر، نواب الحزب الذين صوتوا في البرلمان مساء الأربعاء لصالح المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، بعدما تعرض لأكبر تحد لزعامته في وقت كانت استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم المعارضة على حزب المحافظين الحاكم في الانتخابات العامة المقبلة. واستقال 10 من قيادات الصف الأول من مناصبهم في حكومة الظل العمالية احتجاجاً على موقف ستارمر الرافض للمطالبة بوقف إطلاق النار، متماشياً بذلك مع موقف حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك.
لكن مما يدل على إدراك ستارمر الأزمة التي يمر بها الحزب بالتمرد على قيادته، طالب الجميع بالتوحد والتخلي عن "الخلافات الحزبية"، مؤكداً أن تركيزه كقائد هو على "المساعدة في تحسين الأوضاع للأبرياء من الجانبين" وأن "اهتمامه الأول" ينصب على الرهائن الإسرائيليين والمدنيين في غزة. وطالب أعضاء حزبه "بالاتحاد قدر الإمكان" بعد "انفجار" الانقسام الأربعاء.
وفي مقابلة مع تلفزيون "آي تي في" خلال زيارة له إلى اسكتلندا الخميس قال ستارمر "بالطبع أريد أن نمضي قدماً كحزب موحد بقدر ما يمكن، لكنك لا تتوقع مني أن أقف هنا اليوم وأقول إن همي الأول هو إدارة حزب العمال وليس موضوع الرهائن والمدنيين الأبرياء والأطفال الذين يموتون في غزة... تركيزي واهتمامي هناك، وسيظل دائماً هناك".
تمرد غير مسبوق
وصف معلقون ووسائل إعلام بريطانية ما حدث في تصويت البرلمان على اقتراح المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة الذي تقدم به الحزب القومي الاسكتلندي بأنه "انفجار" في حزب المعارضة الرئيس في البلاد و"انقلاب" على قيادة ستارمر لحزب العمال، وذلك بعدما تحدى 65 نائباً من الكتلة البرلمانية للحزب تعليمات القيادة بعدم التصويت لمقترح وقف إطلاق النار.
وانتهى التصويت برفض اقتراح الحزب الاسكتلندي بأغلبية واضحة، إذ صوت 293 نائباً ضده مقابل 125 نائباً لصالحه. وعلى رغم أن عدداً قليلاً من نواب حزب المحافظين الحاكم صوتوا لصالح الاقتراح فإن غالبية المصوتين لصالحه كانت من حزب العمال. ويتفق ستارمر مع سوناك في رفض المطالبة بوقف إطلاق النار اتساقاً مع ما تراه إسرائيل. وتلك ليست المرة الأولى التي يتفق فيها ستارمر مع المحافظين، وحتى التيار اليميني المتشدد في الحزب الحاكم، إذ إنه يتفق مع اليمين في مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) واتفق مع الحكومة في سياسات عدة أخرى، ويدفع نواب حزبه للتصويت لصالح ما تطرحه الحكومة في البرلمان.
ولأن الحزب طالب نوابه بالتزام عدم التصويت لصالح وقف إطلاق النار والتصويت لتعديل بديل يتعلق بهدن إنسانية في غزة، فإن معظم نواب الصف الأول في الحزب استقالوا من مناصبهم في حكومة الظل، وينتظر أن تطرد قيادة الحزب من لم يستقيلوا بعد من مناصبهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن النواب الذين استقالوا من مناصبهم الوزارية احتجاجاً بولا باركر وياسمين قريشي وناز شاه وأفال خان وساره أوين ورايتشيل هوبكنز وآندي سلوتر. إلا أن أهم قيادة استقالت من حكومة الظل هي النائبة المفوهة جيس فيليبس، الوزيرة بوزارة الداخلية في حكومة الظل العمالية. وسبق أن نافست فيليبس على زعامة الحزب بعد إطاحة زعيمه السابق جيريمي كوربين. ويمكن أن تمثل تحدياً لقيادة ستارمر إذا جمعت حولها العدد الكافي من النواب المعارضين لسياسات القيادة الحالية.
وفي خطاب استقالتها من منصبها قالت النائبة عن دائرة برمنغهام ياردلي "كان هذا الأسبوع واحداً من أصعب الأيام في السياسة منذ أن دخلت البرلمان. لقد فعلت كل ما يمكنني كي لا تكون النتيجة هكذا، لكني مضطرة إلى ترك منصبي في وزارة داخلية الظل بقلب مثقل بالهم. ففي هذه الحالة لا بد وأن أصوت مع ما يراه أبناء دائرتي وما أراه وما أشعر به وبقلبي الذي كاد ينفطر في الأسابيع الأربعة الماضية من بشاعة الوضع في إسرائيل وفلسطين... ولست أرى أن العمل العسكري يمكن أن يفعل سوى أن يعرض للخطر أي أمل في السلام والأمن لأي شخص في المنطقة حالياً وفي المستقبل".
الانشقاقات والانتخابات
لا يتوقع أن تنتهي هذه الخلافات داخل الحزب الذي تشير استطلاعات الرأي إلى أنه يمكن أن يفوز بغالبية في انتخابات مايو (أيار) المقبل ويشكل الحكومة، إذ تشير معظم التوقعات إلى أن حزب العمال يتقدم بفارق نقاط عدة عن حزب المحافظين الحاكم. لكن مخالفة هذا العدد من نواب الحزب، الذي يصل إلى ربع كتلته البرلمانية لسياسة قيادته بهذا الشكل يمكن أن يؤدي إلى خسارته ذلك الفارق في استطلاعات الرأي.
ففي استطلاع للرأي أجرته شركة "سافانتا" ونشرته صحيفة "ديلي ميل" الخميس فإن نصف الناخبين المسلمين الذين صوتوا لحزب العمال في انتخابات عام 2019 يعترضون على موقف ستارمر من الحرب في غزة. وإذا أضيف إلى هؤلاء الكتلة اليسارية التي لا تزال ترى في إطاحة كوربين "مؤامرة" لتغيير مسار الحزب فإن حظوظ العمال الانتخابية تصبح مهددة فعلاً.
حتى وإن كان ذلك لا يعني زيادة فرص المحافظين بالفوز بانتخابات العام المقبل وبقائهم في السلطة بعد 15 عاماً من تولي الحكومة، فإن الأرجح ألا تكون هناك أغلبية مطلقة لأي من الحزبين الكبيرين وتسفر الانتخابات القادمة عما يسمى بـ"برلمان معلق". وإذا ذهبت الأصوات المعترضة من ناخبي الحزبين إلى الحزب الثالث، الليبراليين الديمقراطيين، سيضطر من يفوز منهما بالعدد الأكبر من النواب في برلمان 2024 إلى التحالف معه أو مع أحزاب أخرى صغيرة ليتمكن من تشكيل حكومة ائتلافية.
وما يزيد من هذا الاحتمال أن حزب المحافظين الحاكم يتعرض لانقسامات وانشقاقات متوقعة أيضاً في ضوء سياسات ريشي سوناك. فقد كان الأربعاء أيضاً حاسماً للحكومة بعدما قضت المحكمة بأن ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا ليست سياسة شرعية. وعلى الفور أعلن سوناك أنه سيفعل قانون طوارئ يمكن الحكومة من بدء رحلات الترحيل لرواندا مطلع العام المقبل.
هذا الإعلان أغضب تياراً في الحزب يعترض أصلاً على الترحيل إلى رواندا، وهي السياسة التي تبنتها وزيرة الداخلية السابقة بريتي باتيل بقوة واستمرت في تبنيها وزيرة الداخلي المقالة هذا الأسبوع سويلا برافرمان. وتشكل برافرمان حالياً تهديداً لزعامة سوناك للحزب الحاكم، ويلتف حولها جناح اليمين المتشدد في حزب المحافظين الذين يصل عددهم أيضاً إلى نحو ربع الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم.